ترجمة حفصة جودة
في يوم 2 فبراير/شباط من هذا العام، أشعل مئات الإسرائيليين من اليمين المتطرف النار في عشرات المنازل والزرائب والمحال والسيارات ببلدة حوارة بالضفة الغربية المحتلة، قُتل فلسطيني وجُرح ما لا يقل عن 400 في تلك المذبحة، بينما فر العديد من السكان من منازلهم خوفًا من الموت حرقًا.
في اليوم نفسه، أُعجب وزير المالية الإسرائيلي بتسئليل سموتريتش بتغريدة لدافيدي بن زيون – رئيس مجلس السامرة الإقليمي للمستوطنين – التي قال فيها: “يجب أن تُمحى قرية حوارة اليوم، كفانا حديثًا عن بناء وتعزيز المستوطنات، يجب ردعها فورًا ولا مجال للرحمة”.
بعد 3 أيام من ذلك وفي يوم 1 مارس/آذار، سُئل سموتريتش في مقابلة لماذا أُعجب بتلك التغريدة فأجاب “يجب أن تُمحى قرية حوارة، أعتقد أن هذا ما تحتاج إليه الدولة الإسرائيلية وليس مجرد أفراد بعينهم لا سمح الله”.
ردًا على ذلك، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس: “يجب أن أكون واضحًا تمامًا بشأن ذلك، هذه التعليقات غير مسؤولة وبغيضة ومقززة، وكما ندين تحريض الفلسطينيين على العنف، فإننا ندين أيضًا تلك التصريحات المستفزة التي تحرض على العنف”.
من المستحيل تفسير تصريحات سموتريتش إلا أنها تحريض على مواصلة المذابح في حوارة وغيرها من القرى والبلدات الفلسطينية، ما حدث في حوارة لم يكن فقط “مقززًا” أو “تصريحات استفزازية”.
3 احتمالات لسموتريتش
عبر السنين، هناك بعض من تصريحات سموتريتش التي لا يمكن تفسيرها إلا بأنها تحريض عام ومباشر على ممارسة العنف ضد الشعب الفلسطيني، حتى إن مشرعي القانون الإسرائيلي قالوا إن مثل هذه التصريحات تنتهك القانون الدولي وتحرض الآخرين على ارتكاب جرائم حرب.
في مايو/أيار 2017، عندما كان سموتريتش عضوًا في البرلمان، شرح في مؤتمر للصهاينة المتدينين خطته الرسمية للشعب الفلسطيني، حيث قال إنهم يمكنهم الاختيار من بين 3 احتمالات: إما مغادرة الأراضي المحتلة وإما البقاء كمواطنين من الدرجة الثانية وإما مواصلة المقاومة، وفي تلك الحالة ستعلم قوات الاحتلال ما يجب فعله، وعند سؤاله إذا كان ينوي قتل النساء والأطفال، قال: “إنها حرب”.
قال سموتريتش إن الإرهابيين اليهود لا يتصرفون بدافع العنصرية لكن بسبب الفراغ الذي تركته الدولة، فهي لا توفر طرقًا مشروعة للانتقام
يقول المؤرخ البارز في الهولوكست والإبادة الجماعية بالجامعة العبرية في القدس، دانيال بلاتمان، إن هذه الخطة تجعل خيار الإبادة الجماعية مقبولًا دون خجل، إذا لم يقبل الفلسطينيون بالرحيل أو العيش في دولة فصل عنصري.
في مقابلة مع صحيفة هآرتس نُشرت في ديسمبر/كانون الأول 2016، سُئل سموتريتش “ماذا عن الذين لن يرحلوا ولن يقبلوا بكم كقوة سائدة، وهم في الغالب معظم الفلسطينيين؟”، فأجاب “للذين لم يرحلوا عليهم إما القبول بحكم الدولة اليهودية، وحينها يمكنهم البقاء، أما من لم يقبلوا فسنحاربهم ونهزمهم”.
