ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أسبوعين من الاحتجازات والاعتقالات السياسية، أطلق الرئيس التونسي، قيس سعيّد، العنان لحملة عنصرية تستهدف المهاجرين السود في بلاده، مع مؤامرات تعكس “نظرية الاستبدال العظيم” ومداهمات الشرطة في الأحياء الشعبية في مختلف أنحاء البلاد حيث يعيش العديد من العمال المهاجرين.
وفي خطاب ألقاه أمام مجلس الأمن القومي في 21 شباط/ فبراير؛ زعم سعيّد أن “هناك مؤامرة إجرامية تم إعدادها منذ بداية هذا القرن لتغيير التركيبة السكانية لتونس. وهناك أطراف تلقت مبالغ طائلة من المال بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير الشرعيين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس”، ودعا قوات الأمن إلى “التعجيل بوضع حد لهذه الظاهرة”، مكررا الاستعارات العنصرية حول الإجرام المتأصل في السود.
وفتح تصريح سعيّد، الذي لم يقدم أي دليل عليه، بابًا من الإرهاب العنصري والعنف في تونس، والذي كان في السابق محدودًا عند مستوى معيّن، وفي الساعات التي أعقبت الخطاب؛ كرر أنصار سعيّد، بمن فيهم الأعضاء المنتخبون حديثًا في برلمان صوري، ادعاءاته، وغمرت التقارير منصات التواصل الاجتماعي ومجموعات “واتساب” الخاصة باستهداف السود – سواء من دول جنوب الصحراء أو التونسيين السود – مع الإساءة اللفظية والجسدية.
وقالت غريس، وهي امرأة من كوت ديفوار في منتصف الثلاثينات من عمرها وتعمل في منزل دبلوماسي أوروبي، لمجلة “نيو لاينز” إنها عادت إلى المنزل من العمل ليلة الأربعاء لتجد أن مالك المنزل قد قطع الغاز والماء والكهرباء وطالبها هي وزملائها الثلاثة بمغادرة المنزل على الفور.
وقال ريتشارد، وهو عامل بناء في مدينة الحمامات الساحلية، إن صاحب عمله طلب من طاقمه بأكمله عدم العودة إلى العمل خوفًا من مواجهة عواقب قانونية لتوظيف عمال مهاجرين. وأفادت عاملات منازل أخريات من غرب إفريقيا ممن لم يرغبن في الكشف عن أسمائهن أنهن رُشِقن بالحجارة أثناء خروجهن للتسوق أو عند اصطحاب أطفالهن الصغار إلى الحدائق أو المنتزهات.
وقالت جوزفين، والتي تعمل كمربية من ساحل العاج: “أعمل هنا منذ حوالي عقد من الزمان. وللمرة الأولى أشعر بالخوف من الذهاب إلى العمل، وركوب الحافلة، والذهاب إلى السوق”.
يعمل معظم المهاجرين في ظروف محفوفة بالمخاطر في مناصب دون إشراف أو حماية أو حقوق، وتعد سرقة الأجور أمرًا شائعًا، وكذلك العنف الجسدي
بحلول يوم السبت؛ كان حوالي 12 شخصًا يخيمون خارج السفارة الإيفوارية، بعد أن طُردوا من منازلهم في الأيام السابقة. ويوم الأحد؛ ساد الهدوء في الأحياء التي يسكنها طلاب وعمال سود، حيث نشرت رسائل “الواتساب” المذعورة شائعات عن أعمال عنف انتقامية مخطط لها في ذلك اليوم.
أبرمت تونس اتفاقية سفر بدون تأشيرة مع ساحل العاج، البلد الذي يأتي منه غالبية مهاجريها من جنوب الصحراء الذين يقدر عددهم بنحو 70 ألف مهاجر، وباعتبارها دولة ذات نظام جامعي فرانكفوني، أصبحت تونس مركزًا للطلاب من غرب إفريقيا. وأصبح قربها من أوروبا أيضًا عامل جذب لأولئك الذين يأملون في عبور البحر الأبيض المتوسط لإيجاد المزيد من الفرص في إيطاليا أو فرنسا.
