ترجمة وتحرير: نون بوست
في إحدى الأمسيات من شهر تموز/ يوليو الماضي، تم الاتصال بماشي ميدان (63 سنةً) – وهو شخصية معروفة في مجال استخبارات الشركات – عبر وسيط من قبل مستشار أعمال أجنبي غير معروف.
في محادثة عبر تطبيق “زوم” بعد بضعة أيام، قال المستشار – الذي كان يتحدث بلكنة فرنسية ويرتدي نظارات قديمة الطراز – إنه يمثل رجل أعمال مقرب من الأسرة الحاكمة في دولة أفريقية ناطقة بالفرنسية لم يذكر اسمها. ودون مقدمات، أوضح المستشار لمحاوره سبب المكالمة قائلا: “ستكون هناك انتخابات في نهاية أيلول/ سبتمبر، ووفقًا لعميلي، لا يمكن لهذه الانتخابات أن تتم”.
استنتج ميدان على الفور أن البلد الأفريقي المعني هو تشاد – دولة صحراوية في قلب أفريقيا تمزقها الصراعات ومواردها شحيحة. لكن حجم المهمة لم يُرهبه، وكانت أسئلته في الأساس ذات طبيعة فنية: هل لدى المستشار قائمة بأرقام هواتف القادة في الجيش التشادي أو أولئك الذين كانوا ضد الخطوة؟ وقد أعطاه المستشار وعدًا بالبحث في الأمر والعودة إليه بالإجابة.
استخدم ميدان “ماكس” كاسم مستعار في المحادثة، واستمر في استخدامه في محادثة “زوم” التالية التي عقدت بعد بضعة أيام، وكانت تلك المرة الأولى التي التقى فيها المستشار بخورخي – رجل مفعم بالحيوية تولى الآن زمام المبادرة في العلاقات مع العميل.
ظلت هوية خورخي سرية خلال اجتماعات “زوم” اللاحقة التي أجريت باللغة الإنجليزية، وكان صوته واضحًا بينما كاميرا الويب الخاصة به لم تنقل سوى صورة غير واضحة، وتكرر نفس النمط عندما انضم مستشاران مزعومان للعميل الغامض إلى المحادثات – أحدهما أمريكي والآخر مواطن إسرائيلي سابق.
تبيّن أن خورخي صاحب الصورة غير الواضحة رجل مبيعات من الدرجة الأولى، فقد كشف في عرض تقديمي مذهل للعملاء عن مجموعة من الأدوات الموجودة تحت تصرفه لتحقيق الغايات التي تواصلوا معه من أجلها: مثل الهجمات الإلكترونية، و*حملات التضليل الوطنية، ووثائق مزورة تجرم الخصوم السياسيين، ونشر تقارير كاذبة، وسرقة وثائق بنكية.
كان يمكن استخدام كل أداة من هذه الأدوات لكسر مقاومة التحركات السياسية أو لمجرد تصفية المنافسين السياسيين أو الشخصيين أو التجاريين للعميل (بكل معنى غير مادي). ودون قيود أو أخلاق أو تمييز، يمكن وضع مجموعة أدوات خورخي تحت تصرف أي شخص مستعد لدفع ثمنها، حتى لو أدى استخدامها إلى تعريض حياة أحدهم إلى خطر مباشر.
في أحد الاجتماعات، اقترح ميدان زعزعة استقرار تشاد كوسيلة لتأخير الانتخابات، وفي اجتماع آخر أوضح المستشارون أن حدوث انفجار في سوق في العاصمة نجامينا قد يكون تبريرًا للتأجيل، لكن ذلك لم يردع خورخي الذي طلب 6 ملايين يورو (6.4 مليون دولار) للقيام بالحملة.
زعم خورخي أنه وموظفيه تدخّلوا في “33 حملة انتخابية رئاسية” حول العالم وأنه “نجح في 27 منها”. وحتى لو كان يبالغ، فإن هذا التحقيق يوضح أنه حاول التدخل في عدد من الانتخابات في دول مختلفة على مدى العقد الماضي (سيتم التطرف في مقال منفصل إلى الأدوات التي استخدمها لتحقيق أهدافه).
لإثارة إعجاب عملائه، اصطحبهم في “جولة” عبر المحادثات الخاصة التي يجريها وزراء الحكومة في كينيا وموزمبيق عبر حسابات تطبيقات “جي ميل” و”تلغرام”؛ مع توضيح أن خورخي اخترق مراسلات الشخصيات الأفريقية البارزة أثناء تقديم خدماته لعملاء آخرين. وادعى أيضًا مسؤوليته عن هجوم سيبراني سيء السمعة كان يهدف إلى تخريب استفتاء استقلال كتالونيا في سنة 2014. كما ذكر أن أحد العملاء دفع له للمساعدة في القبض على قطب الأزياء الكندي بيتر نيغارد بسبب جرائم جنسية مزعومة. وتفاخر بشنّ هجوم سنة 2015 على هواتف أعضاء حزب المعارضة في نيجيريا، في إطار حملة انتخابية عمل فيها – كما كشف التحقيق لاحقًا – مع شركة الاستشارات البريطانية الشهيرة كامبريدج أناليتيكا.
وفوق كل هذا، قُدّم عرض تقديمي لبرنامج لم يسبق له مثيل عمل على إدارة جيش من *الحسابات الوهمية (الهويات المزيفة) على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر الشائعات والمضايقات والتشهير أو المديح – حسب طلب العميل. كما اعترف خورخي بأن بعض النشاطات تضمنت تضخيم قيمة العملة المشفرة.
كان الكشف عن هذا كله ممكنًا لأن محاوري خورخي استخدموا أيضًا أسماء مستعارة، فالمستشار الفرنسي هو في الواقع فريديريك ميتيزو مراسل إذاعة فرنسا في إسرائيل، والمستشاران الأمريكي والإسرائيلي هما في الحقيقة كاتبا هذا المقال. وهذا التقرير الاستقصائي هو ثمرة تسعة أشهر من التعاون الدولي؛ حيث عمل عشرات الصحفيين على التحقق قدر الإمكان من التفاصيل التي كشفها خورخي في سلسلة الاجتماعات المسجلة.
عمل صحفيون من صحيفة “الغارديان”، و”دير شبيغل”، و”دي تسايت”، و”لوموند”، والمنظمة الدولية للصحفيين الاستقصائيين، وراديو فرنسا، و”هآرتس”، و”ذا مايكر” وغيرها من وسائل الإعلام الناشطة في فرنسا وكينيا وإسرائيل والولايات المتحدة وإندونيسيا وألمانيا وتنزانيا وإسبانيا على التحقق من مدى صحة مزاعم خورخي حول أنشطته في جميع أنحاء العالم، والمثير للصدمة أنه تأكّدت العديد من ادعاءاته.
