هل كانت مجموعات موسيقى الراب الكوبية بالفعل على قائمة وكالة المعونة الأمريكية لمواجهة نظام فيدل كاسترو، وحصلت منها على أموال لذلك؟ يبدو أن الأمر صحيحًا كما ظهر إلى السطح مؤخرًا عبر تقارير لوكالة أسوشيتيد برس الإعلامية.
تعليقًا على ذلك، قال السيناتور الأمريكي “باتريك ليهي”، رئيس لجنة تمويل العمليات الخارجية بالكونجرس، بأن ما فعلته الوكالة غباء شديد، وأنه تم دون علم الكونجرس، بالإضافة إلى أنه أدى لردود عكسية، إذ قامت السلطات الكوبية باعتقال بعض الشباب واستحوذت على أجهزتهم؛ وهو ما أثر على مجموعة كبيرة من الشباب الكوبي لم تكن تدري أنها على صلة بالوكالة وهي تغني وتلهو، وأدى إما إلى تركها للبلاد أو توقفها عن نشاطها.
بدورها ردت الوكالة قائلة بأن كل الادعاءات التي تتهم برنامجها بالسرية باطلة تمامًا، وأن أعمالها في كوبا تساعد في تمكين الكوبيين وتعزيز وصولهم للمعلومات وتقوية المجتمع المدني في البلاد، على حد قول المتحدث الرسمي باسم الوكالة، “ماثيو هيريك”.
كيف تعاملت إذن الوكالة داخل كوبا؟ قامت بالتعاقد مع الجهات المختلفة عبر مجموعة “كرياتيف أسوشيتس”، والتي استخدمت شركة من بنما كواجهة لها، وبنكًا في دولة لختنشتاين الأوربية لتعاملاتهما المالية، والتي تراوحت من دعم بعض البرامج التلفزيونية، وتوزيع أقراص دي في دي للالتفاف على الرقابة في كوبا، وحتى إقامة مهرجانات كبيرة تؤسس لأفكار جديدة بين المنظمّين والحضور.
قد يبدو دعم المهرجانات الموسيقية أمرًا غريبًا وغبيًا بالفعل، ولكنه في السياق الكوبي قد يكون ذا أهمية للولايات المتحدة، بالنظر لكون الغالبية العظمى من المجتمعات الموسيقية التي تغني الراب في كوبا من السود، وهم من المهمشين ويعانون عنصرية وفقرًا شديدَين؛ مما يجعلهم بيئة خصبة لتنمية تيارات معارضة في البلاد.
لهذه الفكرة ماض حقيقي، إذ إن رواد موسيقى الهيب هوب الكوبيين تلقوا دعمًا طويلاً من محطات راديو ميامي، كما أصبح للكثيرين من المنفيين منهم صوتًا احتجاجيًا مهمًا في كوبا إبان الثورة الشيوعية في البلاد، وأثناء الحرب الباردة.
تقول سوجاتا فرنانديز، أستاذة علم الاجتماع بكوينز كوليدج التابعة لجامعة نيويورك، إن الهيب هوب في كوبا لعب دورًا مهمًا في مطلع القرن الحالي فيما يخص مواجهة العنصرية العرقية، وهو ما بحثته بالتفصيل في كتابها “كوبا ريبريزنت”، الذي يلقي نظرة على عالم الموسيقى في البلاد وعلاقته بالسياسة، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
تقول سوجاتا أيضًا إن الجيل الأول من هؤلاء الموسيقيين لم يكونوا معارضين بشكل واضح، ولكن كانت مطالبهم اجتماعية منصبة على المساواة والعدالة، كما هي عادة المواضيع التي تناقشها هذه الأنواع من الموسيقى في الغرب، والتي بدأت في الرواج منذ الستينيات، على العكس، تعلو أصوات الجيل الجديد من الفنانين في كوبا بشكل أوضح وأشد ضد نظام كاسترو، وهو ما يمثله بوضوح الثنائي “لوس ألديانوس”، واللذان أصبحا في القلب من رعاية وكالة المعونة الأمريكية لموسيقى الهيب هوب، حيث ذاع صيتهما خارج كوبا، واحتدت لهجتهما ضد النظام.
ردت كوبا بتأسيس وكالة لموسيقى الراب، تحاول عبرها الدعاية للنظام الكوبي، ولكن البعض قد رفض الانضمام إليها، ومنهم بالطبع لوس ألديانوس، حيث قالا بأن الانضمام لتلك الوكالة استسلام للعبودية في البلاد، يقول أوتسِت، أحد النشطاء السياسيين في كوبا، إن ثنائي لوس ألديانوس حصلا على تدريبات في القيادة تهدف لتعزيز نظرتهم لأنفسهم كرواد حراك اجتماعي.
في أغسطس 2010، أحيا الثنائي حفلًا كبيرًا في روتيلا، أكبر مهرجان موسيقي في كوبا، وهاجموا الحكومة والشرطة، بل وبعض المسؤولين بذكر أسمائهم؛ وهو ما استرعى انتباه السلطات الكوبية التي قالت إن وكالة المعونة الأمريكية قد اخترقت المهرجان، لم تمض أشهر قليلة حتى اتجه الثنائي لوس ألديانوس إلى جنوب فلوريدا للإقامة بعد التضييق عليهما في كوبا.
هل يستحق الأمر كل هذا العناء، وهل يمكن لمجموعات غنائية أن تلعب أي دور مؤثر وحقيقي لصالح إضعاف نظام كاسترو المعادي للولايات المتحدة؟ هذا هو ما لا يعتقده بعض أعضاء الكونجرس الذين اعترضوا على تصرفات وكالة المعونة الأمريكية، في حين دافع هيريك عن الوكالة قائلاً إن المسألة الرئيسية لا يجب أن تكون قيام الوكالة بعملها، بل مواجهة الأجواء القمعية التي تحد من قدرة الكوبيين على التعبير عن أنفسهم.
يقول أحد الكوبيين المعارضين إن الاعتماد على دعم الوكالة ليس أمرًا مشينًا بالنظر للبيئة المغلقة التي يعاني منها الكوبيون، قد يكون الأمر صحيحًا، ولكن هل يوافق أصلاً الأمريكيون على تخصيص جزء من أموالهم لفرقة موسيقية في كوبا؟ يقول السيناتور الجمهوري الأمريكي “جيف فليك” إن استخدام أموال دافعي الضرائب الأمريكيين لدعم موسيقى الهيب هوب أمر غير مسؤول وغير مقبول على الإطلاق.