ترجمة حفصة جودة
بعد أن دمرت الزلازل المتتابعة منزلها، فرّت رغد من أنطاكية جنوب تركيا، تلك المدينة التي كانت وطنًا لها خلال الثلاث سنوات الماضية، عاشت رغد اللاجئة السورية – 26 عامًا – في تلك المدينة مع شقيقاتها الأربعة الأصغر منها، ووالدتها وابن أختها ذي الأربع سنوات، بعد اختفاء والدها في أثناء الحرب بسوريا.
عندما وقع الزلزال يوم 6 فبراير/شباط، تعهدت رغد أن تصل بعائلتها إلى بر الأمان، لم يكن يرتدين شيئًا إلا ملابس النوم، عندما قادت رغد أسرتها وسط الليل قارص البرودة، حتى أقنعت سائق حافلة بأن يأخذ ألفي ليرة ليوصلهم إلى إسطنبول، فهي المدينة الوحيدة التي يوجد بها أفراد من عائلتهن الممتدة.
بعد رحلة استمرت 17 ساعة وسط الثلوج والطرق المدمرة، أصبحن يعشن الآن في مسكن وفره لهن أحد المتطوعين في إسطنبول، ويتكفل بمصاريفهن عمّ رغد وخطيبها السوري اللذان يعيشان في إسطنبول.
لكن بعد التعليمات التي أصدرتها الحكومة عقب الزلازل، تواجه رغد احتمالية الإجبار على العودة إلى أنطاكية خلال شهرين، تقول رغد: “لا مكان لدينا لنذهب إليه، لقد سُويت منازلنا بالأرض، وإذا عدنا سنعيش في الشوارع أو في خيمة”.
تقول رغد إن كل ما تملكه عائلتها اختفى في عدة ثوان خلال الزلزال، لقد اختفت الأموال التي ورثنها من جدهن وشهادات تعليمها وجواز سفرها، وما تعتبره أهم من ذلك كله، فستانها الأبيض التي كانت تخطط لارتدائه في زفافها بشهر مارس/آذار، تضيف رغد “لقد استملته فقط قبل ليلة من الزلزال، كان معلقًا على باب الخزانة عندما بدأت الجدران تنهار من حولنا”.
سياسة مؤقتة
وفقًا للتقديرات الحكومية، يعيش أكثر من 1.7 مليون لاجئ سوري في المحافظات الـ10 الجنوبية التي دمرها الزلزال هذا الشهر، يعتمد الكثيرون مثل عائلة رغد على وضع حماية مؤقتة أو دولية التي تلزمهم بالعيش فقط في المحافظة التي سجلوا فيها، فقبل الزلزال، لم يكن باستطاعتهم السفر إلى أي محافظة أخرى دون تصريح.
بعد يوم من الزلزال، أصدرت السلطات التركية تعليمات تسمح للاجئين في تلك المحافظات بالسفر إلى أي مدن أو محافظات أخرى – عدا إسطنبول – لمدة تصل إلى 90 يومًا إذا كان باستطاعتهم تأمين مسكن لهم.
لكن بعد فرار الكثير من اللاجئين إلى إسطنبول في الأيام الأولى للزلزال، راجعت المديرية العامة لإدارة الهجرة قرارها لكل حالة على حدة، وسمحت للعائلات التي وصلت بالفعل لإسطنبول، بالبقاء فيها حتى 60 يومًا.
في يوم 13 فبراير/شباط، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات أخرى تسمح للأشخاص الحاصلين على حماية دولية أو مؤقتة ويعيشون في الـ5 مدن الأكثر تضررًا – كهرمان مرعش وهاتاي وغازي عنتاب وملطية وأديامان – بالسفر لمدة 60 يومًا إلى أي محافظة أخرى دون تصريح.
