ترجمة حفصة جودة
في مجموعة تغريدات على تويتر لإحياء الذكرى الـ20 لتأسيس جهاز الأمن الداخلي “DHS” يوم 1 مارس/آذار، قال الجهاز: “لقد أنشأنا الجهاز في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول لحماية أمريكا من الإرهاب، واليوم أصبح الأمن الداخلي أمنًا قوميًا ومهمتنا ضمان أن تظل أمريكا أكثر أمانًا وأمنًا وصمودًا”.
وبينما يواصل الجهاز الحفاظ على واجهته كجهاز يحمي الأمريكيين، ويزعم في بياناته التصدي للتهديدات التي تواجهها الأقليات العرقية والدينية، فقد أمضى العقدين الماضيين في تعريض هذه المجتمعات لتلك الانتهاكات الجسيمة.
تأسس الجهاز عام 2003 بميزانية قدرها 9.1 مليار دولار، وقد ضم إليه 22 وكالة من بينهم وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك – التي كانت سابقًا خدمات الهجرة والتجنيس – ودورية الجمارك والحدود وخدمات الهجرة والمواطنة الأمريكية ووكالة إدارة الطوارئ الفيدرالية والخدمة السرية.
بينما بررت الحكومة حاجتها إلى الجهاز لزيادة الكفاءة والتعاون، فلم يكن القرار تكتيكًا سياسيًا وحسب، لكنه كان أيضًا بلاغيًا لوضع 3 وكالات تعالج أمور الهجرة والمهاجرين تحت هيئة واحدة موكلة بحماية الشعب الأمريكي (والمقصود هنا بالطبع الأمريكي الأبيض).
في 2011، طبق الجهاز النظام الاستشاري للإرهاب الوطني كبديل للنظام السابق المكون من رموز ملونة تُستخدم للإشارة إلى مستوى التهديد.
وضع بوش أيضًا رواية جوهرية لا تزال موجودة حتى اليوم، عن سبب مهاجمة أمريكا (الحرية والديمقراطية) ومن ارتكب هذا الهجوم (القاعدة وطالبان وغيرهم ممن وصفهم بالإرهابيين)
ورغم تسليط الضوء على التهديدات الموجهة للأقليات الدينية والعرقية، فإن غياب التحذيرات والنشرات يشكل اعترافًا بالتهديد المستمر الذي تمثله الوكالة نفسها لتلك المجتمعات، وبغض النظر عن النظام وأهدافه النظرية بمنع التهديدات الموجهة للولايات المتحدة، فكلاهما يكشف بوضوح ما الذي تسعى الحكومة لحمايته حقًا وممن تحميه.
الوطن لمن؟
كشف مسار الحرب على الإرهاب خلال العقدين الماضيين بوضوح شديد أهداف الحكومة وأي مواطنين تحرص عليهم أكثر من غيرهم، ومع ذلك من المهم بحث الرواية الأساسية التي بُني عليها هذا الخط الفاصل (بين من هم بحاجة إلى الحماية ومن يشكلون تهديدًا).
بعد 9 أيام من هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وفي يوم 20 سبتمبر/أيلول 2001، ألقى الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش واحدًا من أهم الخطابات في فترة ولايته، أُلقي الخطاب في جلسة مشتركة للكونغرس، واستخدم بوش في هذا الخطاب مصطلح “الحرب على الإرهاب” لأول مرة، بينما حدد رؤية إدارته لرد عسكري ضخم يتجاوز بكثير قوة هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
في هذا الخطاب أيضًا أشار بوش لأول مرة إلى “الوطن”، ليعلن بعدها عن إنشاء منصب وزاري في مكتب الأمن الداخلي، حيث قال: “لقد وصلت رسالة إلى أمتنا بأننا لسنا بمأمن عن الهجوم، لذا سنتخذ إجراءات دفاعية ضد الإرهاب لحماية الأمريكيين، واليوم تتحمل الكثير من الوزارات الفيدرالية والوكالات والحكومات المحلية مسؤوليات متعلقة بالأمن الوطني، لذا يجب تنسيق هذه الجهود على مستوى أعلى”.
خلال الخطاب، وضع بوش أيضًا رواية جوهرية لا تزال موجودة حتى اليوم، عن سبب مهاجمة أمريكا (الحرية والديمقراطية) ومن ارتكب هذا الهجوم (القاعدة وطالبان وغيرهم ممن وصفهم بالإرهابيين).
