بعد 360 يومًا على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية التي خلفت وراءها 280 ألف قتيل (180 ألف من القوات الروسية و100 ألف من الجانب الأوكراني) وخسائر وصلت إلى 472 مليار دولار (300 مليار من الجانب الروسي و172 مليار من الجانب الأوكراني) فضلًا عن خسارة روسيا لثلث ترسانتها العسكرية مقابل نصف الترسانة العسكرية الأوكرانية، بجانب الخسائر الهائلة التي تكبدها الاقتصاد العالمي جراء تلك المعركة، ها هي الصين أخيرًا تدرك خطورة الموقف وضرورة وقف الحرب وتغليب الحل الدبلوماسي، من خلال إعلان نيتها القيام بدور الوساطة.
وقدمت بكين الجمعة 24 فبراير/شباط 2023 مقترحًا لوقف إطلاق النار في أوكرانيا يتضمن 12 بندًا حسبما نشرت وزارة الخارجية الصينية على موقعها الرسمي على منصات التواصل الاجتماعي، فيما قال مندوب الصين في مجلس الأمن خلال جلسة خاصة عقدها المجلس على هامش الذكرى الأول للحرب “الحلول الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لحل الأزمة الأوكرانية، وإن وضع أطراف النزاع حول طاولة المفاوضات ليس أمرًا سهلًا، لكنه الخطوة الأولى نحو حل سياسي”.
ويأتي الإعلان عن تلك الوثيقة بعد اختتام المحادثات الروسية الصينية التي جرت في 22 من الشهر الحاليّ في موسكو، التي أكد خلالها مسؤول السياسة الخارجية الصينية وانغ يي بعد لقاء جمعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استعداد بلاده للعب دور “محايد وبنّاء” بين روسيا وأوكرانيا.
المبادرة – رغم أنها غير مكتملة الملامح – لاقت ردود فعل متباينة بين مرحب ومشكك ومترقب، فيما فرضت بعض المسائل الأخرى نفسها على ساحة النقاش في إطار دراسة وتقييم قدرة بكين على القيام بهذا الدور ومدى امتلاكها لأدوات ومقومات التنفيذ، وما هي دوافعها لذلك ولماذا الآن والعقبات التي يمكن أن تقف حجر عثرة أمام نجاح الوساطة.
مبادرة غير مكتملة
المبادرة التي كشفت عنها بكين لا يمكن اعتبارها وثيقة سياسية بالمعنى التقليدي المتعارف عليه، فهي أقرب إلى بنود عامة وأطر أولية يمكن الاستناد عليها لانطلاق عملية التفاوض والتباحثات، دون وضع خطة أو جدول زمني للتنفيذ، أشبه بما قدمته أنقرة قبل ذلك حين استضافت طرفي الحرب ووسطاء دوليين على طاولة النقاش لديها أكثر من مرة، وكان من مخرجاتها الإفراج عن شحنات القمح والذرة العالقة في المخازن الأوكرانية.
وركز المقترح الأساسي المكون من 12 بندًا على 5 محاور أساسية: الأول يتعلق بضرورة احترام السيادة والتشديد على “التمسك، بشكل فعال بسيادة جميع البلدان واستقلالها وسلامتها الإقليمية”، كذلك أهمية استئناف محادثات السلام بين طرفي النزاع، على اعتبار أن الحوار والتفاوض هما الحل الوحيد القابل للتطبيق.
وشددت المبادرة على ضرورة أن يظل المجتمع الدولي “ملتزمًا بالنهج الصحيح لتعزيز المحادثات من أجل السلام ومساعدة أطراف الحرب على فتح الباب أمام تسوية سياسية في أسرع وقت ممكن، وتهيئة الظروف والمنصات لاستئناف المفاوضات”، بجانب نبذ استخدام الأسلحة النووية كأحد الأسلحة المستخدمة في الحرب، وهو التهديد الذي طالما لوحت به موسكو أكثر من مرة، حيث أشارت الوثيقة إلى أنه “يجب منع الانتشار النووي، وتجنب حدوث أزمة نووية”.
مؤكدة على معارضة بكين “استخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية من أي دولة، تحت أي ظرف من الظروف”، كما يتعين على الجانبين “الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي، وتجنب مهاجمة المدنيين أو المنشآت المدنية”.
