ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ أن عثرت الولايات المتحدة على بالون مراقبة صيني وتتبعته وأسقطته أخيرًا في وقت سابق من هذا الشهر؛ انتشرت مشاهد لأجسام مماثلة في المشهد العسكري والجيوسياسي (بما في ذلك ـ ربما ـ بعض بالونات الهواة الأبرياء)؛ إذ أسقطت السلطات الأمريكية والكندية ثلاثة أجسام جوية أخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع فوق المجال الجوي لكل منهما.
من جهته، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس إن هذه الأشياء كانت “على الأرجح بالونات مرتبطة بشركات خاصة أو مؤسسات ترفيهية أو بحثية” وليست مرتبطة ببرنامج التجسس الصيني، لكنه أضاف أنه “إذا كان أي شيء يمثل تهديدًا لسلامة وأمن المواطنين الأمريكيين، فسيتم إزالته”.
في عصر الطائرات الآلية بدون طيار والصواريخ الموجهة بالليزر، ناهيك عن أقمار التجسس الصناعية، قد تبدو البالونات أداة بدائية للتجسس والحرب؛ لكن الخبراء يشيرون إلى أن البالونات لها تاريخ طويل وعريق، ويشرحون أسباب استمرار استخدامها حتى مع ظهور قدرات تجسس جوي أكثر تقدمًا.
وقال توماس باون، المتخصص في المتاحف في المتحف الوطني للطيران والفضاء في واشنطن العاصمة، والذي يشرف على مجموعة “أخف من الهواء”: “من الناحية التاريخية، تعتبر البالونات نوعًا من التكنولوجيا ذات الأسعار المنخفضة، ومن السهل صنعها، ومن السهل ملؤها بغاز رفع – سواء كان الهيليوم أو الهيدروجين – ومن السهل إطلاقها”.
يعود استخدام المناطيد في الحروب والتجسس إلى الثورة الفرنسية، مع أقدم استخدام مسجل في عام 1794 من قبل سلاح الطيران الفرنسي. وقد ظهرت لأول مرة في الجيش الأمريكي خلال الحرب الأهلية، وشهدت قفزة تكنولوجية خلال الحرب العالمية الأولى مع وجود خطوط هاتف متصلة بالبالونات لنقل المعلومات في الوقت الفعلي، كما لعبت البالونات أيضًا دورًا في الحرب العالمية الثانية؛ حيث استخدمت الولايات المتحدة المناطيد القابلة للتوجيه لمراقبة تحركات العدو، ونشرت اليابان لفترة وجيزة (وبدون نجاح في الغالب) آلاف البالونات لتعويم القنابل على الأراضي الأمريكية.
جاءت أولى جهود الولايات المتحدة لاستخدام المناطيد في التجسس خلال الحرب الباردة، من خلال برنامجين متتاليين معروفين باسم مشروع “موبي ديك” ومشروع “جينيتريكس”، والتي تضمنت نشر مئات البالونات مزودة بكاميرات ملحقة فوق الاتحاد السوفيتي.
وأضاف باون أن تلك البالونات “لم تثبت فعاليتها الفائقة”، مضيفًا أنه تم استرداد حفنة فقط من البالونات التي يزيد عددها عن 500 بالون، وتم اكتشاف العديد منها، مما تسبب في حوادث دبلوماسية، وقد “تم إلغاء المشروع بسرعة كبيرة”.
يشير ظهور الطائرات الشبحية مثل لوكهيد يو-2 وإس آر-71، بالإضافة إلى تطوير الأقمار الصناعية، إلى أن المناطيد كأداة تجسس من قبل واشنطن تأخذ مقعدًا خلفيًا نسبيًا (على الرغم من أن الجيش الأمريكي نشر نسخة مرتبطة بـ الأرض خلال حرب العراق في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، واختبرت وزارة الدفاع بالونات الستراتوسفير عدة مرات في السنوات الأخيرة). ولكن كما أظهرت الأسابيع القليلة الماضية، لا تزال المناطيد مستخدمة بشكل كبير من قبل البلدان في جميع أنحاء العالم، حيث قالت أوكرانيا هذا الأسبوع إنها استولت على بالونات استطلاع روسية تم رصدها فوق كييف.
وقال ويليام كيم، المستشار في مركز أبحاث مبادرة ماراثون الذي يبحث في بالونات التجسس، إن “هذا شيء يبدو أن الصينيين يستخدمونه كثيرًا، بينما تميل الولايات المتحدة إلى استخدام الأقمار الصناعية كثيرًا”.