حسب ما تم كشفه أثناء التحقيق، فإن مالكي آلة الفوضى الدولية السامة هما شقيقان إسرائيليان يدعيان تال وزوهار حنان، ويعيشان ويعملان في مدينة موديعين الإسرائيلية. وهذا التقرير الاستقصائي عن “فريق خورخي”، وهو اسم أطلقته المجموعة على نفسها في جميع العروض التقديمية، هو جزء من مشروع صحفي أكثر شمولًا بعنوان “قتلة الحقيقة” حول صناعة التضليل المأجور.
وقد تم إطلاق المشروع وتنسيقه من قبل منظمة “فوربدن ستوريز” التي تتخذ من باريس مقراً لها، التي تتابع أعمال الصحفيين المقتولين أو المهددين، والتي شاركت في التحقيق نفسه. ومشروع “قتلة الحقيقة” بأكمله مكرس لذكرى جوري لانكش – الصحفية الهندية التي قُتلت في بنغالور سنة 2017 بعد التحريض عليها ونشر معلومات مضللة ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي.
يظهر في الفيديو مناوشات بعد إعلان نتائج انتخابات كينيا سنة 2022.
لعبة أطفال
خورخي إن المخابرات “لغز” ولجأ إلى كليشيهات قديمة بعد 15 دقيقة فقط من عرضه الأول، الذي سرعان ما اتخذ منعطفًا مظلمًا. عرض علينا حساب “جي ميل” ليس له ثم سأل: “هل يمكنك أن ترى الآن؟ هذا الهدف اسمه فاروق” – متصفحًا الحساب المخترق – “إنه مساعد شخص مهم للغاية وقد اخترقنا حسابه”.
وقد كشف التحقيق أن فاروق هو فاروق كيبت، الذراع اليمنى للرئيس الكيني وليام روتو، وكان اختراق حسابه جزءًا من الخدمة التي كان خورخي يقدمها إلى عميل في حملة الانتخابات الرئاسية الكينية لسنة 2022 التي هزم فيها روتو منافسه رايلا أودينجا.
بحث خورخي في الحساب قليلاً، وسلط الضوء على بعض الاستطلاعات الداخلية، وعلى مجموعة داخلية لموظفي الحملة الانتخابية في المقر الرئيسي، قبل أن ينتقل إلى الهدف التالي. أوضح خورخي أن اختراق حساب “جي ميل” كان ممكنًا بفضل تعاون *مزود خدمة الهاتف الخلوي المحلي، مع تركيب أداة صغيرة يجعل من الممكن إعادة توجيه الرسائل المرسلة إلى هاتف الهدف حتى تصل إلى المتسللين. وتعتمد آلية استبدال كلمة المرور للعديد من خوادم الإنترنت، بما في ذلك “غوغل”، على التحقق من الهوية عبر رسالة نصية، و”سرقة” هذه الرسائل تمكن المتسللين من اختراق الحساب.
بعد ذلك جاء دور حسابات “تلغرام” حيث قال خورخي بعد بضع دقائق: “أعرف أن الناس في بعض البلدان يعتقدون أن تيلغرام آمن للغاية، لذا سأريكم هنا كم هو آمن… هذا وزير في إحدى الدول”. ثم ظهر اسمه في الجزء العلوي الأيسر من الشاشة، ديفيس تشيرشير، الذي كان في ذلك الوقت رئيس حملة روتو الانتخابية ويشغل الآن منصب وزير الطاقة الكيني. وأمام أعيننا، كنا نرى الحساب الخاص بالوزير – ليس لقطة شاشة من الماضي البعيد وإنما مراسلاته الفعلية في الوقت الحالي. وقد تمكن اتحاد الصحفيين في وقت لاحق من التأكد أن الرقم الذي ظهر على الشاشة يعود لتشيرشير بالفعل.
قال خورخي متفاخرًا: “يمكنني التحقق من جميع مكالماته”، وأضاف وهو يفتح محادثة عشوائية، “ويمكنني الذهاب إلى أي محادثة ورؤية ما يقولونه. ثم نقر بشكل عشوائي على إحدى المحادثات قائلا: “ب” تخبره بهذا وذاك”، مُسميًا المرأة التي تحاور الوزير، ثم نقر على صورة ملفها الشخصي، وقال “هذه *الاستخبارات النشطة، أي أنني أستطيع أن أكتب أمامكم”. ثم كتب عبارة: “مرحبًا، كيف حالكِ يا عزيزتي؟” في الدردشة على حساب الوزير الكيني، وأضاف: “الآن عندما أضغط على “إرسال”، سيتم إرسال الرسالة، هل ترون؟”، سأل وهو ينقر على الزر، وأوضح قائلاً: “في العادة، أنتظر منهم أن يروا ذلك ثم أحذفه”، وحذف الرسالة على الفور.
أظهر لنا خورخي تلك الحيلة – إرسال الرسائل من الحسابات المخترقة – عدة مرات في العروض التقديمية التي تلت ذلك، وقد أتاح ذلك لاتحاد الصحفيين فرصة التحقق من أن ما تم تقديمه على أنه اختراق للحساب كان بالفعل كذلك.
وفي كانون الأول/ ديسمبر الماضي، نجح الصحفي هاينر هوفمان من صحيفة “دير شبيغل” في الوصول إلى أحد متلقي الرسائل من الحسابات المخترقة، وطلب منه أن يفتح هاتفه ويجد الرسالة التي أرسلها خورخي من الحساب المخترق، وطلب منه توثيقها. وكان هذا دليلًا على أن خورخي لم يكن فقط يبرهن على قيامه بالقرصنة بل كان يقوم بالقرصنة فعلًا.
خلال سلسلة العروض التقديمية، أظهر لنا خورخي وموظفوه بريدًا إلكترونيًا مخترقًا وحسابات تيليغرام لخمسة ضحايا في كينيا: مساعد الرئيس كيبيت، والوزير تشيرشير، وعضو الجمعية الوطنية السابق جيمس أومينغو ماغارا، ومستشار الحملة الانتخابية دينيس إيتومبي، وموظف سياسي يدعى سيمون مبوغوا.
بعد فوز روتو بالانتخابات في آب/ أغسطس 2022؛ أطلق الطرف الخاسر حملة لنزع الشرعية عن النتائج؛ حيث استندت حملتهم جزئيًا إلى مزاعم ذكرت اثنين من الأفراد الذين اخترق خورخي حساباتهم أمام أعيننا: إيتومبي وتشيرشير.
