كشف الاجتماع التشاوري الـ 12 لتحالف المعارضة التركية “الطاولة السداسية”، أمس الخميس، عن حالة ارتباك واضحة داخل التكتل، الذي يقدّم نفسه كأقوى منافس لحزب العدالة والتنمية (الحاكم)، وفيما أعلن التحالف عن “التوافق على مرشح مشترَك لانتخابات الرئاسة التركية في 14 مايو/ أيار 2023، والتفاهم المشترك حول خريطة عمل أحزاب التحالف خلال الفترة الانتقالية”، إلا أن عدم إعلان اسم المرشح، حتى الآن، يشكّك في حسم الملف من الأساس.
وترى مصادر سياسية أن تلكؤ “الطاولة السداسية” في إعلان اسم المرشح، الذي سينافس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة، دليل على استمرار الخلافات الداخلية بين الأحزاب الستة، وأن اجتماعها مجددًا الاثنين المقبل محاولة أخرى للاتفاق على المرشح الرئاسي، ووضع عناوين عريضة لإقناع الرأي العام الداخلي والخارجي بنجاح التحالف في تجاوز خلافات الأفكار والبرنامج المتعارضة للأحزاب المنضوية تحت راية التحالف.
يضم تحالف “الطاولة السداسية” عدة أحزاب وكيانات سياسية (حزب الشعب الجمهوري، حزب الجيد القومي، حزب السعادة المحافظ، حزب الديمقراطية والتقدم، رئيس حزب المستقبل والحزب الديمقراطي)، القاسم المشترك فيما بينها يتمثل في معارضة سياسات أردوغان والحزب الحاكم، كما يركّز البرنامج المشترك للتحالف (مذكرة التفاهم/ الاتفاق السياسي) على عناوين عامة، معظمها يفتقد آليات التنفيذ حال فوز التكتل في الانتخابات المقبلة.
تلكؤ التحالف في إعلان مرشحه يطرح عدة تساؤلات: من المرشح التوافقي للرئاسة؟ ما حجم الإجماع على اسم المرشح المرتقب؟ هل سيكون شخصًا أو شخصَين؟ ما تأثير خوض التحالف للمعركة بمرشحَين، خاصة تفتيت الأصوات؟ ماذا عن الخلافات التي لم تحسَم؟ ماذا عن الأوزان السياسية للأحزاب في الماراثون الانتخابي؟ هل تظاهُر المعارضة بترحيل الخلافات سيقنع الرأي العام بأن تحالف “الطاولة السداسية” هو البديل المناسب للنظام الحالي في تركيا؟
الخطوة الأهم
وسط هذا الخضمّ من الجدل، حسمَ الرئيس التركي مصير الانتخابات العامة في تركيا، وأكّد أن “موعد الانتخابات التي طال انتظارها لم يتغير، وأن الشعب سيقول كلمته يوم 14 مايو/ أيار المقبل”، وأضاف أردوغان، خلال كلمته على هامش اجتماع للكتلة النيابية لحزب العدالة والتنمية في أنقرة: “نترك أولئك الذين لم يجدوا الوقت الكافي للاهتمام بمشكلات شعبنا يتشاجرون حول الترشح للرئاسة.. أولويتنا التعافي من الزلزال في الوقت الحالي”.
ونبّه أردوغان إلى أن “الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا ستجرى كما هو مخطّط لها، رغم الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب البلاد 6 فبراير/ شباط الماضي”، حيث لن تقرر الانتخابات المرتقبة من يقود تركيا فقط، بل ستحدد النظام الذي سيتم حكم البلاد بموجبه (رئاسي، برلماني، أو مزيج من النظامَين)، بعدما أعلنت المعارضة رغبتها في العودة للنظام البرلماني ووضع دستور جديد لـ”تصحيح المسار”، حال فوزها في الانتخابات.
وفي مطلع شهر يونيو/ حزيران الماضي، أعلن أردوغان أنه “مرشح تحالف الشعب للانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا”، ويتكون التحالف من حزبَي العدالة والتنمية (الحاكم) والحركة القومية، وتبدو فرص تحالف الشعب الآن أقوى من تكتل “الطاولة السداسية” بسبب الجدل والانقسام العميق بين أحزابه، رغم الابتسامات الدبلوماسية لقيادته أمام وسائل الإعلام، لكنها لا تخفي استمرار أزمة التنسيق السياسي-الانتخابي حتى الآن.
وقبل تأكيد موعد الانتخابات مؤخرًا، أُثيرت شكوك حول تأجيلها لمدة 30 يومًا أو 6 أشهر أو عام على أقصى تقدير، نتيجة الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي تواصل هيئة الكوارث والطوارئ التركية إعلانها تباعًا، منذ كارثة الزلازل التي ضربت الجنوب وتسبّبت في مقتل 45 ألفًا و89 شخصًا وإصابة أكثر من 108 آلاف شخص، فيما يقيم مئات الآلاف في 350 ألف خيمة، وتضرر حوالي 20 مليون شخص جرّاء الكارثة حتى الآن.
وكان الرئيس السابق للبرلمان التركي، بولنت أرينش، قد أشار إلى “عدم إمكانية إجراء الانتخابات التركية في موعدها -14 مايو/ أيار- بسبب تداعيات كارثة الزلزال.. أتوقع 3 خيارات للانتخابات المقبلة: أولًا التأجيل، ثانيًا إجراء الاستحقاق في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وثالثًا إجراء الانتخابات في موعد يمكن لجميع الأحزاب السياسية الاتفاق عليه.. المادة 79 واضحة، يمكن تأجيل الانتخابات بسبب الزلزال”.
مبررات الموعد
المقترحات والتصورات التي طرحتها شخصيات سياسية وإعلامية، لتبرر تأجيل الانتخابات العامة في تركيا (الرئاسية والبرلمانية)، كانت تتعارض مع مسائل دستورية وقانونية وسياسية، لذا قرر الرئيس التركي الإبقاء على الموعد المحدد للانتخابات، فيما تشير استطلاعات رأي إلى أنها ستكون أكبر تحدٍّ انتخابي يواجهه أردوغان وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية)، منذ تصدرهما للمشهد السياسي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2002.
كما أن المناقشات الحزبية والسياسية داخل حزب العدالة والتنمية (التي سبقت تأكيد أردوغان لموعد الانتخابات) تطرّقت لعدة سيناريوهات، خلاصتها أن أي قرار يتعلق بتأجيل الانتخابات سينعكس سلبًا على شعبية الحزب الحاكم، كأنه يخشى “صناديق الاقتراع” وعدم منح الفرصة للمعارضة (الحزبية والسياسية) كي توظف قرار تأجيل الانتخابات في محاولة اكتساب أرضية جديدة، على غرار تحركاتها منذ وقوع الكارثة الطبيعية جنوب البلاد.
ويرى مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات، باسل حفار، أن “الآثار السياسية التي سيتركها زلزال تركيا لا يمكن تحديدها الآن، إلا أنها قد تعزز نجاح أردوغان خلال إجراء الانتخابات المقبلة في موعدها.. معظم الأتراك لا يميلون في مثل هذه الظروف إلى المغامرة والذهاب نحو تغيير شامل جذري على مستوى الرئاسة وتركيبة الدولة، وهو السبب نفسه لترويج المعارضة خلال الـ 20 يومًا الماضية لتأجيل الانتخابات”.
وأعلن أردوغان (في 18 يناير/ كانون الثاني الماضي) تقديم موعد الانتخابات إلى 14 مايو/ أيار المقبل لتوفير أجواء مناسبة للتصويت، حتى لا تتأثر بمواعيد ومناسبات دينية واجتماعية وتعليمية تؤثر على مشاركة فئات في عملية التصويت حال إجرائها في 18 يونيو/ حزيران (امتحانات الجامعات التي تحدّ من مشاركة آلاف الطلاب، موسم الحج وعطلة عيد الأضحى)، خاصة أن احتمالات الذهاب إلى جولة إعادة رجّحت تبكير الانتخابات لـ 14 مايو/ أيار، حتى لا تتزامن مع عطلة عيد الأضحى.
وقال أردوغان حينها: “هي ليست انتخابات مبكرة، بل تعديلًا يراعي عدم تزامنها مع امتحانات الجامعات”، كما أن تبكير موعد الانتخابات فرصة للدعاية الانتخابية للأحزاب، بداية من 10 مارس/ آذار المقبل إلى موعد “الصمت الانتخابي” حتى لا تتزامن مع شهر رمضان (23 مارس/ آذار-21 أبريل/ نيسان)، مع استفادة الحزب الحاكم من زخم مكتسبات اجتماعية جديدة (زيادة الحد الأدنى للأجور، خفض سنّ التقاعد، خفض الضرائب، زيادة الإنفاق الحكومي وتأمين الطاقة).
