ترجمة وتحرير: نون بوست
في الوقت الذي تكافح فيه الصومال لإجراء أول انتخابات وطنية حقيقية منذ انهيار البلاد في عام 1991؛ عززت الولايات المتحدة وحلفاؤها النزعة الانفصالية وقوضت الديمقراطية حتى تهيمن عسكريا على البلاد وتنهب مواردها.
ويدور نزاع مسلح بين الانفصاليين والاتحاديين في مدينة لاس عنود؛ حيث أطلقت القوات الانفصالية في أرض الصومال النار على المدنيين، مما أسفر عن مقتل أكثر من 82 شخصًا. وقد حمل الاتحاديون الصوماليون الآن السلاح للدفاع عن أنفسهم، وأصدروا إعلانًا يعلن أن لاس عنود يجب أن تدار من قبل العاصمة الصومالية مقديشو.
في المقابلة التالية؛ يضع الدكتور عبدالوهاب شيخ عبد الصمد، رئيس معهد القرن الأفريقي، القتال الأخير في سياق المعركة الأكبر بكثير لإعادة بناء الأمة الصومالية وإجراء انتخابات وطنية لأول مرة منذ زعزعة استقرار الدولة بالكامل في عام 1991، وكما يوضح عبد الصمد؛ فإن الغرب يشن حربًا خاصة به لإبقاء الصومال ضعيفة ومجزأة.
يبلغ طول ساحل الصومال 2100 ميلًا، وهو غنيٌّ بالموارد ومهمٌّ من الناحية الإستراتيجية لدرجة أن الصومال إذا امتلكت سيادتها بشكل حقيقي فستكون لعنة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ولهذا السبب ملأت الولايات المتحدة البلاد بقواتها، وهاجمتها بقنابل الطائرات بدون طيار، وفرضت منطقة خضراء في عاصمتها، وأشرفت على عملية “حفظ سلام” فاشلة تابعة للأمم المتحدة، ودعمت حكومة صورية لحكمها، ونظمت تحالف أفريكوم العسكري ودورية بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي على طول ساحل الصومال.
عانت البلاد لعقود من تفشي نهب الأسماك وإلقاء النفايات السامة على شواطئها، فيما يقدر بعض المستثمرين أن الصومال تمتلك أكبر احتياطيات نفطية ساحلية غير مستغلة في العالم؛ حيث تقع بالقرب من مضيق باب المندب ومضيق هرمز، الذي يمر عبره 40 بالمئة من نفط العالم كل يوم، كما تضم خمسة موانئ في الواجهة بين إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.
كان اضطراب سلسلة التوريد لعام 2021 الناجم عن سفينة الحاويات العالقة في قناة السويس مجرد لمحة عما يمكن أن يحدث إذا اندلعت حرب في هذه المياه.
مشكلة الأقاليم الاتحادية
لقد ابتليت الصومال بالصراع بين الانفصاليين والاتحاديين، الذين يُعرفون أيضًا بأنهم قوميون؛ حيث يقاوم المسؤولون في جميع الولايات الأعضاء الفيدرالية الست السلطة الفيدرالية إلى حد ما، وتعيش أكثر الحركات الانفصالية السياسية في أرض جوبا وأرض البنط، وبشكل خاص في أرض الصومال؛ وذلك رغم أنها ترسل ممثلين إلى البرلمان الفيدرالي في مقديشو.
سعى المسؤولون في هرجيسا، عاصمة إقليم أرض الصومال، إلى الاعتراف بها كدولة مستقلة على مدى السنوات الـ30 الماضية، لكن لم توافق الأمم المتحدة ولا أي من الدول الأعضاء فيها البالغ عددها 193 دولة، ويقال إن الشعور بانفصال أرض الصومال أقوى في عاصمة الولاية، هرجيسا.
ويعترف قسم من قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي لعام 2023 – بشكل غير رسمي – باستقلال أرض الصومال من خلال تحديد خطة للتعاون العسكري المباشر بين الولايات المتحدة والدولة الانفصالية. إن انتهاك وكالة الدفاع الوطني لسيادة الصومال صارخ للغاية لدرجة أن واضعي التشريع بذلوا قصارى جهدهم للادعاء بأنه ليس كذلك: “لا شيء في هذا القانون، بما في ذلك شرط الإبلاغ بموجب القسم الفرعي (أ) وإجراء دراسة الجدوى بموجب القسم الفرعي (ب)، يمكن تفسيره على أنه ينقل اعتراف الولايات المتحدة بدائرة الخدمات المالية الصومالية أو أرض الصومال ككيان مستقل”.
يبدو أن القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) قد تجاوزت قاعدتها العسكرية في جيبوتي – والتي تؤجر أيضًا أراض لقواعد عسكرية إلى الصين وفرنسا واليابان وإيطاليا والسعودية – والتي تستخدم فقط لرسو حاملة طائرات، وبها مدينة عائمة قوامها 5000 جندي، وتحتاج إلى رصيف واسع.
يغضب الاتحاديون الصوماليون من خطة تجاوز الحكومة الوطنية.
النضال من أجل التصويت الشعبي
إن التصويت الشعبي ضروري للنضال الوحدوي؛ ولهذا السبب منعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الصومال من تأسيس النظام الانتخابي الذي يقوم على صوت واحد والذي يمارس في الغرب. وفعلت الولايات المتحدة وحلفاؤها ذلك من خلال هندسة هزيمة الرئيس محمد عبد الله محمد، المعروف أيضًا باسم فارماجو، الرئيس ذو الشعبية الكبيرة الذي كان يحاول بناء جيش قادر على الدفاع عن السيادة الصومالية وإزالة القوات الأجنبية – بما في ذلك القوات الأمريكية – من الأراضي الصومالية.
خلال معظم السنوات الـ 32 الماضية؛ افتقرت الصومال إلى حكومة قادرة على تأمين أراضيها أو سواحلها، واشتكى الدكتور عبد الوهاب شيخ عبد الصمد، وهو صومالي كيني ورئيس معهد القرن الأفريقي، من أن الصومال اليوم ليس أكثر من مقعد في الأمم المتحدة وعلم.
وقال إن الفيدرالية أدت إلى تجزئة الأقاليم لدرجة أنها فقدت أي ادعاء بالسيادة، وهو ما اعتبر “أنه المفهوم الخاطئ، في المكان الخطأ، للأشخاص الخطأ، الذي يمارسه القادة الخطأ، لأسباب خاطئة”.