في العروض التقديمية اللاحقة، أظهر لنا خورخي الحسابات المخترقة لأربعة أهداف أخرى: وزير الزراعة الموزمبيقي سيلسو إسماعيل كوريا، الذي فحص لاحقًا عنوان البريد الإلكتروني الذي أظهره لنا جورج وأكد أنه ينتمي إلى حساب بريد إلكتروني قديم خاص به، وتراجع كوريا في وقت لاحق عن هذا البيان. وتم اختراق حسابات رجل أعمال إندونيسي ومواطن تنزاني وزاكسيليك زاريمبيتوف، وهو مسؤول كبير سابق في بنك “بي تي إيه” في كازاخستان، وتم تقديم الحسابات في موزمبيق وإندونيسيا وتنزانيا في إطار “الاستخبارات النشطة”، وتم عرض حساب المصرفي الكازاخستاني كلقطة شاشة في عرض تقديمي.
من قتل طائر الإيمو “إيمانويل”؟
وفي سلسلة العروض التقديمية، قدم لنا خورخي عدة جولات إرشادية لواجهة مستخدم يبدو أنها أكثر البرامج المعروفة تقدمًا حتى الآن لارتكاب أعمال الخداع على وسائل التواصل الاجتماعي.
يُطلق على برنامج إنشاء الصور الرمزية وتفعيلها اسم “إيه آي إم إس”، وهو اختصار لحلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS. ووفقًا لواجهة مستخدم الشاشة؛ سيطر البرنامج على أكثر من 39 ألف صورة رمزية اعتبارًا من كانون الثاني/ ديسمبر 2022، ويمتلك القدرة على إنتاج صور جديدة بسهولة وسرعة.
قال خورخي وهو يتصفح قائمة حساباته الوهمية: “لدينا عرب وروس وآسيويون وكل شيء، وأفارقة بالطبع”.
وقام بإنشاء صورة رمزية جديدة أمام أعيننا، وبعد اختيار بلد الإقامة والجنس والفئة العمرية للمستخدم الوهمي، عرض البرنامج مجموعات من الصور (مسروقة من ملف تعريف حقيقي) ليستخدمها لإكمال الملف الشخصي.
أوضح خورخي أن الهوية الوهمية التي أنشأها برنامج حلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS يمكن أن تعمل على منصات مختلفة، ولكن غوغل وفيس بوك وإنستغرام هي الوسائل السهلة.، كما يمكن للنظام أيضًا فتح حسابات على مواقع مثل أمازون أو شركة “إير بي إن بي” أو ريديت ونتفليكس أو حتى المحافظ الرقمية.
لتجاوز عمليات تأكيد الهوية بالمواقع المختلفة؛ يتم إرسال رسائل نصية إلى أرقام افتراضية تم إنشاؤها للصورة الرمزية؛ حيث يؤدي اجتياز هذه الاختبارات إلى صعوبة التعرف على الحسابات الوهمية التابعة لخورخي على أنها مزيفة.
الحسابات الوهمية التي ينشئها برنامج حلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS – كما أوضح خورخي – لا تؤدي مهام فردية؛ بل هي قادرة على العمل بشكل جماعي. يمكن تفعيلها بالتنسيق كحملة لنشر الرسائل عن طريق تشتيت التغريدات أو المنشورات عبر نطاقات زمنية تحاكي السلوك الحقيقي لمستخدمي الويب.
يتم أيضًا إنشاء المحتوى تلقائيًا، مدفوعًا بالذكاء الاصطناعي؛ حيث يمكنك اختيار نبرة (سلبية أو إيجابية أو محايدة) ويقوم النظام بإنشاء تغريدات ومنشورات يصعب، بل من المستحيل، اكتشافها على أنها من صنع الآلة.
بدا العرض التقديمي لخورخي مقنعًا، ولكنه عرض أنيق لا يضمن أن التكنولوجيا تعمل في العالم الحقيقي. لذلك؛ طلبنا منه اختبار برنامج حلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS في ساحات التفاعل الحقيقية على تويتر وفيس بوك. بمعنى آخر، طلبنا منه إجراء حملة تجريبية صغيرة لنا.
في صيف سنة 2022؛ كانت مواقع التواصل الاجتماعي متحمسة لظاهرة منتشرة بشكل كبير كان من الصعب تجنبها وهي: طائر الإيمو إيمانويل، بالنسبة لأولئك الذين ليسوا على دراية جيدة بعلم الحيوان، فإن طائر الإيمو هو طائر أسترالي كبير لا يطير.
طائر الإيمو إيمانويل هو واحد من حيوانات المزرعة الخاصة بتايلور بليك، وهي شخصية مؤثرة على شبكة الإنترنت اشتهرت بفضل مقاطع الفيديو الخاصة بها على تيك توك من بطولة إيمانويل ورفاقه، بما في ذلك الغزالة الأميرة.
لاختبار قدرة خورخي، أعطيناه مهمة: نشر شائعة على تويتر تعلن عن وفاة إيمانويل المبكرة، وتقرر تسمية الحملة #RIP_Emmanuel
في اليوم التالي؛ بدأ جيش خورخي في ملء تويتر – وبدرجة أقل فيس بوك – بإشاعات حول وفاة الطائر الكبير. الحملة – كما يمكن أن نتأكد بأنفسنا – تضمنت آلاف التغريدات والمشاركات والإعجابات.
أرسل لنا خورخي لقطة شاشة تفيد بأن وسم RIP_Emmanuel# كان أحد المواضيع المتداولة على تويتر في سلوفاكيا، مع 1347 تغريدة في هذا البلد وحده. وفي إفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة أيضًا، رثى الناس موت “الأسطورة” وكتبوا عن القدر الذي “سيفتقدون به إيمانيويل”.
في صباح اليوم التالي، استيقظت تايلور بليك مذعورةً وغردت صباح يوم 29 تموز/ يوليو 2022، عبر حسابها على تويتر eco sister “استيقظتُ لأكتشف أن أحدهم نشر شائعة مفادها أن إيمانويل قد مات وانطلقت بسرعة إلى الحظيرة لمعرفة ما إذا كان ذلك صحيحًا. كان ينتظرني عند البوابة، على قيد الحياة ومستعدًا للعناق. إيمانويل لم يمت !!”.
كان رد فعل بعض متابعيها غاضبًا؛ حيث غرد أحدهم عن الأخبار الكاذبة: “الناس يبحثون فقط عن شد الانتباه”.
أدى رد بليك على الشائعات، بالإضافة إلى تلقيها 37200 إعجاب، إلى زيادة انتشار الحملة. ووفقًا لخورخي؛ فقد حققت هذه الشائعة حوالي 7 ملايين مشاهدة، وهذا هو المكان المناسب للاعتذار لإيمانويل وتايلور وبقية مزرعة الحيوانات الخاصة بها.
