رغم المواجهات المستمرة بين حرس الحدود السعودي والقوات الموالية لجماعة الحوثيين، على الحدود السعودية الشمالية، فإن عملية تهريب نبتة القات مستمرة، رغم المخاطر التي يواجهها المهربون الذين يقطعون مسافات طويلة تصل لعشرات الكيلومترات مشيًا على الأقدام لعبور الحدود اليمنية السعودية.
ويعد القات شجرة مخدرة حسب منظمة الصحة العالمية، وتمنع الكثير من الدول تناوله، لكنه في اليمن غير ممنوع ويتناوله 90% من الذكور في البلاد ويعد مادة منشطة تؤدي إلى النشوة والراحة بحسب متعاطيه.
تستشري شجرة القات في اليمن، وتنمو زراعتها بمعدل 12% سنويًا، فتغطي ثلثي المساحة المزروعة في اليمن وتشكل ضغطًا متزايدًا على الموارد المائية في البلاد، كما تخصص أسواق لبيع وشراء القات في مختلف المناطق اليمنية، ويستفيد من زراعته وتجارته ملايين اليمنيين.
ملايين المغتربين اليمنيين
تحتضن السعودية ما يزيد على 4 ملايين مغترب يمني، الكثير منهم يتناولون القات، فضلًا عن شريحة كبيرة من السعوديين، بالإضافة إلى الكثير من العمالة الإفريقية وأيضًا من الدول الأخرى.
يجني مهربو القات الملايين من عمليات تهريبه، فالكيلوغرام من القات الذي يباع في اليمن بمئة دولار، يباع في المملكة بمبالغ تتجاوز الألف دولار
الإقبال المتزايد من اليمنيين والسعوديين على شراء نبتة القات بمبالغ كبيرة، دفع الكثير من باعة القات إلى تهريبه للسعودية بمساعدة ضباط ومواطنين سعوديين ويمنيين ومهاجرين أفارقة، مستخدمين المئات من الشباب اليمنيين من أجل التهريب بين البلدين، إضافة إلى شبكة تهريب داخل الأراضي السعودية لإيصاله إلى مختلف مناطق المملكة.
يجني مهربو القات الملايين من تهريبه، فالكيلوغرام من القات الذي يباع في اليمن بمئة دولار، يباع في المملكة بمبالغ تتجاوز الألف دولار، تتفاوت حسب جودة النبتة، وأيضًا وصولها وهي ما زالت بحالة جيدة (طازجة)، حسب المهربين والمتعاطين.
مغامرون بحياتهم
يستغل المهربون البطالة التي يعيشها الشباب اليمني وأيضًا المهاجرين الافارقة وحاجتهم إلى المال في دفعهم إلى تهريب القات مشيًا على الأقدام، ويسمون بـ(المعدون.. مفردها المعدي)، وهو الذي يقطع الجبال والوديان من الحدود اليمنية الشمالية بسرعة كبيرة لإيصال القات إلى داخل المملكة، وخلال ذلك يواجهون التضاريس الطبيعية القاسية من جهة، ونيران حرس الحدود السعودي من جهة أخرى.
محمد علي (30 عامًا)، واحد من الشباب الذين دفعتهم الظروف المعيشية الصعبة إلى العمل في تهريب القات، مقابل ثلاثة آلاف ريال سعودي في كل عملية تهريب.
محمد ينتمي لمديرية منبه بمحافظة صعدة الحدودية مع السعودية، لم يدخل المدرسة، ومنذ عدة أعوام اتجه إلى التهريب مثله مثل معظم أبناء المديريات الحدودية الذين يعملون في التهريب.
قال محمد في حديثه لـ”نون بوست”: “نواجه الموت في كل عملية تهريب، وبالفعل قتل بعض زملائي أمامي ونحن نهرب القات”، وأضاف “يدفع المهربون أكثر من ألف ريال سعودي للمعدي الواحد مقابل إيصال نحو 20 كيلوغرامًا من نبتة القات إلى السعودية”.
المئات من الشباب اليمنيين الذين يقطنون مناطق يمنية في الحد الجنوبي للسعودية يشكل تهريب القات مصدر الدخل الوحيد لعائلاتهم، ومنذ اندلاع الحرب في اليمن وانقطاع المرتبات ارتفعت أعداد المشتغلين بهذه الحرفة التي زادت مخاطرها بالتزامن مع اشتعال الحرب على الجبهات الحدودية حسب السكان في منطقة منبه الحدودية.