ومع ذلك؛ قال أيضا إنه إذا تمكن الصومال من إجراء انتخابات وطنية التي تعتمد على نظام شخص واحد بصوت واحد؛ فإن برلمانها العميل ورئيسها العميل، حسن شيخ محمد، سيتم استبعادهم جميعا من مناصبهم، وسيتم انتخاب الرئيس السابق فارماجو بأغلبية ساحقة.
ما يلي هو حديثي مع الدكتور عبد الوهاب شيخ عبد الصمد حول دور الولايات المتحدة وحلفائها في تقويض الدولة الصومالية وإحباط نضالها من أجل التصويت الشعبي.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد رئيس معهد القرن الأفريقي للدراسات الاستراتيجية
آن جاريسون: يتم اختيار البرلمان من قبل شيوخ العشائر، لكن فارماجو وأنصاره كانوا يجادلون بأن المواطنين الصوماليين يجب أن يكون لهم الحق في التصويت؛ ماذا سيحدث لو كانت انتخابات الصومال بناء على مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: إذا تمت الدعوة اليوم إلى انتخابات وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، فلن ينجح أي من السياسيين الحاليين! لا أحد! لا أحد منهم!
آن جاريسون: سيكونون جميعًا خارج المنافسة؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: نعم! لن يعود أي منهم إلى السلطة! سيكونون جميعًا خارج البرلمان والسلطة التنفيذية! لن يعود أحد منهم! لأن هؤلاء الناس قد اختارهم أعداء الصومال والصوماليون يعرفون ذلك؛ إنهم ضعفاء.
إن شعب الصومال غاضب للغاية لأن العالم الغربي الذي يدعي أنه عالم الديمقراطية يرفض السماح للصوماليين بانتخاب قادتهم في انتخابات وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت؛ الغرب لا يريد الديمقراطية للصوماليين!
بعد 32 عامًا من الصراع الذي أعقب انهيار الدولة في عام 1991؛ يعيش أربعون أو خمسون بالمائة من الصوماليين في مراكز ومخيمات حضرية للنازحين داخليًّا؛ يمكنهم بسهولة الوصول إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أي شخص يريدونه؛ سواء في مقديشو، أو في بيدوا، أو في كيسمايو، أو في غاروي، أو في بيليدوين، أو في غالكايو.
آن جاريسون: ماذا عن بدو الصحراء الذين كانوا – كما أعتقد – يشكلون الأغلبية قبل خمسة عشر عاما؛ وأيضًا المزارعين والصيادين في المناطق النائية؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: سيكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم، لكن يمكنهم الوصول إلى صناديق الاقتراع أو يمكن أن تصل صناديق الاقتراع إليهم.
لسوء الحظ؛ فإن الشركات متعددة الجنسيات، جنبًا إلى جنب مع المسؤولين الغربيين والأجانب الآخرين؛ ليسوا على استعداد للسماح لهم بذلك. لأنه إذا فعلوا ذلك، فلن يعود أي من هؤلاء السياسيين الذين اختاروهم بعناية إلى منزل الولاية أو فيلا الصومال؛ حيث يقيم الرئيس. بهذه البساطة.
وليس لديَّ أي شك في ذهني أنه إذا تم إجراء انتخابات اليوم، وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت؛ فإن فارماجو سيفوز بأغلبية ساحقة. أنا أقول لك، ليس هناك شك في ذلك! لكن العالم الغربي كان ضده، وكانت كينيا والإمارات ضده، وكانت الشركات متعددة الجنسيات ضده، وكانت العشائر الفاسدة ضده.
لذا فإن المجموعة الحالية السياسيين – بما في ذلك الرئيس – قد تم اختيارهم بعناية من قبل أعداء الصومال، فهم مجموعة من القادة الزائفين، وليس لديهم رؤية أو دور للصومال.
آن جاريسون: كيف هزمت الولايات المتحدة والكيانات الأجنبية الأخرى مهندس فارماجو؟ فقد ذكرت مصادر متعددة أن هناك الكثير من الرشوة المعنية.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: دعني أخبركِ؛ يعمل حكام الولايات وشيوخ العشائر في الأقاليم الفيدرالية لصالح العالم الغربي وحلفائهم في المنطقة، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، ولكن في الغالب العالم الغربي. واختار حكام الولايات شيوخ العشائر الذين اختاروا المندوبين الذين انتخبوا البرلمانيين، ثم انتخب البرلمانيون حسن الشيخ محمد؛ لقد كانت انتخابات معقدة ومرهقة وفاسدة تمامًا، فلم يتم انتخاب أي من أعضاء البرلمان هؤلاء من قبل الشعب. ولا الرئيس كذلك!
معظم أعضاء البرلمان اليوم موجودون من أجل مصالح الدول الأجنبية بدلًا من مصالح شعوبهم، وأنا آسف لقول ذلك؛ لكنها حقيقة، فالأموال تغيير الناس؛ حيث تمول الحكومات والجهات الفاعلة الأجنبية أنشطة معظم المشرعين الصوماليين اليوم.
آن جاريسون: من هي الدول الأجنبية وما هي مصالحها؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: تريد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الناتو إبقاء الصومال ضعيفًا ومجزءًا، حتى تتمكن من مواصلة إغراقه بالنفايات السامة ونهب الأسماك واستغلال النفط الذي هو الآن في مراحله الأولى. ولأن الصومال؛ كما قلتِ، يقع في موقع جيوإستراتيجي مهم للغاية، كما تود الإمارات العربية المتحدة ضم إقليم أرض البنط الصومالية؛ حيث تتمتع بالفعل بسلطة اقتصادية وسياسية.
آن جاريسون: أنت تقول إن البرلمان والرئيس الحاليين يعملان لصالح العالم الغربي، ولكن بعد ذلك تقول أيضا إن الإمارات العربية المتحدة وكينيا تدخلتا في دوافعهما الجشعة أيضًا.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: هذا صحيح.