يصل جميع المهاجرين إلى تونس تقريبًا بشكل قانوني، ولكن بعد ثلاثة أشهر يصبح وضعهم “غير قانوني” وتُفرض عليهم غرامة شهرية تبلغ حوالي 27 دولارًا، ولا يوجد سوى القليل الطرق التي يمكن اتباعها للحصول على إذن قانوني للعمل في تونس؛ حيث تمنع قوانين العمل المحلية الأجانب من شغل منصب يمكن للمواطن التونسي القيام به نسبيًّا.
ونتيجة لذلك؛ يعمل معظمهم في ظروف محفوفة بالمخاطر في مناصب دون إشراف أو حماية أو حقوق، وتعتبر سرقة الأجور أمرًا شائعًا، وكذلك العنف الجسدي. وبالنسبة للعديد من المهاجرين الذين يقيمون في تونس منذ أشهر أو سنوات – بما في ذلك خلال جائحة كوفيد-19، عندما أغلقت الحدود – مع عمل متقطع وبأجر ضعيف، تصبح رسوم مغادرتهم البلاد باهظة للغاية ويُتركون في طي النسيان، ولا يكسبون سوى القليل من المال لدفع رسومهم المتزايدة باستمرار، لكن غير قادرين على المغادرة.
فاجأت سرعة انحدار تونس إلى العنصرية العلنية العديد من المتفرجين، لكن هدى مزيودت، وهي ناشطة حقوقية تونسية سوداء، قالت إن العنصرية في تونس طويلة الأمد.
وفي إطار حملة سعيّد؛ اعتقلت الشرطة التونسية أكثر من 500 مهاجر في مداهمات في الأيام الأخيرة. وقالت أليس، وهي عاملة منازل سنغالية، إنها كانت تصطحب طفلها الصغير من منزل أحد معارفها الذي يعمل كمركز رعاية نهارية غير رسمي لعائلات العمال المهاجرين عندما داهمت الشرطة المبنى واحتجزت الآباء وأطفالهم. وسُحب آخرون من الحافلات ومن المتاجر وخارج مواقع البناء، وقُبض على اثنين من القساوسة الإنجيليين، وهما باكومي أوتيتي وكالو دانيال، في مداهمات يوم الخميس.
وفي تلك الليلة؛ ضاعف سعيّد من نظريات المؤامرة لديه، مع تفسير معاكس عبثي لنظرية “البديل العظيم” العنصرية التي صاغها في الأصل الروائي الفرنسي اليميني المتطرف، رينو كامو، والتي تدعي أن السكان الأوروبيين البيض تم استبدالهم بالأجانب المسلمين.
وقال سعيد: “هذا هو الهدف غير المعلن” للممثلين الشائعين الذين يفترض أنهم تلقوا مبالغ طائلة لإعادة توطين المهاجرين في تونس، “لجعل تونس دولة أفريقية لا تنتمي إلى الدول العربية والإسلامية”.
لقد فاجأت سرعة انحدار تونس إلى العنصرية العلنية العديد من المتفرجين، لكن هدى مزيودت، وهي ناشطة حقوقية تونسية سوداء، قالت إن العنصرية في تونس طويلة الأمد. ورغم إلغاء العبودية في أربعينات القرن التاسع عشر؛ استمر التونسيون في إساءة معاملة السود وغيرهم من المهاجرين الأفارقة في العقود التي تلت ذلك.
وقالت مزيودت إن “جزءًا من المشكلة يكمن في إنكار التونسيين ورفضهم والتقليل من شأن قضية العنصرية”. وأوضحت أن التونسيين يشيرون إلى دول أخرى، مثل الولايات المتحدة، حيث إن العنصرية أكثر علانية أو عنفًا، بينما يتجاهلون تاريخهم في تجارة الرقيق وقمع التونسيين السود. ويقولون “نحن لا نقتلكم كما يفعلون في الولايات المتحدة لذلك لا يمكننا أن نكون عنصريين. وهذا الإنكار يعتبر أعنف من العنصرية نفسها. فهو يقتل ويمحو”.