بمجرد وصولهم إلى محافظة أخرى، يجب عليهم التسجيل في المديرية العامة لإدارة الهجرة للحصول على تصريح الـ60 يومًا للبقاء فيها، أما الذين يعيش في المحافظات الخمسة الأخرى – أضنة وعثمانية وشانلي أورفة وكلّس وديار بكر – فيجب عليهم الحصول على تصريح سفر أولًا قبل المغادرة.
أعلن نشطاء سوريون ومنظمات حقوق الإنسان أن تعليمات الحكومة غير إنسانية وغير واقعية، لأن اللاجئين لن يستطيعوا إعادة بناء منازلهم جنوب تركيا في مثل هذا الوقت القصير
يقول بال نيسي الأمين العام للمنظمة النرويجية لطالبي اللجوء: “عندما يحصل شخص ما على وضع اللجوء في دولة أوروبية، فإنه يتمكن من الانتقال بحرية داخل البلاد”، ويضيف “هناك بعض القصور في الأنظمة القانونية التركية مقارنة بالدول الأخرى التي وقعت على اتفاقية اللاجئين دون تحفظ”.
يستكمل نيسي حديثه قائلًا: “كان تفسير تركيا للاتفاقية قد وضع قيودًا جغرافية – حيث يمكن للأوروبيين فقط في تركيا الحصول على الحق الكامل في طلب اللجوء -، لكن تركيا استثنت السوريين من ذلك وسمحت لهم بأن يصبحوا لاجئين بمجرد تسجيلهم”.
وأضاف نيسي أن قرار تركيا بتقييد الحركة يرجع غالبًا إلى الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فهي طريقة للحد من أعداد اللاجئين في إسطنبول والمدن الكبرى.
غير واقعي
أعلن نشطاء سوريون ومنظمات حقوق الإنسان أن تعليمات الحكومة غير إنسانية وغير واقعية، لأن اللاجئين لن يستطيعوا إعادة بناء منازلهم جنوب تركيا في مثل هذا الوقت القصير.
تقول إيما سنكلير مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تركيا: “مهلة الـ60 أو 90 يومًا ليست واقعية على الإطلاق، لأنه لن يكون هناك حلول طويلة المدى في ذلك الوقت، هذه القرارات حل مؤقت لعملية نزوح داخلي ضخمة، فلا توجد الآن منازل آمنة أو بنية تحتية، وبالطبع انخفاض كبير في فرص العمل بتلك المحافظات المنكوبة”.
دعت سنكلير الحكومة التركية إلى ابتكار سياسة أكثر ملاءمة على المدى الطويل التي تحترم حق البشر في تأسيس حياة مستقرة والحصول على التعليم والعمل لإعادة بناء حياة مستدامة.
وصف طه غازي – الناشط السوري الذي يعمل في مؤسسة حقوقية للاجئين في تركيا – هذا القرار بأنه تعسفي وغير إنساني، وقال: “إلى أي شيء سيعود اللاجئون السوريون؟ إلى كومة من الأنقاض؟”.
تسهيل لا تقييد
وفقًا لإيناس النجار مديرة الاتصالات وعضوة سورية في اللجنة السورية التركية المشتركة، فإن هذه التعليمات كانت استجابة أولية لمساعدة اللاجئين السوريين المتأثرين بالزلزال على التنقل والسفر.
تضم اللجنة – التي أُسست عام 2019 نيابة عن وزارة الداخلية التركية والائتلاف الوطني للمعارضة السورية – نائب وزير الخارجية التركية ورئيس المديرية العامة لإدارة الهجرة.
تقول النجار: “هذه الانتقادات كانت مفاجئة بالنسبة لي، فنحن أعضاء اللجنة من طلبنا السماح بذلك، وكان الهدف ضمان عدم بقاء أحد في الشوارع، لقد كانت وسيلة لتسهيل سفر الناس إلى المناطق الأخرى التي تعيش فيها عائلاتهم”.