تعليق أم ثناء أم إدانة
أثبتت حملة #RIP_Emmanuel أن برنامج حلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS هو آلة حقيقية، لكن اختبار قدراته كان الهدف الأول لحملتنا فقط. دفع الموت المفبرك للطائر الكبير كلا من خورخي وموظفيه إلى الكشف عن هوية بعض شبكاتهم من الصور الرمزية لنا دون قصد وفتح طريق لاستمرار التحقيق بوسائل أخرى.
والآن سيكون من الممكن تعقّب الملفات الشخصية التي نشرت الشائعات الكاذبة وتحليل تاريخ نشاطها، وقاد هذا الجهد صحفيين من صحيفة لوموند ودير شبيجل وبيبر تريل ميديا الاستقصائية التي تتخذ من ميونيخ مقراً لها.
أول ما تسلطت عليه الأضواء؛ كان حملة ضد بيتر نيغارد، عملاق الموضة الفنلندي الكندي البالغ من العمر 81 سنة والذي أسس العلامة الكندية التي تحمل اسمه، ووفقًا للوائح الاتهام، فهو مرتكب جرائم جنسية متسلسلة.
اتضح أن خورخي طارد نيغارد لنحو خمس سنوات، وكان هدفه هو نشر المزاعم القائلة بأن نيغارد كان مغتصبًا متسلسلًا والضغط من أجل توجيه الاتهام إليه ومحاكمته وإدانته.
نيغارد محتجز في كندا منذ نهاية سنة 2020، ويكافح لعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة لمواجهة المزيد من التهم الجنائية هناك (بمجرد الانتهاء من محاكماته الكندية)، فيما أطلق كل من خورخي والحسابات الوهمية على قطب الموضة اسم “جيفري إبستين الكندي“.
تم تأكيد اكتشاف أن جيشًا من حلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS تم حشده ضد نيغارد في اجتماع لاحق مع خورخي الذي أوضح لنا بنفسه أنه لا يتخذ موقفًا أخلاقيًا في عمله؛ حيث يمكنه العمل ضد المشتبه بهم أو لصالحهم: فالمسألة الوحيدة المهمة هي من الجهة التي تدفع. وبناءً على ذلك؛ قامت شبكة الحسابات الوهمية التي غردت ضد نيغارد وتحسرت على موت إيمانويل، بحملتين نيابة عن الأفراد المطلوبين لتسليمهم؛ كان أحدهم مسؤولًا كبيرًا سابقًا في وكالة التحقيقات الجنائية المكسيكية ويدعى توماس زيرون.
يظهر في الفيديو: مظاهرة إحياءً لذكرى 43 طالبًا مفقودًا في المكسيك.
يعيش زيرون في “إسرائيل” منذ عدة سنوات؛ حيث حاولت المكسيك – دون جدوى – تسلّمه للاشتباه به في عرقلة التحقيق وتعذيب المحققين في قضية خطف واختفاء 43 طالبًا في 2014 كانوا في طريقهم للاحتجاج على الحكومة في مدينة إغوالا.
لعب جنود خورخي الافتراضيين دور زيرون في القبض على إمبراطور المخدرات خواكين “إل تشابو” غوزمان، وروجوا لرواية مفادها أن الشكوك ضد زيرون لها دوافع سياسية.
وأصرت بعض الحسابات الوهمية أيضًا على براءة الشقيقين ويليام وروبرتو إساياس، وهما رجلي أعمال بارزين أُدينا في موطنهم الإكوادور سنة 2012 باختلاس مئات الملايين من الدولارات من أحد البنوك التي كانا يسيطران عليها.
ويواجه الشقيقان المقيمان في الولايات المتحدة منذ سنوات طلبات تسليم متكررة من كيتو – عاصمة الإكوادور -، فيما أطلق جيش شخصيات خورخي الوهمية على الحملة اسم “حملة اضطهاد سياسية”، واتهم آخرون رافائيل كوريا، رئيس الإكوادور من سنة 2007 حتى 2017، بملاحقتهما.
في أحد عروضنا التقديمية على برنامج زووم، سُئل خورخي عن العلاقات مع الأفراد الذين يمكنهم التأثير على سياسة الولايات المتحدة من أجل مساعدة حكومة تشاد على التعامل مع رد الإدارة على تأجيل الانتخابات العامة للبلاد. اقترح خورخي الاستعانة بخدمات شخصين: نائب رئيس الموساد السابق ومستشار الأمن القومي إيلان مزراحي وروجر نورييغا، مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق لشؤون نصف الكرة الغربي و”شريكي السابق”، كما وصفه خورخي. من الواضح أن نورييغا عمل أيضًا في الماضي نيابة عن الشقيقين الإكوادوريين المنفيين، بعد أن نشر مقالتين مؤيدتين لصالحهما وأدان كوريا – الرئيس آنذاك – على الموقع الإلكتروني لمعهد أمريكان إنتربرايز، وهو مؤسسة فكرية مقرها واشنطن.
يظهر في الفيديو: حاكم ولاية كاليفورنيا من الحزب الديموقراطي جافين نيوسوم.
وفي ولاية كاليفورنيا، اتضح أن جيش الحسابات الوهمية قد هاجم الحاكم عن الحزب الديمقراطي جافين نيوسوم عندما فكر في عدم تجديد رخصة تشغيل محطة نووية وسط مخاوف تتعلق بالسلامة. ووافق الحاكم أخيرًا على تجديد الرخصة في أيلول / سبتمبر 2022 وتراجعت حسابات خورخي الوهمية عن الحملة. وأخيرًا؛ وجد اتحاد المراسلين 19 حملة شارك فيها حوالي 1800 شخصية مشتبه بها مرتبطة بحلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS.
عرض فريق خورخي المرعب
في العروض التقديمية لخورخي، كان هناك توتر ملحوظ بين الرغبة في إظهار “الإنجازات” السابقة والحاجة إلى الحفاظ على سرية هوية العملاء وإبعاد خورخي وموظفيه عن مسؤولية العمليات، وقد بلغ هذا التوتر ذروته في مقطع فيديو تم عرضه في كل عرض من عروضه.
يبدأ العرض، الذي تبلغ مدته دقيقتين تقريبًا، بتعليق يقول “فريق خورخي يقدم: الذكاء عند الطلب”، ويعرض المقطع مجموعة من الحوادث التي تنطوي على اختراق أجهزة الحاسوب، وخداع الصحفيين من خلال نشر معلومات مضللة، والهجمات الإلكترونية وغيرها من عمليات الاحتيال.
وكان خورخي يقوم أحيانًا بإيقاف العرض من أجل تقديم تفسير، وعلى عكس مزاعم خورخي التي تم التحقق منها، لم يكن من الممكن حتى الآن تأكيد قيامه حقا بالأفعال التي اعترف بها في مقطع الفيديو، أو دحض تلك المزاعم.
