يعاني سكان مخيم الركبان الواقع على الحدود السورية الأردنية، مجددًا، من أزمة غذاء ودواء منذ عدة أسابيع، بسبب سياسة الحصار والتجويع التي ينتهجها نظام الأسد ومن خلفه روسيا، لإجبار السكان على مغادرة المخيم وتفكيكه ضمن استراتيجية اتّبعتها الأخيرة منذ منتصف العام 2018.
ويواجه السكان ظروفًا صعبة للغاية في ظل غياب المساعدات الإنسانية، بسبب إطباق قوات نظام الأسد الحصار على المخيم ومنع دخول الطحين والمواد الغذائية والأدوية عبر المعبر الوحيد الذي كان يوفّر جزءًا من احتياجات المنطقة.
انقطاع الطحين والمواد الغذائية
بدأ سكان مخيم الركبان، في منطقة الـ 55، بتناول فتات الخبز الذي كان يستخدمونه عادةً للأعلاف، بعدما توقفت الأفران عن العمل في يناير/ كانون الثاني الماضي، نتيجة انقطاع مادة الطحين التي كانت تدخل إلى المخيم عبر معبر جليغم، الفاصل بين مناطق نظام الأسد والمخيم.
ومنعت قوات نظام الأسد والميليشيات الموالية له دخول مادة الطحين الذي يُشترى من قبل التجار ويتم بيعه للفرنَين في المخيم منذ شهر تقريبًا، ما أدّى إلى نفاد الكميات المتوفرة في المخازن، رغم أن الطحين كان يدخل مقابل رشاوى تحصل عليها الميليشيات في معبر جليغم الواقع على طريق دمشق-بغداد.
وقال الصحفي خالد العلي، الذي يقيم في مخيم الركبان، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “بعد توقف دخول مادة الطحين إلى المخيم، اعتمد الأهالي على المخزون المتوفر لديهم في بداية العام 2023، وعندما نفد الطحين توقفت الأفران عن إنتاج الخبز ما دفع الأهالي إلى تناول الخبز اليابس، لكنهم اليوم يتناولون الطعام لمرة واحدة من الحبوب كالبرغل والرز والعدس، والتي شهدت ارتفاعًا بأسعارها”.
درباس: “بعد انقطاع مادة الطحين، فإن المواد الغذائية التي يعتمد عليها الأهالي كبديل عن الخبز قيد النفاد، ما ينذر بمجاعة حقيقية تهدّد قاطني المخيم”
وأضاف: “إن إغلاق منافذ التهريب التي كانت توفّر احتياجات المنطقة من المواد الغذائية، تسبّب في مضاعفة معاناة قاطني المخيم، لا سيما ارتفاع أسعارها وندرتها داخل المخيم، في ظل انعدام مصادر الرزق لدى الأسر، إذ يعتمد معظمهم على مساعدة أقاربهم في الخارج ولا يملكون حلًّا آخر”.
ويخشى سكان المخيم من وقوع مجاعة مع انعدام مقومات الحياة، وعدم توفر مادة الطحين والمواد الغذائية في أسواق المخيم المحاصر، حيث يعيش أكثر من 7 آلاف و500 شخص يتناولون فتات الخبز والحبوب المتبقية في الأسواق التي يمكن نفادها في أي لحظة.
من جهته، قال رئيس المجلس المحلي لمخيم الركبان، محمد أحمد درباس، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “بعد انقطاع مادة الطحين، فإن المواد الغذائية التي يعتمد عليها الأهالي كبديل عن الخبز قيد النفاد، ما ينذر بمجاعة حقيقية تهدّد قاطني المخيم في ظل غياب المساعدات الأممية منذ أكثر من عامَين على المخيم”.
وأضاف: “إن مادة الخبز وجبة رئيسية لسكان المخيم ولا يمكن الاستغناء عنها، والأهالي يتضورون جوعًا نتيجة منع النظام دخول الطحين والمواد الغذائية، ونحو 1750 عائلة معرّضة للأمراض والأوبئة بسبب شحّ الغذاء وغياب الدواء”.
نقاط طبية متهالكة.. وأدوية شحيحة
يعدّ القطاع الطبي في مخيم الركبان قطاعًا متهالكًا، بسبب غياب الأطباء من مختلف الاختصاصات، كما تفتقر النقاط إلى معدّات طبية عديدة، في حين يقوم بعض الممرضين والممرضات بتقديم العلاج ضمن الإمكانات المتاحة للمرضى.