أضافت النجار أنها طالبت بالقرار بعد أن تواصل اللاجئون السوريون مع اللجنة في أول ليلة من الزلزال، يشتكون من عدم قدرتهم على السفر عبر المطارات أو حتى محطات الحافلات، وتقول إن القرار كان فقط خطة مبدأية للاستجابة للموقف والطلب الكبيرعلى السكن بعد الزلزال.
تقول النجار: “كنا نحاول العثور على حل سريع، والآن نحاول أن نرى ما سيحدث بعد مرور 3 أشهر، خاصة أن أعمال البناء ستستغرق عامًا، لذا ربما يتم تجديد هذه القرارات”.
بالإضافة إلى المطالبة بتمديد الفترة الاستثنائية لمدة عام على الأقل، تحدث غازي عن الحصة التي تفرضها الحكومة بتحديد سكن 25% فقط من الأجانب في أحياء معينة، وقال: “عندما صدر القرار في يوليو/تموز، أغلقت وزارة الداخلية نحو 1200 حي سكني في البلاد في وجه الأجانب الراغبين في الانتقال إليهم، هذه الحصة أكبر تحد الآن يواجهه اللاجئون السوريون النازحون من جنوب تركيا”.
يقول غازي: “إذا انتهى بهم المطاف في أحد تلك الأحياء المغلقة في وجه الأجانب لأن عائلاتهم تعيش هناك، فلن يستطيعوا الحصول على تصريح إقامة، وسيعني ذلك انقطاع الخدمات الاجتماعية والعامة عنهم بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية”.
قالت النجار إن هذا القرار تم تعليقه مؤخرًا بما يسمح للمتضررين من الزلزال بالعيش في أي مكان توجد به عائلاتهم، ومع ذلك لا يمكنهم نقل إقامتهم في تلك الأحياء، لذا فما نقلق بشأنه هو ماذا سيكون وضعهم بعد مرور 3 أشهر.
تزايد المشاعر المعادية للسوريين
قالت محافظة أنقرة إنها أنفقت أكثر من 40 مليار دولار لتسكين اللاجئين السوريين الذين عبروا الحدود منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2011، استقبل معظم المواطنين الأتراك اللاجئين السوريين في بلادهم التي أصبحت أكبر مضيف للاجئين في العالم.
لكن الأزمة الاقتصادية والمالية التي حدثت في السنوات الأخيرة، أثارت غضبًا وسخطًا عامًا لوجود ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري، يراهم الأتراك كمنافسين لهم في الوظائف، ومنذ أن انتشرت مزاعم بأن السوريين سرقوا ونهبوا في أعقاب الزلزال، ازدادت العدائية تجاه السوريين في الأسبوع الماضي، وعادت الشعارات المعادية للسوريين في الظهور مرة أخرى بوسائل الإعلام التركية، بينما عاد السياسيون اليمينيون المتطرفون إلى المطالبة بترحيلهم.
ومع تزايد ضغوط المشاعر المعادية للمهاجرين على الحكومة التركية قبيل الانتخابات العامة المقرر انعقادها في مايو/أيار القادم، يتوقع غازي أن يصبح الوضع أكثر تحديًا للاجئين السوريين في الـ6 أشهر القادمة.
يقول غازي محذرًا: “هذا الوضع الذي انكشف منذ وقوع الزلزال وتصاعد الخطاب المعادي للسوريين سيدفع اللاجئين فقط إلى العودة لسوريا أو محاولة الهجرة إلى أوروبا”، فمئات العائلات السورية التي نجت من الزلزال عبرت بالفعل الحدود إلى سوريا التي مزقتها الحرب.
بالنسبة لرغد، يبدو مستحيلًا أن تضع خططًا لعائلتها، فرغم أنهن واجهن هذا الاضطراب عشرات المرات بسبب الحرب في سوريا، فإن هذه المرة هي الأصعب، تقول رغد: “في كل مرة كنا نضطر فيها للنزوح، كنت أستطيع توقع ما هو قادم، لكن هذه المرة لا فكرة لدي عن المستقبل”.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية