شكل انسحاب ميرال أكشنار رئيسة حزب “الجيد” القومي (İYİ Parti) من تحالف “الطاولة السداسية” المعارض في تركيا، خطوة غير مستغربة، وإن كانت متأخرة، نسبيًا، بسبب الخلافات الداخلية للتحالف، بعد فترة من تأسيسه، في فبراير/شباط 2022، وهو أمر لم يكن خافيًا على معظم متابعي المشهد السياسي التركي، كنتيجة مباشرة لتوجهات وبرامج الأحزاب الـ6 للتحالف سواء حديثة النشأة أم القديمة والطموحات السياسية لقيادات الأحزاب المشاركة فيه.
ورغم أن معظم الخلافات كانت، حتى وقت قريب، داخل غرف الاجتماعات المغلقة، كان يجري التمويه عليها بابتسامات دبلوماسية أمام وسائل الإعلام.
في إشارة لقرار حاسم بالانسحاب من التحالف المعارض.. #ميرال_أكشنار تعلن عدم نيتها حضور اجتماع #الطاولة_السداسية المزمع انعقاده الاثنين القادم والذي سيتم الإعلان فيه عن مرشح المعارضة لخوض الانتخابات الرئاسية التركية#الانتخابات_التركية #meral_akşener pic.twitter.com/FPIXJ7P4I4
— نون بوست (@NoonPost) March 4, 2023
لا يمكن اختصار أزمة ميرال أكشنار أو اختزالها في مجرد انسحاب حليف حزبي – سياسي من “الطاولة السداسية”، اعتراضًا على عدم مؤازرة باقي أعضاء التحالف لموقف ميرال أكشنار الراغبة، منذ شهور، في ترشيح رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش أو رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، خلال الانتخابات المقبلة، في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان، ومن ثم، فإن استقالة أكشنار تلقي الضوء على بنية التحالف وتصوراته، ولماذا لم يعد قادرًا على إدارة التناقضات الداخلية، كما أن الاستقالة تكشف ملامح المستقبل الذي ينتظر “الطاولة السداسية” في المشهد السياسي التركي.
معارك جانبية
قبل الخوض في أسباب انسحاب ميرال أكشنار وتداعياته على التحالف، بل وعلى المعارضة التركية عمومًا، فإن أي وقفة موضوعية أمام البرنامج السياسي المعلن لـ”الطاولة السداسية” تظهر عدم نجاحه في تبنى خطاب سياسي وإعلامي قوى، يمد الجسور مع الرأي العام ويعزز شعبية الأحزاب الـ6 المعارضة، سواء وسط الكتل التصويتية التقليدية أم حتى جذب شرائح من الناخبين الذين يقفون على الحياد، وسط مشهد سياسي يموج بالتيارات والقوى السياسية والمعارك الجانبية بين الأحزاب المتنافسة.
مراجعة الخطاب السياسي والإعلامي لتحالف “الطاولة السداسية” قبل استقالة ميرال أكشنار، توضح حالة التناقض الكبيرة مع معظم السياسات الداخلية والخارجية التي يتبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية، رغم أن نسبة من الأفكار التي يطرحها التحالف، لا تقدم رؤية عملية واقعية، حتى تسهم في تحويل التصورات إلى أفعال، كخفض نسبة التضخم في غضون عامين!
وضع تحالف “الطاولة السداسية” رؤيته للمجالات والقطاعات والسياسات الداخلية والخارجية، في كتيب يتكون من 240 صفحة بعنوان “نص اتفاق السياسات المشتركة”، وحاول (خلال حفل فاخر) تعريف الرأي العام بعناوينه الرئيسية (القانون والقضاء وإدارة البلاد ومكافحة الفساد والشفافية والاقتصاد والابتكار والتحول الرقمي والسياسات الخارجية والدفاع والأمن والهجرة) إلى جانب 75 عنوانًا فرعيًا و2300 قانون وتشريع وتعهد انتخابي وحزبي!