كما دعت بكين في مقترحها المقدم جميع الأطراف إلى التخلي عما أسمته “عقلية الحرب الباردة” في إشارة إلى إستراتيجية إطالة أمد الحروب والنزاعات بين المعسكرين الشرقي والغربي، كأحد مخرجات الحرب العالمية الثانية التي إن تخلت عن المواجهات العسكرية المباشرة لكنها مستمرة في مسارات أخرى بذات التشابكات والأطراف.
ولم يغفل المقترح البعد الاقتصادي في الأزمة، مؤكدًا على ضرورة أن يكون الاقتصاد العالمي بعيدًا عن التداعيات الواسعة للحرب، داعيًا إلى دعم مبادرة حبوب البحر الأسود التي تسمح بالشحن المستمر للسلع الحيوية اللازمة، لتخفيف أزمة الغذاء العالمية المستمرة، كما شددت بكين على ضرورة “الحفاظ على استقرار الصناعة وسلاسل التوريد”، وحثت جميع الأطراف على “معارضة استخدام الاقتصاد العالمي أداة أو سلاحًا لأغراض سياسية”.
سياق مهم.. محاولة للفهم
السياق العام للمبادرة من حيث الأجواء العامة التي أُعلنت فيها، بجانب توقيتها، يكشف عن الكثير من التساؤلات المتعلقة بها، وهو الأمر الضروري لفهمها بشكلها الكامل بعيدًا عن التفسيرات الضيقة التي قد تضعها في غير موضعها، وهو ما ألمح إليه ضمنيًا الكاتب الفلسطيني، محمود الريماوي، الذي يرى أن بكين اختارت الظرف المناسب للإعلان عن تلك المبادرة التي جاءت قبل أيام قليلة من إتمام العام الأول للحرب، ويقصد هنا اللقاء الذي جمع بين مسؤولي بكين وموسكو في العاصمة الروسية الأربعاء الماضي وكشف خلاله عن نية الصين القيام بدور الوساطة، تلك النية التي أشير إليها على عجالة في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد في الفترة من 17 – 19 فبراير/شباط الحاليّ، حيث خاطب وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، الحضور قائلًا: “سنقدم شيئًا، وهو الموقف الصيني من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية.. سنقف بحزم إلى جانب السلام والحوار”.
الإعلان عن الوساطة الصينية لم يكن قرارًا انفراديًا من بكين، إذ سبقته حزمة من الترتيبات والإعدادت والتشاورات أجرتها الخارجية الصينية مع بعض الدول المعنية، حيث زار وزير الخارجية الصيني كل من ألمانيا وفرنسا وهنغاريا وروسيا، أعقبها لقاء جمعه ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن في ميونيخ.
الكاتب الفلسطيني يرى في مقاله أن هناك مفارقة كبيرة تحمل دلالات عدة بشأن إعلان بكين عن مبادرتها الدبلوماسية في الوقت الذي تشهد فيه علاقاتها مع واشنطن توترات عدة على خلفية إسقاط المنطاد الصيني فوق الأراضي الأمريكية، ما دفع بلينكن لإرجاء زيارته التي كانت مقررة للعاصمة الصينية الشهر الحاليّ، لأجل غير مسمى.
كما أن اختيار الوزير الصيني زيارة هنغاريا – ذات الهوى الروسي – لزيارتها دون بريطانيا على سبيل المثال رغم ما لها من ثقل كبير، مسألة تحتاج إلى تفسير، الموقف ذاته مع كييف رغم أنها طرف الحرب الآخر، التي لم يفكر وانغ يي في زيارتها وإن تمت ستكون دلالة واضحة على حيادية الدور الصيني وجدية نيتها في القيام بدور الوساطة بعيدًا عن اتهامات الانحياز للروس ودعم موسكو في تلك الحرب، وهي الاتهامات التي تحاول بكين نفيها بين الحين والآخر، دون أن تتخذ إجراءً واحدًا يبرهن على هذا النفي.
