منحت إدارة الهجرة التركية اللاجئين السوريين من حاملي بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك”، ويقيمون ضمن الولايات المنكوبة في الجنوب التركي جرّاء كارثة زلزال 6 فبراير/ شباط الجاري، إجازات استثنائية لزيارة ذويهم في مناطق شمال غربي سوريا، بغية التخفيف من معاناتهم في ظل تداعيات الكارثة.
ويستطيع السوريون في المناطق المنكوبة الدخول إلى مناطق شمال غربي سوريا عبر 4 معابر رئيسية، هي معبر باب الهوى في ريف إدلب، ومعبر باب السلامة ومعبر جرابلس بريفَي حلب الشمالي والشرقي، ومعبر تل أبيض، وتتراوح مدة الزيارة بين شهر ضمن الحد أدنى و6 أشهر كحدّ أقصى.
ورغم تشرُّد معظم اللاجئين السوريين الناجين من الزلزال وبقائهم دون مأوى، فإن كثيرين منهم يرفضون الدخول إلى سوريا ضمن الإجازة، بسبب مخاوفهم من اعتبار الزيارة عودة طوعية وإيقاف بطاقة الحماية المؤقتة، إضافة إلى أن بعضهم ليسوا من مدن الشمال السوري وإنما من المحافظات السورية الأخرى، ولا يستطيعون العودة إليها بسبب وقوعها تحت سيطرة نظام الأسد.
البقاء دون مأوى
يعيش في الولايات المنكوبة في الجنوب التركي حوالي 2 مليون لاجئ سوري في ظروف صعبة للغاية، بعدما تدمّرت وتضررت منازلهم جرّاء الزلزال، الأمر الذي دفعهم للخروج إلى الشوارع والساحات والحدائق التي يوجد فيها بعض الخيام، وبعضهم في المخيمات المخصصة للاجئين.
وينحدر اللاجئون في المناطق المنكوبة من مختلف المحافظات السورية التي تسيطر عليها 3 سلطات، هي النظام والمعارضة وقسد، فيما يمكن للزائر الدخول فقط إلى مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها المعارضة.
قبل أيام، اتخذ خليل المحمد (45 عامًا)، والذي يقيم في مدينة كهرمان مرعش التركية، قرار دخول الأراضي السورية ضمن الإجازة التي منحتها إدارة الهجرة التركية للاجئين السوريين في المناطق المنكوبة، هاتاي وكهرمان مرعش وديار بكر وغازي عنتاب وكلس وأديمان وشانلي أورفا والعثمانية وملاطية وأضنة.
ونجا الرجل وعائلته بأعجوبة بعدما خلّف الزلزال ضررًا شديدًا في المبنى الذي كان يقطنه، حيث وقع جدار المنزل على ظهره واستطاع الخروج من بين الأنقاض بجروح بسيطة، ما اضطره وعائلته البقاء لأيام في شوارع الأحياء دون مأوى.
وقال الرجل الذي ينحدر من مدينة مارع شمالي حلب، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “دخلت إلى سوريا لقضاء فترة الإجازة ريثما يستقر الوضع في تركيا، لأن معظم الناجين السوريين والأتراك يباتون في العراء أو في خيام نُصبت على عجل في الشوارع والساحات العامة، ولا يمكنني النزوح إلى مدن تركية أخرى لأن إمكاناتي محدودة”.
وأضاف أن الصدمة التي خلّفها الزلزال ثقيلة عليهم، والبقاء في المنطقة ذاتها دون مأوى وسط انعدام الحلول أمام السوريين سيزيد الأمر سوءًا، لذلك سيقضي بضعة أسابيع في الشمال السوري ريثما يتبيّن مصيرهم بعد التعافي الجزئي من الكارثة.
وكانت دائرة الهجرة التركية قد سمحت للسوريين في الولايات المنكوبة بالتوجُّه إلى بقية الولايات التركية دون الحاجة إلى استصدار إذن سفر، لكن لمدة محدودة هي 60 يومًا.
