ترجمة حفصة جودة
تحول الطريق السريع الذي يقع في قلب حوارة، ويربط مدينتي رام الله ونابلس، إلى شريان حياة البلدة الصاخب، فنادرًا ما تجد المنطقة خالية من زوار المحلات المصطفة على شارع البلدة الرئيسي، كما يقود الناس سياراتهم في هذا الطريق إلى القرى الفلسطينية القريبة.
ومع ذلك، كالعديد من البلدات الفلسطينية، يستخدم المستوطنون الإسرائيليون شارع حوارة الرئيسي للوصول إلى مستوطناتهم غير الشرعية شمال الضفة الغربية المحتلة، يوجد الجنود الإسرائيليون أيضًا بشكل مكثف لحماية المستوطنين، ما يحد من حرية حركة الفلسطينيين في المكان.
سهول مسروقة
اشتُق اسم حوارة من التربة البيضاء التي تشتهر بها، وتغطي البلدة أشجار الزيتون المزروعة بعناية في صفوف منمقة، دلالة على تاريخ البلدة الطويل.
اعتمد سكانها – الذين يتجاوز عددهم الآن 7000 نسمة – تاريخيًا على الزراعة لكسب معيشتهم، ومع ذلك بدأ المستوطنون الإسرائيليون في انتهاك أراضيهم والحد من المناطق الزراعية، ما اضطر الكثير من سكانها عبر السنين إلى العمل في التجارة أو الحصول على وظائف حكومية، وذلك وفقًا للباحث رائد مقادي من مركز “أبحاث الأرض”.
75% من أراضي حوارة مصنفة كمنطقة “ج”، ما يعني أنها تحت السيطرة الكاملة للاحتلال الإسرائيلي
يرتبط سكان حوارة بالذهب أيضًا، فلسنوات كان التجار يعملون في تجارة الذهب وبيع المعادن الثمينة في متاجر البلدة ومناطق أخرى مثل نابلس ورام الله.
ورغم أن سهول حوارة الزراعية تعد من أكبر السهول الفلسطينية، فإن تزايد الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية أو بالقرب منها، يمنع السكان من الاستفادة من تلك الأراضي.
يقول مقادي إنه قبل حرب 1967، كان شارع حوارة الرئيسي طريقًا ترابيًا يستخدمه الجيش الأردني للوصول إلى معسكره في السهل، وبعد الحرب، استحوذ جيش الاحتلال الإسرائيلي على المعسكر وحوله إلى قاعدة له، كما أنشأ منطقة تدريب لجنوده على مساحة 17 دونمًا من الأراضي التي صادرها من البلدة وقرية عورتا المجاورة.
ويضيف “منذ ذلك الحين يضايق الجنود الإسرائيليون المزارعين الفلسطينيين في السهل، الذي يعد سلة غذاء سكان حوارة والقرى المجاورة، ومع زيادة هجمات الجنود والمستوطنين ومنع المزارعين من استخدام أراضيهم، تراجع اعتماد السكان على الزراعة”.
ورغم أن مساحة البلدة تتجاوز 8 آلاف دونم، فإن المنطقة المتاحة لبناء المنازل لا تتجاوز ألف دونم، لأن 75% من أراضيها مصنفة كمنطقة “ج”، ما يعني أنها تحت السيطرة الكاملة للاحتلال الإسرائيلي.
عانى الفلسطينيون لسنوات من هجمات المستوطنين الخاضعين لحماية الجنود الإسرائيليين، تضمن ذلك حرق المنازل والمحاصيل وسرقة الفواكه وضرب السكان
يقول مقادي إنه منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات، كان السكان يُمنعون باستمرار من العبور خلال الشارع الرئيسي ومن التوسع الحضري وحتى من فتح المحال التجارية هناك، ومع مصادرة الأراضي لصالح المستوطنين، ومنع البناء وحرمان السكان من الوصول إلى الأراضي الزراعية، لم يتبق الكثير لسكان حوارة.