آن جاريسون: هل هم حلفاء للولايات المتحدة، وهل يتعاونون في هذا؟
عبد الوهاب الشيخ عبد الصمد: الإمارات تتدخل وترشو السياسيين في الصومال، ومعظمهم في ولايات أرض البنط وأرض الصومال وجالمودوغ وهيرشابيلي وفي العاصمة مقديشو، وهم يعملون مع الولايات المتحدة، فلا يمكنهم ولا يمكن لأي من القوى الأجنبية الأخرى المضي قدمًا والتدخل في الصومال ما لم تمنحهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الضوء الأخضر.
تدخلت كينيا في السياسة الصومالية عندما كان أوهورو كينياتا رئيسًا؛ حيث كان هناك الآلاف من القوات الكينية التي تحتل جوبالاند منذ عام 2011 كجزء من مهمة الأمم المتحدة، ولكن يبدو أن الرئيس الجديد، ويليام روتو، يحسن سياسة كينيا الخارجية تجاه الصومال ويحاول تغيير تصور الصوماليين عن كينيا؛ إنه يريد فقط أن يكون جارًا جيدًا وشريكًا تجاريًّا جيدًا مع الصومال وإثيوبيا وإريتريا.
آن جاريسون: يبدو أن هناك حبكات فرعية تزعزع الاستقرار إلى ما لا نهاية؛ حيث يتعاون الجيش الكيني مع حركة الشباب لتهريب الفحم من الصومال إلى دول الخليج، وقد قطعوا الأشجار في دولة صحراوية لهذا الغرض.
وتسعى دول الخليج ودول مجاورة أخرى للسيطرة على الموانئ الصومالية؛ حيث تقوم الإمارات بالفعل بتشغيل ميناء بربرة في أرض الصومال، وهو الميناء الذي تريد الولايات المتحدة قاعدة بحرية فيه دون موافقة الحكومة الفيدرالية، كما أنها بصدد الشراء في ميناء بوساسو في أرض البنط.
وهناك تقارير تفيد بأن الإمارات تريد أيضا تطوير وتشغيل عمليات ميناء كيسمايو في أرض جوبا، لكن كينيا تريد ذلك الميناء أيضًا، ويبدو أن تركيا تشتري ميناء مقديشو.
تجني حكومتا أوغندا وبوروندي الكثير من المال من خلال المساهمة بقوات في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي من المفترض أن تقاتل حركة الشباب، وتجني هذه القوات أموالًا أكثر بكثير مما تفعل في الداخل، لذا فإن آخر شيء يريدون القيام به هو هزيمة حركة الشباب.
وتبرم السلطات المحلية اتفاقات غير قانونية للتنقيب عن النفط متجاوزة الحكومة الاتحادية في مقديشو، ولا سيما في أرض الصومال وأرض البنط، ووقعت كينيا اتفاقًا للتنقيب في المياه التي قضت محكمة العدل الدولية بأنها تابعة للصومال.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: وشركات الأمن العسكري الخاصة – التي يقع مقرها في حالان بالمنطقة الخضراء – تفعل ما تريد، فهم يديرون عمليات التعدين والتهريب غير القانونية الخاصة بهم، ويفجرون الجبال للوصول إلى المعادن.
آن جاريسون: في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قال تقرير لموقع “ميدل إيست آي” أن مصر والإمارات جندتا جيشًا من المرتزقة قوامه 3000 شاب صومالي فقير. لم يكن الهدف واضحا؛ لكن تورط مصر جعل الإثيوبيين متوترين من أن مصر يمكن أن تستخدم هؤلاء الشباب لزعزعة استقرار إثيوبيا بسبب صراعهم المستمر على مياه نهر النيل وسد النهضة الإثيوبي الكبير.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: هذا مجرد مثال آخر على كيفية استفادة الأجانب من ضعف الصومال وتجزئته. قصة أخرى من قصص ألف ليلة وليلة التي ينعدم فيها القانون في الصومال.
آن جاريسون: يبدو هذا سيئا تقريبا مثل مايحدث في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: إنها فوضى مماثلة.
آن جاريسون: زرت إريتريا المجاورة للصومال، والتي بدت عكس الصومال، فقد رأيت بلدًا فقيرًا يسير على مسار تنمية بطيء ولكنه ثابت، ويتمتع بجو هادئ ومريح. كان الوضع سلميًّا، ولم يكن أحد يتوسل أو ينام في الشوارع ولم أفكر أبدا في الخوف على أموالي، لكنني لا أتذكر رؤية أي جيش أو شرطة مسلحين؛ كان الأمر هادئًا لدرجة أنني فشلت في ملاحظة شرطي أو اثنين.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: لقد زرت إريتريا أيضًا وأؤكد كل ما تقوليته، فإريتريا ليست كما تتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية التي تقدم صورة سلبية تمامًا عن إريتريا، لكن عكس كل ما يقولونه هو الصحيح.
تعمل إريتريا على أن تحقق الاكتفاء الذاتي من الغذاء من الآن وحتى عام 2030؛ حيث قامت بزراعة 600000 هكتار من أصل 2.1 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة، كما أن السكن والتعليم والصحة في إريتريا مجانيون أو غير مكلفين نسبيًّا مقارنة بالدول المجاورة.
وإريتريا هي أيضًا بلد خال من الديون، فلقد نجت من فخ الديون الذي يشل معظم الدول الأفريقية، لكن لم يذكر ذلك أي من منتقديها الغربيين الذين لا حصر لهم، فهم يكرهون إريتريا كونها خالية من الديون لأن هذا يعني أنه لا يمكن خنقها لتقديمها من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والعمليات المصرفية العالمية الأخرى.
آن جاريسون: لدى إريتريا أيضا هيكل عسكري وقيادة واحد فقط، كما ينبغي لدولة ذات سيادة؛ على عكس الصومال.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: نعم؛ على عكس الصومال! حيث لا يمكنك حساب عدد القوات والأوامر العسكرية! في الصومال؛ هناك قوات أمريكية، وقوات أفريكوم، وقوات الأمم المتحدة، وميليشيات عشائرية، ومن المفترض أنها جميعًأ تقاتل حركة الشباب، فكيف يمكن لجميع تلك القوات، مع كل تلك القوة النارية؛ محاربة حركة الشباب لـ14 سنة دون إلحاق الهزيمة بهم؟ لن تجدي طفلًا يبلغ من العمر ثماني سنوات في الصومال يعتقد أن كل تلك القوات تقاتل حركة الشباب حقا!
