ترجمة نون بوست
يواجه آلاف السكان في شمال سيناء المصرية – التي دمرها النزاع – النزوح، حيث يخطط الجيش لإخلاء أجزاء من مدينة العريش، لإفساح المجال أمام ميناء جديد لقناة السويس، وذلك بحسب ما قالته بعض المصادر والسكان.
لم يُعلن بعد عن الأرقام الرسمية، لكن السكان والنشطاء يقولون إن نحو 21 ألف من السكان سيتأثرون بهذا الميناء المخطط له في العريش، تلك المدينة التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط شرق مصب قناة السويس وهي أكبر مدينة في شبه جزيرة سيناء.
لكن نائب البرلمان عن العريش، رحمي بكير يقول إن العدد نحو 4 آلاف فقط.
هذه الخطوة جزء من خطط حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي لخصخصة الشركات وغيرها من الأصول المملوكة لهيئة قناة السويس، بما يسمح للمستثمرين والهيئات الأجنبية بالتحكم في 6 موانئ إستراتيجية تطل على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر بما في ذلك ميناء العريش.
هذه الخصخصة جزء من عدة عمليات استحواذ قامت بها دول أجنبية – دول الخليج بشكل أساسي – في مصر، أملًا في دعم اقتصاد البلاد المترنح.
لكن في خطوة تحدٍ نادرة بشبه الجزيرة المعزز أمنيًا، يتظاهر السكان المحليون يوميًا أمام مبنى بلدية شمال سيناء في حي الريسة، أملًا في إلغاء التطوير أو الحصول على تعويض مناسب لهذا الإخلاء.
يقول خورشيد الذي يعمل خبازًا ويقع منزله تحت تهديد الهدم: “يجب أن يقتلونا أولًا لطردنا من منازلنا، فبيوتنا هي شرفنا”.
يتطلب هذا التطوير إزالة المنطقة السكنية المحيطة بالميناء ومبانيها الإدارية، خاصة في حي الريسة الواسع، الذي يسكنه ما يقارب 21 ألف شخص
في وقت سابق من شهر يناير/كانون الثاني، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للصحافة، إن عمليات التطوير في ميناء العريش جزء من إستراتيجية لتطوير الموانئ المصرية وزيادة قدرتهم التجارية، وذلك في إطار إستراتيجية التنمية المستدامة للدولة المصرية.
كانت الأرض سابقًا ملكية عامة، لكن في 2019 صدر مرسوم رئاسي بإعادة تخصيص المنطقة من أرض خاصة مملوكة للدولة في محافظة شمال سيناء، لصالح القوات المسلحة، لاستخدامها في توسيع وتطوير ميناء العريش.
أصبحت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مسؤولة عن تطوير الميناء والمنطقة المحيطة، يتطلب هذا التطوير إزالة المنطقة السكنية المحيطة بالميناء ومبانيها الإدارية، خاصة في حي الريسة الواسع، الذي يسكنه ما يقارب 21 ألف شخص وفقًا لمحافظة شمال سيناء.
ستتضمن عملية الإنشاء توسيع الأرصفة المستخدمة لتحميل وتنزيل الشحنات والحاويات من وإلى السفن، قال محمد عبد الفضيل شوشة من مكتب محافظة شمال سيناء، إنهم عوضوا نحو 100 أسرة حتى الآن، لكن السكان يقولون إن هذا الرقم منذ 2020.
وفقًا لحجم المنازل، فإن التعويض يتراوح بين 100 ألف إلى 350 ألف جنيه مصري (3275 دولارًا إلى 11455 دولارًا)، يقول مكتب شوشة: “المحافظة ليست صاحبة القرار، لكنها مجرد حلقة وصل بين الحكومة والشعب، لقد عقدنا اجتماعات يوم 12 و13 فبراير/شباط في مقرات المحافظة، ونخطط لتوصيل رفض السكان إلى الإدارة السياسية”.
تحمل سكان شمال سيناء عبء 8 سنوات من الحملة في المنطقة بين القوات المسلحة المصرية وولاية سيناء (الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية)، بدأ المتطرفون بشن هجماتهم في 2011 عندما كانوا تابعين للقاعدة، بعد ذلك تعهدوا بالولاء للدولة الإسلامية داعش وأصبحوا يُعرفون بولاية سيناء.
تخشى أم محمد وغيرها من السكان من أن التعويضات المقترحة لن تكفي لشراء منزل أو أرض في شمال سيناء، حيث ارتفعت الأسعار منذ 2019
لم يُعلن مطلقًا عن أعداد وفيات هذا الصراع، لكن وفقًا للأعداد التي جمعها الباحثون المستقلون – الذين أخفينا أسماءهم حفاظًا على أمانهم – فإن أكثر من 1500 عسكري قُتلوا بين 2011 و2018.
في الوقت نفسه، تعتقد منظمة هيومن رايتس ووتش أن أكثر من 100 ألف من سكان شمال سيناء البالغ عددهم 450 ألف مواطن، تعرضوا للنزوح أو تركوا المنطقة منذ 2013، كانت مدينة العريش موقعًا لعدة هجمات واختطافات كبيرة، وقد أسفرت الحملة الأمنية القاتلة عن موت مئات المدنيين والعسكريين.
