وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافايل غروسي، ظهر الجمعة إلى طهران، لإجراء مناقشات بشأن برنامج إيران النووي، وذلك بعد اكتشاف جزئيات من اليورانيوم المخصب بمستوى قريب من صنع قنبلة نووية، إذ أشار تقرير غير معد للنشر للوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الماضي، إلى اكتشاف جزئيات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%، أي أقل بقليل من 90% اللازمة لإنتاج قنبلة نووية في مصنع فوردو الواقع تحت الأرض على بعد 100 كيلومتر جنوب العاصمة طهران.
وفي حالة ثبوت صحة ما أورده التقرير، فإن مع امتلاك إيران كميات كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة 83.7%، جنبًا إلى جنب مع أجهزة الطرد المركزي المتطورة، تصبح حيازتها للمواد الانشطارية اللازمة لصنع القنبلة مسألة أيام أو أسابيع قليلة في أبعد الأحوال، وهو سيناريو غير مسبوق في تاريخ الأزمة النووية الإيرانية، ما سيطرح بدوره العديد من الأسئلة عن الكيفية التي ستتصرف بها واشنطن وتل أبيب وما خياراتهما للرد العسكري، والأهم من كل ذلك: كيف ستتعاطى القوى الإقليمية التي تجد نفسها في حالة منافسة إستراتيجية مع إيران، وتحديدًا تركيا والسعودية، مع هذا المشهد، الذي سيلعب دورًا مهمًا في إعادة تشكيل التوازن الإستراتيجي بالشرق الأوسط.
تساؤلات وتحولات مهمة
قد يتبادر هنا تساؤل مهم: لماذا تمتلك قوى إقليمية عدة – كالهند وباكستان – قدرات نووية، دون أن يكون لإيران الحق في ذلك؟ يمكن القول إن الفرق الجوهري بين إيران وهذه القوى، فإيران توائم بين مشروعها الإقليمي وسلاحها النووي، أي أنها صاحبة مشاريع سياسية للهيمنة والتوسع، مؤطرة بصياغات دينية وعقائدية، وهي حالة غير موجودة في القوى النووية الأخرى، إذ تنظر إيران للعالم الخارجي بنظرة فلسفية معقدة محكومة بنهاية التاريخ، والصراع بين الخير (إيران) والشر (الولايات المتحدة و”إسرائيل”)، ومن ثم كيف ستبدو الصورة فيما لو امتلكت السلاح النووي؟
تؤشر الإجراءات الإيرانية النووية منذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في مايو/أيار 2018، إلى حالة لامبالاة بالتزاماتها النووية، حيث تخلت عن الكثير من الإجراءات الفنية والتقنية بمفاعلاتها النووية، كما أنها صعدت أكثر بعد اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة، فقد زادت من نسب تخصيب اليورانيوم، كما أنها زادت من عدد أجهزة الطرد المركزي من الجيل السادس، فضلًا عن إنتاجها كميات غير قليلة من اليورانيوم المعدني.
التلويح الإيراني المستمر بزيادة نسب تخصيب اليورانيوم، قد يمثل دبلوماسية ضغط إيرانية لإجبار إدارة بايدن على اقتصار الحديث على البرنامج النووي، دون الملفات الأخرى
وهي إجراءات تؤشر إلى جدية إيرانية حقيقية في المضي قدمًا نحو امتلاك القدرات النووية، رغم التعهدات المستمرة التي قدمتها وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، بأن البرنامج النووي الإيراني لا يطمح للحصول على السلاح النووي، مستندةً إلى الفتوى النووية التي سبق أن أعلنها المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في أكتوبر/تشرين الأول 2003، كرد على تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير، بررت إيران التي تنفي رغبتها في حيازة السلاح النووي، الأمر بالإشارة إلى “تقلبات لا إرادية” في أثناء عملية التخصيب، مؤكدةً في الوقت ذاته “عدم قيامها بأي محاولة للتخصيب بما يتجاوز 60%”.
