ترجمة حفصة جودة
عندما سمع مليح تلسي – محامٍ من إسطنبول عمره 28 عامًا – عن تشرد أسرة من 4 أفراد في محافظة هاتاي بعد الزلزال المدمر الأسبوع الماضي، علم تمامًا ما يتوجب عليه فعله، فقد أمسك هاتفه واتصل بهم قائلًا “تعالوا هنا، منزلنا هو منزلكم”.
التقى تلسي بالأسرة بعد أن سافروا إلى إسطنبول، ثم أخذهم في سيارته إلى أحد المنازل الصيفية التي تملكها عائلته في مدينة يالوفا الساحلية شمال غرب البلاد التي تقع على بحر مرمرة، يقول تلسي: “أعددنا لهم كل شيء من أثاث وملابس وطعام، والآن نبحث عن عمل للأب”.
تملك عائلة تسلي منزلين صيفيين آخرين في يالوفا، ويأملون في استقبال المزيد من الأسر خلال الأيام المقبلة، تعد عائلة تلسي واحدة من بين عائلات تركية أخرى في أنحاء البلاد التي تتواصل مع الناجين من الزلزال شفاهة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وبمساعدة السلطات المحلية، ثم تقدم مأوى لضحايا الزلزال.
كانت المساعدة واجبة
من بين هؤلاء الذي هبوا للمساعدة، سكان قرية أرماغان في محافظة طرابزون التي تقع على البحر الأسود، تقع القرية على بعد أكثر من 500 كيلومتر شمال مركز الزلزال المدمر الذي قتل حتى الآن 41 ألف تركي وسوري.
يسكن القرية بضع مئات فقط، والآن تستضيف العديد من عائلات ملطية – إحدى المحافظات الـ10 التي ضربها الزلزال – تقول عائشة أرسلان – 51 عامًا – من أرماغان لكنها تعيش في ألمانيا الآن: “عندما وقع الزلزال، علمت أنه يتوجب عليّ المساعدة”.
أطلقت أرسلان حملة فورية بين عائلتها وأصدقائها لجمع تبرعات من أجل الطعام والملابس وإمدادات الطوارئ اللازمة للناجين، وعندما سمعت عن صديقي والدها، نافية ومولود أوزديمير في ملطية، وأنهما مشردان في حرارة تحت الصفر بعد أن دُمر منزلهما، علمت ما يجب أن تفعله.
تقول أرسلان: “كان في حالة بائسة ولم يكن لدي الكثير من المال، لكنني أملك منزلًا فارغًا في أرماغان، وهذا ما عرضته عليهما، لقد تخيلت أنني مكانهما حيث أفقد كل شيء، سأكون بحاجة إلى مأوى أشعر فيه بالأمان والكرامة”.
شجعت أرسلان أشقاءها وأقاربها على القيام بمثل ذلك، كما أنها اشترت للزوجين تذاكر السفر إلى طرابزون، تقول أرسلان: “إذا لم يكن لدينا سوى رغيف خبز واحد سنقتسمه”.
لقد فتحت لنا قلبها
كان الزوجان قد مرا بكل أنواع الصعوبات حتى وصلا إلى منزل أرسلان، تقول نافية أوزديمير – 54 عامًا – وهي تتذكر أحداث الزلزال المرعبة: “لا أريد أن أتذكر حتى هذه اللحظات، لقد صرخت حتى فقدت صوتي”.
تقول نافية: “في البداية لم نرغب في قبول عرض عائشة، لكن لم يكن لدينا خيار آخر”، تحكي نافية كيف قضوا أول ليلة في الثلج دون أحذية أو ملابس ثقيلة، بعد ذلك قضوا 3 ليال في المستشفى – لأن مولود مريض سرطان ويتلقى علاجًا كيميائيًا – ثم في ممر إحدى المدارس وأخيرًا اختبأوا في أحد كهوف الجبال.
تقول أوزديمير: “إنني ممتنة لها للغاية، فعائشة لم تفتح لنا منزلها فقط، لقد فتحت لنا قلبها”، منذ ذلك الحين استقبلت أرسلان ومجتمعها في أرماغان 21 ناجيًا من الزلزال من ملطية، بينهم عائلتان لديهما 6 أطفال، ويعيشون الآن في منزلين لأقاربها.
بمساعدة العائلة والأصدقاء في ألمانيا، جمعت أرسلان حتى الآن أكثر من 90 ألف ليرة تركية لدعم العائلات الناجية وتوفير كل شيء لهم من ملابس وطعام ودواء، تقول أرسلان مشيرة إلى الزوجين أوزديمير: “أريدهما أن يتأكدا أن ما نملكه هو لهما مهما طالت المدة”.
إنه واجبنا
وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بدفع مبلغ 10 آلاف ليرة لكل المتضررين من الزلزال، كما وعدهم بإعادة بناء منازلهم خلال عام، في الوقت نفسه تستضيف الحكومة التركية الناجين في منازل الطلبة بالجامعات وفي الفنادق والمطاعم، بالإضافة إلى إنشاء خيام مؤقتة للسكن.
لكن مع الحاجة المتزايدة للمأوى العاجل لأكثر من مليوني نازح وفقًا للتقديرات الرئاسية، انتشرت عشرات المجموعات التطوعية في البلاد لتنسيق جهود إيواء الناجين.
مثل الكثيرين، ترى روميساء عثمان – 35 عامًا، وتعيش في بورصة شمال غرب تركيا – أن الحكومة لن تستطيع أن تتحمل عبء الكارثة وحدها، حيث تقول: “الدولة تفعل ما بوسعها، وواجبنا أن نقوم بالمثل”.
ترجع أصول عثمان إلى هاتاي – إحد المحافظات التي تضررت بشدة من الزلزال – حيث مات 17 شخصًا من عائلتها الممتدة في الزلزال وما زال الكثيرون مفقودين حيث يواصل عمال الإنقاذ الحفر بين أنقاض آلاف المنازل المدمرة.
للقيام بدورها، اجتمعت عثمان مع عائلتها وأصدقائها وحجزوا تذاكر للناجين في هاتاي الذين يمكنهم استضافتهم في بورصة، والآن بعد أكثر من أسبوع على الزلزال، تستضيف عائلة عثمان 60 ناجيًا من الزلزال ويعملون على استضافة المزيد، تقول عثمان: “لقد فقدوا كل ما يملكون في غمضة عين، لكننا هنا من أجلهم، فجميعنا سواء”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية