مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، تتصاعد أهمية العديد من الملفات ذات التأثير المباشر على مزاج الناخبين الأتراك، ومن بين هذه الملفات الوجود العربي في تركيا، والعلاقات العربية التركية الإقليمية، ملفات يلعب الإعلام فيها دورًا مهمًّا سواء من الجانب التركي أو من الجانب العربي.
في هذا الصعيد، نشطت العديد من المنصات العربية التي تقدّم محتوى عن تركيا للناطقين بالعربية، ومن هذه المنصات منصة TR99، وهي إحدى أبرز المنصات العربية الرائدة التي تقدم محتوى متنوعًا عن تركيا باللغة العربية.. حلَّ “نون بوست” ضيفًا على المنصة وحاور مديرها حول أبرز ملفات الإعلام العربي في تركيا.
العنصرية الطارئة
منذ أكثر من 800 عام، يعيش العرب والأتراك معًا في منطقة واحدة، بل كانوا خلال فترة طويلة تحت بوتقة سياسية وعسكرية واحدة جمعتهم معًا، قبل ظهور الدول الوطنية التي حدثت إثرها عزلة كبيرة بين القوميتَين طوال القرن العشرين.
إلا أن عنصرَين مهمَّين أعادا الحياة للعلاقة القديمة: صعود التيار الإسلامي في البلدان العربية وتركيا، وأحداث الربيع العربي التي دفعت الكثير من شرائح المجتمع العربي إلى الهجرة نحو تركيا، والاستقرار فيها.
وهنا ضمَّ المجتمع التركي جاليات عربية ضخمة من مختلف الأقطار العربية، تمثل أكثرها الجاليات السورية، العراقية، المصرية والليبية، وأدّى وجود هذه الجالية الكبيرة إلى حاجة لمنصات إعلامية تقوم بعملية الربط بين الطرفَين.
لا يمكن إنكار وجود حواجز حقيقية بين الجاليات العربية والمجتمع التركي، أهمها حاجز اللغة الذي يعيق التواصل وفهم المجتمع التركي وتركيبته المعقدة، خاصة في ظل تصدُّر بعض الأصوات العنصرية من الجانبَين للمشهد، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء منصة عربية ذات وصول كبير، تنقل الحقيقة كما هي وتوصل صورة واضحة للمجتمع التركي وما يحصل في تركيا، وهكذا تمَّ إنشاء منصة TR99 عام 2021.
يقول الأستاذ عبد الرحمن كوزوم، مدير المنصة، في لقاء مع “نون بوست”: “اليوم أصبح العرب جزءًا مهمًّا من المجتمع العربي بعد 11 عامًا من اللجوء والتجمع في تركيا للعرب من كافة الجنسيات، وحصول العديد منهم على الجنسية التركية. حيث نرى اليوم أن تواجد العنصريين ضد العرب أو ضد الأتراك على الإعلام أكثر من الأرض، فعلينا محاربة الأمر في ميدانه”.
يضيف كوزوم: “نعتمد التركيز على قصص التعايش بين العرب والأتراك في أي مكان، بالإضافة إلى تصوير مقابلات خاصة مع شخصيات تركية معروفة تدعم المهاجرين هنا في تركيا، وهي كثيرة جدًّا. كما أننا نساعد العرب المجنّسين في تركيا على معرفة حقوقهم وواجباتهم كمواطنين أتراك، ومن أهم هذه الحقوق والواجبات هو حق وواجب الإدلاء بصوتهم في الانتخابات في تركيا بكافة أنواعها”.
يقول عدد من الصحفيين في المنصة إن أكبر عائق في تحقيق مهمتهم هذه هو النظرة المسبقة نحو الأتراك من طرف العرب، والنظرة المسبقة نحو العرب والمهاجرين من طرف الأتراك، فمعظم الجهات الإعلامية تركّز على الطرف العنصري لإظهاره في كلا المجتمعَين، وهو ما تحاول المنصة عكسه بإظهار الوجه الإيجابي الذي يدعم وجود المهاجرين، ويساعدهم على التعايش لنشر الصورة الإيجابية.
