ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل أربعة أسابيع من الانتخابات الرئاسية المفصلية في نيجيريا، كان عميل إسرائيلي متخصص في “العمليات السوداء” السياسية يستعد لرحلة إلى البلاد. وفي 17 كانون الثاني/يناير في سنة 2015، أرسل الرجل، الذي استخدم الاسم المستعار “خورخي”، بريدًا إلكترونيًا إلى “كامبردج أناليتيكا”، وهي شركة استشارية سياسية كان ينسق معها بشأن خطة سرية للتلاعب بأكبر الدول الديمقراطية في إفريقيا.
أرسل هذا العميل رسالة إلكترونية كتب فيها “مرحبًا يا أصدقاء، سأصل هناك غدًا وسأبقى لبضعة أيام.. من هو الأفضل لمقابلته هناك؟ من الأفضل ألا تكون شخصية معروفة، نظرًا لأننا جئنا بتأشيرة خاصة ونحن نراقب عن كثب (وهو جزء من خطتنا) على أي حال، نحتاج إلى فهم أفضل للوضع الحالي وتحسين الاتصال وتنسيق الخطط، فنحن نريد تنفيذ بعض الأشياء بواسطتكم إذا كانت الظروف مواتية. لذا يرجى، بشكل مقتضب للغاية تزويدنا باسم الشخصية الأفضل لمقابلتها ومنصبها ومعلومات الاتصال بها”.
كان خورخي يعمل بشكل منفصل مع “كامبردج أناليتيكا”، لكن مجموعته كانت تنسق وتعمل جنبًا إلى جنب معها، وهي التي شاركت في مهمة سرية للمساعدة في إعادة انتخاب رئيس نيجيريا آنذاك غودلاك جوناثان.
يوم الأربعاء، كشفت صحيفة “الغارديان” وشركاؤها الإعلاميون هوية “خورخي”، وهو رجل الأعمال الإسرائيلي المتخصص في القرصنة والمعلومات المضللة، تال حنان، ويعمل من منطقة صناعية على بعد 20 ميلًا من مدينة تل أبيب، ويطلق على مجموعته اسم “فريق خورخي”، ويدعي أنه تدخّل سرًّا في أكثر من 33 حملة انتخابية رئاسية حول العالم.
جاء الرد على رسالة حنان المذكورة أعلاه من قبل بريتني كايزر، وهي موظفة شابة في “كامبريدج أناليتكا” برزت لاحقًا في الفيلم الوثائقي الأمريكي “الخدعة الكبرى” (The Great Hack) من إنتاج شركة “نتفلكس” حول فضيحة استيلاء الشركة على بيانات مستخدمي فيس بوك، أوردت في رسالتها اسم الرئيس التنفيذي للشركة ألكسندر نيكس والعديد من الشركاء الداخليين والخارجيين الآخرين الذين سينسقون مع بعضهم البعض في الحملة السرية لإعادة انتخاب جوناثان وتشويه سمعة منافسه، زعيم المعارضة آنذاك محمد بخاري. وكتبت فيها أيضًا مخاطبة حنان: “إذا كنتَ قد وصلت نيجيريا، يرجى مقابلة فريق “كامبردج أناليتيكا” هناك”.
كانت كايزر، البالغة من العمر 26 سنة والمقيمة في لندن، بعيدة عن الشخص الوحيد في “كامبردج أناليتيكا” الذي شارك في تبادل البريد الإلكتروني مع “فريق خورخي” خلال حملة نيجيريا، حيث أخبرت صحيفة “الغارديان” أن دورها في “قسم المبيعات” في الشركة يعني أنها لم تشارك في أي “قضايا تنفيذية مع خورخي” في نيجيريا في سنة 2015.
وقالت إن “كامبردج أناليتيكا” و”فريق خورخي” كانا يعملان “بشكل منفصل ولكن بالتوازي” في نيجيريا لنفس العميل، وأضافت: “لقد أرسلتُ بعض رسائل البريد الإلكتروني لجعل الجميع على اتصال ببعضهم البعض ومعرفة ماهية أعمالهم؛ نظرًا بضيق الوقت”.
كان هذا التبادل واحدًا من عشرات رسائل البريد الإلكتروني التي تم تسريبها إلى صحيفتي “الغارديان” و”الأوبزرفر”، والتي سلطت الضوء على التنسيق السري بين “كامبردج أناليتيكا” و”فريق خورخي” في نيجيريا. ولا يوجد ما يشير إلى أن جوناثان كان على علم بمحاولات “كامبردج أناليتيكا” و”فريق خورخي” الفاشلة لإعادة انتخابه.
