المزارعون الإسرائيليون لا يكتفون فحسب بالأراضي التي سلبوها من الفلسطينيين، بل إن الكيان العبري اختار التوسع إلى أراضي دول أخرى، بما في ذلك المغرب الذي أعاد تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” نهاية عام 2020، وبموجب ذلك تستثمر شركة إسرائيلية في زراعة الأفوكادو المستنزِفة للمياه، في بلد يكافح ضد اتّساع رقعة العطش.
التطبيع بين المغرب و”إسرائيل” يشمل كل شيء، تأتي في مقدمته اتفاقيات التعاون الفلاحي والأمن الغذائي، بيد أن الحكومة المغربية تجاهلت حقيقة أن المشروع الضخم لشركة “مهادرين” الإسرائيلية، المقام على امتداد 500 هكتار من السهول الغربية الأكثر خصوبة، لإنتاج 10 آلاف طن من الأفوكادو سنويًّا، يمكن أن يستنزف 10 مليارات لتر من المياه سنويًّا، بما أن التقديرات تشير إلى أن إنتاج الكيلوغرام الواحد يستهلك 1000 لتر من المياه، أي أكثر بكثير من محاصيل أخرى كالطماطم والبرتقال.
زراعة دخيلة وضارّة
يعاني المغرب من أزمة مياه بسبب قلة التساقطات المطرية وتوالي سنوات الجفاف، ما أدّى إلى تراجع المخزون المائي بالسدود، ومعاناة سكان عدة مناطق ريفية من نقص في المياه الصالحة للشرب، حيث تراجعت حصة الفرد من المياه في المملكة المغربية إلى 606 مترات مكعبة للفرد اليوم، وهو المستوى القريب من معدل شحّ المياه المحدّد بـ 500 متر مكعب للفرد.
بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي زراعة الأفوكادو إلى تدهور جودة التربة، ما قد يسهم في تراجع الأراضي المستصلحة التي تشكّل حوالي 12% من المساحة الكلية للبلاد، في حين تعتبَر هذه الفاكهة الخضراء دخيلة على النشاط الزراعي في المغرب، حيث تتكون المحاصيل الرئيسية من الحبوب والحوامض والزيتون وأشجار الفواكه المزهرة مثل اللوز والتفاح والمشمش، فضلًا عن البنجر السكري والبقوليات الغذائية وغيرها.
أغلب محصول الأفوكادو، الذي تنتجه الشركة الإسرائيلية في المغرب، موجّه للتصدير وبالخصوص إلى أوروبا، تحت مسمّى “صُنع في المغرب”، وقد حذّر مراقبون من هذا التلاعب الذي يقوم به المنتجون الإسرائيليون، من أجل الاستفادة من الإعفاء الضريبي مع البلدان التي لديها اتفاق التبادل الحر مع المملكة، في حين أن الثمار ذات الجودة الرديئة غير الصالحة للتصدير سوف توجَّه إلى السوق المغربية.
جزء من خطة كبرى
تريد “إسرائيل” من هذا المشروع رفع إنتاجها من الأفوكادو، باعتبارها ضمن نادي كبار المصدّرين، لكن في الوقت الذي ازداد فيه الطلب العالمي على هذه الفاكهة، تعاني “إسرائيل” من ملوحة المياه والطبيعة الصحراوية، فكان الخيار هو أن توسّع نشاطها الزراعي في أراضي المغرب.
ومن المتوقع أن يتضاعف إنتاج الأفوكادو أكثر من 3 أضعاف بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 2010، عند 12 طنًّا متريًّا، وفقًا لتوقعات الزراعة 2021-2030 لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة الأغذية والزراعة، لتصبح الفاكهة الاستوائية الرئيسية الأكثر تداولًا.
