ترجمة وتحرير نون بوست
إننا نعيش في تلك المنطقة التي عادة ما تشهد عدة تحولات كبرى في نفس العقد، إن التغيير ضرورة ملحة والذي غالبًا ما ينطوي على شكل من أشكال أنظمة الوصاية أو الفوضى العارمة، فالسياسة التركية على سبيل المثال، كان ينتهي بها الحال بالتغُير كل عشر سنوات عن طريق انقلابات عسكرية والتي تعتبر أداة غير طبيعية تترتب عليها عواقب غير متوقعة، وكما هو معروف، فإن انقلاب ما بعد الحداثة الذي شهدته تركيا في الثامن والعشرين من فبراير في أوخر التسعينيات من القرن الماضي قد مهد الطريق لحزب العدالة والتنمية للوصول للسلطة.
وعلى عكس سابقيه، فقد نجح حزب العدالة والتنمية في ضرب الجهود العديدة لنظام الوصاية والتي كانت تهدف للحد من قوته بشكل تعسفي، فالأزمة الرئاسية عام 2007 ومذكرة الجيش التحذيرية التي أصدرها على موقعه الرسمي عقب الانتخابات الرئاسية، واحتجاجات “جيزي بارك” وأحداث السابع عشر والخامس والعشرين من ديسمبر كلها تعتبر أمثلة على تلك المحاولات والجهود.
لكن، وبعد أن تمكن حزب العدالة والتنمية من التغلب على تلك التحديات الغير طبيعية التي ذكرناها وذلك من خلال مناشدة الشعب، فإن الحزب يواجه اليوم صعوبة فريدة وغير مسبوقة ألا وهي التصالح مع إرثه الخاص وإدارته محتوياته في حين أنه مايزال في السلطة، ولعل هذا النوع هو الأول من نوعه من هذا المثال في تاريخ الديموقراطية التركية والذي هو بالتأكيد نتاج التزام الرئيس “رجب طيب أردوغان” بالحكم ثلاثي الأجل والذي قدم حزب العدالة والتنمية مع نظرة على التجديد، وعلاوة على ذلك، فإنه يجب على حزب العدالة التمنية إشراك ميراثه الخاص في حين أن الغالبية العظمى تظن أنه سيبقى في السلطة لثمانية سنوات أخرى.
وغني عن القول أنني لا أعتقد أن أصحاب المصالح سوف يتركون تركيا وشأنها، لكن وجود حزب سياسي قوي والذي يسهل عملية الاستقرار له تأثير لا يمكن إنكاره على تطبيع شئون البلاد والتي سوف تجبر حزب العدالة والتنمية على التعامل مع مطالب متزايدة ومتضاربة في كثير من الأحيان للنخب والجماعات والأفراد، بعبارة أخرى، على الحزب أن يرتقي إلى مستوى إنجازاته الخاصة.
إن خطورة الحركة التي قام بها فتح الله كولن قد أظهرت للشعب كيف يمكن لتلك المواجهات أن تكون صعبة، إن تطرف الحركة بالإضافة إلى رأس المال البشري الهائل والذي بذل من خلاله حزب العدالة التنمية جهودًا هامة وبروزها كخصم قوي شيء يستحق تحليل جاد، وفي هذه المرحلة، فإنه يجب على الإجراءات الأمنية الوطنية ضد دولة الظل التابعة لحركة كولن أن تكون مرافقة لإعادة تفسير ديناميكية المجتمع، وكما أوضحت في الأعلى، فإنه من المرجح أن يتخد الشعب خطوة واحدة مماثلة في العقد.
قد يعتقد المرء أن النجاح الدائم مع أي حزب سياسي ينتهي باتهامات بالاستبداد والفساد، لكن التوصل لفهم إنجازات المرء الشخصية وظهور نخب وجماعات جديدة تشهدها الساحة، والتي استخدمها حزب العدالة والتنمية نفسه للتمكين، وتحولها إلى خانة المعارضين يمثل سيناريو مختلف تمامًا، ولإدارة ناجحة لهذا الموقف وللإبقاء على القدرة في المنافسة بعد شوط طويل فإنه يجب على الحزب أن ينظر إلى أبعد من الأشكال التقليدية الحالية للمنافسة بين الأحزاب السياسية وقياداتها، والوسائل الواضحة لتحقيق هذه الأهداف هو تمرير رؤية 2023 إلى الأجيال الجديدة، وبعبارة أخرى، يجب أن تكون الفكرة هي الوصول لفئات المجتمع المختلفة وتسهيل مشاركتهم السياسية.
وعلى مدى العقد المقبل، سوف يواجه حزب العدالة والتنمية على الأقل ثلاثة تحديات والتي تتعلق بميراثه الخاص: أولاً وقبل أي شيء، سوف يكون على قادة الأمة أن يرسموا سياسات تفصيلية أفضل وذلك فيما يتعلق بعملية التحضر والأمن القومي، ثانيًا، إن الحزب ملزم بالاستجابة لمطالب وانتقادات لمجموعات الشباب الذين قضوا معظم حياتهم عندما كان الحزب في مواقع السلطة، وكما هو معروف، فإنه من مقدرة تلك المجموعات أن تحدث ضررًا أكبر من الضرر الذي نتج عن احتجاجات “جيزي بارك” وذلك بتشكيل حركة معارضة مع الإشارة إلى العدالة والمشاركة والفضيلة، وهي نفس القيم التي يعتز بها حزب العدالة والتنمية.
وأخيرًا، فعلى حزب العدالة والتنمية أن يتعامل مع ديناميكية التهجين والتغيير، بما في ذلك الصراعات الداخلية بين النخبة والتي تعبر عن منتجات لعملية تخصيب وتمكين الحزب لقواعده ونخبه، وإن مقدرة الحزب الحاكم على الاستمرار في ريادة التغيير الدائم في السياسة التركية سوف تعتمد بشكل كبير على ردود فعله تجاه المشاكل السالف ذكرها.
المصدر: مركز سيتا