تكشف رسائل البريد الإلكتروني عن الأساليب السرية التي تم استخدامها لتعزيز حظوظه الانتخابية والطرق التي قام بها فريقان متخصصان في فنون الإقناع السياسي المظلمة بالتنسيق مع بعضهما البعض، من خلال اجتماعات في لندن ومنتجع دافوس السويسري والعاصمة النيجيرية أبوجا. ويبدو أن الاتصالات حدثت على حسابات “هاش ميل” (Hushmail) المشفرة، أو عبر أجهزة مخصصة لإجراء مكالمات هاتفية آمنة.
ولعل الأهم من ذلك، أن تلك الرسائل تقدّم إجابة للغز الذي ظل مجهولًا منذ سنة 2018، عندما كشفت صحيفتي “الغارديان” و”الأوبزرفر” لأول مرة كيف قام “مقاول إسرائيلي” بتزويد موظفي “كامبردج أناليتيكا” العاملين في الانتخابات النيجيرية بمواد سرية تمت سرقتها على ما يبدو من حملة بخاري. وتمت مناقشة التقرير لاحقًا بإسهاب خلال تحقيق برلماني بريطاني، وظلّت هوية المقاول الإسرائيلي الذي قام بسرقة بيانات بخاري السرية مجهولة حتى يوم الأربعاء الماضي.
الكشف عن “فريق خورخي”؛ فريق التضليل السري الذي يشوه الواقع.
فنون الإقناع السياسي المظلمة
يبدو أن حنان شارك في فنون الإقناع السياسي المظلمة منذ سنة 1999 دون أن يتم الكشف عن اسمه، حتى يوم الأربعاء، عندما نشرت صحيفة “الغارديان” وغيرها من وسائل الإعلام لقطات سرية صورها ثلاثة مراسلين التقوا بحنان كانوا يتظاهرون بأنهم زبائن.
التقط الثلاثي صورًا لحنان أثناء قيامه بتقديم عروض تقديمية وعروض شرائح وعروض ترويجية حول الخدمات المؤثرة على الانتخابات التي يمكن أن يقدمها “فريق خورخي” للأشخاص الأثرياء بما يكفي لتحمل تكاليفها. وتسجّل اللقطات السرية حنان وهو يعرض لهم تقنيات القرصنة للوصول إلى حسابات “جيميل” و”تلغرام” لاكتساب معلومات استخبارية يمكن استخدامها ضد خصم سياسي.
لم يرد حنان على طلبات تعليق مفصل، لكنه قال لصحيفة “الغارديان”: “لأكون واضحًا، أنفي ارتكاب أي مخالفة”.
تظهر اللقطات السرية المسربة خورخي وهو يتحدث عن عمله على نطاق واسع في إفريقيا، وتضمنت عروضه إشارات موجزة إلى انتخابات 2015 النيجيرية. وفي عرض شرائح بعنوان “ماذا نفعل”، عرض شريحة بعنوان “إثارة الفوضى خلال يوم الانتخابات الأفريقية”، متبوعة بلقطة شاشة من مقال صحفي ظهر في “فانغارد”، وهي نافذة إعلامية ذائعة الصيت، نقلت كيف اكتشف قادة حزب بخاري “مؤتمر الجميع التقدميين” يوم الانتخابات أن هواتفهم أصبحت عديمة الفائدة لأنها تعرضت لسيل من المكالمات.
يبدو أن لاي محمد، الذي كان المتحدث الرئيسي باسم حزب المؤتمر الشعبي العام المعارض خلال انتخابات 2015، كان مستهدفًا، والآن بعد أن أصبح وزير الإعلام في الحكومة النيجيرية، استذكر مساعده الحادثة، حيث قال: “كنا في غرفة العمليات بالحزب في صباح يوم الانتخابات الرئاسية، لنكتشف أن خط هاتفه قد تعطل. لم يستطع استقبال أو إجراء أي مكالمات، وكان ذلك أمرًا خطيرًا للغاية لأنه كان الشخصية الأبرز في المعارضة”.
خلال العرض الذي قدمّه؛ عرض حنان على المراسلين السريين شريحة أخرى تعرض صورة لنساء بزي إسلامي يجلسن خارج مركز اقتراع نيجيري، وقال إن فريقه قد ضمّن نشر قصة عن استبعاد النساء من مركز الاقتراع، و”خلق فضيحة كبيرة”، وأضاف: “تم تمديد الانتخابات، وهذا هو هدفنا”.
