ترجمة وتحرير: نون بوست
إلقاء القبض على “إرهابي عالمي” وأحد مموّلي حزب الله في رومانيا في 24 شباط/ فبراير يمثل دليلا على الجهود التي يمكن أن تبذلها هذه الجماعة اللبنانية المسلحة لحماية نفسها من العقوبات الأمريكية. ووفقًا للائحة الاتهام الصادرة عن مكتب المدعي العام الأمريكي في المنطقة الشرقية في نيويورك، تآمر محمد إبراهيم بزي وهو مواطن لبناني-بلجيكي يبلغ من العمر 58 عامًا “لنقل مئات الآلاف من الدولارات سرًا من الولايات المتحدة إلى لبنان” و”ضمان المساعدة المالية المستمرة لحزب الله” المصنف منظمة إرهابيّة أجنبية.
ينتظر بزي، الذي أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية أنه إرهابي عالمي في سنة 2018، أن يتم تسليمه إلى الولايات المتحدة إلى جانب مواطن لبناني آخر يدعى طلال شاهين بتهمة المشاركة في نفس الجرائم.
تمتد جرائم بزي وشاهين إلى ما أبعد من رومانيا والولايات المتحدة، حيث ذُكر في تصنيف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أن بزي جنى ملايين الدولارات لفائدة حزب الله بفضل أنشطة تجارية في كل من بلجيكا وغامبيا ولبنان والعراق ودول أخرى. وبصفته “ممولًا رئيسيًا لحزب الله”، فإنه يحافظ على علاقات مع داعمين ماليين آخرين “لحزب الله” وأفراد مصنفين على قائمة “الإرهابيين العالميين” من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، والخاضعين للعقوبات، بالإضافة إلى البنك المركزي الإيراني.
تعتبر إيران مثيرة للاهتمام بشكل خاص، إذ من المعروف أن حزب الله يتلقى الجزء الأكبر من تمويله (وأسلحته) من جمهورية إيران الإسلامية. وبصفته الوكيل الأول لإيران الذي نفّذ عمليات مدعومة من إيران في سوريا واليمن وضد إسرائيل، فإن العلاقات بين الطرفين ممتدة. وقد تنامت قوّة حزب الله بفضل الهبة الإيرانية ليصبح “دولة داخل دولة”، كما استغل إمكاناته لممارسة نفوذ سياسي كبير على سياسات لبنان الداخلية والخارجية.
أنشأ حزب الله شبكات إجرامية عابرة للحدود مماثلة في أوروبا وإفريقيا وحتى الولايات المتحدة، حيث زوّدها بمصادر تمويل مستقلة تمامًا عن إيران
لكن على مدار العقدين الماضيين، واجه حزب الله قيودًا مالية مختلفة نتيجة تدهور الاقتصاد الإيراني، والعقوبات المالية الدولية، والمنافسة السياسية في لبنان، والعمليات القتالية في سوريا؛ وكل هذه الضغوط خلقت دافعًا أمام إيران وحزب الله للإبداع. ففي الأسبوع الماضي – مثلا – أبلغت إسرائيل عن اكتشاف عملية تهريب ذهب بين إيران وفنزويلا يقوم من خلالها فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي بتهريب الذهب الفنزويلي إلى إيران وبيعه ثم تحويل الأموال إلى حزب الله.
هذا الأمر ليس مفاجئًا ذلك أن حزب الله عمِل بجد لفرض وجوده في أمريكا اللاتينية لا سيما في منطقة الحدود الثلاثية سيئة السمعة بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، حيث يعيش عدد كبير من المهاجرين اللبنانيين. قال ماثيو ليفيت، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخزانة وخبير مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في كتابه الصادر سنة 2013 بعنوان “حزب الله: البصمة العالمية لحزب الله اللبناني”، إن حزب الله لم يقم فقط ببناء شبكات دعم رسمية وغير رسمية في هذه المنطقة، بما في ذلك الخلايا النائمة، بل شارك أيضا في تهريب المخدرات و”كل جريمة مالية مذكورة في القانون” لجني الأموال.
أنشأ حزب الله شبكات إجرامية عابرة للحدود مماثلة في أوروبا وإفريقيا وحتى الولايات المتحدة، حيث زوّدها بمصادر تمويل مستقلة تمامًا عن إيران، مما صعّب على جهات تطبيق القانون الأمريكية والدولية ردعه.
بالعودة إلى اعتقال كل من بزي وشاهين، فإنه رغم وصفه “أكبر عملية اعتقال في الطبقة العليا” من مجموعة الشؤون التجارية لحزب الله، وهو الهيكل التنظيمي الذي يدعم مؤسساته الدولية، إلا أنها تظل بعيدة عن أن تكون ضربة قاضية. وفي الواقع، تتطلب مواجهة حزب الله، الذي يحظى إلى جانب سيطرته على شبكة إجرامية عالمية بحضور سياسي كبير في لبنان، وجود أصدقاء من لبنان الحر والديمقراطي للمشاركة في هذه العملية الطويلة.
تمثّلت إحدى الطرق التي سعت بها الولايات المتحدة إلى دعم الديمقراطية اللبنانية والبدائل اللبنانية لحزب الله في دعم القوات المسلحة اللبنانية. ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 3 مليارات دولار في الجيش اللبناني منذ سنة 2006 كوسيلة لدعم المؤسسات اللبنانية وتعزيز سيادتها وتأمين حدودها ومواجهة التهديدات الداخلية والإرهابيين.
الجمود السياسي طويل الأمد في لبنان يشير إلى أن الوضع سيزداد سوءًا قبل أن يتحسن
لسوء الحظ، تؤدي حالة الطوارئ الاقتصادية والضعف السياسي في لبنان إلى إجهاد الجيش اللبناني إلى حدّ الانهيار. وقد أفاد موقع “المونيتور” في أواخر شباط/ فبراير بأن حالات الفرار من الخدمة العسكرية تتزايد مع خسارة عملة البلاد أكثر من 98 المئة من قيمتها على مدى السنوات الثلاث الماضية. كما حذر قادة الأمن اللبنانيون من تضائل قدرتهم على تأمين البلاد في الوقت الذي يقوم فيه المواطنون اللبنانيون والشرطة “باقتحام” البنوك في لبنان للحصول على أموالهم الخاصة، وتصاعد الاشتباكات العنيفة في أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في البلاد.
من الصعب معرفة ما إذا كان من الممكن إيجاد حل لهذه المشاكل، لكن الجمود السياسي طويل الأمد في لبنان يشير إلى أن الوضع سيزداد سوءًا قبل أن يتحسن. علاوة على ذلك، فشلت البلاد في انتخاب رئيس جديد منذ أن تنحّى رئيسها السابق ميشال عون منصبه في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تاركًا إياه لحكومة تسيير الأعمال. ليست هذه الأزمة الدستورية سوى مشكلة أخرى ضمن التحديات التي يجب على اللبنانيين أن يتصدوا لها قبل أن يتحسن وضعهم. وفي ضوء ذلك، يعدّ اعتقال اثنين من كبار ممولي حزب الله إنجازًا جديرًا بالثناء، ولكنه يظل هامشيًا في نظر الشعب اللبناني، الذي تقف بلاده على حافة الهاوية.
المصدر: ناشيونال إنترست