14 يناير/ كانون الثاني 2011، نجح التونسيون في إسقاط نظام زين العابدين بن علي الذي جثم على صدورهم طيلة 23 عامًا، بعد بشهر فقط نجحت ثورة مصر في إسقاط واحد من أقوى الأنظمة في المنطقة العربية، وإجبار حسني مبارك على التنحّي من السلطة.
شجّع هذا الأمر الليبيين، وأعطاهم دافعًا للخروج إلى الشوارع مطالبين بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية، واختاروا يوم 17 فبراير/ شباط للتظاهر في ذكرى سقوط شهداء 17 فبراير/ شباط 2006 على يد قوات العقيد معمر القذافي في مدينة بنغازي.
تظاهر الليبيون في أغلب مدن البلاد وقراها، وواجهتهم كتائب القذافي بقوة السلاح، حيث فتحت عليهم الرصاص الحي، ما أدّى إلى مقتل المئات منهم واضطرارهم حمل السلاح لمواجهة هذه الكتائب المنتشرة في أغلب مناطق ليبيا.
أشهر قليلة حتى تمكّن الليبيون من إسقاط نظام القذافي بعد حكم امتدّ إلى أكثر من 4 عقود، كان أملهم كبير في الحصول أخيرًا على المساواة والديمقراطية وحرية التعبير، وأن يحصلوا على حقوقهم المدنية والسياسية كاملة، خاصة أن بلادهم تزخر بالخيرات الكثيرة التي لها أن تمكّنهم من العيش بكرامة.
في البداية، نُظّمت انتخابات وتفاعلَ الليبيون مع عهد جديد مليء بالوعود الرائعة، لكن سرعان ما تغيّر الوضع وانفجر صراع مسلح على السلطة، لم ينتهِ إلى يومنا هذا، ما جعل أغلب مطالب الثورة الليبية تراوح مكانها دون أن تتحقّق، وذلك لعدة أسباب سنحاول رصد بعضها في هذا التقرير لـ”نون بوست”.
غياب الأحزاب السياسية
من أسباب فشل الثورة الليبية في تحقيق أهدافها، رغم هذه الفترة الزمنية الطويلة، ضعف الأحزاب أو لنقُل غيابها عن ساحة الفعل السياسي والعام في البلاد، فحتى خلال التحضير للانتخابات لا يُسمع صوت قوي لها، فالصوت الأبرز للرصاص أو التدخلات الأجنبية.
رغم أن الثورة الليبية سمحت بتأسيس الأحزاب بعد منع امتدَّ إلى أكثر من 40 عامًا، إلا أننا لم نشهد أحزابًا قوية في البلاد، كما لم نشهد حراكًا حزبيًّا، لغياب الثقافة الحزبية لدى الليبيين نتيجة الحرب التي شنّها معمر القذافي على الأحزاب السياسية وكل من له صلة بالعمل السياسي، ففي نظر القذافي كل من يعمل في السياسة وينتمي إلى الأحزاب خائن لوطنه.
يذكر أن القذافي حين استولى على حكم ليبيا في سبتمبر/ أيلول 1969، أطلق جملته الشهيرة في كتابه الأخضر “من تحزّب خان”، وأصدر قانونًا ينصّ على إعدام كل من دعا إلى إقامة أي حزب من الأحزاب، ذلك ليقينه بخطورة العمل السياسي على سلطته.
لئن رحل القذافي، إلا أن فكره بقيَ مغروسًا عند غالبية الليبيين، إذ ورثوا عنه كرهه للأحزاب، وظهر هذا الانطباع جليًّا في منح الأحزاب 40% من مقاعد المؤتمر الوطني العامّ سنة 2012 (أول انتخابات برلمانية تجري في البلاد ما بعد القذافي)، فيما تمَّ منح 60% من المقاعد للأفراد المستقلين.
وفي عام 2013 خرجت مظاهرات تدعو إلى حلّ الأحزاب وإلغاء أي دور لها في البرلمان أو الحكومة، ما جعل المؤتمر الوطني العام الذي يسيطر عليه المستقلون يصدر قرارًا بمنع الأحزاب من المشاركة في انتخابات مجلس النواب التي جرت في 25 يونيو/ حزيران 2014.
إلى الآن يبدو مصطلح المجتمع المدني غير مألوف في القاموس السياسي والاجتماعي لليبيين.