بالفعل؛ تم تأجيل الانتخابات الرئاسية النيجيرية، التي كان من المقرر إجراؤها في 14 فبراير/شباط، ويرتبط التأخير الذي دام ستة أسابيع بمخاوف أمنية مزعومة بشأن تمرد “بوكو حرام”. وأصدرت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة لنيجيريا الإعلان عن التأخير في 8 شباط/ فبراير؛ حيث تشير إحدى رسائل البريد الإلكتروني المسربة بين حنان و”كامبريدج أناليتيكا” إلى أن لديه معلومات مسبقة عن هذا التأجيل، فقد كتب خورخي في 7 فبراير/شباط، أي في اليوم السابق للإعلان الرسمي، قائلًا: “لقد تلقيتُ مؤشرات قوية على أن الانتخابات لن تُجرى في الرابع عشر، وأن هناك خططًا لتأجيلها في غضون أسابيع قليلة”، قائلًا إن المعلومات جاءت من “أعلى مستوى”، وقد نبّه قائلًا:” كونوا حذرين من تداول الخبر”.
تشير رسائل البريد الإلكتروني الأخرى إلى أن “فريق خورخي” أنتج مقاطع فيديوهات على منصة “يوتيوب” لدعم حملة جوناثان وشاركها مع “كامبردج أناليتيكا”، والتي بدورها طلبت من المؤسسة الإسرائيلية المساعدة في الترويج لمقاطع الفيديو الخاصة بها على المنصة.
ومع ذلك؛ فإن المصادر التي تلقّى “فريق خورخي” معلوماته منها لاستخدامها من قبل “كامبردج أناليتيكا” هي التي تثير معظم الأسئلة.
وأوضحت رسائل البريد الإلكتروني الأدوار المختلفة لكل من “كامبردج أناليتيكا” و”فريق خورخي” في نيجيريا، فقد تم تكليف شركة الاستشارات البريطانية بتأمين التغطية من قبل وسائل الإعلام الدولية خلال الانتخابات والتي من شأنها أن تفيد حملة جوناثان الانتخابية وتشويه سمعة بخاري.
وكان فريق خورخي مسؤولًا عن “أبحاث المعارضة”، أو العثور على المواد التي يمكن الاستفادة منها لتقويض بخاري. فعندما التقى أحد الموظفين بـ”جويل”، وهو ناشط آخر في فريق خورخي، في سويسرا في يناير/ كانون الثاني، يبدو أن الانتخابات الوشيكة في نيجيريا كانت على رأس الأجندة، فقد أرسلوا بريدًا إلكترونيًا إلى جويل كتبوا فيه “يمكننا أن نلتقي في شقتنا أو في مطعم هنا لمناقشة ما يمكننا تحقيقه لنيجيريا على المدى القصير”.
في تبادل آخر؛ قال جويل إنه سيكون نقطة الاتصال الرئيسية مع “كامبردج أناليتيكا”، واقترح أن يقوم الجانبان “بالمزامنة على أساس منتظم”، مضيفًا: “سيكون هناك الكثير من المعلومات التي سيتعين علينا مشاركتها”، وزوّدت “كامبردج أناليتيكا” جويل بحساب ([email protected])، والذي قدمه إلى فريق الاستشارات في أبوجا.
وأُجبرت “كامبردج أناليتيكا”، التي عملت لصالح حملة دونالد ترامب 2016 للبيت الأبيض، في وقت لاحق على الإغلاق وسط تداعيات الكشف الاستيلاء على بيانات 87 مليون مستخدم لـ”فيس بوك” واستغلالها سياسيًّا. لكن في سنة 2015؛ كانت الشركة أقل شهرة بكثير، حيث كانت واحدة من العديد من شركات الاستشارات السياسية الغربية التي سعت إلى تسييل خدماتها في انتخابات العالم النامي.
لم يكن “فريق خورخي” و”كامبردج أناليتيكا” الجهتين الوحيدتين اللتين سعتا للمساعدة في إعادة انتخاب جوناثان، إذ كشف بريد إلكتروني تم تسريبه أن “فريق خورخي” من بين أربعة كيانات تعمل في شراكة في مشروع نيجيريا: “نحن نعمل بشكل منفصل ولكن يجب أن نتعاون معًا من أجل زيادة فعاليتنا إلى أقصى حد. يجب أن يرى عملاؤنا النتائج”.
بعد يومين؛ بدا أن البعض في “كامبردج أناليتيكا” لديهم مخاوف بشأن ما إذا كان فريق حنان يؤدي عمله كما تم الاتفاق عليه، فقد سأل أحد الموظفين: “ماذا يفعل خورخي وجويل؟ لقد حان وقت التسليم الآن، اعتقد بأننا لن نحصل على أي شيء منهم إلا قبل أيام قليلة من الانتخابات. لقد فات الأوان بالنسبة لعملائنا … كما تعلمون، يتقاضون رواتبهم مقابل إجراء بحث عن المعارضة، وحتى الآن لم نتلق أي معلومات جوهرية”.
