ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما انتقل سيديريك تامب من جمهورية الكونغو إلى تونس لدراسة إدارة الأعمال منذ حوالي أربعة أشهر، كان يتطلع إلى العيش في بيئة آمنة وترحيبية.
لكن في الأسبوع الماضي، تدهور الوضع بشكل كبير نتيجة لخطاب ألقاه الرئيس التونسي، قيس سعيّد، يوم الثلاثاء الماضي.
ففي حديثه خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي؛ زعم سعيّد أن المهاجرين من جنوب الصحراء الذين يدخلون البلاد كان هدفهم تغيير التركيبة السكانية لتونس، زاعمًا أن هذا يهدد بتحويل تونس إلى دولة “أفريقية” بدلاً من “بلد عربي مسلم”، وطالب بعد ذلك قوات الأمن بوقف ما أسماه بالهجرة غير الشرعية وطرد المهاجرين غير الشرعيين.
“الشرطة لم تحرك ساكنًا”
في رد فعل مباشر على هذا الخطاب، طُردت عائلات من جنوب الصحراء الكبرى من منازلها في مختلف أنحاء تونس، وفُصل العديد من عملهم، واحتُجزوا بشكل تعسفي وتعرضوا للمضايقة في الشوارع.
وفي صباح اليوم التالي لخطاب سعيّد تعرض تامب، لأول مرة منذ وصوله إلى تونس، للمضايقة وهو في طريقه إلى جامعة تايم. وقال لموقع “دويتشه فيله”: “عندما وصلت إلى محطة المترو، بدأ حوالي 30 شخصًا في إصدار أصوات القرود ودفعي في الأرجاء. وبالقرب من مخرج المحطة، كانت هناك مجموعة من رجال الشرطة، ولكنهم اكتفوا بمشاهدة الهجوم العنصري ولم يحركوا ساكنا لمساعدتي”.
ومنذ ذلك الحين يخشى تامب على سلامته ويفكر في العودة إلى عائلته في الكونغو. وفي حديثه لموقع “دويتشه فيله”، قال وليد بن خالد، عضو هيئة التدريس في جامعة تايم، ورئيس خط الأزمات الساخن الذي تم تركيبه حديثًا، إن “ردود فعل الناس على خطاب الرئيس سعيّد كانت مروّعة، والأجواء العدوانية تحرّضها حملات منصات التواصل الاجتماعي التي تستهدف سكان جنوب الصحراء الكبرى”.
الخوف من الاعتقال التعسفي
وتابع وليد حديثه قائلًا إنه في الأيام السبعة الماضية، فشل العديد من الطلاب في حضور الفصول الدراسية، فلقد كانوا يخشون المضايقات، أو أن تحتجزهم الشرطة دون توجيه تهم إليهم، لدرجة أنهم لم يتركوا أماكن إقامتهم.
لا توجد معلومات مؤكدة لعدد الطلاب المحتجزين أو المفرج عنهم من جنوب الصحراء الكبرى، لكن بن خالد أفاد بأن عشرات الطلاب طلبوا دعم الجامعة لطلب الإفراج عنهم من حجز الشرطة.
وقال سليمان كالي، الطالب الذي بدأ العمل في خط الأزمات الساخن بالجامعة هذا الأسبوع، لموقع “دويتشه فيله”، إن “التصاريح الرسمية للطالب لا تزال في كثير من الحالات معلقة لأنها تفتقر إلى الوثائق اللازمة من المكاتب الحكومية”.
ولقد صدم كالي من التحول المفاجئ في الرأي العام، وأوضح قائلًا “منذ أن انتقلت من مالي إلى تونس قبل ست سنوات لدراسة المحاسبة المالية، لم أتعرض للإهانة أو التمييز. هذا الوضع العدواني جديد تمامًا”.
ملاذ آمن سابقًا
لقد ساهم قرب تونس من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في جعلها مركزًا رئيسيًا للمهاجرين؛ حيث تبعد عن سواحل إيطاليا حوالي 150 كيلومترًا (90 ميلاً) فقط.
