تمخّض عن إحاطة المبعوث الأممي لدى ليبيا في جلسة مجلس الأمن ولادة خارطة طريق، أرادها باتيلي بديلًا لوضع حدّ لدور مجلسَي النواب والدولة، لكن مجلس الدولة التحق بالبرلمان في خلط الأوراق من جديد بتصويته على التعديل الدستوري.
سيعيد هذا التجاذبات إلى الداخل الليبي بعد أن أخرجت الخطة الأممية الملف من الدوائر الأممية، بالتالي قد نشهد تناقضًا بين لجنة إعداد القوانين الانتخابية الليبية واللجنة الأممية المعتزم تشكيلها من مختلف الطيف الليبي.
بالتالي تسري الخشية من إعادة ذات الأزمة أي تجريب المجرّب، ما قد ينتهي بالمبادرة الأممية إلى الفشل، خاصة مع رفضها من عقيلة صالح الذي يتحرّك بالتوازي مع محور شرقي مدعومًا بقوة عسكرية، ومحور دبلوماسي شرقي أيضًا يمثله الروس، الممثَّلين أيضًا عسكريًّا من خلال امتلاك قواعد عسكرية.. فهل تهدد هذه العوامل حلم الانتخابات هذا العام؟
عوامل ميدانية
لا يمكن بأي حال من الأحوال التعويل وبناء الآمال على خطة أممية، دون الأخذ بعين الاعتبار القوى الفاعلة على أرض الواقع، فرفض رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، للخطة دور هامّ في تحديد مدى الحكم على نجاح أي استحقاق انتخابي، فالقوات العسكرية للمعسكر الشرقي تبسط سيطرتها على قطاع واسع، يضمّ كامل الشرق والجنوب الشرقي من الجفرة إلى حدود سرت شمالًا.
لذا لا يمكن تجاهل هذا الرفض بأي حال إذا أردنا إجراء انتخابات نزيهة وحرة، فبإمكان الرافضين إحداث بلبلة للتشويش على العملية أو منعها تمامًا أو إغلاق مكاتب الاقتراع والاعتداء عليها.
هذا قد يحدث في المنطقة الغربية أيضًا، خاصة إذا كانت رافضة أيضًا وهي التي تقدّم موقفًا واضحًا من الخطة الأممية، ما يعزّز الشكوك حول هلامية المبادرة التي تبدو استرضاء للجميع دون موافقة الجميع.
في الإطار نفسه، يمكن فهم زيارة اللواء والقائد العسكري بالمنطقة الغربية لحفتر في سابقة بعد صراع مرير، ضمن نفس جهود الترتيبات على استبعاد الحرب واستعادة السلم، غير أن تصويت مجلس الدولة بعد الإحاطة الأممية على التعديل الدستوري الثالث عشر المطروح من البرلمان، قد يؤثر على خطة باتيلي ويعيد الخلاف إلى نقطة الصفر.
وقد بدا ذلك من خلال دعوة رئيس مجلس الدولة أخيرًا إلى تشكيل حكومة مصغّرة للترتيب للانتخابات، أي إضفاء الشرعية على جسم جديد وسحبها من حكومة الدبيبة ومزيد إطالة الوضع الانتقالي.
تصريحات النواب و المشري اصبحت متكررة و تهديدية و يبدو ان ابتزازهم يتصاعد في الاونة الاخيرة. احدهم وصف طرابلس بولاية طرابلس العثمانية و الاخر يفرض تعديل مزور و يهدد ببند لمنع الدبيبة! اصلا السيسي في وضع حرج جدا و نرجوا الله ان يسقط هو و عباس كامل قريبا.
— الدكتور طارق العزابي. Dr. Tareq Azabi (@TareqAzabi) March 7, 2023
تجريب المجرَّب
صحيح أن أغلب الموافقين على مبادرة باتيلي هم من السواد الأعظم من غير المسيّسين والسياسيين الذين بدوا منحازين إلى تجاوز القوى المحلية، نظرًا إلى حالة الاحتقان المرتبطة بعدة أسباب، بخلاف فشل الحكومات المتعاقبة وبالية الشرعية.
