تسبّب الزلزال الذي ضرب شمال سوريا في 6 فبراير/ شباط الجاري، وما تبعه من هزّات ارتدادية قوية، في دمار عدد من المحال التجارية وتضرُّر الأسواق وتصدُّعها، كذلك لقيَ عدد من التجار حتفهم تحت الركام، فيما توقفت الورش الصناعية عن العمل بسبب تراجع الطلب أو انشغال أصحابها بعوائلهم المتضررة من الزلزال، ما انعكس سلبًا على عمّال المياومة والعاملين في المحلات التجارية وتوقف العمل.
كما أدّى الزلزال إلى توقف معظم المشاريع المدعومة من المنظمات الإنسانية، نتيجة تحول جميع الدعم للاستجابة من الزلزال، وكذلك توقف مشاريع ومنشآت مواد البناء بعد إرسال معظم آليات المقالع ومشاريع المقاولين لإزالة الركام وانتشال العالقين تحت الأنقاض خلال الأيام الماضية، ما أدّى إلى بطالة آلاف الشبان شمال غربي سوريا.
يقول الشاب أحمد قاسم العكو (27 عامًا)، وهو نازح من منطقة الشيخ سعيد شرق حلب، ويقطن قرية الزهور الواقعة في محيط بلدة كللي شمال إدلب، إنه يعاني من انقطاع العمل منذ 20 يومًا بسبب توقف معمل البطاريات الذي يعمل به في بلدة تل الكرامة بسبب الزلزال.
وكان الشاب أحمد يتلقّى أجرًا يوميًّا يُقدَّر بـ 75 ليرة تركية (ما يعادل 4 دولارات أمريكية)، لكنه اليوم يعاني من سوء في حالته المعيشية نتيجة توقف عمله الذي كان يعيل نفسه وأسرته منه.
ويقول أحمد في حديثه لـ”نون بوست” إنه يبحث منذ وقوع الكارثة عن فرصة عمل في الشمال المحرر دون جدوى، منوّهًا أن معظم المعامل والشركات متوقفة بالكامل، بعضها لأن عمّالها فقدوا أقارب لهم أو يعانون من أضرار في البناء ويعمل على إعادة ترميمه.
وبات أصحاب المحال التجارية في شمال غربي سوريا ينفقون من أموالهم الخاصة بسبب توقف محلاتهم، فيما استمرت فقط محال بيع المواد الغذائية التي يضطر السكان لشرائها باعتبارها من المواد الأساسية لتأمين معيشتهم اليومية، وفقًا لعلي حنتش صاحب أحد المتاجر في مدينة الأتارب.
عدد المتضررين من الزلزال حتى الآن 965 ألفًا و833 نسمة، ومن المتوقع ازدياد أعداد المتضررين إلى 1.3 مليون نسمة نتيجة الزيادة الهائلة في أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية الطارئة.
ويرى حنتش أن الكارثة التي حلّت بالمنطقة أدّت إلى انشغال السكان بتداعياته وأضراره، فساهم بضعف حركة البيع والشراء لأن السكان باتوا يهتمون بتأمين طعامهم، وإعادة ترميم منازلهم، خاصة أن الوضع المادي للسكان سيّئ بالأساس، والكل مهموم بمشاكل ما بعد الزلزال.
ويؤكد محمد حلاج، وهو مدير فريق “منسقو استجابة سوريا”، خلال حديث خاص مع “نون بوست”، أن عدد المتضررين من الزلزال حتى الآن 965 ألفًا و833 نسمة، ومن المتوقع ازدياد أعداد المتضررين إلى 1.3 مليون نتيجة الزيادة الهائلة في أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية الطارئة، فيما تُقدَّر حجم الخسائر المادية الأولية حتى الآن مع إجراء الحسابات الأولية بقيمة 356 مليون دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن الأرقام تزداد في حال الحسابات الدقيقة وإكمال إحصاء الأضرار المادية في المنطقة.
وتوقع حلاج تعافي المنطقة بنسبة 60% بعد 3 سنوات من الكارثة الأخيرة، وتحتاج إلى 5 سنوات للعودة إلى الوضع الذي كانت عليه ما قبل الكارثة.