أسست مزيودت جماعة آدم الناشطة في مجال حقوق السود في السنوات التي أعقبت ثورة 2011، وإلى جانب التونسيين السود الآخرين – العديد منهم من النساء – عملت على تحسين رؤية مجتمعها وكرامتها وحقوق المهاجرين السود في البلاد. وتُوج الكثير من هذا العمل بقانون تاريخي لسنة 2018 يجرم التمييز العنصري، مع عقوبة محتملة تصل إلى ثلاث سنوات في السجن، وكان هذا القانون الأول من نوعه في العالم العربي، وأشاد به نشطاء حقوق الإنسان على نطاق واسع.
في الواقع؛ قد تؤدي حملة سعيد على المهاجرين في البلاد إلى تعقيد المشاكل الاقتصادية التي يحاول تحميلهم مسؤوليتها بدلًا من حلها
ومع ذلك؛ بعد ابتهاجها الأولي بتمرير مشروع القانون، شعرت مزيودت بأن التحفظات تظهر، وأوضحت أن “القانون أظهر نضجًا في المجتمع المدني التونسي، لكنني كنت أعلم أنه لا يمكن تغيير التونسيين بمجرد تغيير القوانين، فعليهم أن يتغيروا من أنفسهم”.
يوم السبت، خرج أكثر من 1000 تونسي للاحتجاج في وسط تونس العاصمة على ما وصفوه بمبادرات سعيّد الفاشية، وهتف المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة بعبارات مثل “تسقط الفاشية، تونس أرض إفريقية” و”التضامن مع إخواننا بلا أوراق”. وحمل أحد المتظاهرين لافتة تذكّر الحشد بأن نيلسون مانديلا زار تونس قبل 61 سنة في مهمة سرية لكسب الدعم للمقاومة المسلحة ضد الفصل العنصري (قدم الرئيس آنذاك الحبيب بورقيبة لمانديلا مساهمة مالية صغيرة لهذا الجهد)
وكان متظاهر آخر يحمل مرآة عاليًا، وهتف قائلًا: “إنها استعارة. نحن بحاجة إلى إلقاء نظرة على الوضع الذي آلت إليه البلاد، هذا النظام السياسي الجديد، ورؤيته دون قناع، على حقيقته بالفعل”.
في الواقع؛ قد تؤدي حملة سعيد على المهاجرين في البلاد إلى تعقيد المشاكل الاقتصادية التي يحاول تحميلهم مسؤوليتها بدلًا من حلها. ففي أواخر كانون الثاني/ يناير؛ زار وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاجاني، تونس؛ حيث قال إن “مشكلة الهجرة الكبرى آفة لتونس وإيطاليا. وقلنا إنه يتعين علينا حل المشكلة من جذورها”، فقد يؤدي تدفق المهاجرين إلى شواطئ أوروبا من تونس إلى تعريض تمويل الاتحاد الأوروبي ودعم الكتلة للبلاد للخطر في الوقت الذي تحاول فيه تأمين خطة إنقاذ بقيمة 4 مليارات دولار تقريبا من صندوق النقد الدولي.
في ظل تزايد التوتر والعنف بسبب هذه القضية؛ يقول العديد من المهاجرين إنهم يبحثون عن مخرج. وقال نيكولاس، وهو رجل من كوت ديفوار في العشرينات من عمره ويعمل بستانيًّا في مدينة صفاقس، إن “العودة إلى الوطن مكلفة للغاية، والبقاء هنا خطير للغاية”، وقال إنه كان يحاول “اقتراض المال من أجل ركوب قارب متوجه إلى جزيرة لامبيدوزا. إن الوقت الذي أمضيته في تونس قد أخذ مجراه، لذلك سأجرب حظي في البحر”.
المصدر: نيو لاينز