فطول الفترة الماضية منذ آخر انتخابات جرت، خاصة منذ اتفاق الصخيرات، سعت الأطراف السياسية، التي على أساس أنها تمثل الشرعية، إلى التنازع المرير والمطوّل فيما بينها، ما أثار حالة الغبن والحقن لدى الناس التي ازدادت سخطًا نتيجة إهمال الجانب الإصلاحي والاقتصادي، على حساب إيلاء الأولوية للصراع والتنافس السياسي والعسكري.
كل ذلك سيُعيد إلى الأذهان السيناريو الماضي، وما أحاط به من غموض حول تشكيل لجنة الحوار السياسي في جنيف وقبلها في الصخيرات، وما شابهما من صفقات وتلاعب بالأسماء والأصوات، أكّدته أطراف مشاركة حينها في سبيل الانضمام حاليًّا إلى اللجنة التي أعلن باتيلي عن تشكليها.
عقيلة والمشري لا مانع لديهما من تنفيذ خارطة باتيلي إذا أعطاهما نصيب الأسد في عضوية اللجنة رفيعة المستوى التي يعتزم تشكيلها لوضع خارطة الطريق نحو للانتخابات.
حتى التعديل 13 المفبرك والسيادة “الوتنية”والخراف الزايد مستعدين يرموه في البحر، لو غير باتيلي يعطيهم الأغلبية في تلك اللجنة— Faisel Ali Elsherif (@F1091975yahooc1) March 7, 2023
تلك الشبهات ستنعكس حتمًا على مسار المبادرة التي لم تعلن الإطار القانوني ولا خارطة طريق واضحة، بل رحّلت ذلك إلى اللجنة التوجيهية، ما قد يطيح بالموعد الانتخابي أي لا انتخابات خلال عام 2023، بالتالي الوقوع في إعادة إنتاج المجرَّب، ويكفي استعراض تجربة الاستحقاق الانتخابي الفاشل لـ 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
كل ذلك يعني أن الجهود الحالية ليست سوى حرث في البحر، ولا أرجو أن يكون ذلك إحباطًا لرغبات السواد الأعظم، وهو لا شكّ من حقهم فعلًا في الوحدة والسلام، وإنهاء المراحل الانتقالية إلى مرحلة دائمة بدستور دائم.
لكن ذلك ليس مجرد حلم، بل يقتضي مباركة أولًا من الأجسام التشريعية والتنفيذية، فلم نرَ تحمّسًا للمبادرة من طرف المجلس الرئاسي، ولا دفعًا قويًّا من مجلس النواب أو الدولة اللذين تقع على عاتقهما المسؤولية الكاملة في إنجاح العبور نحو مشهد جديد قادم.
عوامل خارجية
صعوبات جمّة وعناصر معرقلة بدأت تواجه خطة عبد الله باتيلي بمجرد إعلانها، فكيف ستصير إلى تطبيق مع تقدُّم الأيام واتضاح بنودها أكثر؟ خاصة مع تكتُّم أحاط بجوانب المبادرة أهمها فيما يتعلق بأسُس اختيار الشخصيات المدنية والسياسية والقَبَلية التي ستكون عماد الحوار المنتظر.
الصعوبات ستطال أيضًا دول الجوار التي تعمل على تقوية وتأليب فريق على حساب آخر، ويكفي الإشارة إلى أن مصر كانت أول الدول العربية التي أعربت عن رفضها للخطة في انتهاج لمواقف عقيلة صالح نفسه، الذي لم يخفِ مرارًا أنه مع مصر في كل ما تفعله بليبيا، فـ”حلالنا حلالكم” على حدّ عبارته الشهيرة.
ليس هذا فحسب، بل إن مسارعة الجانب الروسي مبكرًا، خلال كلمة مندوبه في جلسة الإحاطة الأممية، إلى إعطاء الليبيين الوقت الإضافي للتوافق، يعدّ رفضًا مبطنًا لتجاوز المجلسَين وللمبادرة، وبالتالي هو فيتو روسي ضد إقصائها من الجانب الأمريكي في ما يخصّ الملف الليبي.
وعليه، إن ذلك سيقوي الاستقطاب الدولي أيضًا، وربما سيزداد التحالف الروسي المصري الإماراتي شراسة في مواجهة التغلغل الغربي في الجسم الليبي.