وفي سياق فتوى خامنئي فإنه حتى الفتوى النووية بدأت توضع أمامها الكثير من علامات الاستفهام اليوم، حيث تعهد خامنئي في وقت سابق، بألاّ ترضخ بلاده للضغوط، وأكد أن إيران “يمكنها تطوير السلاح النووي لكنها لا تريد ذلك”، ولن تغير نهجها من الاتفاق بشأن برنامجها، مضيفًا “إيران لن ترضخ للضغوط الخارجية، وإذا قررت صناعة السلاح النووي لا يمكن للنظام الصهيوني ومن أكبر منه منعها عن ذلك”.
ومن ثم فإن هذا يعني أن فتوى خامنئي ليست ثابتة، فيما لو اقتضت الضرورة الإيرانية، ويمكن تغييرها وفقًا للظروف، فقد غير مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، موقفه، وأصدر فتاوى متناقضة بشأن عدد من القضايا الداخلية والخارجية سابقًا.
طموح إيران قيد التحقق
تواجه إيران واقعًا جيوسياسيًا معقدًا للغاية، ومن أجل تجاوز هذا التعقيد، سعت إلى نسج علاقات تحالفية مع مجمل الجماعات والحركات في الشرق الأوسط، وأطرت علاقاتها التحالفية مع هذه الأطراف تحت مسمى “محور المقاومة”، بحيث أصبحت هذه الجماعات والحركات تهيمن على القرار السياسي والأمني في الدول التي توجد فيها، وخففت الكثير من الضغوط الأمريكية عن إيران، سواء عبر استهداف المصالح الأمريكية أم أمن حلفائها.
حيث تدرك إيران بأن الهدف الرئيسي لإدارة بايدن اليوم، هو عدم السماح لها بامتلاك السلاح النووي تحت أي ظرف، خصوصًا إذا ما نجحت إيران بتزويد حلفائها، وتحديدًا “حزب الله” اللبناني، بمواد نووية يمكن استخدامها في صناعة الصواريخ الباليستية، عندها ستكون الولايات المتحدة مجبرة على حماية التوازن الإقليمي من أي انهيار، ومن ثم فإن التلويح الإيراني المستمر بزيادة نسب تخصيب اليورانيوم، قد يمثل دبلوماسية ضغط إيرانية لإجبار إدارة بايدن على اقتصار الحديث على البرنامج النووي، دون الملفات الأخرى، وفي هذا المجال، قد تمثل عملية إخضاع حلفاء إيران والإبقاء على العقوبات، كما يحدث بالعراق، نهجًا فاعلًا لإدارة بايدن فيما لو قررت احتواء إيران على المستوى القريب.
رئيس الـCIA: على الرغم من عدم وجود دليل على التسلح (النووي)، فإن ارتفاع مستويات المواد المخصبة وكمياتها يثير القلق، شأنه شأن التقدم المحرز في برنامج الصواريخ الإيراني، وهو الطريقة المفترضة لإطلاق هذه المواد
وفي الواقع فإن وتيرة العناوين، سواء كانت مُربكة أم لا، ستزداد في الأيام القليلة المقبلة، ففي 6 مارس/آذار، ستتم مناقشة تقرير “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في اجتماع لمجلس المحافظين في فيينا، وبين الآن وذلك الوقت، هناك احتمال صدور تقرير ثانٍ يبحث في التقدم المحرز في تحقيق منفصل يطال ثلاثة مواقع في إيران، حيث وجد المفتشون آثارًا لليورانيوم في حالة معالجة بشرية لم يكن لدى إيران تفسير مقنع لها.
إذ أقر رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز لشبكة “سي بي إس” الأمريكية بأنه على الرغم من عدم وجود دليل على التسلح (النووي)، فإن ارتفاع مستويات المواد المخصبة وكمياتها يثير القلق، شأنه شأن التقدم المحرز في برنامج الصواريخ الإيراني، وهو الطريقة المفترضة لإطلاق هذه المواد.
ومن جانبه، أفاد وكيل وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية كولن كال، أن الكميات تجاوزت بكثير تلك المسموح بها بموجب “خطة العمل الشاملة المشتركة” الهامدة، التي انسحب منها الرئيس ترامب، وقال كال للجنة الكونغرس إن حل القضية دبلوماسيًا أفضل من الخيارات الأخرى، ولم يتضح بعد ما إذا كان الخيار العسكري يمكن أن يكون حاسمًا.