تخضع المدينة للإغلاق العسكري منذ 2017، رغم تراجع حدة الهجمات نوعًا ما في آخر عامين، حيث اشتدت في الإسماعيلية والضفة الغربية لقناة السويس.
مشاعر معادية للحكومة
كان سلمان – حارس أمن في شركة بترول وعمره 55 عامًا – يملك شقة في منطقة شاليهات السعد، التي حُددت في محيط منطقة التطوير، في سبتمبر/أيلول 2022 وصله خطاب يطلب منه الإخلاء، بعد ذلك في نفس الشهر استيقظ سلمان ليجد علامة حمراء على باب منزله ومكتوب عليه كلمة “هدم”.
في غضون 3 أيام، هُدم منزله بوجود شرطة مكافحة الشغب لمنع أي تجمعات أو مقاومة، يقول سلمان – الذي انتقل إلى مدينة الإسماعيلية المجاورة مع بعض أقارب-: “لا أستطيع أن أقنع أطفالي الذين هدم الجيش بيتهم أمام أعينهم بأن يكونوا وطنيين، إن المشاعر المعادية للحكومة تزداد في المدينة”.
انتشرت عدة مقاطع فيديو لعدد من السكان ينظمون تجمعات صغيرة لمطالبة الحكومة بالتوقف عن هدم منازلهم، أكدت إحدى المتظاهرات صحة هذه المقاطع وما يعانيه المتظاهرون.
تقول أم محمد – 35 عامًا -: “لقد واجهنا الإرهابيين وتهديداتهم، والآن نواجه إرهاب المحافظة التي تريد هدم منازلنا وطردنا منها، معظم المنازل في حي الريسة بناها العمال الذين عملوا لسنوات من أجل تأمين بيوت لعائلاتهم، لقد عمل أبي وأخي عمال بناء في كل أنحاء سيناء لتوفير المال لكل طوبة في هذا البيت، والآن يريدون منا أن نتركه”.
تخشى أم محمد وغيرها من السكان من أن التعويضات المقترحة لن تكفي لشراء منزل أو أرض في شمال سيناء، حيث ارتفعت الأسعار منذ 2019، بعد أن فقد الجنيه المصري قيمته، كما أن الجيش أعلن ملكيته لمعظم الأراضي الفارغة لبناء تجمعات سياحية وسكنية.
رسمت النقابة خططًا جديدة للحفاظ على هدف التنمية وتلبية رغبات المجتمع المحلي وذلك بتوسيع الطرق الحاليّة بدلًا من هدم المنازل لبناء أخرى جديدة، لكن الجيش والإدارة الهندسية رفضا الحل
بعض السكان المحليين هم سكان سيناء الأصليون الذين عاش أجدادهم في المدينة منذ الاحتلال البريطاني، تقول أم محمد: “شاركت عائلتنا في مقاومة البريطانيين ثم مقاومة الصهاينة عام 1948، لقد حارب والدي في شتى الحروب ومن بينها حرب 1973، وعشنا في العريش ولم نتركها رغم انتشار الإرهابيين في الشوارع”.
من النادر أن ترى مظاهرات في شمال سيناء، حيث يخفي الجيش والمخابرات المدنيين، يتظاهر السكان على الإنترنت بنشر مقاطع فيديو ومنشورات تطالب بعدم هدم المنازل.
نشرت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان مقطع فيديو لرجل وسط تجمع من الناس في منطقة الميناء، يقول الرجل متحدثًا للكاميرا “لماذا يلقون بنا في الشوارع، لقد جاءوا بالمدرعات لهدم منازلنا، لماذا؟ ألسنا بشرًا؟ لماذا يحدث ذلك؟ لصالح قطر أم الإمارات أم “إسرائيل” أم السعودية أم من؟ لقد بيعت البلاد”.
فشلت كل محاولات المجتمع المدني في 2021 و2022 للعثور على حل بديل لتلبية احتياجات البناء العسكرية والحفاظ على المنازل من الهدم.
قال رئيس نقابة المهندسين في شمال سيناء أمين جودة، إن النقابة رسمت خططًا جديدة للحفاظ على هدف التنمية وتلبية رغبات المجتمع المحلي وذلك بتوسيع الطرق الحالية بدلًا من هدم المنازل لبناء أخرى جديدة، ومع ذلك يقول جودة إن الجيش والإدارة الهندسية رفضا الحل.
قال بكير – نائب العريش – إنه يعترف بالأهمية الاقتصادية للمشروع، لكنه يطالب بإعادة فحص عملية التنمية لمنع تهجير السكان، لكن الحكومة لم ترد عليه حتى الآن.
رفض بكير التعليق على تجمعات السكان الاحتجاجية، ودعا كبار السكان في شمال سيناء وقادة القبائل إلى التدخل وعدم السماح للعناصر المحرضة بنشر الكراهية بين الجيش والشعب.
كان مصدر أمني قد قال إن هدف عملية التطوير أمني واقتصادي، فأي مستثمر أجنبي سيرغب في إدارة الميناء لن يفضل وجود منطقة سكنية قريبة، خوفًا من المهاجمين والانتحاريين.
المصدر: ميدل إيست آي