علاوة على كل ذلك ، هناك شركات الأمن العسكري الخاصة التي ذكرتها بالفعل، والتي تتجول في كل اتجاه، وفي الوقت نفسه؛ فإن القوات المسلحة الصومالية ضعيفة للغاية وسيئة التسليح لأن الأمم المتحدة فرضت حظرا على الأسلحة على الصومال منذ عام 1992.
آن جاريسون: أتذكر أن مجلس الأمن الدولي جدد هذا الحظر العام الماضي على الرغم من اعتراضات الصومال والاتحاد الأفريقي. وامتنعت روسيا والصين والغابون وغانا عن التصويت لدعم الصومال والاتحاد الأفريقي.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: نعم.
آن جاريسون: ماذا تفعل القوات الأمريكية هناك إذا لم تكن تقاتل حركة الشباب حقًّا؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: حركة الشباب هي التبرير الأمريكي لوجودها عسكريًّا للسيطرة على الموارد والهيمنة العسكرية، لكن حركة الشباب لم تكن لتتواجد لو لم تكن الولايات المتحدة قد نظمت الغزو والاحتلال الإثيوبيين بالوكالة للصومال من عام 2006 إلى عام 2009، عندما كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي لا تزال في السلطة في إثيوبيا.
ظهر متطرفو حركة الشباب عندما غزت الجبهة الشعبية لتحرير تيغري المحاكم الإسلامية وأطاحت بها؛ لم تكن المحاكم متطرفة، ولكن حركة الشباب هي المتطرفة، وظهرت عندما سقطت المحاكم. ويعتقد العديد من الصوماليين أن الولايات المتحدة نظمت حركة الشباب حرفيًّا، ولكن سواء كان ذلك صحيحًا أم لا، فإن حركة الشباب لن تكون موجودة بدون الولايات المتحدة، وهم مسلحون جيدا على الرغم من حظر الأسلحة.
آن جاريسون: إريتريا لديها دولة قوية، وهي تدرب وتسيطر على قوات الأمن الخاصة بها، وترفض التعاون مع أفريكوم، وتحمي ساحلها البالغ طوله 600 ميل على البحر الأحمر؛ وذلك على الرغم من الإدانة المستمرة من قبل دول الولايات المتحدة/الاتحاد الأوروبي/الناتو وصحافتها. وقد أفيد مؤخرا أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كان في إريتريا يتحدث إلى الرئيس أسياس أفورقي حول الفرص اللوجستية والعبور التي يوفرها ميناء مصوع على البحر الأحمر ومطاره.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: إذا سيطر الصومال على ساحله، فستسيطر إريتريا والصومال على 3000 ميل من الساحل المتجاور تقريبا في واحدة من أكثر أهم المياه جيوإستراتيجية في العالم، مع وجود فاصل طوله 230 ميلًا تملكه جيبوتي.
سيكون هذا أحد أسوأ كوابيس الغرب، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية لعدم استعداد الولايات المتحدة للتسامح مع الإعلان المشترك بشأن التعاون الشامل بين إثيوبيا والصومال وإريتريا الذي وقعه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ثم الرئيس الصومالي فارماجو في عام 2018.
العشيرة مقابل أنظمة الدولة الحديثة
آن جاريسون: التصويت الشعبي سيحل محل نظام الحصص المتساوية للعشائر 4.5 المعمول به الآن؛ هل يمكن شرح نظام الحصص المتساوية للعشائر 4.5؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: نظام الحصص المتساوية للعشائر 4.5 يعطي أعدادًا متساوية من البرلمانيين لأربع عشائر “رئيسية”، هي الهوية ورحانوين ودير (بما في ذلك عشيرة إسحاق) ودارود، فكلٌّ من هذه العشائر لديها 61 مقعدا في مجلس النواب، أي مجلس الشعب، وهو ما يعني 244 مقعدًا، فيما تكون المقاعد الـ31 الأخرى محجوزة للعشائر الصغيرة، ولكن لأنه لم يكن هناك تعداد منذ عام 1979، فليس من الواضح حقًا ما هي الأرقام في هذه العشائر. ويتم اختيار أعضاء مجلس الشيوخ البالغ عددهم 54 عضوًا، من قبل الأقاليم.
ظهر هذا النظام خلال الحرب الأهلية الصومالية التي بدأت بانهيار الدولة في عام 1991؛ فقد كانت الحرب مستمرة منذ تسع سنوات عندما نظمت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مؤتمرًا إقليميًّا عقد في عرته بجيبوتي، في محاولة لإنهائها في عام 2000. في ذلك المؤتمر؛ فرض النظام السابق للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والمدعوم من الولايات المتحدة في إثيوبيا، جنبًا إلى جنب مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة، المدعوم من الولايات المتحدة أيضًا؛ صيغة نظام الحصص المتساوية للعشائر 4.5 هذه على الصومال من أجل توسيع الانقسامات بين العشائر الصومالية وإطالة أمد الحرب.
آن جاريسون: استمر ذلك خلال فترة 20 عاما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عندما كانت للولايات المتحدة السيطرة – إلى حد كبير – في العالم، بما في ذلك الأمم المتحدة ، لذلك أعتقد أنه يمكننا افتراض أن الولايات المتحدة وافقت على هذه الخطة.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: أوافق.
آن جاريسون: ربما من المهم أن نقول هنا أن “العشيرة” تختلف عن العرق؛ هذا بلا شك تبسيط كبير، لكن الصوماليين يتشاركون في جزء كبير منهم لغة واحدة، وحضارة، ودينًا واحدًا؛ أليس كذلك؟ لذلك لا أعتقد أنك تعاني من الصراع العرقي بنفس الطريقة التي تعاني بها إثيوبيا المجاورة.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: هذا صحيح. ليس لدينا أعراق متنافسة مثل تلك الموجودة في إثيوبيا.
آن جاريسون: ما الغرض الذي خدمه نظام العشيرة قبل الاستعمار والحدود الوطنية؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: سيطرت العشائر ذات مرة على الأراضي التي استخدمها الرعاة الرحل لرعي القطعان وسقيها ودافعت عنها، ولكن يمكن للسكان الآن الانتقال بحرية من منطقة إلى أخرى في جميع أنحاء الصومال تقريبًا.