ووفقًا لمقطع الفيديو، كان خورخي المسؤول عن الهجوم الإلكتروني الذي شن سنة 2019 ضد لجنة الانتخابات المركزية لبلد تم تحديده على أنه إندونيسيا، قبل حوالي شهر من الانتخابات العامة هناك. وظهرت لقطة شاشة مقسمة تظهر فيها التسمية التوضيحية للجنة الانتخابات العامة في إندونيسيا، وجاء في أسفل الصورة تعليق “خلال يوم الانتخابات الآسيوية”، ورافق خورخي التعليق بشرح أن موكله طلب – لأسباب سياسية – أن يُنظر إليه على أنه خصم للصين، لذلك شنوا هجومًا، على حد تعبيره، “وأظهرنا أن الصين مسؤولة عن كل شيء”.
في آذار/ مارس 2019؛ أفادت العديد من وسائل الإعلام (بما في ذلك بلومبرغ) بوقوع هجوم “صيني روسي” على نظام الكمبيوتر الخاص بلجنة الانتخابات.
ولعبت عملية العلم الزائف دورا جزئيًا؛ فقد نقلت صحيفة “الغارديان” عن خبير سلامة المعلومات الذي عينته لجنة الانتخابات أن الصين وروسيا مسؤولة إلى حد كبير عن الهجوم، وأضاف قائلًا “ربما يكون معظمهم *قراصنة محليين؛ حيث إنهم يستخدمون فقط مراكز الانتقال في تلك البلدان لإخفاء أثرهم”.
وتناول الجزء التالي من برنامج الرعب “فريق خورخي يقدّم” تعطيل استفتاء سنة 2014 حول مسألة استقلال كتالونيا عن إسبانيا. ووفقًا لمقطع الفيديو، كان هجوم حجب الخدمة سبب الاضطراب (يعني رفض الخدمة الموزعة – والذي يثقل كاهل الموقع بالهجمات، مما يؤدي إلى عدم اتصاله بالإنترنت). ووفقًا للزعيم الكاتالوني آنذاك، أرتور ماس، فإن الهجوم الإلكتروني أضر بشبكة الإنترنت الكاتالونية صباح يوم الاستفتاء. ومع ذلك، لم يتم إلغاء التصويت ولم يتم تحديد مكان المسؤولين عن الهجوم.
كما أشادت تقارير في وسائل الإعلام الإسبانية خلال تلك الفترة بدور خورخي فيما يتعلّق بالعلاقات المفترضة بين الحزب الكتالوني الانفصالي وتنظيم الدولة. كيف أوجد ذلك؟ أوضح خورخي قائلا “لقد عثروا على منشورات تربط الحزب بالإسلاميين المتطرفين، وفتحت أجهزة المخابرات تحقيقا في الغرض. أنت لا تعرف أبدًا مجريات الأمور. مجنون.”
افتخر خورخي بدوره الواضح في هجوم آخر، هذه المرة في إفريقيا. كان هذا مشابهًا في جوهره لهجوم حجب الخدمة، ولكنه شُن على الهواتف المحمولة لقادة حزب المعارضة في نيجيريا، مؤتمر الجميع التقدميين النيجيري، الذي فاز في النهاية بالانتخابات العامة في آذار/ مارس 2015 هناك.
يظهر في الفيديو: أنصار محمد بخاري، الذي فاز في انتخابات سنة 2015
وأظهر المقطع عنوانًا من موقع الأخبار النيجيري “فانجارد”؛ حيث تم تعديل بعض الكلمات فيما بدا أنه محاولة قذرة لإخفاء هوية البلد والهجوم الذي وقع في صباح يوم الانتخابات. وقال خورخي، الذي كان غير قادر على مقاومة إغراء الكشف عن هوية البلد، إن “هذه أكبر دولة في إفريقيا؛ حيث جاء كل المعارضين وأظهروا هواتفهم لوسائل الإعلام ويقولون “حجب هواتف جميع القادة””، نقلاً عن عنوان إحدى الصحف النيجيرية.
وكما سيكشف فصل آخر من التقرير الاستقصائي؛ عمل فريق خورخي في نيجيريا في سنة 2015 بالتعاون مع شركة “كامبردج أناليتيكا” البريطانية الموصومة بالعار حاليًا. وفي سنة 2018؛ نشرت صحيفة “ذا أوبزرفر” البريطانية شهادات حول استخدام شركة “كامبردج أناليتيكا” لخدمات “القراصنة الإسرائيليين” في نيجيريا، وكذلك في دولة سانت كيتس ونيفيس الكاريبية الصغيرة.
تحدد رسائل البريد الإلكتروني الجديدة التي تحصّل عليها اتحاد الصحفيين المتسللين على أنهم “فريق خورخي” وتربط الفريق بعروض العمل في بلدان أخرى – بما في ذلك عرض للمشاركة في الحملة الرئاسية لدونالد ترامب لسنة 2016.
وادعى خورخي أيضًا، أثناء عرض المقطع، أنه استخدم الوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني لرئيس الأركان في حكومة ترينيداد وتوباغو، ورئيسة وزراء ترينيداد وتوباغو آنذاك، كاميلا بيرساد-بيسسار لإثارة أزمة سياسية في جزيرة الكاريبي.
ووقع آخر هجوم تم عرضه في المقطع خلال الانتخابات الرئاسية الفنزويلية لسنة 2012. واعترف خورخي بنشر معلومات مضللة من أجل التأثير على تلك الانتخابات التي فاز بها هوغو تشافيز.
وأعلن خورخي وشركاؤه مسؤوليتهم عن توزيع العروض التقديمية الداخلية من معسكر شافيز – والتي نشرتها لاحقًا شبكة “أي بي سي نيوز” – بعد أن قاموا ببعض الإضافات الخاصة بهم في المستندات.
وقال خورخي بحماسة زائدة “يعود الأمر إلى مسألة الأخبار المضللة. ما هي الأخبار الكاذبة؟ أقول لعملائي: بموجب 80 بالمئة من المصداقية، إنها مزيفة، ولكن بين 80 و100 بالمئة، هناك.. لعبة يمكننا لعبها”.
في هذا الفيديو نشرح كيف يبدو نظام نشر المعلومات المضللة؟ تعرف على “حلول وسائط التأثير المتقدمة AIMS” (مقاطع فيديو تستند إلى محادثات مع خورخي).
وهنا يظهر كيفية التخصيص للبلد المستهدف: يسمح النظام بإنشاء حسابات وهمية بسرعة، وتحديد اسم ولغة لكل منها.
وهذا الفيديو يشرح كيفية إنشاء الهوية: يحتوي النظام على قاعدة بيانات للحسابات الوهمية من بلدان مختلفة بلغات مختلفة. وكل حساب وهمي له صورة مخصصة، كما كشف التحقيق عن استخدام صور لأشخاص حقيقيين دون علمهم.