أغلب محصول الأفوكادو، الذي تنتجه الشركة الإسرائيلية في المغرب، موجّه للتصدير وبالخصوص إلى أوروبا
لن ينال المغرب سوى الضرر في مائه، وتبعًا لذلك في اقتصاده وتنميته، على عكس “إسرائيل” التي تجني الفوائد الكبرى من مشروع الأفوكادو الذي هو جزء من خطة كبرى، بحسب ما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة “مهادرين”، شاؤول شيلاخ، حيث قال: “ستتمثل استراتيجية زراعة الأفوكادو خارج “إسرائيل” في الحصول على أعمال زراعية في نصف الكرة الجنوبي مثل أفريقيا، وبعض المناطق الجغرافية في أمريكا اللاتينية، والتي ستكون بالضبط الجزء المعاكس من العالم لحصاد الأفوكادو”.
في المغرب، القريب من “إسرائيل” والقريب من أوروبا، وجد المزارعون الإسرائيليون المزايا الأساسية اللازمة لزراعة الأفوكادو، ونوع الأرض المطلوب، والمياه والطقس، وانخفاض تكاليف العمالة، ورغم أن المغرب ليس دولة ذات تقاليد عريقة في زراعة الأفوكادو، فإن الكيان العبري يملك الدراية والخبرة اللازمتَين لذلك.
مزارع مشتركة وبذور مخصية
التطبيع الفلاحي بين الرباط وتل أبيب لم يكن وليد اتفاق أبراهام الثلاثي فحسب، بل يسبقه بسنوات عديدة، حيث تمَّ رصد الاختراق التطبيعي في عدد من الزراعات والصناعات الزراعية المرتبطة بالمجال الفلاحي، بما في ذلك التمور والتجهيزات الفلاحية، فضلًا عن المعلومات المتوفرة بخصوص دخول شركات إسرائيلية للاستثمار والقنّب الهندي، بعدما أعلن المغرب تقنين زراعته لأغراض طبية وتجميلية.
في عام 2000، أي في العام نفسه الذي أعلنت الرباط قطع علاقاتها مع تل أبيب، زار المغرب وفد إسرائيلي يمثل 24 شركة متخصّصة في الزراعة وتقنيات تخصيب النباتات، إذ وُجّهت إليهم دعوة من الغرفة المغربية للتجارة والصناعة والخدمات (مؤسسة حكومية)، والتقى هذا الوفد، خلال 5 أيام، ببعض رجال الأعمال ومديري الشركات المغربية، حيث يراهن الإسرائيليون كثيرًا على الاستثمار، خاصة في إنشاء مزارع مشتركة.
في ذلك الوقت، برّرت الحكومة المغربية في تصريح لوزير الفلاحة آنذاك، إسماعيل العلوي، مفاده أن الحكومة لا علاقة لها بزيارة الوفد الإسرائيلي، وهو تصريح يتناقض مع حقيقة المزارع التي أنشأها الإسرائيليون في ضواحي مدن مغربية، بما في ذلك مكناس وأكادير والحاجب.
وتوالت فيما بعد زيارة الوفود الإسرائيلية إلى المغرب، كان الهدف منها بحث وتطوير الزراعة والري، في إطار برامج التبادل وتدريب الكوادر، ونتيجة لذلك قامت “إسرائيل” بتصدير بذور الطماطم وأنواع أخرى من الفلفل والبطيخ ومعدّات الري، وهذه البذور “مخصية” لا يمكن إعادة زراعتها، بل ينبغي اقتناء بذور جديدة كل سنة.
وفي عام 2008 تمَّ اكتشاف أن 80% من بذور الطماطم تأتي من “إسرائيل” عبر شركات وسيطة، كما تحدثت مصادر عن ظاهرة التهريب بأنها تنشط في مجال تسويق البذور، إذ يأتي إسرائيليون إلى المغرب عبر فرنسا إلى مطار أكادير، مصطحبين معهم حقائب يوجد فيها كيلوغرام أو اثنان من بذور الطماطم، ويقومون ببيعها في إحدى المقاهي لمنتجين مغاربة بثمن يقدَّر بحوالي 200 ألف درهم، أي حوالي 20 ألف دولار.
أمام هذا الوضع غير السليم، تتعالى الأصوات المعارضة للاختراق الإسرائيلي، فإذا تسارعت وتيرة التطبيع بين الرباط وتل أبيب، فإن الشعب المغربي دائمًا يشدد على انتمائه إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية وطنية، ويؤكد أنه لن يساوم على حق الشعب الفلسطيني في حريته واستقلال وطنه.