ترجمة وتحرير: نون بوست
حسب وكالة “كاثوليك نيوز“، تراجع مكتب التحقيقات الفيدرالي عن اعتماد وثيقة تظهر أن “فرع ريتشموند بدأ التحقيق في علاقة الكاثوليكيين التقليديين الراديكاليين المحتملة بـ “الحركة القومية البيضاء اليمينية المتطرفة”، مشيرا إلى أن الوثيقة لا تلبي معاييره الصارمة.
مع استخدام اليمين الأمريكي للتحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي مع الرئيس السابق دونالد ترامب دليلًا على أن وكالة إنفاذ القانون الفيدرالية يديرها اليسار الراديكالي – حسب مجلة ماذر جونز – اكتسب الهجوم الثقافي المحافظ زخمًا جديدًا بفضل هذه الأخبار.
وصفت مجلة “ناشيونال ريفيو” وثيقة مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنها “افتراء”، وأن “الجانب الفيدرالي الذي يقع على أقلية من الكاثوليكيين ليس سوى نتيجة متوقعة لشكوك الحرب على الإرهاب مقترنة بنفور مجتمع الإستخبارات والنخبة السياسية من الدين كما هو سائد في الولايات المتحدة”.
من جهتها، اعتبرت قناة “فوكس نيوز” هذه الوثيقة دليلًا على اضطهاد الحكومة الفيدرالية للمحافظين. وقال عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كشف الوثيقة لمضيف أخبار فوكس، تاكر كارلسون: “لقد وجدوا بوابة فيما يعتقدون أنه كاثوليكية هامشية من أجل الانتقال إلى المسيحيين بشكل عام”، مضيفًا أن الحكومة الفيدرالية تريد إبرازهم على أنهم المجرمون الفعليون في هذا البلد أو إرهابيون محتملون.
ونقلت صحيفة “واشنطن إكزامينر” عن رئيس الرابطة الكاثوليكية بيل دونوهيو قوله: “لم نشهد منذ مائة سنة على الأقل موجة مثل التي نشهدها حاليا فيما يتعلق بالمناهضة الشرسة للكاثوليكية في الغرب”. وقال موقع “فيديراليست” إن هذا الأمر لم يكن جديدًا حيث استهدفت “وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي والحكومة الفيدرالية بشكل عام المحافظين مرارًا وتكرارًا بسبب خطابهم ومعتقداتهم”. ويطالب حوالي عشرون من المدعين العامين في البلاد بفتح تحقيق في الأمر حسب وكالة كاثوليك نيوز. وقالت هيئة تحرير وول ستريت جورنال إن الجمهوريين “يتهمون مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتحيز السياسي، دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه”.
ترتبط وثيقة مكتب التحقيقات الفيدرالي بمركز قانون الحاجة الجنوبي، الذي حدّد العديد من مجموعات الكراهية الكاثوليكية التقليدية الراديكالية بتمييز الأيديولوجية المتطرفة عن المجتمع الأكبر من الكاثوليكيين المتدينين، باعتبارهم من “أتباع الكاثوليكية التقليدية الراديكالية” أو “المتشددين” الذين يستهدفون “اليهود باعتبارهم العدو الدائم للمسيح”. ووفقًا لمركز قانون الحاجة الجنوبي: “يرفض أتباع الكاثوليكية التقليدية الراديكالية جهود الفاتيكان، ويؤكدون في بعض الأحيان أن جميع الباباوات الجدد غير شرعيين. هذه الجماعات غاضبة من الإصلاحات الليبرالية لمجلس الفاتيكان الثاني 1962-1965، التي أدانت كراهية اليهود ورفضت الاتهام القائل إن اليهود مسؤولون جميعًا عن قتل المسيح من خلال صلبه”.
في طلبها الحصول على الوثائق الأخرى المحتملة بموجب حرية النفاذ إلى المعلومات، رفضت “ذا دايلي سيغنال”، المنفذ الخاص بمؤسسة “هيريتاج فاونديشن”، ملخص مركز قانون الحاجة الجنوبي وعمله بشكل عام قائلة إنه “يصوّر المنظمات غير الربحية المحافظة والمسيحية السائدة على أنها مجموعات كراهية ويضعها في نفس الخانة مع كو كلوكس كلان”.
تكمن المشكلة في أن العديد من وسائل الإعلام اليمينية التي تنتقد المذكرة هي نفسها التي أيّدت فرض مراقبة واسعة النطاق على المجتمعات الإسلامية بتعلة إنفاذ القانون.
في صحيفة “واشنطن بوست”، قال مقدم البرامج الإذاعية المحافظ هيو هيويت: “إن أصدقائي من الراديكاليين التقليديين طيبون وكريمون ومخلصون ويأخذون واجباتهم على محمل الجد”، مضيفا أن مكتب التحقيقات الفيدرالي عازم على مطاردة الأشخاص غير المؤذين لمجرد كونهم محافظين.
كما أصر هيويت على أن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي يجب أن “يُدين بحزم وقوة الأيديولوجيات الدخيلة والسياسيين المتحزبين داخل المكتب” الذين قادوا التهمة ضد الكاثوليكيين الراديكاليين، مشيرا إلى أن “الكونغرس ينبغي أن يمنح راي السلطة للتخلص منهم دون المرور بالعملية اللانهائية التي تشمل حتى التأديب البسيط لأصحاب الخدمة المدنية المحصّنين”.
كانت تعليمات مكتب التحقيقات الفدرالي غامضةً جدا فيما يتعلق بتأكيده أن الكاثوليك الراديكاليين يشكلون تهديدًا للأمن العام الذي يجب أن يجب أن يزعج إهماله الكاثوليكيين وغيرهم على حدٍ سواء. وقال بن لوربر محلل الأبحاث البارز في مركز شركاء الأبحاث السياسية إن “النهج الذي يعزز مراقبة الدولة وانتهاكات الحريات المدنية يضر ديمقراطيتنا ويعرض المجتمعات المهمشة بالفعل للخطر”.
بالنسبة لوسائل الإعلام اليمينية، فإن ربط بحث مركز قانون الحاجة الجنوبي بتوجيهات مكتب التحقيقات الفيدرالي يتناسب مع الرواية القائلة إن هذه الوكالة واليسار في كفة واحدة. وذكر لوربر: “لقد أثارت حركة الراديكاليين التقليديين بالفعل دهشة المتابعين لليمين المتطرف، بوجود تداخل كبير بين المجتمعات الكاثوليكية التقليدية عبر الإنترنت والحركات القومية البيضاء مثل غرويبرز، التي كانت نشطة في تمرد 6 كانون الثاني/ يناير”، مضيفًا أنهم يستهدفون مجتمع الميم واليهود والأقليات الأخرى.
في الوقت الحالي، أصبحت نظرية مؤامرة كيو أنون – القوة الأيديولوجية الدافعة للانتفاضة الفاشلة في مبنى الكابيتول – تؤثر بشكل متزايد على الأمريكيين الكاثوليكيين الذين يعارضون البابا فرانسيس المعروف بميوله الليبرالية، وذلك حسب موقع “روليجن ديسباتشز“.
مع ذلك، هناك فرق بين قول أمور جنونية ومتطرفة وبين فعلها في الواقع. لا أحد يريد أن يعتقد أن العملاء الفيدراليين يذهبون إلى دور العبادة لمراقبة بعض المتطرفين المهمشين، ولكن تكمن المشكلة في أن العديد من وسائل الإعلام اليمينية التي تنتقد المذكرة هي نفسها التي أيّدت فرض مراقبة واسعة النطاق على المجتمعات الإسلامية بتعلة إنفاذ القانون.
ذكرت مجلة “ناشيونال ريفيو” أن “مراقبة المجتمعات الإسلامية لا غنى عنها لدحر الإرهاب” واحتفلت بقطع مكتب التحقيقات الفيدرالي العلاقات مع مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية لأن تطبيق الشريعة الإسلامية هو المبدأ المحوري بالنسبة له وغيره من المنظمات الأخرى التي كانت حكومتنا تتواصل معها بتهور لسنوات”.
قسم المخابرات في شرطة نيويورك قد خص القادة الدينيين والاجتماعيين المسلمين والمساجد والجمعيات الطلابية والمنظمات والشركات والأفراد بمراقبة واسعة النطاق
أشادت هيئة تحرير صحيفة “نيويورك بوست”، وهي جزء من الإمبراطورية الإعلامية لروبرت مردوخ إلى جانب “فوكس نيوز”، بجهود عمدة مدينة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ الذي ترشح للرئاسة في السباق التمهيدي الديمقراطي لسنة 2020، قائلة إن انتقاد مراقبة الشرطة للمجتمع المسلم في المدينة تحت إشرافه كان سببًا للفخر لأن رجال الشرطة ذهبوا إلى المجتمعات المسلمة “للتعرف عليهم أكثر واكتساب معلومات أساسية للتحقيقات المستقبلية أو لمعرفة إذا ما كانت هناك هجمات محتملة”.
حازت وكالة “أسوشيتد برس” على جائزة بوليتزر عن سلسلتها التي توثق تجسس شرطة نيويورك، التي وصفتها هيئة تحرير “نيويورك تايمز” بأنها “برنامج لا يمكن الدفاع عنه للتجسس على المسلمين الملتزمين بالقانون”. ولكن اليمين يفكر بشكل مختلف. كما نشرت قناة فوكس نيوز قصة لأسوشيتد برس عن مسلمين يدعمون المراقبة في مجتمعاتهم، ونقلت عن صحفي مسلم دافع عن المراقبة قوله “إننا نستخدم الدين كغطاء”.
ناقش بيل أورايلي، الذي كان وقتها مضيفًا منمقًا لقناة فوكس نيوز، مؤسس منفذ لنشر أخبار العرب الأمريكية أسامة السبلاني حول إنهاء برنامج التطفل في شرطة نيويورك. وقد قال مقدم البرنامج إنه كان يسمح لهم “بالهجوم أولاً”، بينما دافع السبلاني عن الحقوق الدستورية.
قالت هيئة تحرير وول ستريت جورنال إن رجال الشرطة كانوا “على حق طوال الوقت” بشأن التجسس على المسلمين في مدينة نيويورك. وقال هيويت في صحيفة “واشنطن بوست” إن وثيقة مكتب التحقيقات الفيدرالي كانت سببًا لتطهير الوكالة، لكنه روّج أيضًا على تويتر لكتاب عن مراقبة مكتب التحقيقات الفيدرالي للمسلمين، بالإضافة إلى التقليل من شأن حظر إدارة ترامب للمسلمين.
أورد النائب الجمهوري عن نيويورك بيتر كينغ – الذي أعلن ذات مرة أن هناك “عددًا كبيرًا جدًا من المساجد” في الولايات المتحدة – لشبكة فوكس نيوز أن البلاد بحاجة إلى زيادة مراقبة المساجد في الولايات المتحدة باعتبارها وجهة الإرهابيين الإسلاميين. وأضاف أن النقاد يمكنهم قول كل ما يريدون بشأن التكتيك الذي يرقى إلى مستوى التعدي على الحريات المدنية.
مثلما أوضح اتحاد الحريات المدنية الأمريكي في قضية مدينة نيويورك، كان التجسس واسع الانتشار وغير دستوري موضحا أن “قسم المخابرات في شرطة نيويورك قد خص القادة الدينيين والاجتماعيين المسلمين والمساجد والجمعيات الطلابية والمنظمات والشركات والأفراد بمراقبة واسعة النطاق كانت “تمييزية ولا تُنفذ ضد المؤسسات أو الأفراد الذين ينتمون إلى أي أديان أخرى أو بقية المجتمعات بشكل عام”.
بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي سيكون من الخطأ التذرّع بما فعله شخص مثل ماكفي لبدء تعقب المسيحيين بشكل عام، ولكن لا ضير في اتباع هذا المنطق إذا كان صاحب الفعلة شخصًا من ديانات أخرى.