وهنا يتم الحديث عن الشبكات المتعددة: تتلقى كل شخصية وهمية بصمة رقمية فريدة تتضمن بريدًا إلكترونيًا ورقم هاتف حقيقيًا، وإذا كانت هناك حاجة للتحقق باستخدام رسالة نصية، فإن النظام يعرف كيفية التعامل معها، وتُستخدم هذه التفاصيل لإنشاء ملفات تعريف مطابقة على مختلف الشبكات والمواقع الإلكترونية.
ومن النقاط المهمّة سجل النشاط: يتمتع المستخدمون المزيفون “بهوية” غنية على الإنترنت: فلديهم الآلاف من المتابعين على الوسائط الاجتماعية، والنشاط بمرور الوقت وحتى سجل الشراء؛ وكل ذلك من أجل إظهار المصداقية.
وأيضًا الإجراء المحدد بوقت: عند الحاجة، يكون لدى المشغل جيشًا من الشخصيات الوهمية التي يمكن ضبطها وتوقيتها، وبالتالي يتم إنشاء مجموعة ضخمة يمكنها أن تكرر الرسالة السلبية على جميع الشبكات.
تال حنان،50 سنة، موديعين
سمعنا أول مرة عن “فريق خورخي” من مصدر كان يعرف ما يفعله. ومن أجل ترتيب اجتماع مع خورخي، استخدِمت شبكة من الوسطاء – بما في ذلك بعض الذين تعرضوا للخداع للاعتقاد بأنهم يقدمون عميلًا حقيقيًا لخورخي. وكان آخرهم مالك شركة استشارات إعلامية في مدينة الخضيرة الإسرائيلية يدعى ياكوف تزيديك الذي كان حاضرًا في أول اجتماع على تطبيق “زوم” مع ميدان والتزم الصمت عندما نوقشت حملة هدفها تأجيل انتخابات تشاد. وكذلك كان إيشاي شختر، وهو مسؤول تنفيذي سابق في الصندوق الوطني اليهودي، الذي تم وصفه في موقع شركة “استشارات غورن أمير” باعتباره “مدير الإستراتيجية”.
وفي اجتماع آخر على تطبيق “زوم”، قُدمت فيه عروض عن اختراق الحسابات، حضر شوكي فريدمان، وهو متقاعد في دائرة الأمن وصفه ميدان بأنه “جزء من فريقنا الأساسي”. ويُعرف فريدمان بين مسؤولي الأمن السابقين باسم مجنِّد لأصل مشهور لا يمكن تسميته، ولكنه ليس سوى شخصية مساعدة في فريق خورخي.
يتمثل القاسم المشترك بين الأشخاص الذين يقودون العروض التقديمية في استخدام الأسماء الوهمية: ماكس وخورخي ونيك – الذي سيظهر لاحقًا. وقد اكتشفنا هوية ماكس (ميدان) بسرعة، بعد أن كان مهملًا بما يكفي لاستخدام رقم هاتفه الإسرائيلي. في المقابل، كان خورخي أكثر حذرًا، وقد تحدث إلينا فقط من رقم هاتف إندونيسي، ولم يكشف عن وجهه، وفي الأشهر الخمسة الأولى من الاتصالات معه نفى عمله من إسرائيل.
عندما سألناه عما إذا كان يخشى تصدير خدمات القرصنة دون إذن من وكالة مراقبة الصادرات الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، ادعى أن السؤال لا يعنيه قائلا: “كل هذا الهراء للشركات الإسرائيلية. نحن لسنا إسرائيليين. هذه التكنولوجيا من جافا سيلاتان [منطقة في إندونيسيا]…. وفي الواقع، لدينا مكتب هناك [في إندونيسيا] إذا كنت مهتمًا بذلك. لذا أعلمني إذا ما قررتم المجيء يوما”. وختم بقول “سلامات مالام” – التي تعني ليلة سعيدة باللغة الإندونيسية.
بعد جهد كبير، وجدنا معلومات موثوقة حول هوية خورخي ليتبين أن اسمه الحقيقي هو تال حنان، وهو إسرائيلي يبلغ من العمر 50 عامًا ولد في أعالي الناصرة (الآن نوف هجليل) ويعيش الآن في موديعين مع عائلته. وبعد وقت قصير من اكتشافنا هويته، نُشر تقرير استقصائي ذُكر فيه اسمه بشكل عرضي. وقد نُشرت النسخة العبرية من هذا التقرير من إعداد الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وأوري بلاو من شومريم – مركز الإعلام والديمقراطية، في “ذا ماركر”.
أشار هذا التقرير إلى أن حنان كان صديقا وشريكا تجارية لمارتن روديل، وهو مواطن فنزويلي سبق أن عمل في صندوق النقد الدولي. وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أنه من خلال وساطة حنان، أصبح روديل مصدرًا للموساد في مكافحة حزب الله وأموال الإرهاب الإيرانية في أمريكا اللاتينية. ويُشتبه في أنه قد حاول زعزعة مكانة شخصيات تجارية بارزة في فنزويلا من خلال نقل معلومات عنها إلى السلطات في إسبانيا.
كان حنان ناشطًا في الشؤون الأمنية قبل وقت طويل من ظهور منصات التواصل الاجتماعي. في سنة 1999، أسس شركة “ديمو من إنترناشيونال” التي تم تسجيلها بعنوان منزله في موديعين، وحتى في الماضي كان لديه تصريح تصدير من وزارة الدفاع. يعرض موقع الشركة الكلام المعتاد الذي تروج له هذه الشركات فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتدريب القوات. ومع ذلك، لن تجد أي كلمة حول الحسابات الوهمية أو القرصنة أو الهجمات الإلكترونية.
وقال فرد بارز سابق في المخابرات الإسرائيلية على علم بنشاط حنان: “ليس لدي أي فكرة عن كيفية وصول حنان إلى هذا الموقف، فهو لا يمتلك أي خلفية استخباراتية، وقد خدم في وحدة غير معروفة في القوات الجوية. ولكنني أعلم أن لديه علاقات مع أشخاص ذوي مناصب عليا بين وكالات المخابرات في إسرائيل والولايات المتحدة”.
صحفي فرنسي للبيع
بينما استمرت جهود تتبع آثار حنان تم فعلا تأجيل موعد الانتخابات التشادية المخطط لها، ولم يكن لحنان ولا الصحفيين المتخفين يد في ذلك وإنما تبين أن قصة الغلاف لم تكن سوى تخمين محظوظ. ومع مرور الوقت، تبددت بعض شكوك حنان. وعندما أخبرناه بقدومنا إلى إسرائيل فيما يتعلق بالإجراءات القانونية وأننا سنكون سعداء بلقائه، نسي أنه نفى سابقًا العمل من هناك ودعانا إلى مكاتبه في موديعين.