في منتصف فبراير/شباط العام الماضي قتل مُهرب وأصيب آخرون من مديرية رازح التابعة لمحافظة صعدة الحدودية جراء قصف مدفعي سعودي في أثناء محاولتهم تهريب القات إلى داخل الأراضي السعودية.
شبكة معقدة من المهربين
“محمد عوض” – اسم مستعار – ينتمي إلى منطقة شذا الحدودية، أكد أنه يحصّل في كل عملية تهريب لنبتة القات إلى السعودية مبلغًا يتراوح بين خمسمئة إلى ألف ريال سعودي، وإذا كانت الكمية أكبر والمخاطر أشد يحصل على ألف ومئتين ريال سعودي وأحيانًا أكثر من هذا المبلغ.
يؤكد محمد أنه ليس سوى موظف بسيط في دائرة معقدة من المهربين الكبار الذين لا يظهرون في الصورة، وأن المردود المالي الأكبر من وراء عملية التهريب يعود إلى هؤلاء الأشخاص الذين لديهم علاقة بجنود وضباط سعوديين يسهلون لهم أحيانًا مهمة التهريب، وعلى علاقة أيضًا بجماعة الحوثيين.
التشديدات الأخيرة للسعودية على الحدود، مع دخول مقاتلين حوثيين إلى مناطق تابعة لها، جعلت معدل التهريب يقل كثيرًا عما كان عليه قبل الحرب
يضيف محمد: “تهريب القات في الوقت الراهن من الحرب ليس أكثر من عملية انتحارية، معدل الموت فيها يصل أحيانًا إلى 90%”.
خلال الشهر الواحد يقوم محمد عوض بـ3 إلى 4 عمليات تهريب، ويسلمها لأحد المهربين السعوديين الذي لديه طرقه الخاصة البعيدة عن أعين الشرطة، حيث يتم إيصالها إلى أشخاص سعوديين وأحيانًا يمنيين يبيعونه بأسعار مضاعفة.
يؤكد محمد أن هناك مهربين من القرن الإفريقي يقومون بتهريب القات من اليمن إلى السعودية، غير أن التشديدات الأخيرة للسعودية على الحدود، مع دخول مقاتلين حوثيين إلى مناطق تابعة لها، جعلت معدل التهريب يقل كثيرًا عما كان عليه قبل الحرب، بسبب وابل الرصاص اليومي الذي يطلقه الجنود السعوديون على المهربين والمتسللين للعمل في الأراضي السعودية من يمنيين وأفارقة.
قتلى وجرحى في صفوف مهربي القات
في أكتوبر/تشرين الأول 2020 قتل 3 مدنيين على أيدي القوات البرية السعودية، في أثناء محاولتهم اجتياز الحدود السعودية لتهريب القات، حيث تعرضوا في منطقة تسمى الكبرى لإطلاق النار من هذه القوات.
ويعد القات من المواد المخدرة والمحرمة في المملكة العربية السعودية، وتصل عقوبة تهريبه من 2 إلى 5 أعوام حسب الكمية التي يقوم الشخص بتهريبها.
وتعلن السعودية إحباط حرس الحدود للعديد من عمليات تهريب القات والقبض على المئات، فخلال شهر ديسمبر/كانون الأول أحبطت تهريب أكثر من 90 طنًا من مادة القات والقبض على مئات المهربين، بحسب ما نشرته وكالة واس السعودية الرسمية في سلسة أخبار رصدها موقع “نون بوست”.
وفي 19 يناير/كانون الثاني المنصرم أعلن حرس الحدود في مناطق نجران وجازان وعسير وتبوك، تمكنه من إحباط محاولات تهريب 18.2 طن من نبات القات المخدر، بالإضافة إلى طن و526 كيلوغرامًا من مادة الحشيش المخدر، خلال الفترة من 1 إلى 14/ 6/ 1444ه، والقبض على المهربين وعددهم 309 متهمين، منهم 10 مواطنين سعوديين و299 مخالفًا لنظام أمن الحدود وهم: 264 من الجنسية اليمنية و33 من الجنسية الإثيوبية و2 من الجنسية الصومالية.
وتتوالى عمليات الإحباط، كان آخرها إعلان حرس الحدود في 20 فبراير/شباط الحاليّ إحباط محاولات تهريب 21.3 طن من نبات القات المخدر وطن و139 كيلوغرامًا من مادة الحشيش المخدر.