وأضاف الموظف نفسه: “الهاتفان الآمنان اللذان سنشتريهما من خورخي لا يعملان، وقد تحدثنا إليهم هذا الأسبوع الماضي، فهذان الهاتفان مكلفان للغاية وحتى الآن لم نتمكن من استخدامهما على الاطلاق”.
ليس من الواضح من رسائل البريد الإلكتروني ما الذي طلبته “كامبردج أناليتيكا” بالضبط من “فريق خورخي” أن يفعله في الحملة أو كيف سيفعل الإسرائيليون ذلك. ما هو واضح هو أن الموظفين في شركة الاستشارات البريطانية توقّعوا أن يقدّم الإسرائيليون حزمة من المعلومات.
في رسالة بريد إلكتروني أخرى، طلبت موظفة تعمل في الحملة من زميل لها “عنوان بريد إلكتروني لـ”فريق خورخي”، الذي أرادت الاتصال به “للحصول على بعض المساعدة في الحصول على معلومات للحملة”، وردّ عليها برسالة فيها “خورخي وجويل للتنسيق” وأضاف: “أعتقد أن الطرد سيصل إليك الأسبوع القادم”. وفي النهاية؛ يبدو أن معلومات “فريق خورخي” تم نقلها إلى “كامبردج أناليتيكا” في اجتماع في مكتب لندن.
لقطات سرية للمنافس الانتخابي
قدّمت كايزر سردًا لما حدث بعد ذلك إلى لجنة برلمانية بعد ثلاث سنوات؛ حيث أخبرت أعضاء البرلمان أن المقاول الإسرائيلي – المعروف الآن باسم “فريق خورخي” – زار مكاتب “كامبردج أناليتيكا” في مايفير، وقالت: “لقد جاؤوا إلى المكتب ربما لمدة ساعة في اليوم، وقاموا بتوصيل شيء ما بجهاز كمبيوتر لإظهار بعض المعلومات التي حصلوا عليها من حملة المعارضة”.
وأضافت أن ذلك يتضمن مقطع فيديو من داخل اجتماعات حملة بخاري، تم تصويره على ما يبدو بواسطة الجاسوس الذي زرعه الفريق الإسرائيلي فيها. وتذكرت أنها كانت “مصدومة” و”متفاجئة”، “لأنهم كانوا في الواقع يجلسون هناك مع مدير حملة المرشح وأفراد آخرين رفيعي المستوى في الحملة، ولم أر ذلك من قبل بين مستشاري الحملة”.
وحصل المقاولون الإسرائيليون أيضًا على وثائق قالت كايزر إنه تم تسريب بعضها للصحافة، وأخبرت اللجنة البرلمانية أنها وجدت أنشطة المقاول الإسرائيلي “مقلقة” لكنها شددت على: “لم أكن أعرف ما الذي ينوون فعله حتى قاموا به بالفعل”، وعندما سُئلت عن اسم الفريق الإسرائيلي وراء حملة “بلاك أوبس”، أجابت: “بصراحة لا أتذكر”.
تال حنان
بعد شهرين من خسارة جوناثان الانتخابات الرئاسية في نيجيريا؛ كانت “كامبردج أناليتيكا” تفكر مرة أخرى في العمل مع شركائها الإسرائيليين؛ حيث أرسل نيكس، رئيس “كامبردج أناليتيكا”، سؤالًا عبر البريد الإلكتروني إلى كايزر كتب فيه “ما هو لقب خورخي (من شركة بلاك أوبس الإسرائيلية) من فضلك؟ وأيضًا ما هو اسم شركته؟”. وردّت كايزر: “تال حنان هو الرئيس التنفيذي لشركة “ديمومان إنترناشيونال””.
لم يرد نيكس على أسئلة من صحيفة “الغارديان”، واكتفى بالقول بأن “المعلومات المزعومة التي أدلت بها الصحيفة مثيرة للجدل”.
وقالت كايزر لصحيفة “الغارديان” إن شهادتها البرلمانية كانت “تجربة مروعة”، مضيفة: “لم أتذكر اسم شركة ديمومان عندما سُئلت عنها”، وأشارت إلى أنه لم يكن لديها معرفة مسبقة بالطرق التي سينتهي بها عمل “فريق خورخي” في نيجيريا، وأضافت: “من الواضح أنه ليس من المحبّذ الاطّلاع على الجوانب المتعددة لصناعة السياسة، وأنا أفهم كيف يمكن لأولئك الذين لم يروها واختبروها عن قرب أن ينتقدوا ما يُعتبر سلوكًا سياسيًا عاديًا في الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم. لكنني لا أعتقد أن الإجرام (مع بعض الاستثناءات) متفشي”.
المصدر: الغارديان