هدف يتعاون الكثير من الأتراك، سواء من الشخصيات السياسية أو الإعلامية، للمساعدة في تحقيقه، لأن وجود مجتمع متماسك متنوع يخدم في النتيجة النهائية استقرار البلد ونموه، خاصة أن تركيا تعتمد على الاستثمارات الخارجية، التي يلعب فيها أصحاب رؤوس الأموال العرب دورًا كبيرًا فيها، وهو ما يستلزم جهودًا إضافية.
زلزال تركيا
مثّلت كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق جنوب تركيا، محطة مهمة في التغطية العربية للشأن التركي، فأخبار الزلزال بصورة خاصة والأخبار التركية بشكل عام صعدت لتحتل الأولوية في أجندات كل قنوات الأخبار العالمية، ومن الطبيعي أن تكون البلدان العربية والجمهور العربي من الأكثر تفاعلًا، بحكم القرب الجغرافي والاجتماعي، وبحكم الجالية العربية الكبيرة الموجودة في تركيا، والتي تأثرت بطبيعة الحال بالحدث.
من بين تلك المنصات، مثلت TR99 مصدرًا مهمًّا في الحدث، حيث يقول كوروزم إن المنصة ضاعفت جهودها وركّزت على “نقل الصورة الكارثية التي حلّت بمناطق الزلزال، وحجم الدمار الهائل ومكافحة الأخبار الكاذبة، وتوجيه الناجين وفرق الإنقاذ المتطوعة من العرب بشكل سليم اعتمادًا على تصريحات الحكومة الرسمية، وإظهار أن المصاب واحد لا يفرّق بين سوري وعربي وتركي، وركزنا على مساهمة العرب في إنقاذ الأتراك ومساهمة فرق الإنقاذ التركية في إنقاذ العرب ومساعدتهم”.
لم تكتفِ المنصة بنقل الأخبار من مصادرها، إنما سارعت بإرسال فريق ميداني إلى مناطق الزلزال في كهرمان مرعش لنقل الصورة التي لا ينقلها التلفزيون عادة، ومع تسارع الأخبار وجدت المنصة نفسها وسط الكارثة بعدة فرق في 3 مناطق مختلفة، تعمل على مدار الساعة رفقة فرق الإنقاذ التركية، ولاحقًا الفرق العربية التي وصلت إلى تركيا للمساعدة في إخراج الناجين وانتشال الضحايا، ثم امتدت التغطية بحكم الحدث لتشمل مناطق الشمال السوري، لتكون من أولى المنصات الرقمية التي نقلت معاناة السكان هناك.
ورغم أن مهمتهم تقتصر على العمل الصحفي فقط، لعب العديد من المحررين والمراسلين في المنصة دورًا في تواصل العديد من المتضررين في جنوب تركيا وشمال سوريا مع السلطات المختصة بالإنقاذ وإيصال الطعام والمستلزمات الطبية.
بالمجمل، مثّلت كارثة الزلزال نقطة مهمة في تحقيق التقارب بين العرب والأتراك، حيث كانت التغطية العربية للزلزال ولا تزال تغطيات احترافية تحوّلت إلى تغطية مستمرة على مدار الساعة في كثير من القنوات.
رغم ذلك، لا يزال الكثير ممّا يجب عمله من حيث إيصال رسالة المجتمع العربي إلى المجتمع التركي، فلا يوجد ما يكفي من المنصات العربية الموجّهة إلى الناطقين باللغة التركية، إذ تركّز أغلب القنوات على تناول الشأن التركي للناطقين بالعربية، في حين لا يزال المجتمع العربي والبلدان العربية لغزًا غامضًا عند الكثير من الأتراك، رغم وجود مشتركات كثيرة يمكن البناء عليها بين المجتمعَين.