ترجمة وتحرير نون بوست
يعد فيلم “My Big Fat Greek Wedding” واحدًا من أفضل الأفلام الكوميدية حول حياة المهاجرين في الولايات المتحدة الأمريكية، الكوميديا الرومانسية للفيلم كانت حول حياة عائلة يونانية “البروتوكالوسيس” وزواج ابنة العائلة “تولا” من شاب أمريكي مع معارضة الأب، اليوناني القومي، لتلك الزيجة، وما يجعل الفيلم كوميديًا هو السخرية من حالة الوطنية الشديدة والخطاب القومي، التي كانت تذكر فيه بعض الإشارات إلى تركيا، من كل أفراد الأسرة، وقد كان من المثير للاهتمام مشاهدة كيف أن القومية اليونانية المضادة لتركيا أصبحت مصدرًا للتهكم والسخرية.
كما كان من المثير للمشاهدين الأتراك مشاهدة العائلات اليونانية المشابهة لهم ثقافيًا والتي تشبه في سلوكياتها نظيراتها من العائلات التركية.
وقد صدر الفيلم في فترة كان يعاني فيها الشعبين من “أزمة متعبة” في العلاقات الثنائية وكانت تلك الأزمة في التبادل الثقافي والتفاعل الاجتماعي تزداد بسرعة، ففي العقود السابقة، فإن معظم الجهود التي بُذلت للإصلاح بين الطرفين كانت محدودة بدبلوماسيات شخصية كتلك التي كانت بين “تورجوت أوزال” و”أندريس باباندريو” في الثمانينات، ثم جاءت في وقت لاحق العلاقة بين “إسماعيل جيم” و”يورجو باباندريو” في التسعينات.
ثم جاء الزلزال الدبلوماسي عام 1999 ومحاولة البلدين الاشتراك لاستضافة بطولة كأس الأمم الأوروبية، وعلى الرغم من ذلك، لم تفلح أي من تلك الجهود الدبلوماسية في تحسينات جدية ودائمة في تطوير العلاقة بين البلدين.
وقد كانت نقطة التحول الفاصلة في العلاقة بين البلدين في عام 2010 عندما شكل البلدان مجلس التعاون الأعلى لأول مرة في التاريخ والذي كان قادرًا على جلب وزارة الحكومتين في اجتماعات مشتركة، وبعدها انعقدت قمم منتظمة واجتماعات متتالية جمعت بين صناع القرار في البلدين.
وقد انعقد الاجتماع الثالث للمجلس يوم الجمعة الماضي في العاصمة اليونانية أثينا في مرحلة حرجة تشهدها العلاقات بين البلدين، وبالإضافة للأهداف الرئيسية لتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين، كان هناك بندان مهمان في أجندة اللقاء، وقد كان من المثير رؤية بعض الصحف اليونانية وهي ترحب بزيارة رئيس الوزراء التركي “أحمد داوود أوغلو” لليونان وكتابتهم عن ضرورة حل التوتر القائم في العلاقات وكيف أنه من المهم إطلاق بداية جديدة، وكانت الأزمة واضحة بين عموم اليونانيين والذين اعتبروا تحسين العلاقات الاقتصادية التي تربط بين تركيا واليونان بمثابة فرصة للتعامل مع تلك الأزمة.
واليوم، جزء كبير من الجمهور على الجانبين يُوافق على أن تعزيز التجارة والسياحة والمعاملات بين البلدين يمكن أن يولد حالة مربحة للجانبين، وقد كان من الواضح في اليونان أن التطورات والمؤتمرات الأخيرة التي جمعت البلدين قد ساهمت في زيادة اهتمام المجتمع اليوناني بالسياسة التركية، خصوصًا بعد عدة حكومات غير مستقرة وأزمات اقتصادية ضخمة مرت بها اليونان، حينها تجذب تركيا، بحكومتها المستقرة ونموها الاقتصادي، اهتمام المجتمع اليوناني والأنظمة الحاكمة هناك.
التقى داوود أوغلو برفقة تسعة وزراء نظراءهم من اليونان وقاموا بعقد جلسة مشتركة لمجلس الوزراء خلال الاجتماعات، وقد كان أوغلو إيجابيًا جدًا، حيث أعرب في حديثه مع الصحفيين قبل عودته عن تفاؤل حذر بشأن مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين، وفيما يتعلق باثنتين من القضايا المهمة، أعرب الجانبان عن حسن نواياهم فيما يتعلق بالتعاون والتنسيق في سياساتهم.