من ذلك الوقت، خفت صوت الأحزاب أكثر وركنت أغلبها إلى الراحة الإجبارية، وتركت مكانها لكيانات أثبتت فيما بعد فشلها في تحقيق ولو جزء بسيط من مطالب الشعب الليبي الحالم بتأسيس دولة قوامها الحرية والمؤسسات.
أثّر غياب الأحزاب السياسية على نجاح الثورة الليبية كثيرًا، ذلك أن للأحزاب دور محوري في توعية الشعوب والارتقاء بمستوى وعي المجتمعات بالديمقراطية، حيث ستخلق تنافسًا فيما بينها لجعل المواطن يختار المشروع الأفضل في العملية الانتخابية.
ولّد غياب المؤسسات الحزبية في ليبيا عن المشهد العام في البلاد ديمقراطية مشوّهة، أفرزت إفرازات قَبَلية وجهوية زادت من حدّة الصراع وعمّقت الانقسام في المشهد، وأصبح الصراع داخل قبّة السلطة صراعًا جهويًّا قَبَليًّا، وليس صراعًا حزبيًّا يرتكز على برامج ورؤى سياسية وخطط عملية.
ضعف المجتمع المدني
إلى جانب غياب الأحزاب السياسية، سجّلت ليبيا أيضًا غيابًا شبه كلّي لمنظمات المجتمع المدني، ما أثّر على نجاح الثورة، فرغم البداية المشجّعة عقب سقوط نظام القذافي وتأسيس عديد الجمعيات، إلا أن الانتكاسة كانت سريعة.
إلى الآن يبدو مصطلح المجتمع المدني غير مألوف في القاموس السياسي والاجتماعي لليبيين، إلا لفئة قليلة، خاصة أنه لم يكن هناك مجتمع مدني فعلي خلال حقبة القذافي الذي فكّك كل البنى السابقة، وأسّس لنفسه شبكة صغيرة من المنظمات التي أُخضعت بالكامل لتحقيق نوع من توزيع السلطة بين أبنائه.
رغم أن الإعلان الدستوري الليبي لعام 2011 يضمن حرية تكوين الأحزاب والجمعيات، إلا أن منظمات المجتمع المدني تواجه عقبات هائلة، لأن قانون عام 2001 الذي يمنح السلطات الحكومية والأجهزة الأمنية الحق في السيطرة عليها ما زال ساريًا.
حاول العديد من الليبيين، بمعية خبراء أجانب ضمن منظمات إقليمية ودولية، العمل على بناء هياكل جديدة ومنظمات مدنية قوية، لكن أغلب المحاولات باءت بالفشل، فنشاط أغلب الجمعيات المحدثة مقتصرة على الفنادق، دون أن يكون لها أثر كبير داخل المجتمع.
– الذكرى الثاني عشر لثورة 17 فبراير الذي انتصرت على النظام معمر القذافي ، الذي نهب ارزاق الشعب وتم تدمير مؤسسات الدولة الليبية.
– ولازالت الثورة مستمرة وحتنتصر على الخونة والعملاء الذين تشبصوا بالدولة الليبية و كانوا تحت ايادي نظام السابق ومن منهم في السجون ومن منهم هاربون. pic.twitter.com/kqyhqax2Gd
— Ⓜ️ ?????? ??????? 〞 (@Mahmoud_ElJamll) February 16, 2023
لا يوجد رقم رسمي لعدد الجمعيات في ليبيا، لكن بعض التقارير تقدّر عددها بنحو 2000 جمعية، لكن الجمعيات الناشطة فعليًّا وعلى أرض الواقع لا تتجاوز حدود الـ 200، في حين أن البقية موجودة فقط على الورق.
ما يزيد من ضعف هذه الجمعيات أن أغلبها يعمل بصفة أحادية، فلا تنسيق بينها، وهو ما أثّر على المردود العام لمؤسسات المجتمع المدني في هذا البلد العربي، وجعل دورها ضعيفًا أمام الكيانات الأخرى التي شكّلتها القبائل.
كما تثير مسألة التمويل الخارجي، خاصة من الاتحاد الأوروبي، ريبة العديد من الليبيين وتجعلهم ينفرون من هذه الجمعيات، فهذه النقطة تؤثر على مصداقية الكثير من تلك الجمعيات، نظرًا إلى حساسية هذه المسألة عند غالبية الشعب الليبي.