الأهم من ذلك، أن بوش جعل أمريكا في موضع الضحية لأسباب يتعذر تفسيرها، من خلال هذا الوضع الفريد، شرّع استباقيًا لكل أعمال العنف التي سيرتكبها لاحقًا باسم حماية الأمن القومي الأمريكي وبناء أمريكا “الوطن”.
استخدمت الحكومة مصطلح “الوطن” عمدًا لتشكيل هوية لمن ينتمي إلى أمريكا ومن لا ينتمي، كما حددت أيضًا أي المجتمعات تستحق الحماية وأيها تشكل تهديدًا لهؤلاء الذين يستحقون الحماية
سيُستخدم هذا المصطلح البلاغي “الوطن” كسلاح مرة أخرى بعد 14 شهرًا عندما أعلن بوش توقيعه على قانون الأمن الوطني عام 2002، فقد قال: “إننا نقاتل في حرب من نوع جديد ضد أعداء محددين، وبمساعدة قانون الأمن الوطني، سنبذل ما بوسعنا لحماية أمريكا، إننا نكشف عن عزم هذه الأمة العظيمة للدفاع عن حريتنا وأمننا وطريقة حياتنا، إنه شرف لي أن أوقع على قانون الأمن الوطني لعام 2002”.
لم يوضح بوش مطلقًا ما يقصده بـ”الوطن”، لكن من التطورات التالية للحرب على الإرهاب، بدا واضحًا أنه يستخدم هذا المصطلح كتحذير لكل من قد يشكل تهديدًا، وهي مفارقة واضحة للمطالبة بوطن في دولة استعمارية استيطانية.
يُعرّف قاموس “Merriam-Webster” مصطلح “الوطن” (homeland ) بأنه دولة أو منطقة مخصصة لتكون دولة لشعب من أصل عرقي أو ثقافي أو قومي محدد، بمعنى آخر فهذا المصطلح يربط هوية معينة ببعضها البعض، وفي الولايات المتحدة يعني ذلك الأمريكيين في كل مكان، فلمن إذًا هذه الحماية؟
في مقال عام 2008 بعنوان “لبنة أخرى في الجدار؟”، قالت الكاتبتان جنيفير هايندمان وأليسون ماونتز، إن الإنتاج القومي للوطن يتطلب تأسيسًا خارجيًا، شيء ما ضد تعريف الوطن بالأساس.
في سياق الحرب على الإرهاب، استخدمت الحكومة مصطلح “الوطن” عمدًا لتشكيل هوية لمن ينتمي إلى أمريكا ومن لا ينتمي، كما حددت أيضًا أي المجتمعات تستحق الحماية وأيها تشكل تهديدًا لهؤلاء الذين يستحقون الحماية.
تهديد جماعي
لاحظت نانسي هيمسترا – عالمة الجغرافيا السياسية – أن قوانين الهجرة والحدود أساسية للأمن الوطني، ذلك الأمن الذي وُضع أساسًا لحماية الأمة الأمريكية البيضاء، ومع تطبيق قانون الأمن الوطني وإضفاء الطابع المؤسسي على مصطلح “الوطن”، فإن العنصرية وعداء الأجانب وعداء السود ورهاب الأجانب وعداء المسلمين، ستصبح البنية التحتية لسردية الحرب والقوانين والسياسيات التي سيستمر تشريعها وتطبيقها على هذا الأساس.
منذ تأسيسه، قام الجهاز بحماية الوطن وذلك بتوجيه عنف الدولة نحو السود والسكان الأصليين والملونيين
مع ذلك، لم تتمكن إدارة بوش من الانتظار حتى تأسس جهاز الأمن الداخلي لتعلن بوضوح من يشكل تهديدًا عليهم، لم تهدر أمريكا وقتها، فبعد أسابيع قليلة من الهجمات اختفى عدد كبير من الرجال العرب والجنوب آسيويين، حيث رُحلّ بعضهم أو اعتُقلوا ثم رُحلّوا.
كان هؤلاء المستهدفون أبرياء من أي أنشطة إرهابية، لكنهم استهدفوا لدخولهم البلاد بشكل غير شرعي أو انتهاء صلاحية تأشيرتهم، يخدم ذلك هدف الخلط بين انتهاكات الهجرة والأعمال الإجرامية، والأكثر من ذلك، تهديد الأمن الوطني.
بعد عام من ذلك، وفي سبتمبر/أيلول 2002، نفذت إدارة بوش نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج “NSEERS”، واستهدفت في ذلك الذكور غير المواطنين من 25 دولة (24 منهم ذات أغلبية مسلمة).
