يتواصل عصف الأزمة الاقتصادية في لبنان، محولًا المزيد من اللبنانيين إلى ما دون خط الفقر، فيما تغيب المعالجات الجدية في ظل انسداد أفق الحلول السياسية وتآكل هيكل الدولة يومًا بعد يوم، وهو ما ينذر بانفلات أمني اجتماعي بدأت ملامحه تبرز بوضوح مع ازدياد عمليات السرقة والسلب والسطو المسلح في أغلب المناطق اللبنانية، وفي ظل تراجع قدرة الأجهزة الأمنية اللبنانية والجيش على التصدي لهذه الأعمال والفوضى بالنظر إلى أن الأزمة عصفت أيضًا بهذه الأجهزة.
وقد أدى ذلك بدوره إلى ارتفاع منسوب القلق من انزلاق البلد إلى أتون الفتنة أو الفوضى العارمة والعامة بما يهدد الكيان اللبناني بشكل عام، فضلًا عن استقرار البلد واستمرار نظامه السياسي القائم على نوع من التوازن بين مكونات البلد.
ازدياد عمليات الاختفاء والخطف
خلال الأيام والأسابيع الأخيرة برزت حالات اختفاء قسري كان أبرزها لرجل الدين، إمام وخطيب بلدة القرقف في عكار، الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، وقد فُقد الاتصال بالشيخ منذ عصر الإثنين 20 فبراير/شباط 2023 في محيط مدينة طرابلس شمال لبنان، ولم يُعرف مصيره حتى لحظة كتابة هذه السطور، رغم تدخل دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية بشخص المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان لمعرفة وتحديد مصير الشيخ الرفاعي.
وقد نفت كل أجهزة الدولة اللبنانية الرسمية توقيف الشيخ الرفاعي أو احتجازه عندها، بل شرعت في عمليات بحث وتحرٍ لمعرفة مصيره وتحديد أسباب اختفائه والعمل لإعادته إلى أهله وذويه، ترافق ذلك مع اتهامات صدرت من بعض الشخصيات العكارية التي اتهمت بعض الأجهزة أو الأحزاب المحلية بالمسؤولية عن اختفائه أو بالأحرى عن اختطافه كما ادعت تلك الشخصيات.
كما تزامن ذلك مع دعوات لقطع الطرق في بعض المناطق من أجل الضغط لتحديد مصير الشيخ الرفاعي وإعادته إلى أهله، وقد أرخت هذه الحادثة بذيولها على المشهد اللبناني المتأزم أساسًا، وزادت من منسوب القلق من احتمالية تحول مثل هذه الحوادث إلى أسباب لاندلاع فتنة طائفية أو مذهبية أو مناطقية.
مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية تعاني كغيرها من المؤسسات من نقص في التجهيزات والسيولة المالية
حادثة اختفاء الشيخ الرفاعي ليست الوحيدة، فعشرات حالات السطو المسلح تحصل كل يوم في معظم المناطق اللبنانية، حتى إن بعض تلك المناطق باتت موصوفة بالمخاطر لناحية السلب والسرقة والسطو المسلح، ناهيك باقتحام المصارف أو المؤسسات التجارية كل بضعة أيام وإثارة أجواء القلق والخوف في البلد.
الفوضى العامة
وفي سياق الحديث عن القلق من الانهيار الأمني أو من الفوضى، كان لافتًا الخطاب الذي ألقاه أمين عام حزب الله حسن نصر الله، يوم 16 فبراير/شباط عندما اتهم الولايات المتحدة الأمريكية بإشاعة أجواء الفوضى في لبنان وفي بلدان أخرى، وحذر من أن ذلك سيدفع إلى أن تعم الفوضى كل المنطقة في إشارة – ربما – إلى فتح جبهة مع “إسرائيل” أو تعميم الفوضى بأشكال مختلفة لم يُفصح عنها.
هذه الأجواء التي تترافق مع أزمة اقتصادية مستفحلة وانسداد سياسي غير مسبوق وتآكل مؤسسات الدولة وهيكلها يُنذر بانفلات الأمور خاصة أن مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية تعاني كغيرها من المؤسسات من نقص في التجهيزات والسيولة المالية، وهذا بدوره يؤثر كثيرًا على دورها وحركتها وثقة اللبنانيين بقدرتها على حمايتهم ورعايتهم، وهو ما بدأ يولد شعورًا لدى البعض باللجوء إلى الأمن الذاتي على مستوى المناطق أو الطوائف، وهو بحد ذاته يشكل مؤشرًا على إمكانية انحلال وتفسخ البلد تحت هذه العناوين.
وفي هذا السياق يُذكر أيضًا أن المؤسسات العسكرية والأمنية تعرضت لحملة تشكيك من بعض وسائل الإعلام والجهات السياسية المحلية، ما يسهم ويساعد على تنامي فكرة التخلي عن الدولة لصالح فكرة الأمن الذاتي والانعزال في مربعات طائفية أو مذهبية أو مناطقية ضيقة.
وطأة الأزمة تشتد على اللبنانيين حتى أمنيًا، فيما هم يعيشون حالة انتظار الحلول من الخارج أو تفسخ الدولة ليغنم كل “قطيع” ما تحت يديه من ثروة موهومة.