نقطة أخرى ساهمت في ضعف منظمات المجتمع المدني، وهي تعرُّض هذه الجمعيات لأشكال مختلفة من القمع، إذ قد يؤدي الكشف عن الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان إلى الاعتقال التعسفي أو التعذيب أو القتل خارج نطاق القضاء.
غياب شخصيات وازنة
ضعف الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في ليبيا، جعلنا نفتقد الشخصيات الوازنة في البلاد، فرغم مرور 12 عامًا على الثورة الليبية لا يوجد كفاءات سياسية جديرة بالقيادة، وهو ما زاد في إرباك الوضع أكثر وأثّر على العمل السياسي في البلاد.
حلّت الثورة الليبية بغتة ولم يكن ثمة بديل جاهز يقود المرحلة كما ينبغي، فحتى الشخصيات التي برزت عقب الإطاحة بنظام القذافي، عدد مهم منها عمل ضمن النظام لعقود طويلة، أي أن همّها لم يكن إنجاح المسار الديمقراطي في البلاد بقدر الحفاظ على مصالح قديمة قائمة.
وحتى من لم يعمل إلى جانب القذافي، فقد كان ولاؤه إمّا لسلطة القبيلة التي سنتحدث عنها لاحقًا في هذا التقرير، وإمّا لأطراف أجنبية لا همّ لها سوى الحفاظ على مصالحها في هذا البلد العربي الغني بالثروات الطبيعية، وأبرزها النفط.
يعود ضعف انخراط المواطن الليبي في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في جزء مهم منه إلى ضعف التعليم في البلاد.
إلى الآن في ليبيا، يمكن أن نقول إنه ليست هناك شخصيات وطنية لها أن تؤثر على عموم الليبيين ومن يتصدّرون الساحة، إما بقوة السلاح وإما بقوة المال وبفضل الدعم الخارجي والقَبَلي الذي يتلقونه، ما يجعل ولاءهم لغير الوطن.
هذا الأمر ساهم في إفشال العديد من المحطات السياسية في ليبيا، وفي عرقلة الانتقال الديمقراطي هناك، فوجود شخصيات مدنية وسياسية لها كلمتها في البلاد، له أن يضعف الاحتقان ويساهم في توحيد البلاد وجمع مختلف الفرقاء في طاولة واحدة.
ضعف التعليم
يعود ضعف انخراط المواطن الليبي في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في جزء مهم منه إلى ضعف التعليم في البلاد، وتدنّي مخرجات النظام التربوي الليبي في كل مراحله: أساسي، ثانوي، جامعي، وتدنّي مستوى التحصيل لدى تلاميذ وطلاب هذه المراحل.
المتأمّل في نظام التعليم في ليبيا، يرى أن مخرجاته ضعيفة، وهذا يمكن ملاحظته من قِبل كل من له علاقة بالنظام التربوي، سواء أهل الاختصاص العاملون في الحقل التربوي أو الباحثون والأكاديميون المهتمون بالتربية والتعليم أو المثقفون وأولياء الأمور.
دستورياً وقانونياً وتاريخياً 17 فبراير ذكرى الثورة الليبية في العام2011م وأصبحت إجازة رسمية كونك تحتفل به أو لاتحتفل هذا أمر يخصك وحدك لاتفرضه على غيرك ولاتقلل من شأن غيرك المحتفل به..أما أنا سأحتفل عندما تُرد الحقوق لأهلها ولايُفلت مجرم أوفاسد من عقاب ولايبقى جندي أجنبي في بلادي
— ليبية وافتخر (@freelibyangirl_) February 17, 2023
يرجع سبب ضعف التعليم في ليبيا إلى غياب الأمن والاستقرار وتواصُل الأعمال الحربية في البلاد منذ سنوات، وانهيار عديد الكليات والمدارس، وتراجُع قيمة المربّي في منظومة التعليم في البلاد، فضلًا عن موروث القذافي.
خلال عهد القذافي تمَّ إحراق مناهج التعليم باللغة الإنجليزية، وتمَّ نصب المشانق في قلب الحرم الجامعي عام 1976، كما تمَّ الإلزام بالتدريب العسكري في المدارس الثانوية لكلا الجنسَين، ما أجبر عديد العائلات على منع بناتها من الالتحاق بالدراسة.