تشير التقييمات الأولية من المسؤولين الأمريكيين إلى أن بالون التجسس الصيني الذي أُسقط في أوائل فبراير/شباط تم إعداده لجمع الاتصالات الإلكترونية، والمعروفة باسم استخبارات الإشارات، حيث قال مسؤولون هذا الأسبوع إن الحطام الذي انتشل قبالة ساحل ساوث كارولينا تضمن أجهزة استشعار إلكترونية. وتصنع البالونات من هذا النوع عادةً من البولي إيثيلين، ويتفاوت سمكها اعتمادًا على درجة ضغط الهواء الداخلي، ويتم تشغيلها بواسطة لوحة شمسية كبيرة مزودة بصفيف هوائي وأنظمة إضافية لتوجيه البالون.
إن الحجم الهائل للمنطاد الصيني يجعله غريبًا بعض الشيء عندما يتعلق الأمر ببالونات التجسس؛ ووصفت ميليسا دالتون، المسؤولة في البنتاغون، أنه كان بطول 200 قدم مع حمولة بحجم طائرة نفاثة. وحسب كيم، فإن “هذا منطاد ضخم جدًا”، مشيرًا إلى أن ارتفاعه البالغ 60 ألف قدم كان أقرب ما يكون للشكل النموذجي، ومضيفًا أن “ما يثير الدهشة بعض الشيء، أنهم سيرسلون شيئًا كهذا عبر الولايات المتحدة – من السهل جدًا اكتشافه”.
ولفت كيم إلى أن استخدام البالون الذي تم الإبلاغ عنه لدفّة مُوجِهة “لا يبدو مثل التكنولوجيا الأكثر تقدمًا” ومن المحتمل أن يحد ذلك من قدرته على المناورة، مع التقدم في الذكاء الاصطناعي الذي يجعل البالونات أكثر قدرة على اكتشاف اتجاهات الرياح واتباعها.
من المفارقات أن الحركات الأكثر قابلية للتنبؤ للأقمار الصناعية تجعل الدفاع عنها أسهل، لكن البالونات تعد فعالة في التهرب من الرادار
وعلى الرغم من الفشل الدبلوماسي الأخير، قال كيم إن هناك العديد من المزايا لمناطيد التجسس التي تزيد من جاذبيتها على المزيد من أساليب المراقبة عالية التقنية؛ الميزة الأولى والأكثر وضوحًا هي التكلفة، فصنع منطاد وملئه بالهيليوم أرخص بكثير من إطلاق صاروخ لوضع قمر صناعي في المدار، والميزة الثانية تكمن في القرب النسبي للبالون من الأهداف المحتملة والسرعة البطيئة، الأمر الذي يمكنه أيضًا التقاط البيانات بشكل أكثر فاعلية حول منطقة أكثر استهدافًا.
قال كيم: “إذا تساوت كل الأشياء، ستحصل على أداء أفضل من المستشعر إذا كنت على ارتفاع 10 أو 20 كيلومترًا مقابل 300 أو 250 كيلومترًا”، و”من المرجح أن البالونات تتحرك بسرعة 50 ميلاً في الساعة مقابل الأقمار الصناعية التي تتحرك بسرعة 15000 ميل في الساعة، التي تندفع فوق الأرض في المدار”.
ومن المفارقات أن الحركات الأكثر قابلية للتنبؤ للأقمار الصناعية تجعل الدفاع عنها أسهل، لكن البالونات تعد فعالة في التهرب من الرادار. طوّر المسؤولون الأمريكيون طريقة لتتبع بالونات التجسس الصينية في السنة الماضية فقط، حسبما ذكرت شبكة “سي إن إن”، ومن المحتمل أن تكون حوادث إسقاط ثلاثة بالونات في نهاية الأسبوع الماضي نتيجة لتعديل الولايات المتحدة معايير الكشف الخاصة بها للأجسام الجوية التي تتحرك بشكل أبطأ بعد البالون الأول.
قال بايدن يوم الخميس: “ليس لدينا أي دليل على حدوث زيادة مفاجئة في عدد الأجسام في السماء”، مضيفًا أن واشنطن تعمل على تحديد إطار عمل لكشف الأجسام الطائرة غير المشروعة بشكل أفضل دون وضع المزيد من الأجسام الحميدة في مرمى النيران؛ حيث أضاف: “نحن نرى الآن المزيد منهم، جزئيًا بسبب الخطوات التي اتخذناها من أجل تخصيص عمل الرادارات لدينا”، حيث كان التهرب من الرادار بسهولة أكبر الدوافع إلى اتخاذ تلك الإجراءات.
قال كيم: “نحن نعلم متى تكون الأقمار الصناعية الصينية في السماء، كل هذا يتوقف مرة أخرى على الحمولة، لكن البالون نفسه لا يحفّز الرادار، ولا تصدر عنه الكثير من الحرارة ما لم يحتو على محرك أو أي شيء. لذلك يمكن أن يكون من الصعب نسبيًا اكتشاف هذه الأشياء، لكنه ليس مستحيلًا بالطبع”.
المصدر: فورين بوليسي