وعند سؤاله “كيف بالتحديد؟” قال “بالجيش والأسلحة، ما الذي تعنيه بكيف؟ هذا ما فعلناه عام 1948، حاربناهم وانتصرنا، لذا سنحارب ولن نقف مكتوفي الأيدي”.
أنتم هنا بالخطأ
في 6 سبتمبر/أيلول 2017، نشر سموتريتش في مجلة “Hashiloach” خطته للشعب الفلسطيني، حيث قال: “من الواضح بالطبع أن الجميع لن يتبنوا هذين الخيارين، سيكون هناك من يصر على الخيار الثالث بمواصلة العنف ضد قوات الاحتلال والدولة الإسرائيلية والشعب اليهودي، سنعامل هؤلاء الإرهابيين بحزم من خلال قوات الأمن وبحدة أكبر عن اليوم وبشروطنا”.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال سموتريتش في حديث وجهه لأعضاء الكنيسيت الفلسطينيين: “أنتم هنا بالخطأ لأن بن غوريون لم ينه مهمته في 48 ولم يطردكم جميعًا خارج البلاد”.
رد أحمد الطيبي عضو الكنيسيت يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول قائلًا إن سموتريتش يلقي بتصريحات نازية جديدة ضد أعضاء الكنيسيت الفلسطينيين، فأجاب عليه سموتريتش قائلًا “الأشخاص مثلك لا مكان لهم في البلاد”.
أما في يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فقد أعاد سموتريتش نشر تغريدة عن قرار العائلات الفلسطينية في الشيخ جراح برفض التسوية التي اقترحتها المحكمة العليا التي تقول باعترافهم بامتلاك المستوطنين لمنازلهم وفي المقابل يعيشون فيها عدة سنوات قادمة، وقد أضاف اقتباسًا لتلك التغريدة بآية من سفر يشوع تقول “لأنه كان من قبل الرب أن يشدد قلوبهم حتى يلاقوا إسرائيل للمحاربة فيحرموا، فلا تكون عليهم رأفة، بل يبادون كما أمر الرب موسى”.
هذا الربط بين سكان الشيخ جراح وآية من التوارة تُطالب بطرد الأعداء، تفسير واضح لما يريده سموتريتش، فكما قال بلاتمان إن سموتريتش يتخذ سفر يشوع قدوة له، وقد قال باحثو الإبادة في العالم القديم إن سفر يشوع وثيقة مهمة تفسر خصائص تلك الإبادة الجماعية.
مجرد انتقام
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2015 حاول سموتريتش التقليل من خطورة حادث عنيف في قرية دوما بالضفة الغربية، قُتل فيه 3 فلسطينيين من نفس العائلة بينهم طفل رضيع، حيث ماتوا في حريق متعمد شنه متطرفون إسرائيليون.
زعم سموتريتش أنه لا حاجة لتصنيف حادثة دوما كعمل إرهابي، وقال في بيان له “أنكر كل شيء وأي شيء يتعلق بهذا الأمر، فالإرهاب هو العنف الذي يرتكبه العدو كجزء من الحرب ضدنا وهو ما يبرر اتخاذنا تلك الإجراءات العنيفة، ما سوى ذلك يعد جريمة خطيرة أو جريمة قومية، لكنه ليس إرهابًا”.
في 5 مايو/أيار 2016، برر سموتريتش جريمة قتل المراهق الفلسطيني محمد أبو خضير بأنها “مجرد انتقام”، وقال إن الإرهابيين اليهود لا يتصرفون بدافع العنصرية، لكن بسبب الفراغ الذي تركته الدولة، فهي لا توفر طرقًا مشروعة للانتقام.
مثل كل هذه التعليقات السابقة، فتصريحات سموتريتش عن مذبحة حوارة الأسبوع الماضي يمكن ترجمتها فقط بأنها تحريض عام ومباشر على ارتكاب مذبحة جماعية ضد الشعب الفلسطيني.
