عاد الشاب السوري مصطفى وعائلته إلى شمال سوريا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير/شباط الماضي، كان يسكن مصطفى ذو الـ30 عامًا مع زوجته وأولاده الثلاث وأمه وأبيه في مدينة كهرمان مرعش التي كانت مركزًا للزلزال، نجت كل العائلة، لكن لم يبق لهم أي شيء، فالمنزل الذي كان يؤويهم تدمر وذهبت كل لوازم المعيشة تحت ركام المنزل.
كان مصطفى وأبوه يعملان في ورشة للنجارة ويكسبان موردًا يستطيعان من خلاله تأمين لوازم حياتهما بالحد الأدنى، لكن أتى الزلزال وضرب الحياة في ولاية كهرمان مرعش وتدمرت الورش والمناطق الصناعية التي كانت توفر دخلًا لآلاف العمال بشتى المهن.
في الأيام الست الأولى بعد الزلزال جلس مصطفى والعائلة في خيمة ضيقة، لكنها كانت ملاذًا آمنًا وفق ما يقول مصطفى، لأن الكثير من العوائل لم تكن تملك خيامًا، كانت هذه العوائل إما في العراء وإما في المساجد والصالات الرياضية وغيرها.
يقول مصطفى: “هربت من الحرب منذ ست سنوات لأحمي نفسي وعائلتي من الموت بالقصف، ولم أكن أريد الجلوس بالخيام، لكن قدر الله أكبر من أي أمر وأبلغ من أي حال”، يضيف مصطفى في حديثه لـ”نون بوست” “عندما قرأنا الأخبار الواردة بأن تركيا ستسمح للسوريين بالعودة إلى سوريا للزيارة وحددت المدة بـ3 أشهر تناقشت مع العائلة وقررنا أن نعود ونجلس هناك ريثما تتضح الأمور”.
عاد مصطفى وأهله من معبر باب الهوى الذي يصل الشمال السوري بتركيا بعد أن سمحت أنقرة بالإجازة للسوريين المقيمين فقط في الولايات العشرة التي ضربها الزلزال،. يذكر أن تركيا كانت تسمح منذ عام 2014 للسوريين اللاجئين على أراضيها بإجراء زيارات لمدة محدودة إلى مناطق الشمال السوري التي تقع تحت سيطرة المعارضة، لكن الحكومة التركية أعلنت في أبريل/نيسان الماضي أنها لن تسمح بذهاب اللاجئين السوريين إلى مناطق المعارضة خلال الأعياد، وكان القرار استجابة لموجة عنصرية قادتها بعض أحزاب المعارضة ضد السوريين.
إجازة الزلزال
عقب الزلزال، قالت الحكومة التركية في 15 فبراير/شباط الماضي إن السوريين ممن لديهم تصاريح إقامة ويعيشون في 10 محافظات هي الأكثر تضررًا من الكارثة، يمكنهم العودة إلى بلادهم والبقاء فيها لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ستة أشهر، وحذرت السلطات التركية أنه في حالة عدم الالتزام بذلك، فإن التداعيات ستكون إلغاء تصاريح الإقامة “الحماية المؤقتة.
وكشفت إدارة معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، عن أعداد السوريين الذين دخلوا تركيا وعادوا منها خلال شهر فبراير/شباط الماضي، بما فيهم من رحلتهم السلطات التركية قسريًا، وقالت إدارة المعبر في بيان، إن العدد الإجمالي للمسافرين من وإلى تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي، بلغ 21072 مسافرًا، منهم 7377 امرأةً، و13695 رجلًا.
وأوضحت أن هؤلاء المسافرين انقسموا إلى 2211 شخصًا غادروا الأراضي السورية إلى تركيا، و18861 شخصًا دخلوا الأراضي السورية عبر المعبر قادمين من تركيا، 14023 منهم من خلال الإجازة التي منحها الجانب التركي للسوريين في الولايات التركية المنكوبة من الزلزال، ولفتت إلى أن عدد اللاجئين السوريين الذين رحّلتهم السلطات التركية من أراضيها خلال الشهر الماضي بلغ 1486 شخصًا، بينما منح المعبر إذن دخول إلى الأراضي التركية لـ151 مرضى لتلقي العلاج في مشافيها.
بالعودة إلى الشاب مصطفى، يروي لنا كم كان الخيار صعبًا أن يعود إلى سوريا التي هرب منها ومن القصف الذي كان يشنه النظام السوري، فيقول: “كنا نخاف من القصف، لكن الزلزال أرعبنا بشكل جنوني، واليوم عدنا إلى سوريا رغم أننا نعلم أن الظروف التي هنا سيئة في الأصل ولكننا على الأقل بين أهلنا وجيراننا”، ويكمل “لا أفكر أنا وأهلي بالعودة إلى تركيا، فلم يعد لنا هناك أي شيء، ليس لنا بيت نعيد إعماره وليس لدينا مال أو ممتلكات نعود من أجلها، فالحالة واحدة هنا وهناك”، ويبين “على العكس فاليوم حالتنا هنا أفضل بكثير مما لو بقينا في تركيا، هنا يوجد أهل ومساعدات من المنظمات كما توجد خيمة نأوى إليها وقررنا العمل من أجل إعمار بيت صغير يأوينا هنا”.