السياسة والاقتصاد.. دوافع بكين المتعددة
في تحليل مطول له، يستعرض الكاتب الصحفي تشارلي كامبل، مراسل مجلة “التايم” الأمريكية في شرق آسيا، الدوافع التي قادت الصين إلى إبداء نيتها القيام بدور الوساطة لإنهاء الحرب المندلعة منذ عام، مشيرًا إلى أن الأمر استغرق 12 شهرًا من إراقة الدماء لتدرك بكين أخيرًا أن هناك معضلة كبيرة يجب وضع حد لها.
كامبل في التحليل الذي جاء تحت عنوان “لماذا تقول الصين، أكبر داعم لروسيا، الآن أنها تريد التوسط في السلام في أوكرانيا؟” يرى أن الصعوبة الأبرز في تلك المسألة أن بكين نفسها لم تلجأ إلى المسافة الأقصر لإنهاء تلك الحرب في إشارة إلى وقف الدعم المالي والعسكري والسياسي الذي تقدمه الصين لروسيا ورئيسها، وبدلًا من ذلك غامرت بخطة سلام وصفها بـ “الضبابية” تلعب فيها الدولة الآسيوية دور الوسيط بين الأطراف المتحاربة.
واستعرضت المجلة أبرز الأسباب التي قادت الصين لهذا الموقف منها أولًا: الرغبة في الإبقاء على صلة بما يجري في الأراضي الأوكرانية ومحاولة لفت الأضواء لدورها الإقليمي والدولي على المستوى السياسي وليس الاقتصادي فقط، ثانيًا: استشعار الصين بخسارة روسيا للحرب بما يعني انتصار مؤزر للولايات المتحدة قد يعزز نفوذها في شرق أوروبا، وعليه كان لا بد من التحرك لتفويت هذا الانتصار على الأمريكان من خلال حلحلة الأزمة سياسيًا، حيث لا منتصر ولا منهزم، وهو الموقف ذاته إزاء حلف الناتو الذي من المتوقع أن يعزز من حضوره في خاصرة آسيا الغربية حال انتصار القوات الأوكرانية في تلك الحرب.
ثالثًا: قلق الصين من تعرض أمنها القومي للتهديد جراء الفراغ السياسي المحتمل على طول الحدود الشمالية حسبما نقلت المجلة عن الخبير في السياسة الصينية بجامعة كاليفورنيا، فيكتور شيه، رابعًا: مخطط الصين لدق إسفين بين كييف وحلفائها الغربيين، من خلال بث الفرقة وإحداث حالة من الخلاف السياسي حول المبادرة التي وصفتها المجلة بـ”تمويه محتمل”.
وهناك دوافع أخرى تدفع بكين لتخفيف حدة التوتر في الداخل الأوكراني، فرغم أنها من أوائل الدول التي حققت مكاسب اقتصادية كبيرة من وراء تلك الحرب عبر الحصول على الطاقة الروسية بأقل الأسعار، فهي في حاجة ماسة للاستقرار لتسويق منتجاتها، خاصة أن موسكو سوق رائجة للبضاعة الصينية، وعليه فهي بحاجة إلى مناخ مستقر لتعزيز الحضور هناك، الأمر كذلك في السوق الأوروبي والشرق أوسطي الذي يخشى من تداعيات اتهام بكين بدعم موسكو في تلك الحرب على مصالح الصين في تلك الأسواق.
كما أن الإبقاء على الأجواء الملتهبة في تلك المنطقة قد يعرقل المشروع الصيني العملاق (حزام واحد، طريق واحد)، الذي دشنته بكين عام 2013 لتوسيع دائرة نفوذها وتعاونها الاقتصادي مع دول العالم، هذا المشروع الذي يمتد من المحيط الهادئ إلى آسيا والشرق الأوسط وصولًا لقارة أوروبا، ويشمل 65 دولة حتى اليوم، منقسمًا إلى مسارين رئيسيين: الممر البري الذي يمر من آسيا الوسطى وباكستان مرورًا بروسيا وإيران وصولًا إلى أوروبا، والممر البحري الذي يربط الصين مع جنوب شرق آسيا وجنوب إفريقيا، ويمكن أن يصل إلى قارة أمريكا الجنوبية أيضًا.