وفقًا للمادة 3 (ج) من اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، ووفقًا لحكم المحكمة الجنائية الدولية على دولتي رواندا ويوغسلافيا السابقة، فيما يتعلق بالعنصر العقلي اللازم لجريمة التحريض على ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، فيجب أن يتصرف المحرض عمدًا، أي يجب أن تكون هناك نية مسبقة للتحريض على ارتكاب الجريمة والتسبب بها، أو على الأقل الوعي بأنه يرتكب جريمة وأن هناك عاقبة لتلك الأفعال.
تنص الاتفاقية على التزام الدول المشاركة باتخاذ إجراءات لمنع تلك الجرائم والعقاب عليها (مادة 1) وذلك بسن قوانين مرتبطة بالأمر ومعاقبة منفذي الجريمة سواء كانوا مسؤولين دستوريين أم مسؤولين عامين أم حتى أفرادًا مستقلين (المادة 4).
العقوبات الأمريكية
هذا الإلزام بحظر ارتكاب جرائم إبادة جماعية ومنع وقوعها يعد من قواعد القانون الدولي العرفي، وبالتالي فهو إلزامي على جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة.
يجب تطبيق هذا القانون على بتسئليل سموتريتش، خاصة الآن بعد تعيينه في منصب سياسي حساس، يمنحه صلاحيات واسعة وفرصة لتحقيق خططه الخطيرة للإبادة الجماعية
في يوم 18 أبريل/نيسان 2016، شرع الكونغرس الأمريكي “قانون ماغنيتسكي” لحقوق الإنسان الذي يسمح بفرض عقوبات على أي شخص أجنبي بناءً على أدلة موثوقة لمسؤوليته عن حوادث قتل أو تعذيب خارج القانون أو أي انتهاك لحقوق الإنسان المعترف بها دوليًا.
بحسب رأيي، يبدو أن سموتريتش يدعم الإبادة الجماعية وينكر تمامًا حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا لهؤلاء الذين يراهم أعداءه، وعليه يجب أن يخضع للعقوبات وفقًا للمادة 3 (ب) التي تتضمن منعه من دخول الولايات المتحدة وفرض الحظر على ممتلكاته.
يتطلب القانون تقديم الرئيس تقريرًا سنويًا للكونغرس بحلول يوم 10 ديسمبر/كانون الأول بشأن الأسماء التي حددها خلال العام الماضي، وفقًا لتقرير ديسمبر/كانون الأول 2019 فإن الولايات المتحدة تعطي الأولوية للإجراءات التي يتوقع أن ينتج عنها تأثير بارز وملموس على الشخص المعاقب وأتباعه، لحثه على تغيير سلوكه أو منع أنشطته الخبيثة.
قال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي يوم 10 ديسمبر/كانون الأول 2021: “لقد عزمنا على أن تصبح حقوق الإنسان محور سياستنا الخارجية، ونعيد التأكيد على التزامنا باستخدام الأدوات والسلطات المناسبة للحث على معاقبة منتهكي حقوق الإنسان في أي مكان كانوا”.
يجب تطبيق هذا القانون على بتسئليل سموتريتش، خاصة الآن بعد تعيينه في منصب سياسي حساس، حيث أصبح وزيرًا في وزارة الدفاع ومسؤولًا عن الإدارة المدنية العسكرية (الهيئة الإسرائيلية الحاكمة في الضفة الغربية)، فهو منصب يمنحه صلاحيات واسعة وفرصة لتحقيق خططه الخطيرة للإبادة الجماعية.
لهذا السبب تقدم 200 ناشط إسرائيلي ومنظات حقوق الإنسان والحركات التي تدعم الشعب الفلسطيني في دفاعه عن الحرية والمساواة، بطلب لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن، لإضافة سموتريتش إلى قائمة العقوبات الأمريكية، ولأنه من المتوقع أن يزور سموتريتش أمريكا في نهاية هذا الشهر، فيجب اتخاذ هذا القرار سريعًا دون أي تأجيل.
المصدر: ميدل إيست آي