اعتبر محللون أن التقرير الصادر عن الكونغرس الأمريكي حول التعذيب الذي مارسته وكالة الاستخبارات الأمريكية في إطار مشروع التحقيقات الهادف – شكلاً – إلى الحصول على معلومات لحماية “الأمن القومي الأمريكي”، من أهم سلبياته أنه لم يحمل المسؤولية لأي من الشخصيات والإدارات المذكورة فيه، وأنه اكتفى بتأكيد معلومات كانت نسبة كبيرة منها معلومة قبل صدور التقرير.
ورغم هذه الحقيقة، ورغم عدم وجود أي تبعات قضائية قانونية لهذا التقرير، رفض عدد من كبار المسؤولين في الـ “سي أي إيه” نتائج التحقيق التي وصلت إليها الجنة التي شكلها مجلس الشيوخ الأمريكي لهذا الخصوص، وخاصة ما أشار إليه التقرير من أن تقنيات التعذيب/ الاستجواب التي نهجتها الوكالة لم تساعد في الحصول على معلومات قيمة.
وقد اتهم التقرير المدير السابق للسي أي إيه “مايكل هايدن” بأنه أخفى على الرئيس السابق “جورج بوش” وعلى الكونجرس حقيقة وجود عمليات تعذيب للمشتبه بهم في قضايا متعلقة بالإرهاب، ووصف التقرير تلك الممارسات بأنها كانت أكثر وحشية وأقل نجاعة مما تم تبليغه للبيت الأبيض.
وفي حوار أجراه “مايكل هيرش” من صحيفة “بوليتوكو” مع “مايكل هايدن”، قال هايدن: “الرئيس بوش صادق بنفسه على عملية تعذيب (أبو زبيدة) عبر تقنية الإيهام بالغرق، وهذا موثق في كتابه”، مضيفًا: “ما حدث هو أن البيت الأبيض رفض مد اللجنة بالأوراق التي تثبت هذا، تحت حجة أنه غير مجبر على تقديم ما يمتلك من أوراق”.
وأكد هايدن أنه لم يخدع الهيئة (كما جاء في التقرير) وأنه من المستحيل أن يكذب على الهيئة، قائلاً: “شهادتي كانت مبنية على الوثائق التي اطلعت عليها، قلت ما قالته لي الوكالة، الهيئة منحتني 10 أيام حتى أجيبها وقد قمت بكل ما أستطيع حتى أبحث عن معلومات، لقد كنت أتحدث عن برنامج لم أُشرف عليه بنفسي”.
وأضاف هايدن: “أنا متأثر جدًا بما حدث، فالمشروع نفذ قبل أن أصل إلى السي أي إيه، والسيدة فينشتاين (رئيس اللجنة التي أعدت التقرير) حملتني أنا المسؤولية، كيف يمكن أن يحدث هذا؟ أنا غبي لأني ذهبت لهذه اللجنة وحاولت أن أوضح لهم تفاصيل هذا المشروع”.
ونفى هايدن ما جاء في التقرير حول تهوين السي أي إيه من فظاعة تقنيات التعذيب المستخدمة، مشيرًا إلى أن إدارة أوباما كلفت مكتب التحقيقات الخاص “جون دراهام” بالتحقيق حول ما إذا كانت السي أي إيه تمارس أعمال تعذيب غير قانونية، وقد انتهت التحقيقات بعد ثلاث سنوات وقالت إدارة أوباما إنه لن تكون هناك أية تتبعات، متسائلاً: “كيف يمكن أن تكون نتائج تحقيقات دراهام صحيحة، وكذلك نتائج تحقيق لجنة الكونغرس؟ هذا غير ممكن”.
ومن جهة أخرى، وعبر رسالة مفتوحة نشرها مسؤولون سابقون في الوكالة، دافع هؤلاء المسؤولون بقوة عن مشروع التحقيقات الشاملة للتعذيب، مؤكدين أن تقنيات التعذيب المستخدمة ساهمت في إنقاذ آلاف الأرواح، وأن الوكالة لم تخدع الرأي العام في خصوص هذا المشروع، وقد نشرت الرسالة وإلى جانبها عشرات الشهادات من مسؤولين سابقين في الوكالة وسياسيين بارزين على موقع افتتح خصيصا للتنديد بالتقرير تحت عنوان “السي أي ايه أنقذت الأرواح”.
وشارك في كتابة الرسالة ثلاثة رؤساء سابقين للسي أي إيه وهم “مايكل هايدن” و”جورج تينيت” و”بورتر جروس”، مشيرين إلى أن التقرير الذي أصدرته للجنة تم إعداده بناء على وجهة نظر أحادية، معتبرين إياه أنه هجوم من قبل “حزب سياسي” موجه ضد وكالة الاستخبارات، مؤكدين أن الوكالة بذلت كل ما في وسعها لحماية الولايات المتحدة من أية أعمال إرهابية.
وهاجمت الرسالة فكرة أن تكون الوكالة قد ضللت البيت الأبيض ووزارة العدل والكونغرس والرأي العام بشأن تقنيات التعذيب المستخدمة، مضيفة أن البيت الأبيض صادق على المشروع وكذلك وزارة العدل والكونغرس الذي كان يطلع على التطورات بشكل مستمر.
كما كتب مسؤولون سابقون آخرون على صفحات الموقع: “إنه تقرير مخجل وغير صادق، أعطونا 10 أيام حتى نجيبهم على أسئلتهم ثم أجبرونا على التوقيع على تعهد بعدم الحديث في الموضوع، لقد حاولوا حشرنا في الصندوق ومنعنا من فعل أي شيء”، واختار آخرون ممن عملوا خلال فترة جورج بوش أن يخرجوا لوسائل الإعلام وأن يعبروا من خلالها عن سخطهم على ما جاء في التقرير.
وبدورهما، بادر كل من الرئيس الأميركي السابق “جورج بوش” ونائبه “ديك تشيني” إلى انتقاد التقرير فور الإعلان عنه أمس الأربعاء، وكذلك عدد من قياديي الحزب الجمهوري الذي كان في الحكم خلال الفترة التي تم خلالها تنفيذ المشروع.
ويرى عدد من المتابعين أن التقرير موجه أو موظف سياسيًا، وأن إدارة الرئيس باراك أوباما (المنتمي للحزب الديمقراطي) قامت بتوجيه التقرير بشكل مباشر أو حتى تشوه الحزب الجمهوري في إطار حملتها لتحسين صورة الرئيس أوباما الذي لم ينجح إلى الآن في الإيفاء بمعظم الوعود التي قطعها قبل وصوله إلى رئاسة أمريكا.