من أين يأتي الانقسام وتوتر العشيرة إذا كان بإمكان الناس التحرك بحرية غير قلقين بشأن دخول أراضي عشيرة أخرى؟ إنه يأتي من السياسيين والنخب الذين يسيئون استخدام النظام العشائري القديم – خاصة حيث لا تزال هوية العشيرة قوية – للوصول إلى السلطة والموارد والأرض وإثراء أنفسهم.
آن جاريسون: في أي نقطة توقفت العشائر عن التنافس على الأراضي من أجل المياه ورعي قطعان الماشية؟ أو أنها لا تزال تتنافس عليها؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: انهار نظام الحكم العشائري الأصلي عندما ولدت دولة الصومال الحديثة مع الاستقلال في عام 1960، وبين عامي 1960 و1969 كانت لا تزال موجودة لكنها كانت ضعيفة. وفي عام 1969؛ استولى الجيش على السلطة وقدم ما أسماه الاشتراكية العلمية، وأطلق حملة ضخمة للبنية التحتية العامة لجعل الصومال دولة حديثة، وأدى ذلك إلى مقتل نظام العشيرة.
آن جاريسون: أعتقد أن غالبية السكان واصلوا الحياة الرعوية البدوية في القرن الماضي؛ فكيف توسطت الدولة في المطالبات المتنافسة على الأراضي لرعي قطعان المياه?
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: استخدمت الدولة قوتها العسكرية، ونشرت الأمن في المناطق التي كانت تجري فيها الحروب العشائرية، وقد تواصلت مع شيوخ العشائر لتسهيل الوساطة بين العشائر. وفي بعض الحالات؛ استخدمت القوة لاستعادة الماشية المسروقة.
آن جاريسون: أعتقد أن هناك أقلية من السكان من المزارعين والصيادين بالإضافة إلى الأغلبية الرعوية البدوية؛ كيف ينطبق نظام العشيرة عليهم؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: مجتمعات الزراعة وصيد الأسماك التي هي مجتمعات الأقليات ليس لديها مشاكل عشائرية فيما بينها، لكن الصراع العشائري قوي في المجتمع البدوي.
استقرت مجتمعات الصيد في المدن الساحلية منذ قرون، وكان التوزيع السياسي للسلطة يعاملهم على أنهم عشيرة واحدة، ومعظمهم في الأصل من العالم العربي وبلاد فارس وحتى البرتغاليين والعبيد السابقين، وأصبحت هذه المجتمعات جزءا من المجتمع الصومالي، فيما تتكون المجتمعات الزراعية من البنط الصوماليين وتُعامل أيضًا كما لو كانت عشيرة واحدة.
آن جاريسون: “العشائر” و”شيوخ العشائر” لها صدى إيجابي، مما يشير إلى العادات والتقاليد المحلية، لكنك تصف نظامًا فاسدًا تماما بسبب التأثير الأجنبي والمصلحة الأنانية؟!
عبد الوهاب الشيخ عبد الصمد: نعم.
آن جاريسون: هل تخدم العشائر أي غرض إيجابي في الصومال الآن؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: شيوخ العشائر يخدمون المجتمع بشكل جيد في بعض الحالات؛ حيث يتوسطون بين العشائر والقبائل المتحاربة داخل العشائر، ويدعم أفراد العشيرة بعضهم البعض ماليًّا ويعوضون العائلات عن وفاة أفراد العشيرة في صراع العشيرة.
آن جاريسون: حول ماذا تدور حرب العشائر الآن؛ إن لم يكن حول أراضي الرعي وسقي القطعان؟
عبد الوهاب الشيخ عبد الصمد: العشائر الآن تقاتل السلطة على المستوى المحلي والوطني، فهم يكافحون من أجل السلطة والنفوذ في النظام السياسي.
آن جاريسون: كتب فارماجو – في أطروحة الماجستير – أن بعض السكان جاؤوا للبحث عن السلطة السياسية في الحكومة بدلًا من العشائر، ولكن دون التخلي عن التحالفات العشائرية. أعتقد أن كليكما تتفقان على أن الجنسية الصومالية والتحالف من أجل بقاء الصومال يجب أن تحل محل هوية العشيرة؛ بقدر ما يجب أن تحل الجنسية الإثيوبية محل الهوية العرقية حتى تبقى إثيوبيا على قيد الحياة.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: نعم؛ هكذا ينبغي أن يكون، وللحفاظ على سيادة الصومال وسلامته الإقليمية، يجب على الأمة أن تضع المواطنة قبل هوية العشيرة، وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها لدولة الصومال البقاء على قيد الحياة.
آن جاريسون: والتصويت الشعبي أو مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت؛ ضروري لهذا المشروع؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: نعم؛ إذا انتخب المواطنون وليس العشائر قادتهم؛ فإن ذلك سيقلل من الانقسام العشائري والفساد في الصومال. يجب أن يكون المواطنون قادرين على اتخاذ خياراتهم بأنفسهم بغض النظر عن عشيرتهم، وذلك بناء على مبادئ المرشح وقدرته على القيادة. من شأن ذلك أن يدمر هيمنة صيغة نظام الحصص المتساوية للعشائر 4.5، التي أصبحت نوعًا من نظام المافيا السياسية، بما في ذلك الفساد من قبل القوى الأجنبية.
آن جاريسون: درست التقارير حول النضال من أجل تصويت شعبي يعود إلى عام 2017، عندما بدأت لجنة انتخابية وطنية في التخطيط لانتخابات وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت في عام 2021، قبل انتهاء ولاية فارماجو والبرلمان الحالي؛ لذلك ربما يمكنك أن تخبرني برأيك في ملخصي.
الرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله محمد ، المعروف أيضا باسم فارماجو
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: سأكون سعيدًا للقيام بذلك.
آن جاريسون: في كانون الأول/ ديسمبر 2019؛ صوت مجلس النواب على تنفيذ مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، وفي شباط/ فبراير 2020؛ أقر مجلس الشيوخ نفس التشريع ووقعه فارماجو ليصبح قانونًا بعد أسبوعين.