الأولويات السياسية
بعض تعهدات “الطاولة السداسية” لـ”مستقبل ما بعد أردوغان” من واقع البرنامج السياسي، المعلن، تكشف عن ملفات لا تهم الناخبين من الأساس (إعادة مقر الرئاسة لقصر تشانكايا بأنقرة وفتح الاستراحات والقصور الرئاسية للمواطنين والزائرين وبيع معظم الطائرات الرئاسية وتشكيل مجلس لتنظيم سوق التبغ والكحوليات) مع وعود تدغدغ مشاعر القوى السياسية الصغيرة (تسهيل دخول الأحزاب للبرلمان عبر خفض العتبة الانتخابية لـ3% وتقديم مساعدات مالية حكومية للأحزاب غير القادرة على جمع نسبة 1% من الأصوات فما فوق)!
تعمد البرنامج السياسي لـ”الطاولة السداسية” تنحية قضايا ومشكلات حرجة، دون أن يبدي فيها رأيًا أو موقفًا كـ”الأزمة الكردية ومكافحة الإرهاب”، أيضًا، وتفتقد نسبة من المشاريع والوعود والتعهدات التي يتضمنها البرنامج، إلى آليات التنفيذ، يحدث هذا رغم أن مقدمة الاتفاق السياسي للتحالف تؤكد أن تركيا تمر بواحدة من كبرى الأزمات في الاقتصاد والحكم!
القشة التي قصمت ظهر البعير، تمثلت في عدم التزام أطراف في التحالف (وفق رئيسة حزب الجيد) بالأسس التي قام عليها الكيان
تسبب تباين الأفكار اليمينية واليسارية والبرامج الأساسية لأحزاب “الطاولة السداسية”، في تعميق الأزمة الداخلية للتحالف، وهو ما دفع مرشح الرئاسة التركية السابق محرم إنجه، للقول: “عندما يجتمعون لا يتحدثون عن مشكلات البلاد.. لم يتمكنوا من الإجماع على رأي بشأن اتفاقية إسطنبول، ولا على القوات العسكرية في ليبيا، لم يتمكنوا من الاتفاق على مكافحة الإرهاب، ولم يتمكنوا من الاتفاق على المرشح الرئاسي.. متى سيتفقون؟”.
ورغم حرص “الطاولة السداسية” على إظهار توافق نسبي عقب الاجتماعات المتلاحقة، خاصة التي تم تخصيصها لبحث ملف المرشح التوافقي في انتخابات الرئاسة المقبلة، فإن القشة التي قصمت ظهر البعير، تمثلت في عدم التزام أطراف في التحالف (وفق رئيسة حزب الجيد) بالأسس التي قام عليها الكيان، خاصة الاتفاق على القرارات، قبل أن تتمسك 5 أحزاب بترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، بعدما حدد الرئيس التركي، يوم 14 مايو/أيار المقبل، موعدًا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.
صدمة أكشنار
ولأن الخلافات تظهر، غالبًا، المسكوت عنه، فقد كانت تصريحات ميرال أكشنار صادمة، بعد إعلان انسحابها من التحالف، حين قالت: “الطاولة السداسية لا تمثل إرادة الشعب بعد اليوم، الأحزاب الخمسة قالت إن مرشحها رئيس حزب الشعب الجمهوري، ونحن اقترحنا اسمي رئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول، لسنا طاولة قمار، ولن نكون طاولة، كاتب عدل، للمصادقة على أقوال الآخرين.. أوجه ندائي لأكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش: الشعب يدعوكما للقيام بواجبكما”.
كما حرصت ميرال أكشنار على تبرير موقفها الشخص والحزبي، قائلة: “حاولنا الاتفاق مع الأحزاب الخمس على نصوص مشتركة: النظام البرلماني المعزز والمقترح الدستوري واتفاق السياسات المشترك، لكن الحلفاء يتمسكون باسم رئيس حزب الشعب الجمهوري.. نحن في مأزق.. وقفنا ضد الذين أرادوا حصر مصير الأمة في شخص واحد، عام 2017، وسنقف، اليوم، في المربع نفسه.. لن أغير رأيي الذي أوضحته، في اجتماع التحالف، 2 مارس/آذار، وسنستمر في كفاحنا، بغض النظر عمن يقف أمامنا”.
