يحرص قادة مصر في كل لقاء مع مسؤولين تونسيين على تأكيد استعدادهم نقل تجربة بلادهم “الناجحة” لتونس للاستفادة منها، حتى تتجاوز أزماتها التي مست كل المجالات دون استثناء، خاصة أن مسؤولي نظام الرئيس قيس سعيد، أكدوا في أكثر من مرة إعجابهم بتجربة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأملهم في رؤية “نجاح” هذه التجربة تتكرر في بلادهم تونس.
لكن لسائل أن يسأل عن أي تجربة يتحدث مسؤولو البلدين، فالمتأمل للوضع المصري يرى “خرابًا” وانهيارًا اقتصاديًا كبيرًا، يسعى السيسي للتغطية عليه من خلال بعض المشاريع الكبرى التي لا تحمل أي فائدة للمواطن المصري على غرار العاصمة الإدارية الجديدة.
تراجع الاقتصاد وزادت نسبة الفقر والتهميش وارتفعت نسب البطالة والتفاوت الطبقي والجغرافي، وما زال قادة مصر يتحدثون عن تجربة مصرية رائدة وناجحة، لكن لعلهم يتحدثون عن تجربة أخرى متعلقة بإسكات المعارضة وتصفيتها.
السيسي يمد يده لتونس
في لقائه الأخيرة مع رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن، أمس الثلاثاء، أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عن استعداده الكامل لنقل التجربة المصرية في تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية والإدارية إلى تونس.
جاء هذا اللقاء على هامش اليوم الثاني للقمة العالمية للحكومات التي تحتضنها إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة من 13 إلى 15 فبراير/شباط الحاليّ، في دورتها السنوية العاشرة، التي كان من المفترض أن تستغلها رئيسة الحكومة التونسية للقاء مسؤولين في دول مهمة لبحث سبل مساعدة تونس على تجاوز أزمتها.
إلى جانب التضخم وانهيار الجنيه والديون المراكمة، شهدت مصر في عهد السيسي ارتفاعًا كبيرًا في نسب البطالة والفقر
لم تلتق بودن خلال الأيام الثلاث للقمة أي مسؤول اقتصادي مهم، ولم تستغل هذه الفرصة واكتفت بلقاء الرئيس المصري، الساعي إلى تصدير تجربته “الناجحة” إلى نظام صديقه المبجل الرئيس التونسي قيس سعيد الباحث عن طوق نجاة.
لم يكتف عبد الفتاح السيسي بعرض نقل تجربته لتونس “بما يتيح مواجهة التحديات التي يفرضها الوضع العالمي الراهن” فقط، إنما عبّر أيضًا عن دعم بلده مصر المطلق لما وصفها بـ “جهود الإصلاح في تونس”.
تفاصيل التجربة المصرية
لسائل أن يسأل، هل نجحت التجربة المصرية في تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية والإدارية حتى تصدرها خارج البلاد؟ الإجابة سهلة جدًا وأي شخص له أن يجيب، فهذا السؤال لا يحتمل أكثر من جواب.
الجواب تقدمه نسبة تضخم أسعار المستهلكين في مدن البلاد التي قفزت إلى معدل أعلى من المتوقع بلغ 25.8%، على أساس سنوي في يناير/كانون الثاني من 21.3%، في ديسمبر/كانون الأول وهي أسرع معدلاته في أكثر من خمس سنوات.
#صباح_الخيرᅠ
يوسع #قيس_سعيّد انقلابه، من الاستحواذ على السلطة، إلى ضرب #الحريات و #حقوق_الإنسان..بعد أن اكتشف أن شعب #تونس رفض انقلابه، بمقاطعة #الاستشارة و #الاستفتاء و #الانتخابات. اللافت أن أكثر نظامين فاشلين ومحل سخرية هما القادمان بانقلاب: #السيسي في #مصر و #سعيد في #تونس pic.twitter.com/lZkK1KJpsz
— Jalel Ouerghi جلال الورغي (@jalelouerghi) February 15, 2023
نسبة تضخم مرتفعة، لكنها لا تعكس النسبة الحقيقية، حيث قدّر اقتصاديون أن النسبة غير الرسمية، التي تشمل الاقتصاد غير الرسمي الضخم في مصر، تصل إلى 101٪”، وهو ما يؤكد نجاح التجربة المصرية التنموية.
يأتي الارتفاع في أعقاب سلسلة من تخفيضات سعر العملة المحلية منذ مارس/آذار 2022 ونقص طويل الأمد في العملات الأجنبية وتأخيرات مستمرة في إدخال الواردات إلى البلاد، فالجنيه المصري في تراجع مستمر، حيث بلغ 31 جنيهًا للدولار الواحد.