افهموها كويس ان #ليبيا هي من سيدفع ثمن صفقة القرن, فتذخل القوى الاجنبية فيها من روسيا وفرنسا ومصر والامارات والسعودية لاجبارها على دفع ثرواتها وارضها في هذا الايطار ، لن ننسي كلام الجيفه حفتر عندما قال انا مع مصلحة مصر وان كانت ضد مصلحة ليبيا وعندما قال شن فيها كان جو 10 ملايين
— أبوبكر اللذيذ ????Prof: Abubaker Ladeed (@Misrati) February 20, 2023
وعليه، لقد تجاوز عقيلة نظيره بمجلس الدولة بأن أعلن تعديله الدستوري في الجريدة الرسمية، لكن باتيلي تجاوزهما معًا بإعلان تشكيل لجنة رفيعة مختصة، وذلك قد يزيد من حدة الانقسام ما لم يقع تلافيه.
ولهذا تحاول الولايات المتحدة الذهاب في مسار آخر عسكري لتوحيد المؤسسة العسكرية، آخرها جمع قائد أفريكوم، الفريق مايكل لانغلي، لكل من قائدَي الوفدَين الليبيَّين من الشرق والغرب، الحداد والناظوري، بالعاصمة الإيطالية، ما قد يساعد في جهود تهدئة مستدامة تخدم تأمين الانتخابات.
ضمانات ضرورية
حتى نكون أكثر واقعية ولا نصطدم بمآلات مخيّبة للانتظار، كان من اللازم توفر شروط دنيا لإنجاح الوعود الأممية حتى لا تكون حبرًا على ورق.
ومن تلك الاشتراطات وضع قاعدة دستورية تحظى برضا الحد الأدنى للخزّان الشعبي، وهم التيار السابق وتيار فبراير وتيار الكرامة الموالي لحفتر.
وهنا لا بدَّ من إنزال ضغوط خارجية تكون رادعًا وتمكّن من امتلاك نقاط الضعف للمحرّكين في الداخل، حتى يرضخوا لشروط ترشح معقولة لا تكون بالدرجة الأولى سببًا في ما بعد الفوز وإعلان النتائج لإعادة إرباك المشهد، كأن يعلن أنصار القذافي العودة للعلَم والنظام الجماهيري القديمَين اللذين يرفضهما تيارا الكرامة وفبراير، أو ما إذا كان تيارا الكرامة وفبراير ينوي أحدهما العودة للزحف على مناطق الآخر.
لا بدَّ من ميثاق يكون دستورًا مصغّرًا، ما يسهّل وضع شروط الانتخابات للانطلاق في تحديد المواعيد، وما إذا كانت الانتخابات التشريعية تسبق الرئاسية أم تتزامن معها.
وفي النهاية، بقدر ما يمكن اعتبار تجاوز الأجسام الداخلية أمرًا خطيرًا يمنح الخارج صكًّا على بياض للعبث والوصاية وفرض الإملاءات على الكيانات باسم التوافقات، بقدر ما على الفاعلين الليبيين العودة إلى أنفسهم وتبجيل المصلحة العليا على المصالح الفئوية التي استثمر فيها الأجنبي كما أراد.
آخر أولئك المستثمرين اليوم هي الولايات المتحدة التي تتزعّم قيادة المحور الغربي (المنقسم على نفسه في ليبيا وفي أوكرانيا)، لسحب البساط من تحت أقدام الروس بشكل نهائي في ما يخصّ الملف الليبي، ظاهره في الحقيقة هو إخراج “فاغنر”، لكن باطنه الحصول على امتيازات في حقول النفط والغاز، على غرار ما فعلته في سوريا.
التوقيت مهم وحساس فبعد مبادرة باتلي المقترحه ، تعددت زيارات وتحركات عسكرية مشبعة بطموح الهيمنة وفرض النفوذ واستعراض القوو ، وهذا يشير إلى اعتراض ضمني لتلك المبادرة او محاولة التأثير عليها
— Ibrahim Blqasm إبراهيم بلقاسم (@Ibrahim_Blqasm) March 2, 2023
بالمحصلة، لن تكون الدبلوماسية الخارجية أشد حرصًا على حلّ أزمات ليبيا من القادة الليبيين أنفسهم، فالغرب اليوم في أشد الحاجة إلى استقرار ولو نسبي في ليبيا، بعد أن استثمر في بيع السلاح وتأجيج الصراع، فجميعهم لا تهمهم بالدرجة الأولى غير مصالحهم، وهي السبب والنتيجة لما تشهد الساحة الليبية من معترك وحراك مستمرَّين.