محفزات وعقبات
ردود الفعل الأولية تشير إلى ترحيب المجتمع الدولي في معظمه بالمبادرة الصينية من حيث المبدأ، فالجميع يدرك أن الصين هي الأجدر على القيام بهذا الدور – إذا توافرت لها الإرادة السياسية لذلك – وذلك لحزمة من المحفزات التي تجعلها الأكثر فاعلية في هذا المسار.
ومن أبرز تلك المحفزات الشكوك التي يواجهها الرئيس الصيني شي جين من واشنطن ودول العالم بدعمه المتزايد لموسكو وتزويد بوتين بالمساعدات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي ساعدته على البقاء في المعركة طيلة هذا العام، وهو ما شوه صورة بلاده التي يسعى لتحسينها خلال المرحلة المقبلة من خلال القيام بدور الوسيط، خاصة بعد خسارة الرهان على حسم موسكو المعركة مبكرًا، حسبما ذهب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة تايبيه الوطنية، غوان مينغ، الذي كشف عن فخ الازدواجية الذي وقعت فيه الصين بسبب موقفها من الحرب، فهي التي أمضت عقودًا في الادعاء بأنها تعتبر مبدأ السيادة ووحدة الأراضي أمرًا مقدسًا، لتخالف اليوم بدعمها الروس في تلك المعركة ما ادعته من شعارات.
ويرى مينغ أن علاقات الصين الاقتصادية مع أمريكا وأوروبا وحلفائهما في آسيا أكبر وأهم من العلاقات مع روسيا، وعليه تضع بكين تلك الاعتبارات في مواقفها وتحركاتها في هذا المسار، لافتًا أن هناك تراجعًا واضحًا في الخطاب الصيني الداعم لروسيا خلال الآونة الأخير، وهو ما يعكس رغبة ما في التزحزح نسبيًا عن التخندق الروسي الذي وضع العملاق الآسيوي في مرمى الانتقادات الدولية.
وفي السياق ذاته يرى الباحث في المركز الصيني للدراسات الاقتصادية بجامعة فودان، تشاو تشيانغ، أن الصين أكبر داعم لروسيا في الحرب، وأن موسكو دونها لا يمكنها الاستمرار، كما أنها ستكون في عزلة عن العالم الخارجي، مشيرًا إلى حجم التبادلات بين البلدين بلغ 146 مليار دولار العام الماضي، وقد تعهدا ببلوغه 250 مليار دولار سنويًا بحلول 2025، ومن ثم فإن بكين هي الوحيدة القادرة على الضغط على موسكو لإثنائها عن صلفها إزاء الحرب وقبولها الجلوس على مائدة المفاوضات بأبجديات مغايرة تمامًا للتشدد الروسي السابق.
أما على مستوى التحديات فالخبرة غير الكافية للصين ربما تعيقها عن القيام بهذا الدور، باعتبار أن الوساطة أحد مستجدات الدور الخارجي للإمبراطور الآسيوي الذي كانت تتمحور سياسته الخارجية في الأساس على المصالح الاقتصادية، مسخرًا لذلك قوته بنوعيها، الناعمة والخشنة.
وخلال العقود الأخيرة حاولت بكين الاشتباك مع بعض الملفات عبر أدواتها الدبلوماسية لكنها لم تحقق النتيجة المرجوة، لعل أبرزها مساعيها للتوسط لحل النزاعات في منطقة القرن الإفريقي، وذلك حين استضافت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا “مؤتمر السلام والحوكمة والتنمية بين الصين والقرن الإفريقي” خلال الفترة (20-22) يونيو/حزيران 2022 برعاية الصين ومشاركة دول السودان والصومال وجنوب السودان وكينيا وأوغندا وجيبوتي.
ودومًا ما كانت تقابل تلك المحاولات الدبلوماسية بالتشكيك من البعض، ممن يرون أن حفاظ المصالح الاقتصادية هي الهدف الأساسي لأي تحرك سياسي صيني، وهو ما يجهض كل الجهود المبذولة في هذا الإطار، فللصين استثمارات جمة في صورة قواعد ومصانع وآبار نفط في جيبوتي والسودان وإثيوبيا تسعى للحفاظ عليها عبر المسار السياسي أحيانًا.