في المقابل، يؤكّد أحمد بكور (44 عامًا)، وهو صاحب أحد المحال الترفيهية كالألعاب والكماليات مثل الألبسة في مدينة معرة مصرين، لـ”نون بوست” أن هذه التجارة تأثّرت أكثر من غيرها بكثير، باعتبار أن من يشتري هذه الأشياء يكون في راحة نفسية وتعتبر من الكماليات في منازل السكان، منوّهًا: “لم أتضرر والحمد لله، لكن حركة البيع توقفت بالمطلق، حتى أني قمت بتعليق عمل العمال بسبب توقف الحركة”.
وأضاف بكور أن مخلفات الزلزال التي أسفرت عن تضرر معظم منازل الشمال السوري، والتخوُّف من الهزات الارتدادية والإشاعات التي تُبث بشكل يومي على وسائل التواصل، جعلا الناس يعزفون بشكل تامّ عن التسوق.
وتوقع تقرير صادر عن وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني، في 9 فبراير/ شباط الجاري، أن الخسائر الاقتصادية جرّاء الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا تجاوز مليارَي دولار، وقد تبلغ 4 مليارات دولار أو أكثر، وأشار إلى أن المبالغ المؤمنة “أقل بكثير، وتصل ربما إلى نحو مليار دولار، بسبب ضعف التغطية التأمينية في المناطق المتضررة”.
وتقول “مجموعة عمل اقتصاد سوريا” إن الشمال السوري بحاجة إلى 10 مليارات دولار أمريكي لإعادة إعماره مجددًا بعد الزلزال، “وفق أسُس بناء صحيحة”.
المناطق التي تضرّرت إثر الزلزال كانت تعاني أصلًا من الدمار الذي أحدثته الحرب في سوريا، والتي بقيت صامدة إلى اليوم دون أي مشروع لإعادة إعمار أو تعويض.
بدوره، يوضح الخبير الاقتصادي محمد العطار في مداخلة مع “نون بوست”، أن الزلزال الذي ضرب شمال سوريا خلّف آثارًا مباشرة وغير مباشرة، وتركّزت الآثار المباشرة على تهدُّم الأبنية أو تصدُّعها، وتعطُّل معظم الأجهزة الإلكترونية أو كسرها واحتراق بعضها، فيما تركزت الآثار غير المباشرة على تعطُّل شبكات المياه والصرف الصحي وتوقُّف المعامل وشركات الإنتاج في المنطقة.
هذا بالإضافة إلى توقف المدارس والجامعات، وتوقف بعض المشاريع الخدمية، وتوجُّه المشاريع نحو المواضيع الإغاثية الطارئة، في وقت أثّر الزلزال على اتخاذ بعض المؤسسات الحكومية أبنيتها ملجأ للمتضررين، كما اعتبر العطار أن الآثار غير المباشرة هي أقسى من المباشرة وخسائرها هي الأكبر، وانعكست سلبًا على السكان.
ويشير العطار إلى أن المناطق التي تضرّرت إثر الزلزال كانت تعاني أصلًا من الدمار الذي أحدثته الحرب في سوريا، والتي بقيت صامدة إلى اليوم دون أي مشروع لإعادة إعمار أو تعويض، لافتًا إلى أن الكارثة التي ستلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي تكمن في ظاهرة هؤلاء النازحين والمهجرين أساسًا من منازلهم، حيث اضطرّوا ترك منازلهم مرة أخرى نتيجة الأضرار التي خلّفها الزلزال.
ويؤكد تقرير للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) أنه حتى اللحظة بلغت حصيلة الدمار التي خلّفها الزلزال في 6 فبراير/ شباط 12 ألفًا و122 مبنى، بشكل كلّي أو جزئي.
وتقدّر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعداد النازحين بنحو 5.37 ملايين نسمة، وهذه المشكلة ستُضاف إلى مشكلة النازحين الموجودة أساسًا نتيجة موجات التهجير التي نتجت خلال السنوات الماضية، لذلك نرى أن موجات الهجرة الجديدة طالت مدنًا وقرى كاملة في محافظتَي إدلب وحلب، ما سيفرض الحاجة إلى مساعدات طارئة لإغاثة اللاجئين وتعويضهم على خسائرهم في منازلهم وعملهم الذي توقف.