أُجبر نظام “NSEERS” على تسجيل الدخول بانتظام مع الحكومة لتوفير وثائق الإقامة والعمل، وبالتالي سجل لديه 90 ألف مسلم، ورغم أن البرنامج بدا فاشلًا لأنه لم ينتج عنه أي إدانات إرهابية، فإنه سمح للحكومة الأمريكية بالتحصن من المسلمين والعرب باعتبارهم تهديدًا في الأيام الأولى من الحرب على الإرهاب، وكمجتمع أساسي يهدد الأمن الوطني.
منذ تأسيسه، قام الجهاز بحماية الوطن وذلك بتوجيه عنف الدولة نحو السود والسكان الأصليين والملونيين بما في ذلك استهداف نشطاء حركة “Black Lives Matter”، وتأسيس برنامج مكافحة التطرف العنيف لمراقبة المسلمين والمجتمعات الملونة وتمزيق العائلات وحبس أفرادها في السجون وإعدام الأجانب على الحدود.
كان هناك التزام واضح باستهداف السكان الملونين بناءً على اعتقاد بأنهم يشكلون التهديد الوحيد للدولة، حتى إن الأمر استغرق 16 عامًا من الجهاز لضم التطرف العنصري الأبيض إلى إطار عمله.
ومع ذلك، عند إضافة التطرف العنصري الأبيض للجهاز، كان دائمًا في وضع مقارنة بداعش، حيث أصبح المسلمون المعيار الذهبي، بينما حاول الجهاز باستمرار الحفاظ على فكرة أن هناك شخصية بيضاء ليس لديها أي نزعة شريرة أو عنيفة.
هذه السردية استمرت في تبرير عنف الدولة ضد المسلمين وغيرهم من المجتمعات الملونة والموافقة عليه، بينما قامت بحماية مرتكبي العنف الأبيض المتطرف باستمرار
مثال على ذلك، البيان الذي يقول “على غرار تواصل داعش مع إرهابيين إسلاميين متطرفين وإلهامهم، تواصل المتطرفون البيض مع أفراد يشبهونهم عبر الإنترنت”، بمعنى آخر، فلم يشكل البيض تهديدًا للأمن الوطني إلا لأن هناك جماعات متطرفة ملونة أُسست أمامهم وألهمتهم.
استمرت الحكومة في تجاهل مقاومة التطرف العنصري الأبيض فعليًا، بينما واصلت في الوقت نفسه مضاعفة التهديدات ضد الملونين سواء من خلال حظر المسلمين أم عمليات الترحيل الضخمة الحاليّة بحجة الكورونا، هذا الأمر ليس مفاجئًا خاصة إذا فهمنا بمصطلحات معينة ما الهدف من مكافحة الإرهاب.
القيم الأمريكية
بمعنى شامل، عرّفت بياتريس دي غراف – أستاذة تاريح العلاقات الدولية بجامعة أوتريخت – مكافحة الإرهاب بأنها طريقة لإخبار الجمهور بما يجب أن يكون عليه المجتمع، وما الذي يشكل تهديدًا جماعيًا وما الأفعال المشروعة وما الذي يُعد غريبًا أو عدائيًا.
هذه السردية استمرت في تبرير عنف الدولة ضد المسلمين وغيرهم من المجتمعات الملونة والموافقة عليه، بينما قامت بحماية مرتكبي العنف الأبيض المتطرف باستمرار.
في يوم الأربعاء الماضي، قدم بايدن خطابًا أمام جهاز الأمن الوطني احتفالًا بالذكرى الـ20 لتأسيسه قائلًا: “عندما أفكر في هذا الجهاز، أرى أنه يدافع عن القيم الأمريكية”، لكن القيمة الأمريكية الوحيدة التي دافع عنها هذا الجهاز باستمرار هي “سيادة البيض”، لقد كانت سيادة البيض سبب وجود هذه المؤسسة في المقام الأول، ناهيك بعنفها خلال 20 عامًا.
لهذا، وبعد 20 عامًا، يجب تفكيك هذا الجهاز وإزالته، هذا يعني أن نعمل باستمرار وبشكل جماعي على تفكيك وتدمير تلك الروايات الإشكالية المشيطنة للمجتمعات التي كانت ضحية لتبرير هذا الوجود، وحتى يتم ذلك، فهذا “الوطن” يعمل فقط كسلاح بالوكالة لخدمة “سيادة البيض” والعنف المُبرر على هذا الأساس.
المصدر: ميدل إيست آي