عمليات منظمة
قال منصور الجرادي رئيس مؤسسة وجوه للإعلام والتنمية إن عملية تهريب القات وأيضًا البشر مستمرة منذ سنوات طويلة، لكنها زادت خلال سنوات الحرب، وأكد الجرادي لـ”نون بوست”، أن الوضع الاقتصادي المتردي والاحتياج إلى المال دفع الكثير إلى العمل في التهريب، فضلًا عن زيادة أعداد متعاطي القات داخل الأراضي السعودية.
ولفت إلى أن عملية تهريب القات تتم بشكل منظم وبالتنسيق بين مهربي القات وضباط سعوديين، مقابل رشى، فيتم الاتفاق على طرق محددة لتهريب القات بين الجانبين.
وقال إن هناك جماهيرية كبيرة للقات سواء بين اليمنيين أم السعوديين بشكل منتظم سواء شهريًا أم أسبوعيًا، بالإضافة إلى القبائل السعودية التي تسكن المناطق والمدن الحدودية التي يتعاطى الكثير من سكانها هذه النبتة.
يجب إيجاد مناطق عازلة في المناطق الحدودية وإخضاعها لرقابة مستمرة تمنع تسلل المهربين وتصعب إجراءات التهريب
المغترب اليمني في الرياض صادق فارع واحد من الذين يتناولون القات، حيث يشتري مجموعة من أعواد القات تصل إلى 30 عودًا، من أحد المهربين هناك بمبلغ يصل إلى خمسمئة ريال سعودي، أي ما يعادل 70 ألف ريال يمني، في الوقت الذي يمكن أن يشتريه في اليمن بمبلغ 5 آلاف ريال يمني أو أقل من ذلك، أي ما يعادل 34 ريالًا سعوديًا، لكن أسعار نبتة القات تتضاعف كلما بعدت المسافة وبالذات من دولة إلى أخرى، فضلًا عن ارتفاع حدة المخاطر على المهربين التي تصل إلى درجة الموت أحيانًا.
يشعر صادق الذي يمضغ القات في مسكنه خفية بالنشوة، وحين كان في اليمن لم يكن يترك مضغه يومًا واحدًا، وتزداد حدة طعم القات وتأثيره بندرة الحصول عليه في قلب السعودية.
يقول صادق لنون بوست: “للقات في السعودية مذاق آخر حيث أمضغه يومًا واحدًا في الأسبوع، وذلك خلال الإجازة، وأتعامل مع مهرب يوصل إلى المنزل، وأشتريه بمبلغ يصل من 300 إلى 500 ريال سعودي”.
يضيف صادق “ما يتم تهريبه من قات إلى السعودية، يعد من أجود الأنواع، لا أجد مثله في اليمن، وأيضًا عندما أخزن (أمضغ القات) في اليمن، لا يكون ذلك مذاقه ونشوته مثلما يكون في السعودية”، وأكد أن الكثير من أصدقائه السعوديين واليمنيين يتناولون هذه النبتة بين الحين والآخر.
جريمة عبور الحدود
قال المحامي والناشط الحقوقي عبد الرحمن الزبيب إن المهربين يرتكبون جريمة عبور الحدود بمواد مخدرة ممنوعة كون القوانين السعودية تعد القات مادة مخدرة وممنوعة، لكنها في اليمن مادة مشروعة ومتداولة بشكل واسع.
وأكد على ضرورة الحد من تهريب القات إلى السعودية والحد من تعريض المواطنين اليمنيين لمخاطر القتل في أثناء التهريب عن طريق ضبط التهريب عبر الحدود اليمنية السعودية ومنع تجمعات المهربين على جانبي الحدود واتخاذ إجراءات ضبط وقائية لمنع تسلل المهربين من اليمن إلى السعودية.
وأضاف المحامي الزبيب “يجب أن يكون هناك تعاون عبر الصليب الأحمر والأمم المتحدة لإيجاد آلية لضبط التهريب عبر الحدود اليمنية السعودية والحد من استخدام العنف المفرط من القوات السعودية ضد اليمنيين في أثناء تهريبهم نبتة القات، كما يستلزم أن يكون هناك إجراءات وقائية عبر حواجز أمنية على طول الحدود وبمساحات مختلفة داخل الحدود السعودية، فضلًا عن إيجاد مناطق عازلة في المناطق الحدودية وإخضاعها لرقابة مستمرة تمنع تسلل المهربين وتصعب إجراءات التهريب”.