لا يوجد دليل حقيقي على أن وثيقة مكتب التحقيقات الفيدرالي المتعلقة بالكاثوليكيين التقليديين المتطرفين قد أدت إلى فرض مثل هذا النوع من التجسس على نطاق واسع مثلما حدث مع المسلمين في عهد بلومبرغ. مع ذلك، تتعامل وسائل الإعلام المحافظة مع هذه المسألة بشكل مختلف تمامًا. وسرعان ما نأى مكتب التحقيقات الفيدرالي بنفسه عن الوثيقة المتعلقة بالكاثوليكيين، بينما أدى التجسس على المسلمين إلى صراعات قانونية وسياسية طويلة، حسب كل من صحيفة الغارديان واتحاد الحريات المدنية.
يعد هجوم الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر الإرهابي المحفور في الوعي الأمريكي الدافع وراء كل هذه المراقبة المستهدفة للمجتمعات الإسلامية. علينا أن نفعل أي شيء لمنع حدوث ذلك مرة أخرى، أليس كذلك؟ لكن هذا الأمر لا يزال مجرد ذريعة لازدواجية المعايير. وقبل هذه الأحداث، كان تفجير مدينة أوكلاهوما الذي نفّذه القومي المسيحي الأبيض تيموثي ماكفي، الذي لا يزال وثيق الصلة بالمتطرفين اليوم، أسوأ هجوم إرهابي على الأراضي الأمريكية حسب إيه بي سي.
بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي سيكون من الخطأ التذرّع بما فعله شخص مثل ماكفي لبدء تعقب المسيحيين بشكل عام، ولكن لا ضير في اتباع هذا المنطق إذا كان صاحب الفعلة شخصًا من ديانات أخرى. وهذه المعايير المزدوجة لوسائل الإعلام اليمينية تجعل أحد الأديان مقدسًا وبقية الأديان الأخرى عنصرًا مشبوهًا. ويُعد الكاثوليكيون المتدينون – وخاصة أولئك الذين يعارضون بشدة الإجهاض وحقوق مجتمع الميم – جزءا أساسيا من الثقافة المحافظة في الولايات المتحدة. ويعمل كل من الديمقراطيين والجمهوريين بشكل جيد مع الناخبين الكاثوليكيين – حسب مركز بيو للأبحاث – لذلك من الواضح أن المحاولة الأخيرة لرسم إدارة بايدن، (ثاني رئيس كاثوليكي في الولايات المتحدة على مرّ التاريخ) على أنها معادية للكاثوليكية مرتبطة بآمال الانتخابات.
بينما استهدفت وثيقة مكتب التحقيقات الفيدرالي مجموعة محددة جدًا من الكاثوليكيين، ألمحت وسائل الإعلام المحافظة إلى أنه تحيز أكبر ضد المسيحيين – وتتمثل الفكرة في أنه إذا حدث هذا للكاثوليكيين التقليديين فقد يحدث للبروتستانتيين أيضا. وبالطبع، سبق أن تلقينا جميعًا هذا التحذير منذ فترة: طالما أن هذا يحدث للمسلمين، فقد يحدث لأي شخص آخر. لكن هذه الرسالة لا تتناسب مع سياسات هذه المنابر الإعلامية.
يعد هذا الأمر دليلا إضافيا على أنه حتى البوابات الرئيسية للتيار الأمريكي المحافظ مدفوعة في جزء كبير منها بالتفوق المسيحي الواضح. أو كما قال لوربر: “إنه أمر مثير للسخرية، وليس مفاجئًا، ذلك أنه لطالما كانت وسائل الإعلام والمثقفون الذين يهتمون الآن بالحريات المدنية للكاثوليكيين اليمينيين المتطرفين، داعمين – أو صامتين على مدى سنوات عديدة – لما تقوم به الدولة من انتهاك للحريات المدنية للجماعات الأخرى”.
المصدر: كاونتر بانش