يحاول زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو أن يقلل من وقع صدمة تخارج ميرال أكشنار من تحالف الطاولة السداسية
وعلى طريقتها في القصف السياسي، قالت ميرال أكشنار: “التفاهم الذي توصلت له الطاولة السداسية، الخميس الماضي، يوضح أنها فضلت الطموحات والأجندة الشخصية، على تركيا، نحن لم نؤسس حزب الجيد، من أجل هذا، ولم أقل أنا أولًا أو حزب الجيد أولًا، بل قلنا الأمة والوطن أولًا.. لم نكسر وعدنا الذي قطعناه، تجاهلنا مصالح حزبنا، وضحينا من أجل أمتنا، يؤسفني القول إن الطاولة السداسية باتت لا تعبر عن إرادة الأمة، بعدما غابت النوايا الحسنة، ووضع جميع البدائل في القائمة السوداء.. يجب هزيمة العقلية القبيحة”.
في المقابل، يحاول زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو (73 عامًا) أن يقلل من وقع صدمة تخارج ميرال أكشنار من تحالف “الطاولة السداسية”، مؤكدًا أنه “لا يوجد خلاف في الرأي مع رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار، اجتماعنا الأخير كان مثمرًا وصادقًا وحميميًا للغاية، لا توجد أزمة بيننا، نواصل عملنا المشترك، لم نتحدث عن المرشح المشترك، وليس هناك تسرع في هذا الأمر، لا تقلقوا، كل الحجارة ستسقط في مكانها”.
غير أن محاولات التلطيف من زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو (الذي يرأس أقدم حزب سياسي في تركيا، حيث تأسس حزب الشعب الجمهوري عام 1919) لم تعد كافية لإخفاء موقف ميرال أكشنار التي ترى أنه فشل في منافسة أردوغان وحزبه منذ عام 2010، ويجب تجديد الدماء حتى لا تستمر الإخفاقات التي لن تكون قاصرة على حزب الشعب الجمهوري فقط، بل على أحزاب تحالف “الطاولة السداسية” ككل.
خلافات داخلية
تكشف هذه التصريحات بأثر رجعي سبب تفاقم الخلافات داخل “الطاولة السداسية”، ولماذا أرجأت أحزاب التحالف موعد إعلان اسم المرشح التوافقي للانتخابات الرئاسية، من الخميس الماضي إلى الإثنين المقبل، ولماذا رفضت ميرال أكشنار الفرصة الممنوحة لها حتى تراجع موقفها، بعد وصول علاقتها بـ”الطاولة السداسية” إلى طريق مسدود وحالة احتقان غير مسبوقة، من واقع ما تم في الاجتماع المطول (استغرق أكثر من 5 ساعات)، رغم أنه مخصص لتحديد المرشح الرئاسي المشترك وإعلانه للرأي العام.
تصريحات ميرال أكشنار تكشف طبيعة التفكير داخل تحالف “الطاولة السداسية”: “جميع الاستطلاعات الميدانية، خلال السنوات الـ3 الماضية، كانت تدل على أن رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة كانا سيتفوقان على أردوغان، نحن لا ندين بأي شيء لحزب الشعب الجمهوري، للأسف أعضاء الطاولة السداسية فضلوا مصالحهم الشخصية على مصلحة 85 مليون مواطن تركي”، وتمسكت ميرال أكشنار بالموقف نفسه، خلال الشهور الأخيرة.
وتشير المعلومات إلى أن رئيس حزب الشعب الجمهوري لم يتخل، منذ بداية تأسيس التحالف، عن محاولات تمرير ترشحه لانتخابات الرئاسة، عبر توظيف قدرات حزبه واتفاق دوائر سياسية في أنقرة، لكن ميرال أكشنار لم تستسلم وواصلت البحث عن أفضل الأسماء من حيث القبول والشعبية في الشارع التركي، حتى يتم الدفع به في الانتخابات الرئاسية، ما يثير التساؤلات عن تأثير الخلافات بين المعارضة على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد.