ويحاول السوريون التغلُّب على الواقع الذي باتوا فيه جراء تداعيات كارثة الزلزال، لا سيما أنهم فقدوا منازلهم وأعمالهم التي كانت بالكاد تغطي احتياجات أسرهم، فأصبحوا أمام تحديات مضاعفة أوقعتهم بين حيرة المخاوف.
مخاوف العودة الطوعية
يخشى اللاجئون السوريون في تركيا من إيقاف بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك”، وعدم القدرة على العودة إلى الأراضي التركية في حال قرروا الدخول إلى سوريا ضمن الإجازة، في ظل ظروف صعبة يعيشها السوريون لا سيما حملات العنصرية التي تقودها شخصيات تركية معارضة، حتى خلال الكارثة التي لم تستثنِ أحدًا.
الإجازة الاستثنائية للاجئين السوريين في معبر باب الهوى
ورغم إمكانيته في قضاء الإجازة عند أقاربه في الشمال السوري، يرفض محمد الحسن من مدينة حلب، والذي يقيم في مدينة غازي عنتاب التركية، الدخول إلى الأراضي السورية، خشية إبطال بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك”، حيث يقيم مع عائلته وعائلات سورية وتركية في مخيم بالقرب من مدينة غازي عنتاب.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “رغم تعرضنا للتمييز العنصري من قبل بعض الأتراك أثناء حملات الاستجابة والإغاثة التي تعطي الأولوية للمواطن التركي، فإننا نحاول الاستقرار حتى تنتهي تداعيات الكارثة، كون دخول الشمال السوري قد يفقدنا إمكانية العودة لاحقًا، لا سيما توقف “الكيملك” وفقداننا لأعمالنا ومهننا”.
وأضاف: “لا أملك منزلًا في المناطق المحررة، لأن منزلي في حلب استولت عليه ميليشيات النظام والعودة إليه غير ممكنة، وحتى الانتقال إلى الولايات التركية الأخرى غير المتضررة أمر صعب مع قوانين التنقل المخصّصة للاجئين، عدا عن التكاليف المالية المرهقة”.
وتزامنت مخاوف اللاجئين السوريين من اعتبار زيارتهم إلى الشمال السوري عودة طوعية، مع إعلان وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أمس الاثنين عن عودة 20 ألف سوري إلى بلادهم بعد كارثة الزلزال، وذلك ردًّا على مزاعم تشير إلى وجود موجة لجوء جديدة تتدفّق من سوريا إلى تركيا التي نفاها أكار خلال تصريحه، مؤكدًا أن التدفُّق يحدث باتجاه واحد من تركيا إلى سوريا.
من جانبه، يقول عمار الخطيب الذي يقيم مع أسرته في مدينة مرعش، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “رغم انتشار الشائعات عن إمكانية إبطال الحماية المؤقتة، إلا أنني أرفض زيارة سوريا، وأخشى عدم القدرة على العودة إلى تركيا، لأن الشمال السوري منكوب قبل الزلزال، ولا يمكنه التعافي كما في الداخل التركي”.
وأضاف أنه يقطن مع عائلته في خيمة أمام منزله المتضرر جرّاء الزلزال في مدينة مرعش، ويحاول الاستقرار ريثما يتضح مصيرهم، كما أوضح أنهم مرتبطون بأعمالهم التي استهلكت سنوات لتأسيسها، ولا يمكنهم تركها دون الاطمئنان على إمكانية العودة إلى تركيا”.
تخبُّط في قرارات المعابر
أعلن معبر باب الهوى الحدودي بريف إدلب في 15 فبراير/ شباط عن افتتاح الإجازات لاستقبال اللاجئين السوريين ضمن الولايات التركية المنكوبة جرّاء الزلزال في الشمال السوري، إذ يمكن لحاملي بطاقة الحماية المؤقتة “الكمليك” في تلك الولايات الدخول إلى الأراضي السورية، لإجازة أقلها 3 أشهر وأقصاها 6 أشهر.
