ترجمة وتحرير نون بوست
تُعَد هناك الكثير من العناصر المشتركة بين الإدارتين الأمريكية والمصرية، والتي تدفع البلدين نحو علاقات وطيدة، بيد أن الشكوك المتبادلة بين الطرفين قد تعوق القدرة على استعادة العلاقات كما كانت في السابق، وستمنع ربما نشوء شراكة شاملة في العلن، هكذا يقول ستيفن كوك، والذي يعتقد بأن المسافة ستظل كبيرة بين رؤيتيّ الطرفين، خاصة والدعم المادي الذي يقدمه الخليج يفوق كثيرًا ما تقدمه الولايات المتحدة؛ وهو ما يعني أن مصر نفسها لا تعتمد بشكل حرج على واشنطن، ولكنها بالطبع تحبذ توطيد العلاقات.
(تقدم الولايات المتحدة لمصر حاليًا 1.5 مليار دولارًا سنويًا، في حين تقدم السعودية والإمارات والكويت معًا دعمًا يتراوح بين 20 و25 مليار دولارًا منذ وقوع الانقلاب في الثالث من يوليو 2013).
العلاقات الأمريكية المصرية
ماذا يعني كل ما جرى مؤخرًا للعلاقات الأمريكية المصرية إذن؟ يقول كوك إن العلاقة حاليًا تمر بفترة صعبة، لاسيما والولايات المتحدة تولي اهتمامًا بحقوق الإنسان والديمقراطية، في حين ينظر النظام المصري لها بريبة لعدم ثقته في نواياها، بالتحديد ما يخص الإخوان المسلمين، والذين يُشاع أنهم حصلوا على دعم الولايات المتحدة في إطار إستراتيجية لدعم الإسلاميين المعتدلين في المنطقة، وبالتالي تروج نظريات مؤامرة كثيرة حول علاقات الإخوان بواشنطن، الدعم الأمريكي حاليًا يمر بمرحلة حرجة، بالنظر لتأخير الكثير من شحنات السلاح التي كان يجب أن تسلّمها الولايات المتحدة بحجة ضعف التحول نحو الديمقراطية، ومع ذلك الكثيرين في إدارة أوباما، وفي المؤسستين العسكرية والاستخباراتية في الولايات المتحدة، يعتقدون بأنه على واشنطن أن تعيد المياه إلى مجاريها، لاسيما حاليًا وهي تواجه داعش، ومصر تواجه انتفاضة متطرفة في سيناء، وقد تواجه مشاكل عدة في المنطقة الحدودية مع ليبيا.
لا يمكن للولايات المتحدة إنكار أهمية مصر في إستراتيجيتها الإقليمية، ومصر نفسها تعرف جيدًا قيمة الحصول على دعم الولايات المتحدة، ولكن الكرة الآن بشكل أساسي هي في ملعب البيت الأبيض الذي تفرض رؤيته حاليًا برودة في العلاقات بين البلدين، قد يتغيّر الحال بالطبع إذا ما انتُخِب رئيس جديد للولايات المتحدة، ولكن المسافة بين البلدين على الأرجح ستظل موجودة، على حد قول كوك، والذي يعزو ذلك التوتر إلى ما قبل الثورة في حقيقة الأمر، منذ تزايد الضغوط الأمريكية في عهد الرئيس بوش على الرئيس مبارك لإجراء انتخابات مباشرة وفتح الباب لحرية الصحافة والنشاط السياسي؛ وهو ما ساهم بشكل أو آخر في قيام الثورة، وهذا على العكس من أوائل التسعينيات، التي شهدت ذروة التقارب المصري الأمريكي مع مشاركة 35 ألف جنديًا مصريًا في عملية عاصفة الصحراء ضد جيش صدام حسين في الكويت.
كيف ترى واشنطن شراكة البلدين
كما يبدو جليًا اليوم، هناك إطار إستراتيجي يجمع مصر وإسرائيل والسعودية والإمارات والكويت، وهو إطار ليس الأمريكيون جزءًا منه نظرًا لرؤاهم المختلفة تجاه إيران، ودعمهم للتحول الديمقراطي في المنطقة، إذ ترى الدول المذكورة أن إيران خطر لا يجب فتح الباب معه بأي حال، ولا ينبغي تنحية الخيار العسكري إطلاقًا تجاهه، في حين تعتقد أن التحول الديمقراطي ينثر بذور الفوضى والتطرف الإسلامي، ويهدد النظم القائمة.
هل ترى واشنطن بالفعل أن الوضع في مصر الآن ديكتاتورية؟ يقول كوك إن الإجابة تتراوح بين مؤيدي السيسي ومعارضيه، فالمؤيديون يعتقدون بأن ما جرى لم يكن انقلابًا، لاسيما وقد تم انتخاب السيسي في انتخابات حرة ووضع دستور جديد أفضل مما كان موجودًا قبله، أما المعارضون فيقولون بأن الآلاف الآن يقبعون في السجون، وسيتكلمون عن قمع الصحفيين والنشطاء والحرية السياسية والعنف الموجه للمعارضة تجاه من يسميهم النظام إرهابيين زورًا رُغم سلميتهم، وأيضًا عن كافة التحوّلات التي يُجريها النظام الآن لمنع تكرر انتفاضات مثل 25 يناير في المستقبل وزعزعة استقرار المنظومة الحاكمة.
ماذا عن دور مصر في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين؟ لا شك أن مصر لاتزال وسيطًا هامًا بين إسرائيل وحماس، ولكنها أعطت الضوء الأخضر بوضوح لإسرائيل لتكمل عملياتها في غزة، وكان يهمها أن تنجح تلك العمليات في القضاء على حماس، بالإضافة إلى ذلك، كان الاتفاق الذي عرضته متحيّزًا لإسرائيل بوضوح، وهو ما يعني أنها غير مقبولة بشكل كبير من حماس كوسيط حاليًا، خاصة وأنها أعلنت أن حماس والتنظيم الأم في مصر منظمتين إرهابيتَين.
تراجع جدوى ما تقوم به مصر كان جليًا في باريس حين استُنثي المصريون، والسلطة الفلسطينية كذلك، من المحادثات التي قادها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، في حين شارك بالأساس الأوربيون والأتراك والقطريون، وهو أمر أزعج القاهرة كثيرًا، إذ إن علاقاتها بقطر وتركيا اليوم في الحضيض، كما أن البلدين بعيدان عن غزة مقارنة بمصر، كان مثيرًا للاستياء إذن أن يتجاهل كيري المصريين وهم على حدود غزة، ويجلب ألد أعداء النظام المصري ليتحادث معهم حول الوضع؛ لذلك، بذل المصريون جهودًا كبيرة مع الإسرائيليين لإفشال تلك المحادثات.
هناك الكثير من الآفاق للتعاون، لاسيما ضد داعش، ولكن التحولات في الرؤية الأمريكية مؤخرًا، تجاه إيران ومسألة الديمقراطية والعلاقات مع الإسلاميين المعتدلين، ستظل حاجزًا على ما يبدو يخلق هوة كبيرة بين القاهرة وواشنطن، بل وبين واشنطن والخليج وإسرائيل أيضًا.
من حوار لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي مع الأكاديمي الأمريكي والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط: ستيفن كوك.