سيطرة القبيلة
في غياب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني القوية وشخصيات سياسية وازنة وتراجُع التعليم، برزت كيانات أخرى في ليبيا، وعلى رأسها القبلية، وهو ما أثّر سلبًا على نجاح الثورة في هذا البلد الشمال أفريقي، إذ ليس من مصلحة القبيلة نجاح الثورة.
نجاح الثورة يعني وجود مؤسسات قوية وقوانين فاعلة، الأمر الذي لا يخدم القبيلة، فهذه الأخيرة تنمو في غياب مظاهر الدولة، وتستثمر في الفوضى والشرذمة، وهو ما يفسّر تركيز أغلب القبائل على اكتناز الأسلحة بدل الذهاب إلى الحوار.
بروز القبيلة في ليبيا لم يكن نتاجًا للثورة، إنما عملًا مسبقًا لنظام القذافي، إذ عمل هذا الأخير طيلة سنوات حكمه على تقوية نفوذ العديد من القبائل حتى يقوم عليها نظامه عوضًا عن التحالفات السياسية التي لا يؤمن بها، ما جعل القبيلة مكونًا أساسيًّا في المجتمع الليبي وعاملًا مهمًّا من أركان الدولة، إن لم يكن أبرزها.
تنتشر في ليبيا اليوم مئات المجموعات المسلحة القَبَلية والدينية والثورية، فضلًا عن المرتزقة والمقاتلين الأجانب.
لكن مع سقوط القذافي زاد نفوذ القبائل أكثر، فبعضها سيطر على حقول النفط والغاز وموانئ التصدير، وأخرى امتلكت أسلحة متطورة دعّمت بها مكانتها، فيما ركّزت أخرى على طرق الهجرة غير النظامية والتهريب لدعم نفوذها، واختار عدد قليل منها الانخراط في جهود المصالحة.
من أسباب قوة القبيلة أيضًا انتشارها الجغرافي، فالقبائل تمتدّ في الشرق وفي الغرب وإن كان بصفة أقل، ما يجعلها حاضرة في كلّ منطقة وكلّ مناسبة، ولم يكن هذا الحضور شرفيًّا إنما أساسيًّا، فالكلمة الفيصل لها في كل مسألة.
وكثيرًا ما يحتمي القادة الليبيون بالقبيلة لدعمهم، ويظهر هذا مثلًا في رئيس البرلمان عقيلة صالح الذي يلجأ عند كلّ مشكلة إلى أعيان قبائل برقة للاحتماء بهم وأخذ نصيحتهم، عوض الالتجاء إلى مجلس النواب أو إلى كتله البرلمانية.
تنامي نفوذ القبائل ساهم في عرقلة الثورة الليبية وتأجيل تحقيق أغلب مطالبها، كما ساهم في مزيد تقسيم البلاد، فكل قبيلة تبحث لنفسها عن السيادة، وتحاول التمركز قدر المستطاع إلى جانب القوى المتصارعة حتى تضمن مكانتها.
انتشار الميليشيات وغياب جيش وطني
انتشار القَبَلية في ليبيا وغياب مؤسسات الدولة الوطنية أثّرا على الجيش الليبي، إذ لم نرَ طيلة السنوات الماضية مؤسسة عسكرية متّحدة تعمل كمؤسسة عصرية متطوِّرة، وهو ما سعى إليه القذافي حتى يضمن الولاء له وحده وليس للوطن.
طيلة هذه السنوات، كان الليبيون أمام مؤسسة عسكرية غامضة، ذات دور مبهَم إلى حدٍّ ما، فأغلب قيادات الجيش الحالي عملت مع القذافي وتنحدر من قبيلة القذاذفة، أي قبيلة معمر القذافي نفسه، أي أننا أمام جيش قَبَلي.
جدير بالذكر أن القوات المسلحة الليبية تأثرت كثيرًا وضَعُفت أركانها بسبب جهود نظام القذافي -بعد توليه الحكم مباشرة-، الرامية إلى خلق جيش شعبي أساسه المواطنين (التجنيد والميليشيات الشعبية)، وذلك من خلال إلغاء الرتب العسكرية التقليدية وتشجيع قيام نظام شبه عسكري، فقد كان يخشى الانقلاب عليه من قِبل الجيش، وهو الذي جاء للحكم عن طريق انقلاب، أيضًا لسبب إخفاقات الجيش المتكرِّرة في الحملات الأفريقية.