في أيار/ مايو 2020؛ ذكرت أخبار الأمم المتحدة أن الصومال كانت في طريقها لإجراء أول انتخابات وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت لأول مرة منذ 51 عاما، على الرغم من كوفيد -19، ولكن بعد ذلك بدأت الخطة في الانهيار؛ حيث بدأت حكومات الأقاليم الأعضاء الفيدرالية في رفض التعاون، وخاصة أرض الصومال وأرض البنط وأرض جوبا، وهي الأقاليم الثلاث الأكثر تحالفًا مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكينيا والإمارات العربية المتحدة، وتصاعدت التوترات ولم تحدد المواعيد النهائية للانتخابات.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020؛ أفاد معهد بروكينغز أن القوى الغربية قد خوفت فارماجو لكي يتخلى عن انتخابات وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت:
“تحت ضغط من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والأمم المتحدة؛ تخلى فارماجو عن طموح مبدأ وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت في أيلول/ سبتمبر 2020، وقَبِلَ القادة السياسيون الصوماليون ما يسمى بنموذج مقديشو: شيوخ العشائر، الذين رشحتهم العشائر وتم التحقق منهم من قبل السلطات الفيدرالية وسلطات الأقاليم، هم من يحددون مندوبو الهيئات الانتخابية. وتقوم هذه الهيئات الانتخابية، التي تم تعيينها لكل مقعد برلماني في الغرفة الدنيا، باختيار الممثلين البرلمانيين؛ ثم يختار الممثلون البرلمانيون الرئيس، وتختار مجالس الدولة أعضاء الغرفة العليا”.
ومع ذلك؛ استمرت مقديشو والأقاليم الاتحادية في الاشتباك، غير قادرة على الاتفاق على عملية واحدة، وتم تفويت المواعيد النهائية للانتخابات مرة أخرى، واندلع العنف، وبحلول 7 نيسان/ أبريل 2021 ، كتب موقع مشروع بيانات النزاع والأحداث المسلحة:
“من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال وسط مناخ عام من التوترات السياسية والعنف. وتهدد الأزمة الدستورية التي أججتها أشهر من الجمود السياسي بين الرئيس محمد عبد الله محمد فرماجو والمعارضة بالتصاعد إلى صراع عنيف بين القوات الفيدرالية والميليشيات الحكومية، فضلا عن العشائر المسلحة ذات الولاءات المتنافسة”
في غضون أسبوع آخر؛ أقر البرلمان الحالي إجراء بتمديد فترته وفترة فارماجو لمدة عامين حتى يمكن إجراء انتخابات وفق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت، ووقع فارماجو عليه ليصبح قانونًا، وأدانته الولايات المتحدة على الفور، وهددت بالعقوبات وخفض المساعدات، دون الاعتراف بأن التصويت الشعبي كان موضع خلاف.
هل وافقت على هذا الإجراء لتمديد المدة لمدة عامين؟ هل تعتقد أنه كان القصد بصدق تجديد الالتزام بمبدأ التمثيل المتساوي في التصويت؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: نعم. كان فارماجو والبرلمان الحالي لا يزالان يحاولان الدفاع عن مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت.
آن جاريسون: حسنًا، بعد ستة أشهر، في أيلول/ سبتمبر 2021؛ تم اختطافك من قبل الشرطة الكينية التي تعمل كمرتزقة، واحتجزتكَ لمدة 12 يومًا، ثم أطلق سراحك مع تحذيرات بالبقاء بعيدا عن الشؤون الصومالية والإثيوبية، والتوقف عن دعم فارماجو، والتوقف عن معارضة رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، وتحذير زملائك من فعل الشيء نفسه، فمن هو رئيس الوزراء السابق روبلي؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: كان محمد حسين روبلي رئيس الوزراء الأكثر فسادًا في الصومال على الإطلاق، فلقد أصبح ثريًّا بشكل مذهل خلال 18 شهرًا ، حيث تلقى رشاوى من الأجانب والولايات الأعضاء في المنطقة لتنفيذ صفقاتهم الفاسدة، وحوّل مكتب رئيس الوزراء إلى مقر عمليات تجارية شخصية، وعارض التمثيل المتساوي في التصويت.
آن جاريسون: لذلك أعتبر أنك اختطفت من قبل مرتزقة يعملون لصالحه ورفاقه؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: من قبل الشرطة الكينية العاملة كمرتزقة.
آن جاريسون: في كانون الأول/ ديسمبر 2021؛ طالبت وزارة الخارجية الأمريكية بإجراء “انتخابات برلمانية ورئاسية ذات مصداقية وشفافة وشاملة” مرة أخرى دون الاعتراف بأن التصويت الشعبي كان موضع خلاف.
وأيضا في كانون الأول/ ديسمبر 2021، وفي اللجنة الفرعية المعنية بأفريقيا التابعة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي؛ طلبت عضوة الكونغرس الصومالية الأمريكية إلهان عمر، من وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية مولي في نشر نهج “الجزرة والعصا” للضغط على الصومال لإجراء “انتخابات مناسبة”، ومثل وزارة الخارجية؛ فشلت في الاعتراف بأن التصويت الشعبي كان موضع خلاف:
إلهان عمر: بالحديث عن منطقة شرق إفريقيا؛ نعلم أن الصومال فشل في إجراء انتخابات منذ أكثر من عام الآن. هذا الصراع لا يزال يحدث، فما هو موقف الولايات المتحدة من محاولة الضغط على الحكومة الصومالية للدخول في عملية تسمح بإجراء انتخابات مناسبة؟
مولي في: نحن نتفق معكِ تمامًا على أن الانتخابات حاسمة، أولًا لإكمال الانتخابات البرلمانية بحيث يتم تعيين الدولة للانتقال إلى الانتخابات الرئاسية. هذا جزء من مشاركتنا مع الحكومة، وجميع الأطراف في الصومال، ومع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية العديدة التي تنشط أيضا في الصومال، حتى تكون هناك رسالة موحدة.