وعلى الرغم من أن مناطق الشمال السوري تعاني من تهالك في البنية التحتية بعد سنوات من الحرب والقتال، فإن الكثير من السوريين باتوا اليوم يفضلونها على تركيا، وهنا يقول أحمد الصلاحي لـ”نون بوست”: “عدت إلى إدلب أنا وعائلتي وجلسنا عند أقاربنا مؤقتًا وهذا الخيار بالنسبة لنا أفضل، لأن وضع الشمال السوري بالنسبة للسوريين أفضل بمئة مرة من وضع السوريين في الجنوب التركي”.
وتحدث أحمد الصلاحي وهو شاب سوري يعمل في طباعة الثياب بأحد معامل مدينة هاتاي عن سوء المعاملة التي تلقاها الكثير من السوريين بعد الزلزال، ويتحدث أحمد عن التمييز بالمعاملة الإنسانية حتى، ويشير إلى أن المنظمات في الشمال السوري لم تفرق بين القادمين من تركيا أو الموجودين في سوريا ويقول: “ذهبنا لتسجيل أنفسنا من أجل الحصول على بعض المساعدات الضرورية في إحدى المنظمات، وهمست بأذن المسؤول وقلت له لكن نحنا قدمنا من تركيا، حينها رد علي بأن الكل متضرر وضرركم أكبر”.
يكمل أحمد “سأفكر خلال الأيام القادمة فيما إذا كنت سأعود أنا وأسرتي إلى تركيا أم لا، لأنني أيضًا أريد أن يكمل أولادي تعليمهم، والدولة التركية مهتمة بإكمال العملية التعليمية، لكن أيضًا ليس لدينا مأوى هناك، بصراحة أنا مشتت، هربنا من القصف والموت ليأتينا الزلزال ويهدم كل شيء”.
مخاوف
كثير من السوريين الزائرين في الشمال السوري ما زالوا يريدون العودة إلى تركيا، لكن عدّة مؤشرات جعلت الأمر مخيفًا بالنسبة لهم، حيث يخشى بعض السوريين من أن تكون الإجازة عبارة عن إجراء يمهد لإنهاء وضع الحماية المؤقتة لهم في تركيا، ومنعهم من العودة إلى الأراضي التركية مستقبلًا، وهو ما أثار الخوف في صفوف العائدين من الولايات غير المنكوبة.
يتخوف أحمد من أن يكون سماح الحكومة التركية للسوريين بهذه الزيارة للسوريين هو “فخ للسوريين العائدين”، مشيرًا “هناك حديث يسري بين الناس أن كل من عاد من تركيا إلى سوريا سيكون كمن عاد طوعيًا، لأن الحكومة التركية تنظر إليه أنه استطاع الإقامة في بلده كل هذه المدة فإنه يقدر على المعيشة هناك بشكل دائم”، لكن هذا الأمر تنفيه تصريحات مسؤولي المعابر السورية الذين أكدوا على أن الطريقة التي يدخل بها الناس إلى سوريا هي عبر وثائق تبين أنها دخول مؤقت، لكن الذين يتخلفون عن العودة لن يستطيعوا المرور إلى تركيا بعد التواريخ المحددة.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أعلن، يوم الثلاثاء الماضي، عودة نحو 42 ألف سوري إلى بلدهم “من تلقاء أنفسهم” عقب الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد في 6 فبراير/شباط 2023، ولم يفنّد أكار الإحصائية، كما لم يكشف عن أعداد السوريين الذين عادوا بشكل نهائي وأعداد الذين ذهبوا إلى سوريا كإجازة، مستغلين الزيارة التي سمحت بها الحكومة.
ونفى أكار صحة مزاعم حدوث هجرة نحو تركيا من سوريا، مضيفًا “لم يحدث بأي حال من الأحوال أي هجرة من سوريا إلى تركيا، ظهرت هكذا شائعات، وهي غير صحيحة”.
وبحسب الأمم المتحدة فإن “العديد من اللاجئين السوريين عادوا للاطمئنان على أقاربهم بعد الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 44 ألف شخص في تركيا و6 آلاف في سوريا، معظمهم في شمال غرب البلاد”.
يقول فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، إنه يتفهم قرار بعض السوريين في العودة إلى بلادهم بعد كارثة الزلزال، لكن يساوره القلق حيال وعود الحكومة التركية بالسماح لهم بالعودة مجددًا إلى تركيا، وأضاف “معظم هؤلاء يمتلكون تصاريح (إقامة) والبعض منهم يحمل الجنسية التركية، لكنني أخشى أن ترى السلطات التركية في عودتهم فرصة وألا تسمح لهم بالعودة مرة أخرى بسهولة”.
بدورها نقلت قناة “دويتشه فيله” الألمانية عن رنيم أحمد، مسؤولة الاتصالات لدى “الحملة السورية” قولها عن السوريين الذين ذهبوا في إجازة: “في ضوء العداء المتزايد ضد اللاجئين السوريين في تركيا الذي شهدناه خلال الأشهر الأخيرة، فإن هناك مخاوف حقيقية من أن السلطات التركية قد لا تسمح لهم بالعودة، لكن لم يمكننا حسم ذلك إلا مع بدء عودتهم مجددًا إلى تركيا بعد مرور عدة أشهر، لكن الغموض يكتنف كل شيء”.
ودعت رنيم المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى “ضمان حصول الجميع على مساعدات إنسانية منقذة للحياة وضمان حماية المدنيين في شمال سوريا، فضلًا عن ضمان حماية اللاجئين السوريين في تركيا من تعرضهم لأعمال عنصرية أو أعمال ترحيل قسرية”.