وفي 23 سبتمبر/أيلول الماضي، طالب رئيس حزب الشعب الجمهوري، أعضاء حزبه وقوى المعارضة، بإبداء رأيهم في قرار ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال خلال مؤتمر حزبي في مدينة إزمير: “أنا عازم على مواصلة هذا الطريق، ولا شيء يمكنه أن يحيدني عنه، وأنا على ثقة أننا سنهزم أعداء الشعب عبر هذا الكفاح، لكن الآن يجب علي أن أعرف: هل أنتم حقًا معي؟ فبعضكم صامت، وهذا يلحق بي كثيرًا من الضرر، لذا قرروا الآن”.
أسباب الرفض
يعد ملف المرشح التوافقي للمعارضة التركية، خلال انتخابات الرئاسة المقبلة، الملف الأكثر اهتمامًا وحساسية، كونه يهدد مستقبل تحالف “الطاولة السداسية”، وليس خافيًا أن الموقف الذي تتخذه ميرال أكشنار، حيث تفضل خوض عمدة أنقرة منصور يافاش للمعركة الانتخابية، في ظل قضية الحظر السياسي التي تهدد المستقبل السياسي لعمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وفق تأكيدات البرلماني التركي السابق باريش ياركاداش، لقناة “tv100” التركية.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، أصدرت محكمة الجنايات الابتدائية السابعة بإسطنبول حكمًا غير نهائي بسجن أكرم إمام أوغلو، سنتين و7 أشهر و15 يومًا، إثر إدانته بتهمة إهانة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وقضت المحكمة (بحضور محامي إمام أوغلو) بتطبيق المادة 53 من القانون الجنائي التركي (تنص على الحرمان من ممارسة حقوق معينة)، ما يعني استبعاد رئيس بلدية إسطنبول من العمل السياسي طوال مدة العقوبة، حال التصديق عليها نهائيًا.
وحُوكم إمام أوغلو بسبب خطاب ألقاه عام 2019 قال فيه إن من ألغوا انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول في ذلك الوقت حمقى، في إشارة إلى اللجنة العليا للانتخابات، وكانت السلطات الانتخابية حينها قد ألغت الانتخابات التي جرت في مارس/آذار 2019 وفاز بها إمام أوغلو بسبب مخالفات إدارية، قبل أن يعود ويفوز بانتخابات الإعادة بعد ثلاثة أشهر، وأكد محامي إمام أوغلو أنه سيستأنف الحكم وأن موكله سيبقى في منصب رئيس البلدية حتى البت في الاستئناف.
الحكم على رئيس بلدية #إسطنبول أكرم إمام أوغلو بالسجن لمدة سنتين و7 أشهر بتهمة إهانة لجنة الانتخابات كما سيُحرَم “إمام أوغلو” من ممارسة حقوقه السياسية حتى إنفاذ القرار. pic.twitter.com/nv2RUwFpQk
— صحيفة الاستقلال (@alestiklal) December 14, 2022
المساعدون يتحدثون
قال أمين حزب الجيد، بإسطنبول، بوغرا كافونجو: “عمدة أنقرة، منصور يافاش، أكثر الأسماء التي تتردد، أكثر شخص مناسب، له وزن كبير في المشهد السياسي، وهذا الثقل في مصلحته، سيجذب شريحة كبيرة من الناخبين المترددين الذين انفصلوا عن حزب العدالة والتنمية والحركة القومية”، وقال عضو المجلس الإداري في حزب الجيد، تامر كايا عبر حسابه بموقع تويتر: “من المهم وجود مرشح ثالث غير أردوغان وكليجدار أوغلو، حتى لا نندم لمدة 5 سنوات مقبلة”.
بورصة الترشيحات أضافت اسم نائب حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، إيلهان كيسيشي (75 عامًا) كمرشح محتمل لتحالف الطاولة السداسية خلال الانتخابات الرئاسية، وسط تأكيدات منه بأنه سيحظى بعدد كبير من أصوات جميع الفئات التركية، خاصة من الأكراد، لتعاطفه مع حزب الشعوب الديمقراطي، قائلًا: “الطاولة السداسية فرصة رائعة، لا أرى أي أوجه قصور أو أخطاء، أرى هذا ضغطًا وفرضًا”.