من جهته، أعلن معبر باب السلامة الحدودي بريف حلب الشمالي، في 17 فبراير/ شباط، عن السماح للسوريين حاملي بطاقة الحماية المؤقتة في مختلف الولايات التركية المنكوبة وغير المنكوبة، وعددها 81 ولاية، بالدخول إلى سوريا، إلا أن المعبر أصدر بيانًا آخر وحدد أن الإجازة تشمل في الوقت الحالي السوريين من حاملي “الكيملك” في الولايات المنكوبة فقط.
بينما معبر جرابلس الحدودي استقبل في 18 فبراير/ شباط سوريين من حاملي بطاقة “الكيملك” وأصحاب الجنسية المزدوجة من جميع الولايات التركية، وفق الإعلان الأول، إلا أنه في صباح يوم الاثنين عدّلت إدارة المعبر القرار بتخصيص الزيارة للمناطق التركية المنكوبة فقط، مع السماح لحاملي “الكيملك” في الولايات غير المنكوبة العودة إلى سوريا.
ودفع تخبُّط قرارات المعابر في تحديد الولايات التركية المشمولة في الإجازة إلى إثارة مخاوف اللاجئين السوريين، الذين فوجئوا بتوضيح اللجنة السورية التركية المشتركة، بعد افتتاح المعابر، بأنها تشمل فقط الولايات المنكوبة في الجنوب التركي.
وحول الموضوع، قال مدير العلاقات العامة في معبر باب الهوى الحدودي، مازن علوش، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “نحن نتفهّم ما يعيشه السوريون من مخاوف في ظل التصريحات التركية، لكن توضيح الجانب التركي يؤكد أنها إجازة نظامية ولا يسقط فيها حق الإقامة المؤقتة إلا في حال التأخُّر عن الحد الأقصى لموعد انتهائها”.
وأضاف: “تعمل إدارة المعبر على تسهيل حركة العبور وتأمين مأوى للعائلات التي لا تملك مكانًا لقضاء إجازتها، بالإضافة إلى الرعاية الطبية للمسافرين”، وأشار إلى أن عدد السوريين الذين عبروا إلى الأراضي السورية بلغ 9 آلاف و847 شخصًا خلال 7 أيام.
بدوره، أكّد مدير معبر باب السلامة، العقيد قاسم القاسم، خلال حديثه لـ”نون بوست” أن “الإجازة نظامية، حيث يحصل الزائر على بطاقة للحجز تلزمه بإمكانية العودة إلى تركيا خلال فترة أقلها شهر وأكثرها 6 أشهر”، وتابع: “بلغ عدد السوريين الذين دخلوا من المعبر خلال 5 أيام 3 آلاف و721 شخصًا”.
وبلغ عدد السوريين الذين عبروا من معبر جرابلس خلال يومَين ألفَين و428 شخصًا، أما معبر تل أبيض بريف الرقة الشمالي فقد بلغ عدد العابرين منه إلى سوريا من حملة الجنسية المزدوجة 1500 شخص، وحاملي بطاقة الحماية المؤقتة 5 آلاف و742 شخصًا، والعودة الطوعية 398 شخصًا.
وبلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا الأراضي السورية، ضمن الإجازة الاستثنائية ويحملون بطاقة الحماية المؤقتة، سواء من الولايات المنكوبة أم غير المنكوبة، عبر معابر جرابلس وباب الهوى وباب السلامة وتل أبيض، نحو 21 ألفًا و765 شخصًا.
ورغم التطمينات وبطاقات الحجز التي تعدّ بمثابة تفاهم ضمني لقضاء الإجازة في الفترة المحددة، لا يزال الأمر مصدر قلق أمام اللاجئين السوريين، بعدما تقطّعت بهم السبل في الداخل التركي بين مخاوف اعتبارات العودة الطوعية والبقاء بلا مأوى، في ظل تداعيات الكارثة التي تؤرقهم.