تقع المكاتب في الطابق الثالث من مبنى مكاتب غير موصوف ونصف فارغ مقابل مركز تجاري في المنطقة الصناعية.
لا يوجد اسم أو علامة هوية على الباب الأمامي؛ وقد كانت الغرفة التي دخلنا إليها – بعد أن طُلب منا ترك هواتفنا عند المدخل – ملجأً مضادًّا للقنابل سابقًا وكان كبيرًا وغير مثير للإعجاب؛ حيث لم يتكلف أحد عناء تزيينه أو تصميمه، كما كانت تنتشر فيه أيضًا – هنا وهناك – أشياء تشبه الهدايا التذكارية التي تأتي من الرحلات في الخارج جنبًا إلى جنب مع أكواب ورقية للمشروبات الساخنة تحمل نقش “حرية الحب”.
كان حنان ينتظرنا دون أي محاولة لإخفاء نفسه؛ حيث كان بلحية خفيفة، وكاريزمي ومرح كما كان دائمًا ووواثقًا من نفسه.
في بداية الاجتماع؛ تكهن بما لم يتم العثور عليه بعد على الكمبيوتر المحمول لهانتر بايدن، وسأل قائلًا: “[هل تعلمون] الفرق بين المؤامرة والحقيقة”؟ وكالعادة أجاب على سؤاله: “ثمانية عشر شهرًا”.
كان ميدان يجلس بجانب حنان، بينما جلس نيك على الجانب الآخر من الطاولة؛ حيث تم تقديمه لنا بأنه “الرئيس التنفيذي للشركة”، بينما تم تحديد الرئيس التنفيذي لاحقًا على أنه زوهار، شقيق تال حنان البالغ من العمر 55 سنة؛ وقد عمل زوهار في وكالة أمنية إسرائيلية وكان خبيرًا في اختبار جهاز كشف الكذب.
وفي هذا الاجتماع، زعم تال حنان أن لديه أكثر من 100 موظف في مؤسسته، وهو العدد الذي ربما قد يكون مبالغًا فيه إلى حدٍ ما؛ حيث إن المساحة التي كنا فيها تستوعب حوالي 20 موظفًا في تقديرنا. وقال إن لديه أيضًا مكاتب في إندونيسيا والبوسنة ومركز التكنولوجيا الإسرائيلي في هرتسليا، وموظفين إضافيين في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن مكتب هرتسليا خدم شركة منفصلة ادعى أنها يمتلكها وتسمى ديب إمباكت، والتي تهدف إلى تضخيم قيمة العملة المشفرة، وفقًا لما ذكره.
ولقد تم عقد جزءٍ من الاجتماع باللغة الإنجليزية والآخر باللغة العبرية؛ حيث بدأ الأمر بمناقشة حول هدف جديد، وهو: إثارة المشاكل بين رئيس تشاد ورجل أعمال، ثم كرر حنان، بعد ذلك، أداءه – المعتاد الآن – حول التسلل إلى حسابات البريد الإلكتروني والتليغرام، ولكن هذه المرة كان المستهدفِين في إندونيسيا وتنزانيا.
وكانت إحدى الخدمات التي عرفناها خلال هذا الاجتماع تتضمن نشر تقارير كاذبة في وسائل الإعلام الفرنسية.
وعرض حنان مقطعًا من تقرير بثته قناة “بي إف إم تي في” الإخبارية قبل بضعة أيام؛ حيث ادعى أنه هو من زرعه بنفسه، وهو الموضوع الذي صرح فيه المذيع التلفزيوني الفرنسي رشيد مباركي أن العقوبات الأمريكية على الأوليغارشية الروسية ستؤدي إلى بطالة عشرات الآلاف بسبب تباطؤ نشاط أحواض بناء السفن التي تتعامل مع يخوت الأوليغارشية في موناكو؛ وهو تطور غير محتمل.
ونظرًا لأن هذا الموضوع بدا غريبًا، اتصل اتحاد الصحفيين بإدارة “بي إف إم تي في” الشهر الماضي، وهو ما دفع مديري القناة إلى بدء تحقيق داخلي، مما أثار مخاوف إضافية بشأن تقارير مباركي؛ حيث تم إيقاف المذيع وظهرت مقالات في وسائل الإعلام الفرنسية حول هذا الموضوع، وبالرغم من ذلك؛ قلة فقط يعرفون أن كل شيء بدأ بملاحظة عرضية أدلى بها تال حنان في مكتبه في مدينة موديعين.
ومع ذلك؛ لم تكن جميع ادعاءات حنان صحيحة؛ فقد قدم في اجتماع موديعين نتيجة عملية أخرى كان من المفترض أن يقوم بها، والتي تبين أنها كانت خدعة؛ حيث أظهر لنا عرضًا داخليًا مفترضًا من حملة منافس لعملائه في “بلد في أمريكا اللاتينية”، وعلمنا لاحقا أن الوثيقة كانت تقريرًا عامًا، ولم يكن هناك أي شيء سري بشأنه؛ حيث يمكن العثور عليه على جوجل.
ولقد أمضى الكثير من الوقت بعد ذلك في عرض خدمة أطلق عليها اسم “مسح البنك العالمي”، والتي يفترض أن يتم من خلالها الحصول على معلومات مصرفية داخلية. في العروض التقديمية السابقة؛ كان قد عُرض علينا بالفعل ما يشبه بالمعلومات الواردة من الحسابات المصرفية لباتكو جافا، وهو سياسي منغولي ومالك مجموعة إعلامية توفي في سنة 2019 بعد سقوطه من على درج قصر الدولة (بعد سنوات على ما يبدو من قيام حنان على ما يبدو باقتحام حساباته).
وفي اجتماع موديعين، تم تقديم تقرير مماثل – وفقًا لحنان – والذي تضمن معلومات مصرفية مسروقة لرجل أعمال تركي لم يُذكر اسمه على الرغم من أنه كان من الممكن التعرف عليه لجزء من الثانية في الوثائق التي تم عرضها، وهو قطب صناعة الشحن محمد علي عمر، بينما أوضح ميدان، في الاجتماع ذاته، أن المواد قد حصل عليها مصدر بشري لديه إمكانية الوصول إلى النظام المصرفي العالمي.
وقد علمنا أيضًا أنه في حالتين على الأقل؛ كان قد اشتكى عملاء سابقون لحنان من أن التقارير المالية التي اشتروها منه تبين أنها غير موثوقة بل ومزيفة.
