ترجمة نون بوست
خارج محل للدراجات الهوائية في القاهرة، يتحسّر أحمد -الذي يعمل ميكانيكيًّا هناك- على ارتفاع الأسعار واختفاء الزبائن بسبب الأزمة الاقتصادية التي ضربت مصر.
يقول أحمد -أب لـ 3 مراهقين-: “لقد توقف الناس عن شراء الدراجات، وليس هناك الكثير لإصلاحه، لذا لم نعد نشتري اللحم سوى مرة أو اثنتين بالشهر على الأكثر”.
لم يعد راتب أحمد المتواضع يتناسب مع ارتفاع أسعار السلع الرئيسية، حيث يقول: “انظر إلى أسعار البيض، إذا أعطيت بيضة لكل طفل في وجبة الإفطار، كم سيكلف ذلك؟”.
بعد تعويم الجنيه 3 مرات في عام 2022، قام البنك المركزي المصري بتعويم ثالث للجنيه في يناير/ كانون الثاني لتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض قيمته 3 مليارات دولار، هذا القرض هو رابع خطة إنقاذ للبلاد من صندوق النقد الدولي منذ عام 2016.
تزامنت الخطوة مع أزمة في العملات الأجنبية، ما تسبّب في نقص السلع المستوردة، وبالتالي ارتفاع نسبة التضخم، بما يفرض صعوبات أكبر على ملايين الأسر الفقيرة.
انخفض الجنيه المصري إلى نصف قيمته أمام الدولار، فقد تراجع من 15.8 جنيهًا أمام الدولار في مارس/ آذار 2022 إلى 30.5 جنيهًا هذا الأسبوع، أما نسبة التضخم السنوية في المناطق الحضرية فقد أصبحت 25.8% في يناير/ كانون الثاني، وهو أعلى مستوى لها منذ 5 سنوات، كما ارتفعت نسبة تضخم أسعار الغذاء السنوية في المناطق الحضرية بنسبة 48% في يناير/ كانون الثاني.
يرجع نقص الدولار نسبيًّا إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي دفع المستثمرين إلى سحب 20 مليار دولار من البلاد، ثم هدأ الوضع نوعًا ما نتيجة التعويم، لكن أزمة تكلفة المعيشة أصبحت تمسّ كل الطبقات المصرية وليس الفقراء فقط مثل أحمد.
تعيش إنجي -طبيبة تجانسية (أحد أشكال الطب البديل)- في حي راقٍ بالقاهرة، وهي الآن تتجنّب زيارة طبيب الأسنان لتوفير المال وتنتظر أن يتوقف ألم أسنانها وحده، تقول إنجي: “إذا ذهبت إلى الطبيب سيتوجب عليّ أن أدفع ثمن الأشعة السينية بالإضافة إلى 400 جنيه للرحلة ذهابًا وإيابًا، يجب عليّ أن أحسب الآن تكلفة كل رحلة”.
بالنسبة إلى المصريين، يذكّرهم ذلك بتعويم عام 2016 الذي صاحبه حزمة قرض قدرها 12 مليار دولار من صندق النقد الدولي، ارتفع التضخم حينها بنسبة 30% وأصبح الملايين تحت خط الفقر، والآن بعد 7 سنوات أصبح 60% من سكان مصر البالغ عددهم 105 ملايين نسمة تحت خط الفقر وفقًا للبنك الدولي.
كشفت عواقب الحرب الأوكرانية عن ضعف النموذج الاقتصادي للبلاد منذ اتفاقية 2016، وحسبما يقول المحللون، فإن تدفق “الأموال الساخنة” من المستثمرين الذين جذبتهم واحدة من أعلى نسب الفائدة في العالم للديون قصيرة الأجل جعل العملة الأجنبية متاحة، لكن خروج هذه الأموال خلق أزمة عملة في البلاد التي تعتمد بنسبة كبيرة على الأغذية المستوردة وبضائع أخرى.
ترى الكثير من الشركات أن توسُّع دور الجيش في الاقتصاد يخيف القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب من منافسة أقوى هيئة في البلاد.
ورغم الإشادة الدولية بالإصلاحات التي كانت جزءًا من اتفاقية صندوق النقد الدولي، مثل قطع الدعم عن الطاقة، إلا أن القطاع الخاص في مصر أصبح خاملًا، بينما أنفقت الحكومة المليارات على مشاريع البنية التحتية التي يشرف عليها الجيش عادة.
بعض هذه المشاريع كان ضروريًّا، لكن مشاريع أخرى تعرّضت للانتقاد باعتبارها مشاريع تفاخرية زائفة مثل بناء العاصمة الإدارية الجديدة خارج القاهرة، كما ترى الكثير من الشركات أن توسُّع دور الجيش في الاقتصاد يخيف القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب من منافسة أقوى هيئة في البلاد.
وفقًا للاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي، ستطبّق القاهرة إصلاحات لتعزيز مشاركة القطاع الخاص، حيث أقرَّ الرئيس عبد الفتاح السيسي سياسة جديدة لأملاك الدولة، والتي تحدد القطاعات التي لا تعدّ استراتيجية ويمكن للدولة الانسحاب منها، وأعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن خطتها لطرح عشرات الأسهم من شركات مملوكة للدولة لخصخصتها.
طالب البنك الدولي أيضًا بمزيد من الشفافية، وإرسال تقارير منتظمة عن المدفوعات المالية والضرائب لمشاريع الدولة والجيش.
قال السيسي هذا الشهر إن الشركات المملوكة للجيش تدفع فواتير الضرائب والمرافق ولا تنافس القطاع الخاص بشكل غير عادل، كما كرر تأكيده على أن كل شيء مفتوح أمام مشاركة القطاع الخاص.
يقول جيمس سوانستون، الاقتصادي بشركة “Capital Economics” في لندن: “لقد قلنا كثيرًا إن الخطوة الحاسمة لنمو إنتاجي أسرع واقتصادي أعلى على المدى الطويل، تتحقق من خلال الحد من آثار الدولة والجيش في الاقتصاد”.
مكملًا: “سيسمح ذلك بمنافسة أكبر وجذب المستثمرين الأجانب لمصر، بما يسمح بنقل التكنولوجيا والمعرفة لتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل”.
ومع ذلك، فعلى المدى القصير من المتوقع أن يزداد معدل التضخم ليصل إلى 26% أو 27% عامًا بعد عام، حيث إن تأثير التخفيضات السابقة للجنيه ما زالت مستمرة وتدفع نحو تضخُّم غير متعلق بالغذاء.
أجّلت الحكومة رفع أسعار الكهرباء وتوسّعت في بعض برامج الحماية الاجتماعية التي تضم حوالي ربع السكان للحد من آثار التضخم، لكن المصريين المتضررين بالفعل من ارتفاع الأسعار يخشون من مواجهة تضخُّم أكبر.
يقول روبرت بطرس -طبيب أسرة-: “ازدادت جميع الأسعار لكن الدخل كما هو، لم يعد يأتيني الكثير من المرضى توفيرًا للمال”، كما أضاف أن مصاريف مدارس أبنائه ارتفعت بنسبة 50% منذ بداية العام الدراسي في سبتمبر/ أيلول، ولم تعد أسرته تذهب لمطاعم الوجبات السريعة للحدّ من النفقات.
يضيف بطرس: “أخشى الآن أن ترتفع أسعار الوقود، لأنه سيعني ارتفاع أسعار جميع المنتجات بداية من الخضروات والفواكه، لا أجد أي شيء يُشعرني بالاطمئنان”.
المصدر: فايننشيال تايمز