خففت تونس متطلبات التأشيرة في سنة 2015؛ مما سمح للعديد من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا بالانتقال إلى البلاد والعمل. ومع ذلك، فقد ساهمت عوامل أخرى أيضًا في زيادة الهجرة من دول جنوب الصحراء الكبرى.
اشتهرت تونس بموقفها الترحيبي بالمهاجرين، وانتقالها الديمقراطي كنتيجة لانتفاضات الربيع العربي في سنة 2011، وحاجتها إلى العمالة الرخيصة. وكثيرا ما تغض السلطات الطرف عن العمال الذين لم يحصلوا على تصاريح والذين كانوا يدخرون من أجل السفر إلى أوروبا.
ومع ذلك، فإن العدد الفعلي للمهاجرين في البلاد أقل بكثير من “العدد ” الذي زعمه الرئيس سعيد في بيان الأسبوع الماضي والذي قدّره بمليون مهاجر.
ووفقًا لمجموعة المناصرة غير الحكومية، المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، يعيش حوالي 21 ألف مهاجر في البلاد، بما في ذلك طلاب من دول جنوب الصحراء الكبرى وعمال يحملون إقامة رسمية.
وقال رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لموقع “دويتشه فيله” إنه يعتقد أن الدعوة الرئاسية الأخيرة لتضييق الخناق على المهاجرين كانت “نتيجة للضغط المتزايد من قبل الدول الأوروبية لوقف الهجرة”.
إذكاء الخوف وسط الأزمة الاقتصادية
وقال أنتوني دوركين، زميل السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية لموقع “دويتشه فيله” إن الأزمة الاقتصادية الحالية والقمع السياسي يزيدان من انعدام الأمن والغضب في تونس. إن الناس في تونس منشغلون، كما كانوا منذ فترة طويلة، بوضعهم الاقتصادي المتردي، الذي لا يفعل الرئيس الكثير لمعالجته”.
يبلغ معدل التضخم الحالي في تونس حوالي 10 بالمئة، ولا يزال التمويل الذي تشتد الحاجة إليه من قبل صندوق النقد الدولي معلقًا بسبب مقاومة الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ. وفي الوقت نفسه، أصبحت الأغذية الأساسية مثل السكر والأرز – التي كانت مُدعّمة من الحكومة – نادرة.
بالإضافة إلى ذلك، منذ أوائل شباط/ فبراير، أدى تسريع الحملة السياسية إلى اعتقال حوالي 50 سياسيًا معارضًا ونشطاء ورؤساء الاتحاد العام التونسي للشغل القوي.
دعوات للاعتذار
يوم السبت، خرج ما بين 600 و1000 متظاهر إلى الشوارع في تونس العاصمة لدعم المهاجرين من جنوب الصحراء. وطالب المتظاهرون الرئيس بالاعتذار عن مزاعمه العنصرية وهتفوا “تسقط الفاشية .. تونس بلد إفريقي”.
وحث الاتحاد الأفريقي، وهو تكتل يضم 55 دولة إفريقية، تونس على تجنب “خطاب الكراهية العنصري”. وفي رسالة مفتوحة عبر منصة تويتر، قالت دول الاتحاد الأفريقي إنها تشعر “بصدمة وقلق عميقين” من شكل ومضمون خطاب السلطات التونسية.
وفي مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية يوم الإثنين، رفض وزير الخارجية التونسي الجديد، نبيل عمار، مخاوف الاتحاد الأفريقي ووصفها بأنها “اتهامات لا أساس لها”. وقال عمار إن الاتحاد الإفريقي أساء فهم موقف الحكومة، مضيفا “ليس هناك حاجة للاعتذار، لم نهاجم أحدا”.
في غضون ذلك، لم يفقد سليمان كالي، الطالب في جامعة تايم بتونس، إيمانه بالشعب التونسي. إنه مقتنع بأن الموقف تجاه دول جنوب الصحراء الكبرى سوف يتغير نحو الأفضل. وحتى الآن، لا ينوي العودة إلى مالي. وصرّح لموقع “دويتشه فيله قائلًا “لا أخطط لمغادرة تونس، وإذا وجدت عملاً بعد تخرجي، يمكنني أن أتخيل الاستقرار هنا إلى الأبد”.
الموقع: دويتشه فيله