وأحد هذه التقارير المزيفة تم بيعه منذ أكثر من 10 سنوات إلى وكالة إسرائيلية سرية، وهو ما “كلف الدولة مئات الآلاف من الدولارات؛ حيث تم التحقق من المعلومات وتبين أن معظمها محض هراء وعلى ما يبدو كانت مزورة”، وفقًا لما قاله أحد الأشخاص المطلعين على الأمر، بينما يزعم أن التقرير الآخر تم بيع إلى عميل في البوسنة.
وكان هناك كتاب عن نيجارد، على إحدى قطع الأثاث في المكتب، والذي أتاح فرصة ذهبية لمطابقة التحقيق الذي تم إجراؤه على أساس تحليل جيش الشخصيات الوهمية.
في هذا الفيديو يظهر أحد متاجر بيتر نيغارد للأزياء.
ولقد أثار سؤال حول الكتاب حديثًا من قبل حنان بشأن نيجارد والطريقة التي تطورت بها فضيحة الجنس؛ حيث بدأ بسرد كيف أرسل جيشه من الشخصيات الوهمية لمهاجمة مذيعة البرامج الحوارية الأمريكية أوبرا وينفري، التي كانت خطيئتها الواضحة هي إجراء مقابلة ذات مرة مع نيجارد خلال زيارة لمنزله في جزر الباهاما، وهو الهجوم الذي أشعله مقال في نيوزويك على وينفري، وذلك بما يرضي عميل حنان.
وألمح حنان إلى أنه تسبب بالفعل في الكشف عن الفضيحة من خلال اختراق حسابات معينة؛ حيث قال: “قبل ست سنوات وجدت أول اتفاقية عدم الإفشاء”، وذكر التفاصيل التي حددت الشخص الذي زعم أن نيجارد أبرم معه اتفاقية عدم الإفشاء، قائلا: “لقد دفع 100.000 دولار لهذه الفتاة المسكينة، التي كانت تبلغ من العمر 16 سنة عندما اغتصبها”.
وبحسب حنان، فإن موكله قد دفع الكثير مقابل هذا العمل، حيث قال: “لقد كلف ذلك الملايين، عدة ملايين، خلال خمس سنوات [من العمل]، خمس!”.
“دعونا نمضي قدمًا”
أحد الأشياء العديدة التي عرضها علينا حنان، خلال اجتماع موديعين، كانت نسخة من شيك قال إنه حصل عليه من بريد إلكتروني مخترق؛ حيث أخبرنا ما الذي يمكن فعله بهذا الأمر، فقال: “أنا آخذ الشيك … وأزور تبرعًا لمرشح”.
وسألنا حنان، في محاولة منا لجذبه إلى نقاش مناسب حول الحديث عن التبرع المزيف، قائلين: “هل هناك، أي انتخابات مثل هذه تتم بدون هذا الهراء بعد الآن؟”.
أجاب بتهور: “لا”.
سأل: “حسنًا، إذن ما هو الهدف من الانتخابات؟”.
تجاهل حنان هذا الأمر، لكن ميدان بدأ في تقديم رد، قائلًا: “انظر”، ولكن قبل أن يتمكن من الاستمرار، سألناه: “هل هو التصويت؟”.
أجاب: “بالتأكيد”.
وتابع: “ولكنك تعلم أن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الانتخابات”.
وقال، وهو ينظر إلينا نظرة عاطفية قليلًا: “انظر، أنت تتحدث عن أماكن أخرى، فذلك لا يوجد لدينا [في إسرائيل]؛ حيث يوجد آليات أخرى”، وتوقف لحظة واستطرد قائلا: “لكن اسمع، أخبرني أحدهم ذات مرة شيئًا ما: حيث يوجد إيمان، لا يوجد منطق، وهو ما أقوله بحزن”.
لا يعطي ميدان انطباعًا بأنه رجلًا سيئًا، فهو يعتبر فردً طبيعيًا تمامًا، ويتمتع هذا الرجل الإسرائيلي، الذي يبلغ من العمر 60 سنة، بخلفية أمنية، ويعيش في قلب البلاد، وقد يشبه – في كل الأحوال – أولئك الذين يملأون ساحات المدينة في أمسيات السبت احتجاجًا على هجوم حكومة نتنياهو على الديمقراطية.
كافح ميدان لصياغة بيان ذي مغزى؛ حيث بدا الأمر كما لو أنه كان من الصعب عليه العثور على الكلمات.
وقال، مشيرًا إلى “المستشار” الذي يرتدي الكيبا ويحضر أيضًا الاجتماع: “أخبرني: “أنا رجل مؤمن، وأنا أرتدي الكيبا”، قال: “أنا أيضًا مؤمن، وأنا علماني تمامًا ولكني أيضًا رجل مؤمن.. وهذا يمنحني الكثير من القوة”.
استمرت المحادثة لبضع ثوان أخرى، ولكن فقط عندما بدا الأمر وكأننا قد نجعل ميدان يتحدث عما يقوله الشخص الذي تعمل مهنته على تدمير الديمقراطيات؛ عندها فقط أنهى حنان المحادثة، وقال: “يا رفاق، نحن بحاجة إلى المضي قدمًا”، ثم شرع في إظهار بريد إلكتروني آخر تم اختراقه.
الاستجابات
رفض تال حنان وزوهار حنان الإجابة على الأسئلة، ونفى تال حنان “ارتكاب أي مخالفات”، فيما قال زوهار حنان: “لقد كنت أعمل طوال حياتي وفقا للقانون”، ورفض ديمومان إنترناشيونال وشوكي فريدمان وياكوف تسيديك ورشيد مباركي التعليق على هذه القصة.
وأجاب محامي ماشي ميدان: “على عكس الادعاءات التي أثيرت في طلبك للرد، فإن السيد ميدان ليس – ولم يكن أبدا – مرتبطا بشركة أو كيان يدعى “فريق خورخي” ، وهو بالتأكيد ليس “شريكًا تجاريًّا” في مثل هذا المشروع. في الواقع؛ حتى تلقي رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بك، لم يسمع السيد ميدان حتى اسم “فريق خورخي” من قبل، وبالتالي لا يمكن أن يكون “أحد أعضاء الفريق الأساسي” لهذه الشركة ، كما تزعم أنت زورًا”
وأجاب إيشاي شيشتر: “لم يكن لدي أي علاقة تجارية مع خورخي أو تال حنان، ولستُ على دراية أو علم بنشاط فريقه المزعوم غير القانوني أو غير اللائق. ولتوضيح الأمور؛ لم يسبق لي أن ربطت أو توسطت بين السيد خورخي وأي عميل. لا أفهم لماذا يخلط شخص ما اسمي مع القضية إلا إذا كان هذا الشخص يحاول إيذائي”.
وعلق إيلان مزراحي قائلا: “أنا أعرف تال حنان، لكنني لم أكن أبدًا جزءًا من عمله”.
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية