ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ بداية الحرب في أوكرانيا، وجدت ممالك الخليج وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها في مأزق أمام الحد من علاقاتها مع روسيا أو ربما التعرض للعقوبات في خضم حرب بعيدة جدًا بالنسبة لمعظم دول الخليج.
أصبحت أبوظبي ودبي مركزين رئيسيين للشبكات المالية والاقتصادية والجيوستراتيجية الروسية. وبينما تحاول أبوظبي الاستفادة من هذه الشبكات للتوسّط في حرب أوكرانيا، فإن قلق صنّاع السياسة في واشنطن ولندن وبروكسل يتزايد بشأن الدور الواضح للإمارات كوكيل لموسكو.
لكن بالنظر إلى ما هو أبعد من المخاطر قصيرة المدى لعزل الشركاء الغربيين، فإن نهج أبوظبي الذي يركّز على شبكة علاقاتها مع روسيا يسلط الضوء على طريقة جديدة ومبتكرة لإعادة صياغة فنّ الحوكمة. تخيّل أنك تحكم مملكة في الخليج كانت تُعتبَر صغيرة بكل المعايير التقليدية (من حيث عدد السكان والمساحة والناتج المحلي الإجمالي)، وسط دول تُعتبَر أكبر بكثير وفقًا للمعايير التقليدية نفسها، فكيف تضمن بقاء أمتك وازدهارها؟ يتطلب هذا نهجًا غير تقليدي لإعادة تنظيم النفوذ واكتساب تأثير على المستوى المحلي.
في عالم مترابط وقائم على شبكة علاقات، ظهرت وسائل وطرق جديدة لصناعة السلطة. ونظرًا لأن العلاقات الدولية لم تعد تتشكل فقط من خلال أنشطة الدول وإنما من خلال تدفّق المعلومات والأشخاص ورأس المال خارج سيطرة الدولة بشكل تدريجي، وسّعت الإمارات نطاق فنّ الحكم خارج القدرات الداخلية المحدودة لبيروقراطية الدولة.
أتاح الترويج الواضح للسلطة بعيدًا عن البيروقراطيات المترهلة والمرتكزة على الدولة والمنظمة هرميًا فرصًا لتنظيم السلطة والنفوذ من خلال شبكات القطاعين العام والخاص التي يبدو أن نقط تقاطعها تعمل بشكل مستقل عن الدولة.
بدائل ووسطاء
في أبوظبي، أعيد تعريف الاستراتيجية باعتبارها “فن توليف القوة” منذ صعود محمد بن زايد وأشقائه إلى الحكم – المعروفين ببني فاطمة العائلة المالكة في أبوظبي. لقد صنعوا السلطة من خلال تفويض فن الحكم لشبكات وكلاء ووسطاء لتعزيز المرونة والوصول والسيطرة على دائرتهم الداخلية.
سمح هذا لهم بإعادة تشكيل السلطة من خلال تنسيق شبكات النفوذ العامة والخاصة وشبه الخاصة التي تضم أفراداً ومنظمات وشركات وأوساطاً نخبوية. يسمح فن الحكم القائم على الشبكة في الإمارات العربية المتحدة لبني فاطمة بالاستفادة بشكل مباشر من الشبكات العالمية الأخرى وربط نقاط تقاطعها بشكل مباشر أو غير مباشر بمركز قوتها في أبوظبي. ولعب شقيقا محمد بن زايد، منصور وطحنون بن زايد، دورًا فعالًا بشكل خاص في محاولة توجيه تدفق المعلومات والأشخاص ورؤوس الأموال إلى دول الخليج.
كانت روسيا هدفًا خاصًا لبناء شبكة بني فاطمة – ليس أقلها منذ أن كانت الأموال الروسية تبحث عن ملاذات آمنة جديدة بعد قرار موسكو غزو أوكرانيا. وعلى غرار الإمارات العربية المتحدة، تم تفويض فن الحكم الروسي في عهد الرئيس فلاديمير بوتين إلى أفراد ومؤسسات موثوق بهم مرتبطين مباشرة بمركز قوة الكرملين. وبالتالي ليس من المستغرب أن الشبكات الروسية الإماراتية كانت تندمج بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في السنوات الأخيرة.
استخدم منصور وطحنون بن زايد بشكل فعال أدواتهما المختلفة التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها لخلق فرص لبناء الشبكات. إلى جانب نقاط التقاطع الواضحة في قطاع الطاقة، مثل المؤسسة الوطنية للنفط في أبو ظبي، سهلت العديد من الأدوات المصرفية وصول ممثلي الكرملين إلى الأسواق المالية العالمية بعد فرض الغرب عقوبات على روسيا.