ونحن نتطلع الآن أيضًا – كما تعلمون – إلى انتهاء ولاية بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (عملية “حفظ السلام” التابعة للأمم المتحدة)، وننظر في كيفية إعادة تشكيل هذه الولاية لدعم العملية السياسية ومكافحة حركة الشباب على حد سواء. لذلك ليس هناك إهمال لهذا الوضع، فلا يزال من الصعب إقناع الأطراف بالتحرك في الاتجاه الصحيح. وقد تم إحراز بعض التقدم في الانتخابات البرلمانية، ولكن ينبغي أن يكون أكثر من ذلك، وينبغي أن يتم ذلك بسرعة أكبر لمساعدة الصومال على السير على طريق الاكتفاء الذاتي. وهذا مجال نقاش نشط – مرة أخرى – مع القادة الصوماليين ومع شركائنا في الاتحاد الأفريقي وأوروبا الذين يمولون جزءا من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
إلهان عمر: وكما أشار زملائي في وقت سابق؛ مع الجزرة والعصا؛ ما هي الآليات التي نستخدمها للتأكد من أن الصومال فهم ما هو موقفنا ويأخذ المسار الصحيح؟
مولي في: أعتقد أن أحد الدروس التي تعلمناها من أفغانستان والتي تعلمتًها شخصيًّا، والتي تعلمها الوزير بلينكن، هو القيام بالمزيد من الشيء نفسه ليس كافيًا بالضرورة، لذلك هناك جهد حقيقي لنوضح للصوماليين أنهم لا يستطيعون الاعتماد إلى أجل غير مسمى على المساعدة الدولية وأنهم بحاجة إلى لعب دور في قيادة وإدارة بلدهم، وهذه هي الروح التي تغرس نهجنا تجاه الصومال.
في 27 كانون الثاني/ ديسمبر 2021، غردت إلهان بأن فارماجو يجب أن يذهب:
Farmaajo is a year past his mandate. It’s time for him to step aside, and for long overdue elections to proceed as soon as possible. https://t.co/f08bSjOJrm
— Ilhan Omar (@IlhanMN) December 27, 2021
في كانون الثاني/ يناير 2022؛ هددت الولايات المتحدة مرة أخرى بفرض عقوبات، وفي شباط/ فبراير؛ فرضت عقوبات على المسؤولين الصوماليين بسبب التأخير في الانتخابات.
في أواخر شباط/ فبراير 2022؛ هدد صندوق النقد الدولي – حيث تتمتع الولايات المتحدة بحق النقض – أخيرا بقطع التمويل الذي يعتمد عليه الصومال إذا لم يكمل الانتخابات العشائرية بحلول أيار/ مايو. وقالت كارافيل، مجلة الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون:
“هدد صندوق النقد الدولي بوقف برنامجه في الصومال بعد انتخابات وطنية تأجلت منذ فترة طويلة. ويدعم برنامج صندوق النقد الدولي تمويل الأجور العسكرية والخدمات الأساسية الأخرى في الصومال، ومن المقرر أن ينتهي في أيار/ مايو إذا كان هناك أي تأخير آخر للانتخابات الرئاسية. يجب الانتهاء من مراجعة البرنامج الداعم لصندوق النقد الدولي للصومال بحلول 17 أيار/ مايو، وإذا لم يكتمل بحلول ذلك التاريخ، ينتهي البرنامج تلقائيًا، بحسب ما أعلنت لورا جاراميلو مايور، رئيس بعثة الصندوق في البلاد.
وقالت مايور: “انتهاء صلاحية برنامج هذه الأموال سيؤثر بشدة على ميزانية البلاد، ويهدد باتفاق لخفض ديونها من 5.2 مليارات دولار في عام 2018 إلى 557 مليون دولار، إلا أن عبد الرحمن بيله، وزير المالية الصومالي، نفى هذه المخاوف، قائلا: “نحن واثقون من أن الانتخابات ستنتهي في الوقت المناسب حتى لا تؤثر على برنامج الإصلاح؛ حيث لم تكن هناك تحديات كبيرة في تلبية شروط صندوق النقد الدولي حتى الآن، ونحن لا نتوقع أي تحديات”.
وفي نيسان/ أبريل 2022، اكتملت الانتخابات البرلمانية أخيرًا، والتي تحدثت عنها هيئة الإذاعة البريطانية في تقريرها الصادر بعنوان “انتخابات الصومال: حيث لا يصوت الناس”.
وفي 16 أيار/ مايو 2022، أي قبل يوم من انتهاء صلاحية التمويل المهم من صندوق النقد الدولي، انتخب البرلمان الصومالي الجديد حسن شيخ محمود، الرئيس السابق الفاسد، ليحل محل فرماجو.
كانت الولايات المتحدة قد تظاهرت، طوال العملية الانتخابية، بأنها مدافعة عن الديمقراطية من خلال الإصرار على إجراء الانتخابات، في حين أنها في الواقع قامت بـ:
1- إحباط تصويتٍ شعبيٍّ بتشجيع حكام إقليمي أرض البنط وأرض جوبا على مقاومة التمثيل المتساوي في التصويت.
2- الضغط على فرماجو والبرلمان الحالي للتخلي عن مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت في مواجهة المقاومة.
3- الإصرار على أن الانتخابات البرلمانية الفاسدة القائمة على العشائر تمضي قدمًا، حتى يتمكن البرلمان الفاسد من انتخاب الرئيس الفاسد.
4- قامت بالتهديد بقطع تمويل صندوق النقد الدولي الذي يعتمد عليه الصومال إذا لم يتم انتخاب البرلمان والرئيس بحلول 17 أيار/ مايو 2023.
فهل فاتني شيء مهم؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: لا، هذا ملخص جيد جدًا لما حدث.
آن غاريسون: حسنًا، هناك بضع نقاط أخيرة.
تعتبر انتخابات النمط الغربي مع التصويت الشعبي هي أيضا فاسدة بشكل سيئ السمعة، ففي الولايات المتحدة لدينا حكومة فاسدة أتت من قبل المانحين للحملات السياسية، لكن ذلك لا يسمى فسادًا لأنه قانوني وعلني.
وقال محمد حسن، الباحث البلجيكي الإثيوبي الصومالي، في مقابلة عام 2010 بعنوان “كل شيء ليس من المفترض أن تعرفه عن إريتريا”: “في أفريقيا، لا توجد أحزاب سياسية، كما لا تعمل الديمقراطية المتعددة، وذلك لأن هذا النموذج السياسي يثير الانقسامات، ففي الكونغو، على سبيل المثال، هناك عدد من الأحزاب السياسية يساوي عدد السكان تقريبًا؛ حيث إن الهدف من كل هذه الأحزاب هو تقسيم الناس، ليس بحسب قبائلهم كما كان في الماضي، بل حسب أحزابهم السياسية، وهذه هي ديمقراطيات منخفضة الحدة”.