ضعف الجيش سمح بانتشار الميليشيات المسلحة في أغلب مناطق البلاد وتقاسمت فيما بينها السلطة، جزء منها يوالي جماعات الشرق وجزء آخر يوالي الغرب، فيما اختار جزء ثالث العمل في الجنوب أين تغيب الدولة تمامًا في تلك المنطقة.
*في مثل هذا اليوم 17 فبراير 2011م*
*ذكري الثورة الليبية*
يمُر اليوم إثني عشر علي ذكري الثورة الليبية ، والتي طوت 42 عاماً من حُكم العقيد #معمر_القذافي الذي أتي إلى السلطة علي ظهر إنقلاب عسكري رئيساً لمجلس القيادة،
— Elia R William (@eliarwilliam) February 17, 2023
تنتشر في ليبيا اليوم مئات المجموعات المسلحة القَبَلية والدينية والثورية، فضلًا عن المرتزقة والمقاتلين الأجانب (روسيا، سوريا، النيجر، تشاد) الذين يبحثون عن المحافظة على امتيازاتهم الكثيرة، والحصول على امتيازات أخرى مقابل اصطفافهم إلى جانب القوى المسيطرة.
ولاء هذه الميليشيات كان لمن يدفع أكثر في الداخل والخارج، لذلك من غير المستبعَد أن تشاهد ميليشيا مسلحة تحارب اليوم إلى جانب رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، وتجدها في الغد تحارب إلى جانب اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
في ظلّ انتشار المجموعات المسلحة ينتشر السلاح بكثرة في البلاد، إذ تقدِّر بعض الأرقام عدد قطع السلاح المنتشرة في ليبيا بين خفيفة ومتوسطة وثقيلة بـ 29 مليون قطعة، فهي بذلك تضمّ أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة.
التدخلات الخارجية
إلى جانب كلّ هذه العوامل، ساهمت التدخلات الخارجية بقدر كبير في عرقلة الانتقال الديمقراطي في ليبيا، وفي فشل الثورة الليبية في تحقيق معظم أهدافها، فما إن سقط القذافي حتى كشّرت عديد القوى عن أنيابها بغية الحصول على نصيبها من الكعكة الليبية الدسمة.
12 عامًا كانت كفيلة كي تزرع فيها قوى إقليمية كبرى وبعض الدول العربية التي تبحث لها عن زعامة مفقودة، أشواكها في ليبيا عن طريق بيادق اختاروا الولاء لمن يدفع أكثر، عوض الولاء للشعب الليبي الذي يطمح إلى الأفضل.
رأينا التدخُّل الروسي في البلاد، خاصة منذ عام 2015، وانتشار مرتزقة فاغنر إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر التي تطمح إلى حكم البلاد، ما ساهم في مزيد تأزيم الوضع وعرقلة جهود السلام في هذا البلد العربي.
تدخلت فرنسا أيضًا بكل قوتها في ليبيا إلى جانب حفتر، خاصة أنها كانت وراء الحصول على الأغلبية في مجلس الأمن للقرار 1970 الذي كانت أيضًا وراءه، وسمح لها بالقيام بالضربات الجوية الأولى ضد قوات معمر القذافي عام 2011.
كما تدخّلت الإمارات ومصر والسعودية بدرجة أقل لدعم حليفها حفتر في مسعاه للسيطرة على الحكم وعسكرة البلاد، ضمن خططها للقضاء على موجة الربيع العربي التي انطلقت من تونس ومسّت عديد الدول العربية الأخرى.
الجميع يسعى للاستحواذ على منابع ثروات الذهب الأسود في ليبيا.
فضلًا عن ذلك، تدخّلت إيطاليا في مستعمرتها القديمة، خشية أن تخرج الأمور من تحت سيطرتها في ظلّ الحملة الشرسة على البلاد، وتراوح دعمها بين الشرق والغرب حتى تضمن أكبر مصالح لها في البلاد.
لم تكن تركيا بعيدة عن ليبيا، إذ تمَّ استدعاء الجيش التركي من قبل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج لحماية العاصمة طرابلس من عدوان حفتر وحلفائه، وكان ذلك، وإلى الآن تشرف القوات التركية على تدريب عناصر من الجيش الليبي.
الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، وإن خيّرت الابتعاد عن الساحة الليبية بعد أحداث السفارة في بنغازي عام 2011، إلا أنها في السنوات الأخيرة عادت بقوة إلى الساحة الليبية، حتى لا تتجاوزها الأحداث وتصبح في الهامش وتخسر امتيازاتها هناك.