تحالفات وخلافات
مرَّ شهر فبراير/ شباط دون أن يعلن تحالف “الطاولة السداسية” المعارض عن اسم “المرشح المشترك” لخوض انتخابات الرئاسة التركية، بعدما حدد زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال قليجدار أوغلو، في لقاء تلفزيوني سابق أن التحالف سيعلن عن الاسم في 13 فبراير/ شباط 2023، لكن تمَّ تأجيل القرار المرتقب بسبب كارثة الزلزال، وتوقُّعات المعارضة بأن يبادر الرئيس التركي بتأجيل الانتخابات لفترة زمنية.
وخلال الفترة اللاحقة، حاول زعيم حزب الشعب الجمهوري الردّ على الانتقادات الموجهة إلى التحالف، لا سيما التلكؤ في إعلان مرشحه الرئاسي، قائلًا: “نتخذ خطوات حذرة ومدروسة، وسنحكم البلاد بإرادة مشتركة.. في الثاني من شهر مارس/ آذار سنعلن اسم المرشح”، لكن الاجتماع المحدد لم يحسم الأزمة “حرصًا على التكتم والسرّية والتركيز الاستراتيجي” وفقًا للتحالف، فيما ترجعها مصادر سياسية إلى “استمرار الخلافات بين قيادات أحزاب التحالف”.
وتتعارض مبررات تحالف “الطاولة السداسية” (أجواء التكتم والسرّية، التكتيكات الانتخابية، استراتيجيات المعركة) مع عامل الوقت (الفاصل الزمني قبل الانتخابات) الذي يحتّم سرعة الإعلان عن اسم مرشح التحالف وبرنامجه الانتخابي، قبل أيام من موعد بدء الحملات الدعائية حتى لا تتعارض مع أجواء شهر رمضان، ومنح فرصة كافية، نسبيًّا، للرأي العامّ حتى يطّلع على تفاصيل البرنامج الانتخابي الذي يحدد رؤية التحالف لحكم تركيا.
يعارض حزب الجيد (ثاني أكبر شريك في تحالف الطاولة السداسية) ترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي يصرُّ على خوض الانتخابات المرتقبة على حساب القياديين في الحزب: رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش.
واعترف زعيم حزب الشعب الجمهوري بوجود خلافات داخل تحالف “الطاولة السداسية”: “بالطبع، من وقت إلى آخر يتم التعبير عن آراء مختلفة بين أصدقائنا الذين يعملون معًا على الطاولة أو في مناطق معيّنة، لكننا نلتقي مثل الشعوب المتحضرة ونتغلب على المشكلات.. لن يتم حلّ تحالف الطاولة السداسية.. أعلنا، فعلًا، عن اختيار مرشحنا بتوافق الآراء”، قبل أن يحاول تحسين موقف التحالف: “مرشحنا الرئاسي سيفوز من الجولة الأولى للانتخابات”.
لكن رئيس حزب الشعب الجمهوري لم يقُل للرأي العام إن رفض ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة ليس مقتصرًا على رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، بل داخل حزبه، بعدما بادر نائبه في رئاسة الحزب، جيهان باكاجي، بالاستقالة، اعتراضًا على تمسُّك كمال قليجدار أوغلو بخوض السباق المرتقب، وهو جزء من “صراع بارد داخل تحالف الطاولة السداسية، يعطّل إعلان المرشح التوافقي لخوض انتخابات الرئاسة”، وفقًا للكاتبة التركية كبورا بار.
ويعارض حزب الجيد (ثاني أكبر شريك في تحالف الطاولة السداسية) ترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري، الذي يصرُّ على خوض الانتخابات المرتقبة على حساب القياديين في الحزب: رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش؛ وتؤكد رئيسة حزب الجيد، ميرال أكشنار، أن “ترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري في مواجهة أردوغان محفوف بالمخاطر”.
تعهُّدات وطموحات
يؤكد رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش (أحد الأسماء المرشحة لخوض انتخابات الرئاسة عن التحالف) أنه “ملتزم بما تقرره الطاولة السداسية.. لم أتحدث مع أي شخص بشأن الترشح للرئاسة.. الطاولة السداسية ستتخذ القرار الأنسب.. قلت هذا للجميع من قبل.. لن أتصرّف ضد الإرادة المشتركة للرئيسَين المحترمَين، رئيس حزب الشعب الجمهوري ورئيس حزب الجيد.. إذا اتخذت الطاولة السداسية قرار ترشيحي بالإجماع فيمكنني قبوله كواجب”.
