ترجمة حفصة جودة
منذ بداية العام الجديد، كانت تجربة القراءة عن “إسرائيل” باللغة العبرية مثيرة للقلق، كان أحد المقالات يصف عنبر الولادة حيث أقنعوا سيدة فلسطينية من الناصرة بتغيير غرفتها بعد أن رفضت سيدة يهودية مشاركة الغرفة مع أخرى غير يهودية.
كشف مقال آخر أن قائد الجيش الإسرائيلي المسؤول عن الضفة الغربية وزع مؤخرًا كتيبات يهودية على جنوده بعنوان “أسرار مخلّصي الأرض، من أبينا إبراهيم إلى شباب المستوطنين” يعلمهم كيفية الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.
أشار التقرير الثالث إلى أن عدد الفلسطينيين الذين قُتلوا بنيران الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية عام 2022 هو الأعلى منذ 18 عامًا، بينما يشرح مقال رابع كيف وافقت المحكمة العليا الإسرائيلية على طرد الفلسطينيين من منازلهم في 8 قرى، ومطالبة الجيش الإسرائيلي بإجراء تدريبات عسكرية منتظمة في نفس المنطقة.
هذه الأخبار المحلية التي تكشف عن الواقع اليومي المروع في “إسرائيل” نادرًا ما تصل إلى الأخبار الدولية، أحد الأسباب التي تجعل وسائل الإعلام الدولية تمتنع عن تغطية هذه القصص، أنها إذا فعلت ذلك فإنها ستطعن في الرواية الحاليّة التي كانت تنشرها تلك الوسائل الإعلامية عن “إسرائيل”: إن ديمقراطية “إسرائيل” القوية الفعالة تتعرض للتهديد من الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
في الحقيقة؛ كانت التغطية الدولية لـ”إسرائيل” منذ انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2022 موحدة إلى حد ما، فمقال وراء آخر يحذرنا من التغييرات التشريعية التي قدمتها الحكومة وتسمح لها بإبطال قرارات المحكمة العليا ويدين التشريعات التي منحت وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير سلطة سياسية واسعة على الشرطة بما فيها المنتشرة في الضفة الغربية، بما يمثل تهديدًا لدور القانون في البلاد.
هذه الأمور – بلا شك – قضايا مهمة تستحق تغطية إعلامية مكثفة، فالقوانين والسياسات التي تقدمها أو تقترحها الحكومة الجديدة تهدف بشكل واضح إلى تقويض فصل السلطات بين الهيئات القضائية والتشريعية والتنفيذية، ذلك الفصل الذي يعمل على حماية الديمقراطيات من استبداد الأغلبية.
تلك التقارير التي تنتقد حكومة نتنياهو الجديدة وتصفها “بغير الديمقراطية” تعمل بالفعل على تبييض الطبيعة غير الديمقراطية المتأصلة في “إسرائيل”
منذ تأسيس ائتلاف نتنياهو، ركزت التغطية الإعلامية الدولية لـ”إسرائيل” بشكل حصري على تلك القضايا أغلب الوقت، فوسائل الإعلام تنشر بشكل مكثف عن احتجاجات مواطني “إسرائيل” الذين يرون أن سياسات الحكومة الجديدة “تهديد للديمقراطية”.
نشرت وسائل الإعلام تلك عددًا لا يُحصى من المقالات التي تنتقد اقتراح الحكومة بتعديل النظام القضائي، وتصفه بأنه محاولة لتقويض التوازنات والضوابط الديمقراطية، كما غطت بكثافة أي انتقادات للتغييرات التشريعية من قادة الغرب، فبحسب وصفهم: تواجه “إسرائيل” أزمة ديمقراطية غير مسبوقة.
هذا التناول ليس خاطئًا بالضرورة، فرغم كل شيء، هذه المقترحات حقيقية ومثيرة للقلق فعلًا، لكن التقارير الإخبارية في وسائل الإعلام العبرية وتجارب ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت جناح الديمقراطية الإسرائيلية، تقول بأن هذا التناول مضلل للغاية.
تشير السردية المهيمنة عن “إسرائيل” والمنتشرة في الشمال العالمي إلى أن “إسرائيل” هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وهكذا، فتلك التقارير التي تنتقد حكومة نتنياهو الجديدة وتصفها “بغير الديمقراطية” تعمل بالفعل على تبييض الطبيعة غير الديمقراطية المتأصلة في “إسرائيل” ومؤسساتها الرائدة بما في ذلك المحكمة العليا.
بالطبع هناك ديمقراطية في “إسرائيل” لكنها أقرب لتلك الديمقراطية المنتشرة بين البيض في الفصل العنصري بجنوب إفريقيا، عن الديمقراطية الموجودة حاليًا في المملكة المتحدة مثلًا أو فرنسا.
كشفت عدة دراسات عن الدور الحيوي الذي لعبته المحكمة في تمكين المشروع الاستعماري الإسرائيلي وتشريع انتهاكات الدولة ضد الفلسطينيين
يعيش ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية تحت السيطرة الفعلية لـ”إسرائيل”، لكنهم لا يستطيعون المشاركة في العملية السياسية، بينما يعتبر مئات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس الشرقية “سكانًا” وليسوا “مواطنين” وبالتالي لا يمكنهم التصويت في الانتخابات الوطنية.
وحتى المواطنين الفلسطينيين الذين يستطيعون المشاركة في الانتخابات، فإنهم يخضعون لعدد من القوانين التمييزية، كل ذلك؛ وفقًا لعدد من الباحثين وعلماء القانون والنشطاء والمنظمات الدولية المحترمة مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، يعني أن “إسرائيل” ليست ديمقراطية ليبرالية فعالة، لكنها نظام فصل عنصري، بمعنى آخر، تلك الديمقراطية التي تتعرض لهجوم الحكومة الإسرائيلية هي ديمقراطية لليهود فقط.
وبالمثل، فالمحكمة العليا الإسرائيلية التي تصورها وسائل الإعلام الدولية بأنها نموذج الاستقامة الأخلاقية، فهي مدافع عن الحقوق الديمقراطية لليهود فقط، كشفت عدة دراسات عن الدور الحيوي الذي لعبته المحكمة في تمكين المشروع الاستعماري الإسرائيلي وتشريع انتهاكات الدولة ضد الفلسطينيين.
لقد منحت أحكامها الشرعية لمصادرة أراضي الفلسطينيين والغطاء القانوني للإعدامات خارج نطاق القانون وهدم المنازل والتهجير والاعتقالات الإدارية التي تستهدف الفلسطينيين، كما أن عددًا من قضاتها “مستوطنون” وبالتالي فهم “مجرمون” وفقًا للقانون الدولي.
إن التغييرات التشريعية التي يقترحها نتنياهو جديدة، لأنها ستسمح لحكومته باستهداف اليهود الذين لا يتفقون مع أيدولوجيته السياسية وتقويض قدرة الهيئة القضائية على محاربة الفساد (وهو سبب آخر يدفع نتنياهو لتقديم تلك التشريعات حيث يواجه 3 محاكمات بتهمة الفساد).
لكن ادعاء أن الحكومة الجديدة في طريقها لتدمير ديمقراطية “إسرائيل”، ليس له أساس من الصحة إلا في عالم لا وجود فيه للفلسطينيين.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية