انطلقت أعمال القمة التي تستضيفها مدينة العقبة جنوبي الأردن، الأحد 26 فبراير/شباط 2023، التي يشارك فيها ممثلو السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال بحضور ممثلين عن مصر والولايات المتحدة وبريطانيا، وذلك لمناقشة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية بحسب ما أعلنه التليفزيون الرسمي الأردني.
ويأتي هذا الاجتماع – وهو الأول من نوعه الذي تجلس فيه السلطة وحكومة الاحتلال على مائدة واحدة منذ سنوات – بعد أربعة أيام فقط من المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في نابلس وأسفرت عن ارتقاء 11 فلسطينيًا بينهم فتى، وإصابة أكثر من 80 آخرين بجروح بالرصاص الحي، فضلًا عن تهجير عشرات الأسر من منازلهم وسط موجة استيطان غير مسبوقة.
مشاركة السلطة الفلسطينية في تلك القمة رغم نفيها قبل ذلك التفاوض مع المحتل جراء جرائمه المرتكبة بحق الفلسطينيين خلال الآونة الأخيرة، خاصة مع قدوم حكومة بينامين نتنياهو الجديدة ذات التوجه والهوى اليميني المتطرف، التي تتخذ من الاستيطان وضم ما تبقى من الأراضي الفلسطينية شعارًا معلنًا لها، أثار موجة غضب عارمة لدى الشارع الفلسطيني وفصائل المقاومة التي وصفت هذا التراجع بالتخاذل والخيانة.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حصيلة الانتهاكات التي قامت بها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس منذ بداية العام الحالي وحتى مجزرة نابلس الأخيرة تجاوز 64 شهيدًا ومئات الإصابات، بعضها في حالة حرجة، في أكبر حصيلة منذ عام 2000 في ظل إصرار ممنهج من حكومة نتنياهو على مغازلة اليمين المتطرف على حساب الشعب الفلسطيني.
وقف التصعيد الأمني.. هكذا تبرر عمان والسلطة
بحسب التليفزيون الأردني فإن الاجتماع استكمال للجهود التي تبذلها المملكة بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية والأطراف الفاعلة، الإقليمية والدولية، لوقف الإجراءات الأحادية والتصعيد الأمني الذي قد يهدد بتفجير دوامة جديدة من العنف، بجانب محاولة فرض التهدئة مع قدوم شهر رمضان، مع التوصل لإجراءات اقتصادية تخفف من معاناة الشعب الفلسطيني.
ويشير مسؤول فلسطيني في حديثه لـ”الجزيرة” أن هدف الاجتماع هو التوصل إلى تفاهمات بشأن فترة انتقالية لمدة 6 أشهر تضمن وقف الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية، دون أن يشير إلى أي ضمانات بهذا الشأن، يعقبها التحضير للتهدئة والانتقال إلى مسار أكثر اتساعًا، على حد قوله.
أما المتحدث باسم حركة فتح منذر الحايك فيضيف أن الوفد الفلسطيني المشارك في اجتماع العقبة الذي يضم حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وماجد فرج مدير المخابرات الفلسطينية، ونبيل أبو ردينة الناطق باسم الرئاسة، ومجدي الخالدي المستشار الدبلوماسي للرئيس الفلسطيني، سيطالب بوقف سياسية الاغتيالات والاقتحامات وتهويد القدس والتوسع الاستيطاني والإجراءات الإسرائيلية الأحادية.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد تحدثت الأسبوع الماضي عن مباحثات بين السلطة وحكومة الاحتلال أسفرت عن تفاهمات بشأن التراجع عن طرح السلطة مشروع قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان الإسرائيلي وذلك مقابل تعليق مخططات التوسع الاستيطاني ووقف هدم منازل الفلسطينيين وتهدئة الأوضاع الميدانية.

الفصائل تدين.. خيانة ورضوخ
من جانبها أدانت فصائل المقاومة الفلسطينية مشاركة السلطة في هذا الاجتماع، معتبرة في بيان مشترك لها أن تلك المشاركة طعنة جديدة لتضحيات الشعب الفلسطيني وخيانة لتضحيات الشهداء، محذرة من خطورة تلك الخطوة التي وصفت بأنها “استكمال لمخططات التآمر على الشعب الفلسطيني وقضيته، ومحاولة جديدة لاستئصال مشروع المقاومة”.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية حماس إنها “ترفض مشاركة السلطة باجتماع العقبة، الذي يمثل غطاء للاحتلال لارتكاب الجرائم ضد شعبنا”، مطالبة إياها “بعدم الارتهان للوعود الأمريكية والصهيونية التي ثبت فشلها”، فيما أكد المتحدث باسم الحركة عبد اللطيف القانوع أن الشعب الفلسطيني ليس أمامه خيار إلا المقاومة وتصعيدها “وعلى السلطة الانحياز لشعبها والتوقف عن ملاحقة المقاومين بالضفة”، وفق تعبيره.
عاجل? مؤتمر صحفي لفصائل المقاومه في جنين القسام رفضاً لمشاركة السلطة الفلسطينية في قمة العقبة غداً+++ #قمة_العقبة #التطبيع_خيانة pic.twitter.com/4fsg1oYcWg
— Sorita AlSadi ? (@Sorita921) February 25, 2023
وحذرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من تبعات هذا اللقاء، داعية السلطة لمقاطعته، مضيفة أن “الاجتماع (مع الجانب الإسرائيلي)، في وقت يصعّد فيه العدو مجازره ضد أبناء شعبنا، ما هو إلا غطاء سياسي لهذه المجازر”، بينما دعا “حزب الشعب” و”الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” في بيان مشترك، إلى “عدم المشاركة الفلسطينية وإلغاء الاجتماع المقرر في الأردن”، مطالبين بـ”عقد اجتماع فوري للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل تقييم نتائج التحركات الفلسطينية السابقة، واتخاذ قرار بعدم المشاركة في قمة العقبة”، واعتبرا أن “الهدف الأساسي لإسرائيل والإدارة الأمريكية هو إجهاض الموقف الفلسطيني الذي تضمّن وقف التنسيق الأمني”.
ودعا عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الفلسطيني “فدا”، صالح رأفت، السلطة لرفض المشاركة في تلك القمة، قائلًا: “لا يمكن التوصل لأي تفاهمات مع الحكومة الإسرائيلية”، وهي الدعوة ذاتها التي طالبت بها حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية التي حذرت “من خطورة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية التي تمارس لجرّ الفلسطينيين إلى صراعات داخلية”.
وهناك بعض الأصوات داخل حركة فتح استنكرت المشاركة في هذا الاجتماع الأمني، ففي بيان لها قالت حركة الشبيبة في جنين، الجناح الطلابي لحركة فتح: “نرفض مشاركة السلطة الفلسطينية في قمة العقبة وندعوها للتراجع عن المشاركة ووقف كل أشكال التنسيق الأمني، ودعم المقاومة بكافة أشكالها”.
النائب الشنطي تؤكد أن لقاء العقبة هو خيانة لشعبنا واستمرارا لجريمة التنسيق الأمني#قمة_العار #قمة_العقبة #قمة_العقبة_خيانة pic.twitter.com/bD0yeQeeTU
— المجلس التشريعي الفلسطيني PLC (@PLC_PAL) February 26, 2023
المقاومة هي الهدف
من خلال قراءة الخلفيات السياسية للوفد الإسرائيلي المشارك، الذي يبدو أنه تم اختياره بعناية فائقة لهدف محدد، يتضح أن مسألة المقاومة لا سيما الفردية التي زادت وتيرتها خلال الآونة الأخيرة وباتت تمثل كابوسًا للإسرائيليين، هي الهدف الرئيسي من خلال هذا اللقاء، بعيدًا عن الشعارات الدبلوماسية التي ترفعها عمّان والسلطة لتبرير عقد القمة في هذا التوقيت الذي تمارس فيه قوات الاحتلال أبشع جرائم الإبادة الجماعية والتهجير بحق الفلسطينيين.
ويمثل حكومة نتنياهو في هذا الاجتماع رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي (أحد قيادات الليكود وتواصل مع السلطة أكثر من مرة خلال الآونة الأخيرة والتقى بأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ عدة مرات) ووكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية رونين ليفي (ضابط بالشاباك وأحد صقور موجة التطبيع الاخيرة)، و”منسق أنشطة الحكومة في المناطق” اللواء غسان عليان، ورئيس الدائرة الأمنية السياسية في وزارة الأمن العميد احتياط درور شالوم (رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية وأحد المحذرين من اندلاع انتفاضة جديدة في الضفة الغربية قريبًا) إلى جانب رئيس “الشاباك”.
ويحيا الشارع الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة حالة قلق غير مسبوقة خوفًا من ردود الفعل الانتقامية من المقاومين الفلسطينيين غير المنتمين لأي فصائل مقاومة رسمية، ردًا على جرائم الاحتلال في نابلس وجنين والقدس، وهو ما دفع ثمنه المستوطنون خلال الشهرين الماضيين تحديدًا، في ظل فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية في تطويق تلك العمليات والسيطرة عليها كونها تتعامل بشكل عشوائي فردي غير تنظيمي وهو ما يصعب من الجهود المبذولة لاحتوائها، مع الوضع في الاعتبار تصاعد المخاوف جراء الدعوة لعمليات مقاومة مكثفة في الداخل الإسرائيلي من قبل فلسطينيين وهي الدعوة التي لاقت ترحيبًا كبيرًا من الشارع الفلسطيني الذي خرج في مسيرات حاشدة لدعمها.
ويؤكد موقع “واللا” العبري على أن الهدف من هذا اللقاء – حسبما نقل عن مصادره الخاصة – هو تطبيق التفاهم الذي تم التوصل إليه بين رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، هنغبي، وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ، الذي كان بمقتضاه تراجعت السلطة عن تقديم مشروع قرار أممي يدين الاستيطان الإسرائيلي.
ويوضح الموقع العبري إن قوات الاحتلال الإسرائيلية نفذت مجزرة نابلس الأخيرة رغم تلك التفاهمات دون أن يؤثر ذلك على موقف السلطة من المشاركة في القمة، فيما نقل عن رئيس جهاز الشاباك المشارك في هذا الاجتماع قوله إن مشاركته تأتي من منطلق إدراكه لأهمية الحفاظ على السلطة الفلسطينية ومنع انهيارها، لافتًا أن ممثلي السلطة سيطالبون بتنسيق مشترك مع الجيش الإسرائيلي لعدم تنفيذ اقتحامات كبيرة للأراضي الفلسطينية.
1. قمة العقبة؛ الكل مستفيد الا الفلسطينيون…
كتبت مراسلة يديعوت احرونوت سميدار بيري حول أهداف الدول العربية المشاركة في قمة العقبة الأمنية الطارئة، التي تعقد لإنقاذ إسرائيل -التي تعاني نتيجة الصراع الداخلي – من تصاعد الحالة النضالية في الضفة الغربية فقالت:”ان هذه القمة تأتي pic.twitter.com/6sZCNKNH5a
— سعيد بشارات Saaed Bsharat (@saaed_bsharat) February 26, 2023
وفي المقابل يراهن الشاباك على دور تلك القمة ومخرجاتها في تمكين السلطة الفلسطينية “من التزود بالأدوات التي تمنحها القدرة على وقف التصعيد الأمني في الضفة الغربية ومنع تحوله إلى انتفاضة ثالثة”، خاصة بعد الدعوات المتتالية للثأر والانتقام لشهداء مجزرتي جنين ونابلس والتصدي لمخطط التهجير الذي تنفذه دولة الاحتلال بشكل مكثف خلال الآونة الأخيرة.
القراءة الإجمالية لكواليس هذا الاجتماع تشير إلى رغبة إسرائيلية ملحة في تعزيز الانقسام بين أطياف المشهد الفلسطيني، من خلال دق إسفين بينها على طاولة التنسيق مع المحتل، فالتلاحم الذي شهده مؤخرًا الشارع الفلسطيني في مواجهة مجزرتي جنين ونابلس، وتناغم الخطاب الرسمي والفصائلي والشعبي، كسر وبشكل قوي جهود سنوات طويلة مضت من عمليات الهندسة الاجتماعية التي قامت بها دولة الاحتلال لتحييد الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس بعيدًا عن معارك المواجهة مع فصائل المقاومة، وعليه كان التحرك لإفساد هذا التلاحم من خلال بث الفرقة وخلق جو من الانقسام بشأن اجتماع كهذا.
ومن المثير للتساؤل أنه وقبيل ساعات من انطلاق القمة الناجمة عن تفاهمات بين السلطة والاحتلال التي تقتضي وقف التصعيد الأمني الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين، تتوغل آليات الاحتلال شرق بيت حانون شمال قطاع غزة، وتشرع بأعمال تجريف خارج السياج الفاصل، في ازدواجية تعكس نية حكومة نتنياهو إزاء مثل تلك اللقاءات التي تستهدف من خلالها تخدير الشارع الفلسطييني بشعارات السلام والهدنة وكسب المزيد من الوقت لتنفيذ مخططها التوسعي، ساعدها على ذلك سلطة لا تتعلم من دروس الماضي ولا تقرأ الحاضر جيدًا فضلًا عن استقرار ما هو قادم.