وبينما يتصدّر رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، قائمة المرشحين لخوض انتخابات الرئاسة كمرشح توافقي لـ”الطاولة السداسية” (تحالف الأمة)، لا يخفي المنشقون عن حزب العدالة والتنمية -رئيس الحكومة السابق أحمد داوود أوغلو (زعيم حزب المستقبل)، وزعيم حزب الديمقراطية والتقدم علي باباجان- طموحاتهم الحزبية الرئاسية لفترة “ما بعد” أردوغان، بعضها يعلَن خلال اجتماعات تحالف “الطاولة السداسية” والبعض الآخر غير معلَن.
ويرى علي باباجان أنه “مرشح مناسب وقادر على الفوز” في الانتخابات الرئاسية، إذا اصطفَّ تحالف “الطاولة السداسية” خلفه، ما يتعارض مع طموحات أحمد داود أوغلو، فيما تخطط زعيمة حزب الجيد لرئاسة الحكومة حال فوز المعارضة في الانتخابات، والطموحات نفسها تراود قيادات حزب الشعوب الديمقراطي الراغب في الهيمنة على المشهد السياسي، ليس فقط لتعزيز الحقوق لكن لتخفيف الضغط على حزب العمال الكردستاني.
وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري، تعليقًا على موقف حزب الشعوب الديمقراطي من النقاش الدائر حول المرشح التوافقي لانتخابات الرئاسة: “المرشح الرئاسي الذي تحدده الطاولة السداسية يحتاج أصوات كل شرائح المجتمع، من كل منطقة، من كل هوية، ومن كل معتقد.. أعتقد أن أي شخص يريد تحول تركيا إلى الديمقراطية سيرى ذلك أيضًا.. بصفتنا الطاولة السداسية، أصدرنا نصَّ توافق مشتركًا. نعد بمستقبل مستقر”.
موقف الأكراد
ورغم أن أحزاب تحالف “الطاولة السداسية” تحتاج إلى أصوات حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات المرتقبة، لكن التحالف لم يضع خارطة طريق أو إطار عمل واضح للتعامل مع الحزب الكردي كي يتم التغلب على الخلافات الجذرية، خاصة التوجهات الانفصالية للحزب، ورؤيته لملف اللاجئين، ووضع الجنوب، ومكافحة الإرهاب، والعمليات العسكرية خارج البلاد، ومن ثم التحالف معه سيؤثر على القواعد التصويتية لحزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد المناهضة لتوجُّهات الشعوب الديمقراطي.
التصريحات الصادرة عن حزب الشعوب تعبّر عن أبعاد أزمته مع “الطاولة السداسية”، حيث شدد الرئيس المشارك للحزب، مدحت سنجار، ردًّا على عدم دعوة الحزب للمشاورات السياسية للتحالف: “مجرد تغيير السلطة لن يكون حلًّا لتركيا.. يجب رحيل كل مصادر الأزمة.. عقلية تخلّد الماضي لا يمكنها أن تقدّم حلولًا للمستقبل.. تركيا ليست حكرًا على قطبَين، الحل في قطب ثالث.. في برنامجنا السياسي حان الوقت لتحالف تحت قيادتنا”.
وفيما يتجه حزب الشعوب للدفع بسيدة لخوض انتخابات الرئاسة التركية، فقد سخر (بشكل غير مباشر) من خلافات “الطاولة السداسية”، وتلكؤها في الإعلان عن اسم المرشح التوافقي، وقال زعيم الحزب، صلاح الدين دميرتاش، في وقت سابق عبر حسابه بموقع تويتر: “لمدة 3 سنوات، كافحنا لأن يكون لدينا تحالف ديمقراطي، لكن الجميع، بما في ذلك المعارضة، بذلوا ما في وسعهم لمنع ذلك.. أمامنا فترة محدودة، لكن الجميع يفعل كل ما يؤخر ظهور المرشح المشترك.. أي نوع من الجنون هذا؟”.