الجواب يظهر في حجم ديون مصر الخارجية بنهاية عام 2022، التي فاقت 170 مليار دولار، وهو ما يعني أنه زاد بنحو 5 أضعاف مقارنة بالفترة قبل 10 أعوام حين بلغ في نهاية عام 2012 نحو 34.4 مليار دولار.
ويعدّ صندوق النقد الدولي أكبر المانحين الدوليين لمصر بأكثر من 20 مليار دولار، حيث أقرضها 12 مليار دولار بموجب اتفاق تم أواخر عام 2016، فيما تمتلك 4 دول خليجية ودائع دولارية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لدى البنك المركزي المصري بقيمة 20 مليار دولار.
يمكن لنظام السيسي أن يصدر تجربته في قمع المعارضين والسيطرة على الفضاء العام والقضاء على كل نفس معارضة لنظام سعيد
إلى جانب التضخم وانهيار الجنيه والديون المراكمة، شهدت مصر في عهد السيسي ارتفاعًا كبيرًا في نسب البطالة والفقر، رغم أن السلطات تحاول تقديم نسب متدنية، لكن الواقع يؤكد عكس ذلك، فمظاهر التهميش بادية للعيان في أغلب مناطق مصر.
الجواب عن السؤال المطروح، يظهر في التفاوت الطبقي الكبير الذي تعيش على وقعه مصر السيسي، ففي الوقت الذي يخصص فيه نظام السيسي مليارات الدولارات لبناء العاصمة الإدارية الجديدة والكوبريات لتبيض صورته خارجية، يعاني أغلب الشعب المصري من نقص في المواد الأساسية وارتفاع كبير في أسعارها.
ومع تصاعد المشاكل المالية في مصر، وصعوبة إيجاد حلّ لتجاوزها، قرّرت القاهرة بيع حصص في 32 شركة مع نهاية مارس/آذار 2024، وتشمل عمليات البيع المزمعة 18 قطاعًا ونشاطًا اقتصاديًا، وتضم حصصًا في 3 بنوك بارزة هي بنك القاهرة والمصرف المتحد والبنك العربي الإفريقي الدولي، كما ستكون شركات تأمين وكهرباء وطاقة ضمن المخطط، بالإضافة إلى فنادق وشركات صناعية وزراعية.
تجربة وحيدة يمكن نقلها لتونس
لعّل السيسي أخطأ التعبير عن التجربة التي سيتم نقلها لتونس، دعنا نبحث عن أي تجربة ناجحة في مصر يمكن تصديرها للخارج، بحث صغير له أن يؤكّد لنا أن التجربة الوحيدة التي يتمكن أن تنقل لتونس في هذا الوقت بالتحديد هي كيفية استهداف المعارضة.
من المؤكد أن نظام قيس سعيد هو الآخر يبحث عن هذه التجربة، فلا همّ له في الاقتصاد ولا التنمية، فحتى وزراء هذه القطاعات لا يعيرهم أي اهتمام ولم يجتمع بهم إلا في مرات قليلة للحديث عمن يصفهم بالخونة والمتآمرين.
رغم أنه ألغى الدستور وحلّ البرلمان واستولى على كل السلطات في البلاد دون استثناء ووضعه تحت يديه، يبدو أن سعيد غير مكتف بذلك، إذ يريد الاستفادة أكثر من تجربة “أخيه” السيسي في قمع المعارضين والتأسيس لدولة الشخص الواحد وإقصاء كل صوت معارض.
السيسي يقول إنه مستعد لنقل خبرته في التجربة المصرية في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية إلى #تونس
برأيك هل أثرت خبرة السيسي على المصريين؟#قناة_الشعوب pic.twitter.com/nTWRb8TTS2
— قناة الشعوب (@AlshoubTv) February 14, 2023
يمكن لنظام السيسي أن يصدّر تجربته في قمع المعارضين والسيطرة على الفضاء العام والقضاء على كلّ نفس معارضة لنظام سعيد، فكلاهما يشتركان في شيء واحد، وهو قمع الشعوب وعدم الاهتمام بتطلعاتها ولا مصالحها.
التجربة المصرية في هذا الشأن بدت ملامحها واضحة في تونس، من خلال تلفيق التهم للمعارضين ومحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، واستهداف الصحفيين والإعلاميين قصد إسكاتهم وممارسة سياسة التعتيم على المواطنين.
رغم الضغط الكبير المسلَّط عليه داخليًّا وخارجيًّا، وتنامي الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد وتهدِّد أمنها واستقرارها الاجتماعي الهشّ، فإن سعيد ماض في فرض برنامج حكمه الأحادي، دون أن يتراجع قيد أنملة إلى الخلف، وقد وجد في التجربة المصرية خير مرجع يتعلم منه كيفية القيام بذلك.