ترجمة وتحرير: نون بوست
اعتقلت السلطات التونسية مئات المهاجرين من أفريقي جنوب الصحراء بعد تنديد الرئيس قيس سعيد بالهجرة الشهر الماضي؛ حيث قال إن هناك “مؤامرة إجرامية” لتغيير التركيبة السكانية في تونس.
وبعد هذا الخطاب؛ هاجمت مجموعات من الرجال التونسيين المهاجرين ذوي البشرة الداكنة؛ حيث اعتدوا على بعضهم وطردوا الكثيرين من منازلهم، فيما فر أكثر من 100 مهاجر إلى مبنى المنظمة الدولية للهجرة التابع للأمم المتحدة في تونس العاصمة.
وقال إريك زاولو، وهو مهاجر من ليبيريا: “كنا نركض من أجل إنقاذ حياتنا”، مضيفًا أنه هرب من شقته مع زملائه في السكن إلى مبنى الأمم المتحدة بعد أن هاجمهم حشد من الغوغاء، بينما تم القبض على بعض أصدقائه.
وأفاد زاولو أنه فقد ملابسه و250 دينارًا، أي ما يعادل 80 دولارًا، من المدخرات ليلة الهجوم، وهو الآن يتناول الخبز والماء ويتغطى بالأغطية البلاستيكية التي تبرع بها غرباء خارج مبنى الأمم المتحدة.
في السنة ونصف السنة الماضيتين، قام سعيّد – الذي انتخب بشكل ديمقراطيّ في سنة 2019، بحل البرلمان وخفض استقلال القضاء ووضع دستوره الخاص، كما تتهمه جماعات حقوقية وسياسيون معارضون بأنه يشن حملة قمع واسعة بشكل متزايد لتسجيل نقاط سياسية والتغطية على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في تونس والانتقادات المتزايدة لحكمه الاستبدادي.
وقالت مونيكا ماركس، الأستاذة في جامعة نيويورك في أبو ظبي المتخصصة في السياسة التونسية: “ما ألقاه قيس سعيّد كان خطابًا بديلًا جادل فيه بأن الأحزاب السياسية المؤيدة للديمقراطية كانت تصنع بديلًا للعرب والمسلمين بالمهاجرين السود”، وتابعت قائلة: “أي شخص لديه بشرة سوداء في هذا البلد يشعر بمستوى من الخوف مع الكثير من القلق ويقومون بالاختباء في منازلهم”.
وكان السيد سعيد قد دعا – في 21 شباط/فبراير – إلى وضع حد للهجرة غير الشرعية، مدعيًا دون تقديم دليل على أن “الأطراف” تتلقى مدفوعات لتوطين أفارقة جنوب الصحراء في تونس لتحويل البلاد من عربية وإسلامية إلى أفريقية فحسب. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بيان رئاسي عن تصريحاته التي أدلى بها خلال لقاء مع كبار مسؤولي الدفاع والأمن.
وبعد يومين، ألقى السيد سعيّد خطابًا آخر، تم بثه بشكل مباشر هذه المرة، نفى فيه كونه عنصريًا لكنه كرر أنه على المهاجرين الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني مغادرتها.
وخلال الشهر الماضي؛ اعتُقل العشرات من الشخصيات السياسية التونسية البارزة، بما في ذلك كبار قادة حزب النهضة السياسي، وقد اتُهم الكثير منهم بتشكيل خطر على أمن الدولة، وفقًا لمحاميهم ونشطاء حقوق الإنسان. وفي شأن ذي صلة، لم ترد وزارة العدل التونسية على طلبات للتعليق.
وصرحت وزارة الخارجية الأمريكية، التي أعربت في السابق عن قلقها بشأن اعتقال شخصيات سياسية، الأسبوع الماضي، أنها تشعر بالقلق بشأن تقارير وردتها عن اتهامات جنائية ضد أفراد في تونس التقوا أو تحدثوا مع موظفي السفارة الأمريكية في الواقع، لكن لم تحدد وزارة الخارجية الأفراد الذين كانت تشير إليهم.
وقد قُبض على ما يقارب من 840 مهاجرًا من ساحل العاج وغينيا والكاميرون ودول أفريقية أخرى واتُهموا بالدخول بشكل غير قانوني للبلاد منذ منتصف شباط/فبراير، بحسب زينب المروكي، المديرة في منظمة محامون بلا حدود غير ربحية في تونس.
وأوضحت المروكي: “كان الأمر مفاجئًا للغاية”، مضيفة أن العديد من الأشخاص الذين اعتقلوا يشغلون وظائف في تونس ولكنهم لا يملكون أي وسيلة لإضفاء الشرعية على إقامتهم على الرغم من أن العديد منهم يعيشون في البلاد منذ سنوات.
ويعيش حوالي 21 ألف مهاجر من إفريقيا جنوب الصحراء غير المسجلين في تونس، وفقًا للأرقام الرسمية، من عدد سكان يبلغ 12 مليون نسمة، فيما بدأت عدة دول أفريقية بما في ذلك مالي وساحل العاج وغينيا في إعادة مواطنيها استجابة لتزايد الاعتقالات الهجمات، كما ندد الاتحاد الأفريقي – على خلفية ذلك – بتصريحات الحكومة التونسية بشأن الأفارقة جنوب الصحراء.
وقال المهاجرون الذين فروا إلى مبنى الأمم المتحدة إنهم يعتقدون أن خطاب سعيّد ساهم بشكل مباشر في محنتهم، حيث قال مالكولم تاكر، وهو طالب لجوء يبلغ من العمر 23 عامًا من سيراليون سافر إلى تونس في سنة 2021، إن صاحب المنزل ومجموعة من الرجال في منتصف العمر اقتحموا شقته في وسط تونس في منتصف الليل، وقاموا بضربه هو ورفقائه في السكن ضربًا مبرحًا وهددوهم بالسكاكين، الأمر الذي تسبّب له بإصابة في ركبته، فعرج في اليوم التالي إلى مبنى وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في محاولة للحصول على الحماية، مضيفًا “قيل لي إن الوضع خارج عن إرادتهم، لقد كانت صدمة كبيرة لي كطالب لجوء”.
وقال تاكر، الذي يعمل في مصنع للمطاط في تونس، إنه ذهب لاحقًا إلى مبنى منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، على أمل أن تمنحه الوكالة وأصدقائه غرفًا فندقية أو أي شكل آخر من أشكال الإقامة الآمنة قريبًا، وتم تحديد موعد للقاء ضابط في وقت لاحق من هذا الشهر، وأردف: “الجو بارد جدا في الخارج بالنسبة لنا، ولا يوجد أمن”.
وأُجبر أبي كالوكا على مغادرة منزله وطُرد من عمله في مصنع بعد خطاب الرئيس سعيّد، حيث كان يعيش في تونس العاصمة منذ بضعة أسابيع فقط وكان يكسب 20 دينارًا في اليوم. وقال كالوكا إنه غادر موطنه سيراليون بعد أن تسبّب فيضان وانهيار طيني في مقتل والديه وتدمير منزل عائلته. وفي تونس، سار حافي القدمين من منزله إلى مبنى الأمم المتحدة وكان يعيش في الخارج لمدة أسبوعين دون أي أمتعة، قبل أن يتبرع له شخص غريب ببطانية، وأشار قائلًا “لم يكن لدي أي أمل في بلدي، ولكني الآن خائف على حياتي”.
المصدر: وول ستريت جورنال