وأضاف حسن: “علاوة على ذلك، فإن نظام التعددية الحزبية لا يعمل في إفريقيا لأن هذا النموذج هو حصان طروادة للإمبرياليين؛ حيث يقوم المستعمرون الجدد بإصلاح اللعبة الديمقراطية من خلال تمويل المرشحين الذين يلبون متطلباتهم على أفضل وجه، وذلك من خلال الوصول إلى المواد الخام لشركاتهم متعددة الجنسيات، والدعم في الشؤون الخارجية، وما إلى ذلك. ومع نظام التعددية الحزبية في إفريقيا؛ يخبرك الإمبرياليون كل 4 أو 5 سنوات، “اذهب وصوت للمرشحين الذين اخترناهم لك، وسوف يجعلك تصويتك لهم من الفقراء ويقتلونك!”
ما الذي يجعلك تعتقد أن التعددية الحزبية ومبدأ التمثيل المتساوي في التصويت سينجحان في الصومال؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: سيعمل التصويت الشعبي على توسيع المشاركة بشكل كبير، وسيسمح للشعب بانتخاب قادته، وسيتم الحكم على المنتخبين بناء على أدائهم، سواء في البرلمان أو الرئاسة، وإلا سيكون السبيل الوحيد الآخر للخروج من نظام الحصص المتساوية للعشائر 4.5 الانقلاب العسكري.
وسيؤدي القادة السياسيون أداءهم وهم يعلمون جيدًا أنه بعد أربع أو خمس سنوات سيعودون إلى المواطنين الذين يسعون إلى فترة ولاية أخرى للخدمة إذا لم يؤدوا، ثم يعلم أنه سيتم التصويت لصالحهم، ولذلك تستطيع الانتخابات أن تكشف قيمة الشعب الذين يريدون أن يروا ماذا تفعل حكومتهم لهم، ولكن مع هذا النوع من النظام الانتخابي الذي يوجد لدينا الآن نحن لا نعرف ما يريده الناس لأنهم لا يصوتون.
آن غاريسون: هل هذا يعني أنك لا توافق على ما قاله محمد حسن في تلك المقابلة أو أنك تعتقد أن الصومال مناسبة لإنجاح التصويت الشعبي في هذه المرحلة من تاريخها؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: أعتقد أن الصومال مستعدة لتطبيق مبدأ التمثيل المتساوي في التصويت في هذا الوقت، وممكن أن ينجح ذلك؛ لأن الصوماليين شهدوا التأثير السلبي للنظام الانتخابي الحالي؛ حيث لا يكون الرأي سوى للقليل منهم، وذلك على الرغم من حرص الناس على التصويت؛ فقد طالبوا بالحق في التصويت لسنوات.
آن غاريسون: من الصعب سرقة انتخابات من مرشح سيفوز بأغلبية ساحقة، كما حدث مع فرماجو وفقًا لما قلته؛ حيث سيكون من الصعب إخفاء هذا النوع من الإرادة الشعبية.
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: ليس هناك شك في أن الشعب سينتخب البرلمانيين الذين سينتخبون فرماجو.
آن غاريسون: ما الذي يجعل فرماجو يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أنك تقول إنه سيفوز بأغلبية ساحقة؟
عبد الوهاب شيخ عبد الصمد: يعتبر فرماجو شخصية قومية ووطنية، فهو يحب بلاده وليس لديه مصالح شخصية؛ حيث عزز البرلمان الاتحادي وقلل من سلطة الأقاليم الفيدرالية.
وشرع فرماجو في بناء جيش صومالي ذي سيادة تحت قيادة واحدة موحدة؛ حيث درب ما بين عشرة وعشرين جنديًا محترفًا تحت قيادته، إضافة إلى إرسالة 5000 جندي صومالي لتدريب خاص في إريتريا.
وحاول وقف صفقة الإمارات المباشرة مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، واحتجز على 10 ملايين دولار كانت الإمارات تهربها إلى الصومال لتحقيق أهدافها الخاصة، إضافة إلى طرد السفير الكيني من البلاد بسبب تدخله المستمر في الشؤون الداخلية للصومال.
ورفض فرماجو التوقيع على اتفاق لاستمرار مشروع أتالانتا، وهو دورية بحرية الاتحاد الأوروبي قبالة سواحل الصومال؛ حيث كان يعتقد أن الصومال يجب أن يكون لها بحرية خاصة بها وخفر سواحل خاص بها لوقف جميع عمليات نهب الأسماك والإغراق بالنفايات السامة التي لا تهتم هذه البحرية الأوروبية بوقفها، ولقد اعتقد العديد من الصوماليين أن مشروع أتالانتا يسهل في الواقع كل هذا العدوان الساحلي الأوروبي في الغالب.
لقد تفاوض أيضًا على المغادرة التدريجية لبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام التي فشلت في الحفاظ على السلام في الصومال منذ عام 2007، وهو ما تم عرقلته الآن مع رحيل فرماجو؛ حيث تأجل سحب 2000 جندي المقرر في كانون الأول/ ديسمبر 2022 إلى حزيران/ يونيو 2023 ومن المرجح أن يتم تفويت المواعيد النهائية المستقبلية مرة أخرى.
وقال فرماجو لأصحاب المصالح الأجنبية إن الصومال ملك للصوماليين، وذلك من خلال عرقلته لاتفاق مع الشركة الأمريكية لاستكشاف النفط الساحلي، وهو الاتفاق الذي تم إحياؤه مرة أخرى بعد أسبوع من مغادرته مقر الرئاسة.
واستطاع أيضًا تخفيف عبء الديون عن الصومال خلال فترة ولايته، وذلك على عكس الرئيس الحالي، الذي أثرى نفسه بشكل كبير في المرة الأولى التي كان فيها في منصبه، وأثرى النظام العشائري بأكمله، وهو ما يعني أن فرماجو لم يكن فاسدًا.
آن غاريسون: لم يكن فرماجو يثري نفسه في منصبه؛ حيث استأجر مكانًا للعيش فيه في مقديشو عندما ترك منصبه، بينما دشن شعب الصومال حملة “موِّلني” لبناء منزل له مع مكتب ومكتبة حتى يتمكن من الاستمرار في أن يكون مؤثرًا في الحياة السياسية في الصومال، وهو ما يعتبر بمثابة شهادة قوية جدًا على شعور الناس تجاهه.
عبد الوهاب الشيخ عبد الصمد: إنه أفضل قائد عرفه الصوماليون.
المصدر: جراي زون