إلى جانب ذلك، فإن مساعي بكين نحو التوازن بين علاقتها مع موسكو ومع المعسكر الغربي، ومسك العصا من المنتصف، وعدم اتخاذ موقف سياسي واضح يدين الحرب ويؤكد حق أوكرانيا في كامل أراضيها، ربما يجهض المبادرة من مضمونها، فهنا ستفقد الصين الحيادية كشرط أسياسي لنجاح أي وساطة في مثل تلك النزاعات العالمية.
ترحيب وتشكيك وترقب
ولاقت المبادرة الصينية ترحيبًا أوكرانيًا واضحًا حيث قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الجمعة 24 فبراير/شباط 2023، في مؤتمر صحفي بكييف، تعليقًا على بنود الوثيقة المقترحة: “أعتقد أن من الصواب اعتقاد أنه إذا كانت هناك أفكار تتوافق بطريقة أو بأخرى مع احترام القانون الدولي وسلامة الأراضي.. فلنعمل مع الصين في هذه النقطة”، ومضى قائلًا: “ولم لا؟”، لكنه في الوقت ذاته حث الصين على وقف الدعم العسكري المقدم لروسيا.
أمريكيًا.. نقلت وسائل إعلام أمريكية عن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، قوله إن بلاده تدرس اقتراح السلام الصيني المكون من 12 نقطة، بشأن حرب روسيا في أوكرانيا، فيما عبر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، عن ترحيبه بأي مقترح من شأنه إنهاء الحرب، لكنه في المقابل أعرب عن”تشكيكه” في إمكانية أن تلعب الصين “دورًا بنّاءً” في هذا الملف “لا يزال من المشكوك فيه أن تكون الصين، القوة العالمية، ترغب في لعب مثل هذا الدور البنّاء”.
وعلى المستوى الأوروبي شككت أوروبا على لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في جدية بكين في هذا المسار، لافتًا إلى “الصين لا تتمتع بكثير من المصداقية، لأنها لم تكن قادرة على إدانة الغزو غير المشروع لأوكرانيا”، أما رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، فاعتبرت ما عرضته بكين مجرد مبادئ وليست خطة سلام وأضافت “سننظر في المبادئ بالطبع، لكننا سننظر إليها في ضوء انحياز الصين إلى أحد الطرفين”.
وعلى الجانب الروسي رحبت الخارجية بما وصفته “الرغبة الصينية الصادقة” في الإسهام بالتسوية في أوكرانيا عبر الطرق السياسية السلمية، وبحسب ما جاء في بيان الوزارة الرسمي: “نشاطر بكين طرحها للتسوية، وملتزمون باحترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي والإنساني والأمن الشامل، بما لا يعزز أمن دولة على حساب دولة أخرى، أو فريق من الدول على حساب آخر”.
وأضاف “نرى إلى جانب الصين أن أي قيود تُفرض خارج نطاق مجلس الأمن الدولي غير شرعية، وأداة في المنافسة غير المتكافئة والحرب الاقتصادية”، وأكدت الخارجية أن “موسكو منفتحة على تحقيق أهداف العملية العسكرية بالوسائل السياسية والدبلوماسية”.
في ضوء المعطيات السابقة، فإن المؤشرات كافة تذهب إلى أن الجميع بحاجة إلى وقف تلك الحرب اليوم قبل الغد، رغم المكاسب التي حققها البعض من ورائها، غير أن الفوضى التي أحدثتها وتداعياتها على كل المسارات ربما تكون دافعة للرابحين بالتخلي نسبيًا عن مكاسبهم لأجل استقرار المنظومة العالمية التي تعرضت لطعنات دامية في جدارها بسبب تلك الحرب.
وعليه فإن ترجمة بنود الوثيقة والتغيرات المحتملة في موقف بكين من تحفظات الدول المترقبة وإعادة النظر في توجهاتها إزاء طرفي الأزمة، والخطوات المتخذة في هذا الشأن، ستكون معايير الاختبار الحقيقية التي يمكن من خلالها تقييم الوثيقة واحتمالية تطبيقها، أما دون ذلك فليس إلا محاولة لتجميل وجه الصين وتفتيت سهام النقد الموجهة إليها.