بلدة مدمرة
في السبعينيات مهدت القوات الإسرائيلية الطريق الترابي في وسط البلدة ووسعته، لكن ليس بالطبع لصالح الفلسطينيين، كانت هذه الإنشاءات لخدمة المستوطنين الذين يستخدمونه للوصول إلى مستوطناتهم خاصة مستوطنتي يتسهار وبراخا اللتين سرقتا أكثر من 1100 دونم من أرض حوارة، وفقًا لإحصاءات البلدية.
يسكن هذه المستوطنات مستوطنون يهود متطرفون يرفضون الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، ويستخدمون عادة أساليب ترهيب وعنف ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في البلدات والقرى المحيطة.
عانى الفلسطينيون لسنوات من هجمات المستوطنين الخاضعين لحماية الجنود الإسرائيليين، تضمن ذلك حرق المنازل والمحاصيل وسرقة الفواكه وضرب السكان، وفقًا لهيئة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “OCHA” وقع 59 اعتداءً من المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية هذا العام حتى الآن، تسبب 18 اعتداءً منهم في وقوع خسائر، وفي 2022 تم تسجيل 622 اعتداءً للمستوطنين.
ومع ذلك، كانت اعتداءات المستوطنين الأخيرة هي أعنف اعتداءات يواجهها سكان حوارة منذ سنوات، ففي يوم 26 فبراير/شباط، أغار المستوطنون الإسرائيليون على عدة بلدات في الضفة الغربية من بينهم حوارة في هجمات انتقامية بعد أن أطلق فلسطيني النار وقتل اثنين من المستوطنين.
رغم تغير طبيعة مباني البلدة عبر السنين، فإنها شهدت على إصرار سكانها العيش فيها دون تردد رغم الصعوبات والعقبات طوال السنين
لساعات، هاجم المستوطنون ممتلكات الفلسطينيين ومنازلهم وأشعلوا النار فيها أثناء وجود سكانها بالداخل، قُتل فلسطيني على الأقل نتجة ذلك وأصيب نحو 400 بجروح.
يقول مقادي: “في الانتفاضة الثانية، من عام 2000 وحتى 2004، عانى السكان من الممارسات السادية للاحتلال حيث دخلت الدبابات الإسرائيلية وسط حوارة وأغلقت نصف البلدة ودمرت عددًا من المنازل، لقد حولوها إلى بلدة مدمرة”.
زمن النكبة ولّى
تتميز حوارة بموقعها الإستراتيجي، حيث تبعد 9 كيلومترات فقط عن مدينة نابلس، ما يجعلها عرضة للطموحات الإسرائيلية، تؤثر السمات التاريخية على جزء من البلدة أيضًا، حيث تضم موقعًا يُسمى “الخربة” يعود إلى العصر البيزنطي وما زالت آثاره ظاهرة حتى الآن.
يقول سعيد أحمد أحد سكان حوارة: “الحياة هنا ليست كأي مكان آخر، هذه المدينة استثنائية، فهي تعيد تشكيل حياتها من رماد العنصرية الإسرائيلية ضدها”.
بُنيت منازل هذه البلدة في الماضي من الطين الجاف، ثم الطوب، وبعدها من الحجارة البيضاء التي تشتهر عدة مدن فلسطينية باستخراجها، ومع ذلك رغم تغير طبيعة مباني البلدة عبر السنين، فإنها شهدت على إصرار سكانها العيش فيها دون تردد رغم الصعوبات والعقبات طوال السنين.
يقول أحمد: “كان والدي مزارعًا وقد نصحني بالسير على خطاه، لكننا لا نستطيع دخول أراضينا الآن، نراها من بعيد ولا نستطيع الاقتراب منها، والآن يأتي المستوطنون إلى منازلنا ويحرقونها، لكننا نصر على العودة كل مرة لاستعادة حياتنا”.
يضيف أحمد، مشيرًا إلى طرد آلاف الفلسطينيين من منازلهم مع ظهور “إسرائيل” في أواخر الأربعينيات “إننا نعيش هنا ولا نفكر في الرحيل، لقد ولّى زمن النكبة للأبد”.
المصدر: ميدل إيست آي