تحالف “الطاولة السداسية” طرح أيضًا اسم الرئيس التركي السابق عبد الله غول، دون تسليط الضوء على الاسم، حيث تربطه علاقات طيبة بـ4 أحزاب داخل الطاولة السداسية (حزب السعادة والديمقراطية والتقدم والمستقبل والجيد) وتتواصل اللقاءات بين غول وقيادات حزبية من التحالف للتحاور والتشاور وتلقي النصائح السياسية، كونه يحظى باهتمام قيادات الطاولة السياسية.
وشدد عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو، على أنه ليس لديه شك في أن تحالف الأمة سينمو ويتزايد ولن ينقص، وأضاف عبر تغريدة على حسابه بتويتر “بصفتي من أبناء حزب الشعب الجمهوري، وبصفتي عمدة بلدية إسطنبول، ليس لدي شك في أن رئيس حزب الشعب الجمهوري، يمثل إرادة الحزب على طاولة التحالف، وأن تحالف الأمة سوف ينمو ويتزايد دون أن يتضاءل”، وبدوره قال عمدة بلدية أنقرة منصور يافاش في تغريدة: “لن أتصرف ضد إدارة رئيس حزب الشعب الجمهوري”.
غير أن حزب العدالة والتنمية الحاكم عبر عن هذه التطورات الحاصلة في خندق المعارضة على لسان نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب بولنت توران: “الطاولة السداسية لم تنجح في إقناع أقرب شريك لها عبر 12 اجتماعًا، طوال العام الماضي، ومطلع العام الحاليّ، فكيف ستقنع الأمة التركية، بالتصويت لرئيس حزب الشعب الجمهوري، في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
مطبات هوائية
توصف ميرال أكشنار (67 عامًا) بأنها كثيرة التحولات السياسية والشخصية منذ دخولها للمشهد السياسي في الانتخابات المحلية عام 1994، بدعم من رئيسة الحكومة، آنذاك، تانسو تشيللر، زعيمة حزب “الطريق القويم” قبل شهرتها في الانتخابات البرلمانية عام 1995 وتعيينها لاحقًا وزيرًا للداخلية، ومع تراجع مكانة حزب الطريق القويم نهاية التسعينيات من القرن الماضي، لكن أكشنار فشلت في الإطاحة بتشيللر، ومن ثم استقالت من الحزب في صيف عام 2001.
انضمت أكشنار إلى حزب الحركة القومية (نوفمبر/تشرين الثاني 2001) وتم تعيينها نائبة لرئيس كتلة الحزب في البرلمان التركي، وبسبب انتقاداتها لرئيس الحزب دولت باهتشلي، لم يتم وضع اسمها ضمن قائمة مرشحي الحركة القومية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، حيث تم طردها لاحقًا من الحزب في سبتمبر/أيلول 2016، قبل أن تؤسس حزب الجيد (25 أكتوبر/تشرين الأول 2017) وتتولى قيادته، ثم ترشحت للانتخابات الرئاسية، كأول امرأة تقدم على هذه الخطوة في 24 يونيو/حزيران 2018، لكنها أخفقت في الانتخابات.
زعمت معلومات أن ميرال أكشنار، مرشحة لتولى رئاسة الحكومة التركية، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان، بات يدرس العودة لنظام الحكم البرلماني
بدأ التحالف بين حزب ميرال أكشنار وحزب الشعب الجمهوري خلال انتخابات عام 2018، بعد انفصالها عن حزب الحركة القومية، إثر تحالف مع الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث بادر حزب الشعب الجمهوري بدعم حزب ميرال أكشنار عبر نقل عدد من نواب البرلمان إليه، لمساعدته كحزب وليد في تشكيل كتلة برلمانية (36 مقعدًا من أصل 600 بالبرلمان التركي) لمواجهة تحالف الشعب (تأسس في فبراير/شباط 2018) الذي يجمع حزبي العدالة والتنمية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي.
والعام الماضي، قال استطلاع رأي أجرته شركة أورك للأبحاث، بمشاركة عينة تضم 4620 شخصًا، من 45 منطقة: “رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار، الزعيمة الأكثر إعجابًا وصدقًا في تركيا، من بين زعماء الأحزاب السياسية” بـ44.9% من نسبة المشاركين، بينما حصل زعيم حزب الشعب الجمهوري، على نسبة 40.6%، وحصل علي باباجان على 19.2%، و15.8% لأحمد داوود أوغلو.