وقال الناشط عماد غالي خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن القطاع الصحي متردٍّ في مخيم الركبان نتيجة غياب الكوادر والمعدّات الطبية، فيما يضطر المرضى إلى الخروج نحو مناطق نظام الأسد لتلقّي العلاج رغم تعرض بعضهم للملاحقات الأمنية”.
وأضاف: “إن الأدوية شحيحة جدًّا بسبب منع النظام دخولها إلى منطقة الـ 55، وفي حال كانت تتوفر خلال الأشهر الماضية فهي بأسعار مرتفعة ومرهقة للأهالي، الذين يعانون أساسًا من ظروف معيشية سيّئة”.
يناشد قاطنو مخيم الركبان المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للالتفات إلى الأوضاع التي يمرّون بها، بعدما أطبق النظام وروسيا الحصار عليهم
وأغلقت الحكومة الأردنية الحدود مع مخيم الركبان في مارس/ آذار 2020، ومعها تمَّ إغلاق النقطة الطبية، وبحسب الحكومة فإن سبب الإغلاق يعود للإجراءات المتّبعة للحدّ من انتشار فيروس كورونا، وحتى الآن يعتمد سكان المخيم على الجهود المحلية من الممرضين.
وقال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، خلال حديثه لموقع “نون بوست”: “إن الوضع الإنساني يزداد سوءًا في مخيم الركبان، بسبب الحصار المفروض من قبل نظام الأسد والميليشيات، ما يمنع دخول إمدادات الطحين والمواد الغذائية والأدوية”.
وأضاف: “تسبّب الحصار في وفاة عدد من الأطفال ونزوح عشرات العوائل إلى مناطق النظام، تعرّض بعضها لاعتقالات تعسفية على يد الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد”، كما أشار إلى أن المنظمات الإنسانية والإغاثية نشاطها محدود في المخيم منذ سنوات، ويحتاج إلى تدخل فوري من خلال تمرير المساعدات عبر الحدود الأدرنية السورية”.
ويناشد قاطنو مخيم الركبان المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للالتفات إلى الأوضاع التي يمرّون بها، بعدما أطبق النظام وروسيا الحصار عليهم، ومنع دخول الطحين والمواد الغذائية والأدوية إلى المخيم، لا سيما أن الحواجز العسكرية بدأت برفض تلقّي الرشاوى، ما فاقم الأوضاع الإنسانية.
مساعٍ روسية لإجلاء المخيم
تعد منطقة الـ 55، التي يتواجد فيها مخيم الركبان، منطقة محاصرة كليًّا، ويفترض أن وجود التحالف الدولي على مقربة منه يحمي قاطنيه، بينما يواجه السكان تداعيات الحصار متروكين دون مساعدة، حيث تتحكم بمصيرهم قوات نظام الأسد والميليشيات الموالية له.
وفي وقت سابق عملت قوات نظام الأسد على تضييق الخناق ومنع مرور المواد الغذائية والأدوية عبر خطوط التهريب، وذلك من خلال رفع ساتر ترابي محيط منطقة الـ 55 بارتفاع عدة أمتار ونشر للكمائن، للحدّ من عمليات تهريب احتياجات قاطني المخيم.
ويرى الصحفي خالد العلي أن روسيا تسعى إلى تفكيك مخيم الركبان، وتدفع نظام الأسد لتضييق الخناق ومنع عبور المواد الغذائية والأدوية والطحين حتى عبر معبر جليغم، الذي كان يشهد توقُّفًا كل فترة بهدف دفع رشاوى للقائمين عليه من الميليشيات الموالية للنظام، ما تسبّب بنزوح بعض العائلات إلى مناطق سيطرة نظام الأسد.
وآخر محاولات روسيا كانت إجراء عمليات تسوية خلال العام 2018، استطاعت من خلالها إجلاء عدد كبير من أهالي المخيم من خلال سياسة الحصار والتجويع، إذ كان يضمّ المخيم حوالي 70 ألف نسمة، إلا أن أغلبية السكان خرجوا إلى الشمال السوري عبر خطوط التهريب أو إلى مناطق سيطرة النظام، ولم يبقَ فيه سوى 7 آلاف و500 شخص، بعد محاولات روسية حثيثة لإغلاق المخيم، إلا أن من تبقّى من الأهالي يرفضون ذلك، ويطالبون بدلًا من ذلك بالسماح لهم بالانتقال إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة السورية.