يُقال إن 38 رجل أعمال ومسؤول على الأقل من الدائرة المقربة من بوتين يمتلكون 76 عقارًا تزيد قيمتها على 314 مليون دولار في دبي وحدها – من بينهم ألكسندر بوروداي، الزعيم الانفصالي السابق الذي عينته روسيا في منطقة دونيتسك بأوكرانيا؛ ورسلان بايساروف، أحد أغنى رجال الأعمال وكبير الممولين في روسيا للزعيم الشيشاني رمضان قديروف، وهو صديق شخصي مقرب لمحمد بن زايد.
بغض النظر عن مساعدة شبكة الكرملين الرئيسية في استثمار أموالها في الخرسانة الإماراتية، عمل منصور الذي يرأس البنك المركزي الإماراتي على توفير تراخيص تشغيل للبنوك الروسية في الإمارات، مما فتح قنوات جديدة لتدفق الأموال من روسيا إلى الإمارات العربية المتحدة.
شبكة عالمية واسعة
لطالما عملت إمبراطورية طحنون بن زايد الواسعة شبه الخاصة، التي يديرها تكنوقراط موثوق بهم، جنبًا إلى جنب مع شبكات منصور المالية لتشكيل شبكات اقتصادية وتجارية مع روسيا. قبل حرب أوكرانيا، كانت هذه الإمبراطورية تسهل دخول الشركات الروسية إلى السوق.
لكن الغريب في الأمر انخراط مجموعة فاغنر الروسية أيضا – وهي دولة داخل دولة – التي تتألف من شبكة من مختلف الشركات والوسطاء الذين شاركوا، إلى جانب أنشطة المرتزقة في جميع أنحاء إفريقيا وأوكرانيا، في الصناعات الاستخراجية والطيران. وتتمثل إحدى العقدة الرئيسية في شبكة أعمال مجموعة فاغنر في “كراتول للطيران”، وهي شركة مقرها الإمارات العربية المتحدة تعمل على الأرجح داخل الدولة بموافقة ضمنية من بني فاطمة. وقد ساعدت “كراتول للطيران” مجموعة فاغنر في نقل الأفراد والأسلحة في جميع أنحاء أفريقيا.
في غضون ذلك، تشير تقارير المخابرات الأمريكية إلى أن فاغنر استخدمت الشبكات المالية في الإمارات للمساعدة في تمويل عملياتها. كما ورد أن شركة فاغنر، التي تم الدفع لها مقابل خدماتها في السودان من خلال منحها امتيازات لاستخراج المعادن، استخدمت الإمارات العربية المتحدة كمركز رائد لتجارة الذهب على المستوى العالمي حيث استبدلت المعادن المستخرجة بطريقة غير مشروعة بالعملة الصعبة.
ولكن ما الذي يحصل عليه بنو فاطمة في المقابل؟ أصبحت أبوظبي مركزًا لا غنى عنه لمجموعة من نقاط التقاطع في شبكة عالمية واسعة من المخادعين وأصحاب النفوذ. بالنسبة للقوة العظمى روسيا، تطورت دولة الإمارات العربية المتحدة التي تبدو صغيرة إلى بوابة مهمة إلى إفريقيا والشرق الأوسط، فضلاً عن ملاذ مالي يحافظ نظام بوتين من خلاله على الوصول إلى الأسواق العالمية.
تؤدي هذه الشبكات إلى نشوء تبعيات يمكن أن تستخدمها أبوظبي كوسيلة ضغط. وهذه التبعيات لا تربط روسيا ببني فاطمة فحسب، بل تجعل الشبكات الإماراتية أكثر جاذبية من أي وقت مضى للقوى العظمى الأخرى مثل الصين والولايات المتحدة. وفي عالم متعدد الأقطاب، تستخدم أبوظبي النفوذ الذي تكتسبه للمساومة والتوسط في دفع مصالح بني فاطمة أولاً، وبالتالي المصالح الوطنية للإمارات.
توفر هذه الشبكات بعد ذلك وسائل وطرقًا مرنة، والأهم من ذلك، سريّة لإدارة الدولة التي حوّلت أبوظبي من دولة صغيرة غير فعّالة تعتمد إلى حد كبير على الولايات المتحدة، إلى لاعب حازم على الساحة الإقليمية تحتاج القوى العظمى إلى الانخراط معه – سواء أرادت أم لا.
المصدر: ميدل إيست آي