وزعمت معلومات أن ميرال أكشنار، مرشحة لتولى رئاسة الحكومة التركية، وأن الرئيس رجب طيب أردوغان، بات يدرس العودة لنظام الحكم البرلماني، وقال الصحفي التركي دينيز زيريك إن وزيرًا بارزًا أبلغه أن رئيسة حزب الجيد ميرال أكشنار، ستصبح رئيسة الوزراء القادمة، عقب الانتقال للنظام البرلماني، فيما قالت معلومات منسوبة لأحد مؤسسي حزب الجيد، فيدات ينيرر، مستشار ميرال أكشنار السابق، إنها “ذهبت إلى القصر الرئاسي وعقدت لقاء مع شخص لم يذكر اسمه”!!
طموحات وحسابات
تشير تكهنات إلى احتمال انتقال عمدة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، إلى حزب الجيد، في ظل إصرار رئيس حزب الشعب الجمهوري على الترشح لرئاسة الجمهورية، لكن زعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو، يفضل بقاء رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، في موقعهما، بعد نجاحهما في انتزاع المقعدين من حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، فضلًا عن الاستفادة من شعبيتهما وكل قيادات الحزب البارزين، الذين حققوا نتائج واضحة في انتخابات البلديات (المحليات) مطلع أبريل/نيسان 2019.
وأسفرت الانتخابات، حينها، عن فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بنحو 56% تقريبًا، من إجمالي رؤساء 81 ولاية و30 رئيس بلدية كبرى و1351 منطقة و1251 عضو مجلس ولاية و20 ألفًا و500 عضو مجلس بلدية ومناصب محلية كأمناء الأحياء ومجالس كبار الس، الذين يشرفون على أعمال الحكومة في عموم البلاد.
تقف زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار في مربع، صعب جدًا، بعد قرار الانسحاب من تحالف الطاولة السداسية
وأمام رغبة رئيس حزب الشعب الجمهوري في الترشح، قال عمدة أنقرة في وقت سابق عبر حسابه بتويتر: “سنكون دائمًا إلى جانبكم من أجل غد عادل ومستقبل سعيد لتركيا”، وقال عمدة إسطنبول عبر التطبيق نفسه: “أنا دائمًا مع رئيسنا السيد كليتشدار أوغلو وفي كل الأحوال”، لكن ميرال أكشنار، قالت بعد نحو 4 أيام: “عند تشكيل الطاولة السداسية في فبراير/شباط 2022، اتفقنا على أن المرشح الرئاسي سيحدد عبرها، وهذا قرار ملزم للجميع.. المطلوب مرشح قادر على الفوز”.
موقف عصيب
تعصف التطورات السياسية بتحالف المعارضة الرئيسي في تركيا (الشعب الجمهوري والجيد والمستقبل والسعادة والديمقراطية والتقدم) بالتزامن مع أسوأ كارثة إنسانية مرت بها تركيا خلال الـ100 عام الماضية (سلسلة الزلازل التي ضربت 11 ولاية جنوب البلاد، وتسببت في مقتل وإصابة أكثر من 150 ألف شخص، والإضرار بنحو 20 مليون شخص)، بينما يرى رئيس شركة ميتروبول لاستطلاعات الرأي، أوزر سنجار، أن “الزلازل لم تتسبب في إضعاف الحكومة التركية، كما تتوقع المعارضة”.
وتقف زعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار في مربع صعب جدًا، بعد قرار الانسحاب من تحالف الطاولة السداسية، ومن ثم ستتحمل المسؤولية أمام أنصار حزبها والقواعد التصويتية للأحزاب الحليفة عن أي إخفاقات مستقبلية، خلال انتخابات 14 مايو/أيار (59 مليون تركي لهم حق التصويت فيها)، وتتبدى الصعوبة أيضًا في تحديد مصيرها السياسي (ممارسة العمل الحزبي عبر حزب الجيد فقط أو العودة المنكسرة للتحالف والقبول بشروطه، كون ما قبل 3 مارس/آذار، ليس كما بعده أو مد الجسور مع أحزاب أخرى في المشهد السياسي التركي).