فقبل كل شيء، أكدت كل من الحكومتين التركية واليونيانية استعدادها لاستئناف عملية السلام المجمدة والمتعلقة بجزيرة قبرص، والتي يمكن أن تشكل أرضية هامة لإعادة تفعيل عملية جديدة حول النزاع، تم تبني لغة أكثر تصالحية فيما يتعلق بمصادر الطاقة المنتشرة حول الجزيرة، وعلى الرغم من أن النتائج النهائية للاجتماعات لا تتضمن اتفاق نهائي بشأن تلك القضايا، إلا أنه كان هناك استعداد واضح للتفاوض وحل النزاعات، وفي الواقع، فكما أشار داوود أوغلو، فإن عدم وجود حاجز نفسي لإجراء علاقات جيدة بين البلدين يعد في حد ذاته خطوة هامة للأمام.
وبطبيعة الحال، لم تكن تلك القضايا فقط هي التي تمت مناقشتها في المجلس، فقد ناقش الطرفان أيضًا مدى جدوى المشاريع الهامة التي سوف تربط البلدين، اقتصاديًا واجتماعيًا، ببعضهما البعض، بما في ذلك مشروع خط السكة الحديد السريع الذي سيربط بين إسطنبول وسالونيك ومشروع كوبري آخر سوف يربط بين تركيا واليونان، وبالإضافة إلى ذلك ناقش الطرفان سبل التنسيق بينهما لتحسين القدرات السياحية لكل منهما.
وعلى الرغم من الحوار الحار بين البلدين، يمكن لعوامل معينة أن تفسد هذا النهج في المستقبل، فتصور أن تهدد كل من تركيا واليونان بعضها البعض لم يعد موجودًا بنفس الدرجة الآن وبالفعل، أصبحت القومية المعادية للأتراك في اليونان ومثيلتها في تركيا مجرد مادة للسخرية في الكوميديا مثلما كان في المسلسل التركي “العريس الأجنبي”، وبالفعل أيضًا، تلقى قادة تركيا استقبالاً حارًا في شوارع أثينا، لكنه وبالرغم من كل هذا لاتزال هناك بعض المشاكل الهامة منخفضة الحدة التي يجب على الطرفين حلها خلال السنوات القادمة قبل أن تستغلها جماعات قومية متشددة، على سبيل المثال، يمكن أن تشعل الأزمة الاقتصادية في اليونان نزعة قومية ويمكن أن تقوم بعض الجهات السياسية الانتهازية بإشعال وتغذية المشاعر المعادية للأتراك في اليونان، خصوصًا مع الحكومات قصيرة العمر والانتخابات المستمرة؛ مما قد يشكل عاملاً مهمًا يتطلب اهتمامًا خاصًا.
يحتاج كلا البلدين إلى فهم أنهما جيران في مناخ جيوسياسي حرج ولديهما قضية مهمة في متناول اليد ألا وهي قبرص، والتي تنطوي على مشاكل إقليمية ونزاعات على مصادر الطاقة والتي ربما تشهد تدخلات لأطراف خارجية، ففي السنوات الأخيرة، قد خلفت التحركات أحادية الجانب التي قام بها القبارصة اليونانيون توترًا ملحوظًا، ليس فقط في الجزيزة، بل في العلاقات الثنائية بين البلدين كذلك، وفي ظل تلك الظروف، تحتاج كلا البلدين إلى زيادة درجة قنوات التواصل المباشرة وذلك لمنع أي سوء فهم أو سوء تواصل وللحد من تأثير العوامل الخارجية على العملية.
وفي النهاية، فمن أجل خفض خطورة الأزمات وتأثيرها على العلاقات بين البلدين، يجب على البلدين تحسين شبكات الحوار المجتمعي والثقافي وتعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، فمن الممكن بالفعل رؤية التغيّر في الشارع التركي واليوناني، ومع ذلك، يحتاج ذلك المناخ الإيجابي إلى تغذيته ودعمه بسياسات ثقافية واجتماعية، وبغياب تلك الشبكة من العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة، فإن العلاقات بين البلدين ستكون فريسة سهلة للأزمات الدبلوماسية والخلافات السياسية.
المصدر: مركز سيتا