ترجمة وتحرير: نون بوست
قال مسؤولون عراقيون لموقع “ميدل إيست آي” إن العراق فاقم أزمته المالية وساهم في انخفاض قيمة عملته من خلال سداد ديونه لإيران بالدينار العراقي.
تكافح العملة العراقية منذ شهور مقابل الدولار منذ أن فرض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قيودًا جديدة على كيفية تداول البنك المركزي للبلاد بالدولارات التي يجنيها من مبيعات النفط.
وأدت أزمة السيولة اللاحقة إلى فشل الحكومة في دفع رواتب الملايين من الموظفين العموميين، وكذلك معاشات التقاعد والمدفوعات للمستفيدين الآخرين من برامج الرعاية الاجتماعية.
كان العراق أحد أكبر مستوردي السلع الإيرانية على مدى العقدين الماضيين، وخاصة الغاز والكهرباء والمواد الغذائية ومواد البناء، ويبلغ حجم التبادل التجاري الرسمي بين البلدين حوالي 14 مليار دولار.
وبسبب العقوبات الأمريكية التي فُرضت على إيران في 2018؛ كافح العراق من أجل الدفع مقابل وارداته من إيران بين 2019 و2021.
وفي بعض الأحيان؛ قطعت إيران إمدادات الكهرباء والغاز في عزّ الصيف، في وقت ترتفع فيه درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وذلك بهدف الضغط على العراق لسداد هذه الديون.
بلغت ديون بغداد أكثر من 1.6 مليار دولار عن مشترياتها من الغاز والطاقة الإيرانية وحدها بين سنتي 2019 و2021. وتشير المصادر إلى أن معظم -أو كل هذا الدين- قد تمت تسويته، مع سداد الدفعة الأخيرة في تشرين الأول/أكتوبر 2022، لكن بدلًا من الدولارات التي كانت تتلقاها إيران قبل العقوبات؛ استخدمت بغداد الدينار العراقي للدفع، حسبما صرّح مسؤولون لموقع “ميدل إيست آي”، وقالوا إن نظام الدفع الجديد تم وضعه لتجنب الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي كانت ستندلع حتمًا في أعقاب خفض إمدادات الطاقة في العراق.
ومع ذلك، كانت إيران قادرة على تحويل هذه الدنانير إلى دولارات – وهو أمر يعود عليها بفائدة أكبر – وذلك باستخدام مزاد العملة الذي يحتفظ به البنك المركزي العراقي يوميًا لتحويل الدولارات التي كسبتها من مبيعات النفط.
لكن منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي؛ فرض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي – الذي يحتفظ بالأموال التي يجنيها العراق من مبيعات النفط ويوصلها إلى بغداد عند الطلب – قيودًا تهدف إلى منع إيران من الوصول إلى هذه الدولارات ومكافحة غسل الأموال.
ومثلما كشف موقع “ميدل إيست آي” سابقًا، أدى ذلك إلى قيام أطراف، بما في ذلك الدول الخاضعة للعقوبات ومهربي الأموال، بإيجاد طرق جديدة للحصول على الدولارات، مثل السوق السوداء وتهريب الدولار عبر كردستان.
لكن مع تجنب إيران ودول أخرى الآن تغيير الدينار من خلال المزاد؛ لم يتمكن العراق من مبادلة دولاراته بالعملة المحلية التي يحتاجها لتلبية احتياجاته، وكل ذلك واصل تأثيره على الدينار العراقي.
حصلت إيران على كميات ضخمة من العملة العراقية بينما هي في حاجة ماسة إلى الدولار الأمريكي، فماذا اعتقد أصحاب القرار أن إيران ستفعل بهذه العملة؟
ففي كانون الثاني/يناير؛ ارتفع سعر الصرف في السوق السوداء إلى 1700 دينار للدولار الواحد مقابل 1480 في تشرين الأول/أكتوبر.
ووصف التجار هذه التقلبات بأنها “مرعبة”، قائلين إن هناك منافسة كبيرة على الدولار مع استعداد المضاربين لدفع “أي ثمن”. في غضون ذلك؛ استمرت أسعار السلع الاستهلاكية في الارتفاع.
اتخذت الحكومة العراقية إجراءات مختلفة للسيطرة على سعر الصرف، بما في ذلك خفض السعر الرسمي إلى 1300 دينار. وعلى الرغم من انخفاض سعر السوق السوداء إلى حوالي 1500 دينار، إلا أنه لا يزال شديد التقلب.
ولا يزال تأثير تسليم إيران مبالغ كبيرة من الدنانير محسوسًا، وهي الآن غير قادرة على المتاجرة بالدولار.
وقال مسؤول عراقي كبير لموقع “ميدل إيست آي”: “لم يكن سداد الدين الإيراني بالدينار العراقي خطوة محسوبة العواقب، والأزمة المالية التي نعاني منها حاليًا سببها هذه الخطوة الغبية”.
وحصلت إيران على كميات ضخمة من العملة العراقية بينما هي في حاجة ماسة إلى الدولار الأمريكي، فماذا اعتقد أصحاب القرار أن إيران ستفعل بهذه العملة؟ هل توقعوا استثمارها في السوق العراقية؟
“اقتصر تفكيرهم على تحقيق نجاحات خيالية سريعة لإثبات أنهم الأكثر قدرة على التعامل مع مشاكل العراق المستعصية، لذلك أخرجونا من البئر ليلقوا بنا في البحر”.