وأعلن حزب الشعوب الديمقراطي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن زعيمه صلاح الدين دميرتاش “لن يترشح للانتخابات الرئاسية التركية المقبلة بسبب وضعه القانوني”، حيث يخضع للسجن في أدرنة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، بعد اتهامات حكومية بـ”صلات مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي”، حيث ترى دوائر مقرّبة من الحزب الحاكم أن الشعوب الديمقراطي مجرد واجهة للعمال الكردستاني، وينفي الحزب ما يتردد في هذا الشأن.
وحزب الشعوب الديمقراطي اليساري (تأسّس عام 2012) يعدّ ثالث أقوى حزب تركي، وهو محسوب على الأكراد، ويعارض بقوة سياسات حزب العدالة والتنمية (الحاكم) الذي يتعقّب حزب الشعوب ويحاول حظر أنشطته “الانفصالية” بقرار من المحكمة الدستورية التركية، بينما يتبنّى الحزب عدة شعارات (من بينها دعم حرية مثليي الجنس)، وتخضع رئاسته لنظام قيادي مشترك (صلاح الدين دميرتاش ووفيغين يوكسيكداغ).
وتعدّ موافقة ثلثي أعضاء المحكمة الدستورية (الـ 15) في تركيا كافية لحظر حزب الشعوب الديمقراطي (ثالث أكثر الأحزاب تمثيلًا في البرلمان التركي)، وفيما يتّهم المدّعي العام لمحكمة النقض الحزب بالارتباط (عضويًّا) بحزب العمال الكردستاني الإرهابي، فأمام الحزب مهلة 30 يومًا (من نهاية يناير/ كانون الثاني حتى مطلع مارس/ آذار الجاري) لتقديم دفاع شفوي، علمًا أنه منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الآن تمَّ حظر نحو 10 أحزاب داعمة لقضايا الأكراد، أو اضطرّت إلى حلّ نفسها قبل صدور قرار بحظرها.
مشهد مرتبك
تتبدّى ملامح الحملات الانتخابات قبل انطلاقها رسميًّا، عبر ممارسات تستخدَم فيها كل الأساليب المشروعة و”التحريضية“، وقد انتقد زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي (حليف الحزب الحاكم)، تصرفات المعارضة: “بينما أفراد من شعبنا تحت أنقاض الزلزال، توجّه الاتهامات للدولة والحكومة بشكل منهجي غير أخلاقي.. التكهُّن بموعد الانتخابات إثم يتساوى فيه تحالف الأمة -الطاولة السداسية-، ليعلم الجميع أننا لا نهرب من صناديق الاقتراع”.
وفيما تتلكأ المعارضة (خاصة أحزاب “الطاولة السداسية”) في الإعلان عن مرشحها التوافقي الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية، إلا أن التحالف في المقابل سارع في محاولة استبعاد المرشح المنافس، وفق البيان الصادر عن الاجتماع الـ 11 للتحالف: “أردوغان لا يمكنه أن يكون مرشحًا للرئاسة لولاية جديدة.. لن نقبل به أبدًا”، ورغم الخلافات الجذرية بين “الطاولة السياسية” وحزب الشعوب الديمقراطي، إلا أن “عداء أردوغان” يوحّد الطرفَين.
يؤكد الشكل الدائري لاجتماعات “الطاولة السداسية” عدم وجود قيادة للاجتماعات، حتى ولو بالتناوب، ما يظهر هشاشة التحالف وعمق أزمته البنيوية، رغم أنه شكّل تحديًا كبيرًا لحزب العدالة والتنمية وحكومة أردوغان في وقت سابق، نتيجة خلافات فكرية والجري وراء السلطة على حساب الاتفاق على شخصية سياسية تحظى بالقبول، حتى إن كانت من خارج أحزاب التحالف.
الآن، تقترب لحظة الحقيقة فيما يتعلق بموقف المعارضة التي أصبحت وجهًا لوجه مع أهم استحقاق انتخابي خلال الـ 100 عام الأخيرة في تركيا، وفيما يتمّ إجراء الانتخابات في ذكرى مئوية تأسيس الجمهورية، تبدو أزمة المشهد السياسي أكبر من الاتهامات المتبادلة بين المعارضة والحكومة، حاليًّا، حول تداعيات كارثة الزلازل المدمرة وتوابعها العنيفة التي ستكون القاسم المشترك، خلال الحملات الانتخابية قبل الشهرَين المقبلَين، وقبل توجُّه الناخبين لصناديق الاقتراع لحسم المعركة.