التأثُّر بالصراعات في المنطقة
إلى جانب التدخلات الخارجية، تأثرت ليبيا كثيرًا بالصراعات في المنطقة، خاصة بين مصر والجزائر، فاختلاف وجهات النظر بين هاتين الدولتَين أثّر كثيرًا على مبادرات السلام في ليبيا، فكل دولة عملت على فرض شروطها وجماعتها عوض البحث عن مصلحة الليبيين.
وجاء الخلاف المصري الجزائري في خصوص الملف الليبي، في سياق اختلاف أكبر بين العاصمتَين العربيتَين، ما دفع الطرفان إلى عرقلة جهود بعضهما لحلّ الأزمة في ليبيا، ما أثّر على الوضع العام في هذا البلد الأفريقي.
كما تأثرت ليبيا كثيرًا بالصراع بين المغرب والجزائر، وأيضًا بالصراع الدائر في منطقة الساحل والصحراء، فهذا الصراع ساهمَ في انتشار السلاح والمجموعات المسلحة في كامل الجنوب الليبي، وأربك جهود الدولة هناك.
نقمة النفط
من المفروض أنه نعمة لكن في ليبيا تحوّل إلى نقمة، ونتحدث هنا عن النفط، الذي أصبح محل أطماع العديد من الأطراف الداخلية والخارجية، فالجميع يسعى إلى الاستحواذ على منابع ثروات الذهب الأسود في البلاد.
السعي وراء السيطرة على حقول وموانئ النفط، ساهم في تأجيج الصراع في البلاد وفي فشل الثورة الليبية في تحقيق أهدافها، وتتقاسم الميليشيات والمجموعات المسلحة الداعمة لحفتر ولحكومة طرابلس السيطرة على منابع النفط في ليبيا.
وكثيرًا ما تشهد المنشآت النفطية معارك بين مختلف المجموعات المسلحة للسيطرة عليها، وتتحرك هذه المجموعة غالبًا بأوامر من أطراف خارجية تتدخل في مجال النفط الليبي، على رأسها الشركات التي تسعى إلى تعميق سيطرتها على القطاع.
#صباح #الخيرات.. عام آخر من عمر #الثورة #الليبية يمر، ولا تزال معركة #الانتقال #الديمقراطي لم تنجز بعد النموذج المنشود للدولة #الديمقراطية #المدنية.. لا شك أن الأيادي الأجنبية فاعلة في ليبيا.. لكن الأهم هو السواعد الليبية التي تبين أنها صلبة وعصية عن الانكسار..
— عادل الحامدي A.Hamdi (@adelhamdi1968) February 17, 2023
تبرز الشركات الإيطالية والفرنسية والتركية والأمريكية والبريطانية، والشركات الصينية والروسية والإماراتية والمصرية، فجميعها تسعى إلى وضع قدمها في ليبيا والدخول في معادلة الاستثمارات بقطاع الطاقة، ليكون لها مكان في خريطة النفط الجديدة.
ويشكّل النفط نحو 94% من موارد البلاد، وأهم ما يميزه غزارة الآبار المستخرج منها وقربه من موانئ التصدير، حيث تشير بيانات منظمة الدول المنتجة للنفط “أوبك” إلى أن ليبيا تحتل المرتبة الخامسة عربيًّا باحتياطي نفطي يبلغ 48.36 مليار برميل.
وتقدَّر طاقات مصافي التكرير القائمة في ليبيا بنحو 378 ألف برميل يوميًّا، في حين يقدَّر إجمالي إنتاج المشتقات النفطية في ليبيا بنحو 325.7 ألف برميل يوميًّا، وتنتج ليبيا 14.2 ألف برميل يوميًّا من الغازولين، و39.7 ألف برميل من الكيروسين ووقود الطائرات، و80.7 ألف برميل من زيت الغاز والديزل، و124.9 ألف من زيت الوقود، و59.8 ألف من المشتقات النفطية الأخرى.
بالمحصلة، إن تصحُّر الحياة السياسية، وضعف المجتمع المدني، وتدنّي مستوى التعليم، وسلطة القبيلة، وغياب جيش وطني قوي، وانتشار المجموعات المسلحة والتدخل الخارجي، كلها عوامل تضافرت لإفشال مسار الانتقال الديمقراطي في ليبيا.