مشاكل مستعصية وحلول ترقيعية
وعلى الرغم من امتلاكه لواحد من أكبر احتياطيات النفط في العالم، إلّا أن العراق عانى من نقص حاد في الطاقة منذ التسعينيات، بسبب الصراعات والعقوبات وسوء الإدارة والفشل في تطوير البنية التحتية، ففي الصيف الماضي، أدى نقص الكهرباء ومياه الشرب والخدمات الأساسية الأخرى إلى مظاهرات حاشدة، خاصة في الجنوب.
ولإصلاح مشاكل الإمداد، تعيّن على العراق استيراد الطاقة والغاز، ومعظمها من الجارة إيران؛ حيث ينفق العراق – رسميًا – حوالي 900 مليون دولار شهريًا على السلع الإيرانية، وفقًا لمسؤولين إيرانيين، 50 بالمئة منها على الكهرباء والغاز.
وإدراكًا منها للوضع غير المستقر في العراق، فقد أعفت واشنطن العراق من عقوباتها على إيران، لكن ظهرت مشاكل دفع ثمن المشتريات منذ اليوم الأول، حيث وافقت الولايات المتحدة على التنازل عن العقوبات فقط إذا وضع العراق الأموال في مصرف التجارة العراقي على أساس أن إيران ستستخدمها لاحقًا لدفع ثمن الغذاء والدواء.
حيال هذا الأمر، قال مسؤول عراقي: “لكن هذا لم يكن كافيًا بالنسبة لإيران لأن حركة الحسابات في المصرف خاضعة للسيطرة الأمريكية”.
وبدلاً من ذلك، طالبت إيران بطريقة أخرى لتلقي أموالها واستخدمت التهديد بقطع إمدادات الطاقة كوسيلة للضغط على بغداد لمنحها ما تريد.
في تشرين الأول/أكتوبر 2019؛ أصبح نقص الطاقة أزمة وجودية للسلطات العراقية، عندما هزت مظاهرات حاشدة مختلف المحافظات الوسطى والجنوبية وكذلك بغداد، فيما شنت حكومة عادل عبد المهدي وبعض الفصائل المسلحة المدعومة من إيران حملة قمع دموية على الاحتجاجات التي حظيت بدعم كبير من أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وأدى حمام الدم الذي أعقب ذلك إلى انهيار إدارة عبد المهدي وإجراء انتخابات مبكرة؛ حيث سعى رئيس الوزراء اللاحق، رئيس المخابرات السابق مصطفى الكاظمي، وداعمه الصدر، إلى إيجاد حلول سريعة للمشاكل المستعصية التي يعاني منها العراق، بما في ذلك الديون الإيرانية، حسبما قال مسؤولون لموقع “ميدل إيست آي”.
لاحقًا، في نيسان/أبريل 2022، عندما مرّ العراق بفراغ سياسي بعد الانتخابات غير الحاسمة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي؛ اقترح أنصار الصدر قانون الطوارئ ليكون بمثابة ميزانية مصغرة.
كانت الديون المستحقة لإيران والتي تراكمت منذ سنة 2019 واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا بالنسبة لحكومة الكاظمي في ذلك الوقت؛ حيث قال أحد مستشاري الكاظمي السابقين لموقع “ميدل إيست آي”: “كان على الصدر أن يجد مخرجًا لحليفه”.
وفي الوقت نفسه، أراد الصدر أن يقدم “بادرة حسن نية للإيرانيين لإثبات أن مشروعه لا يستهدفهم ولا يهدد مصالحهم، على حد قول المستشار نفسه.
وخصص القانون 4 تريليونات دينار عراقي (حوالي 3 مليارات دولار) لسداد الدين الخارجي لوزارة الكهرباء وديون شراء الغاز والطاقة.
في حزيران/يونيو الماضي، وافق البرلمان على هذا القانون، وبدأت الحكومة العراقية في دفع ما تدين به مباشرة للإيرانيين بالدينار، وحسب مسؤولين، فإن الدفعة الأخيرة كانت في تشرين الأول/أكتوبر.
لم يتم الكشف عن المبالغ الدقيقة التي دفعتها حكومة الكاظمي لإيران بالدينار، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك.
ففي شباط/فبراير 2019، أبرم البنك المركزي العراقي اتفاقية مع البنك المركزي الإيراني، تسمح لمتعاملي كلا البنكين بفتح حسابات في البلدين وإجراء معاملاتهم المصرفية بالدينار العراقي واليورو.
وقال البنك المركزي العراقي وقتها إن ذلك تم لإزالة العقبات أمام سداد ديون العراق المتعلقة بصادرات الغاز والكهرباء، فيما قال سياسي عراقي مقرب من طهران لموقع “ميدل إيست آي” إنه يعتقد أن واشنطن كانت تتوقع الضغط على العملة العراقية عندما سمحت لبغداد بدفع الدينار لإيران. وأضاف: “لو لم يقوموا بذلك، لفاتهم الكثير”، فالإيرانيون أذكياء للغاية ويستثمرون في كل التفاصيل التي تخدم أهدافهم، لقد كانوا واضحين منذ البداية حيث قالوا: “إذا لم تتمكن من الدفع بالدولار، ادفع بالدينار واترك الأمر لنا”. وبالنسبة لهم، ليست مشكلة إذا كان خصمهم متعجرفًا ويعامل الآخرين بازدراء، لأنهم سيتبعون طرقهم الخاصة.
المصدر: ميدل إيست آي