ترجمة حفصة جودة
بينما كانت تسير في ممرّ طويل بغابة برقش الأردنية، والتي تعدّ واحدة من الغابات القليلة الباقية في واحدة من أكثر دول العالم جفافًا، كانت ديمة عساف حريصة ألّا تخطو على أي من نباتات السحلبية البرية الرقيقة.
تسبّبت أزمة المناخ وإزالة الغابات في ترك هذه الدولة الصحراوية بغطاء شجري نسبته 1% فقط، لكن عساف -المهندسة المعمارية- تعتقد أنه ببعض الوقت والصبر وتقنيات الصيانة الجديدة، يمكنها أن تساعد في تحويلها إلى اللون الأخضر ثانية.
تقول عساف: “كان لدينا غابات كثيفة في الماضي، كانت لدينا أفيال وأسود آسيوية ووحيد القرن، كانت تلك الحيوانات متعايشة مع الناس هنا”.
حدقت عساف في شجرة بلوط قديمة، وقالت: “هذا الاكتشاف جعلني أرى الطبيعة من منظور مختلف، من المدهش أن أرى تلك الاحتمالية، لو لم يؤثر التدخل البشري على النظام البيئي بشكل سلبي”.

الآن تعمل عساف كمشجّرة حضرية، وتجمع المعلومات بنهم عن نباتات الأردن المحلية، كما أسّست وتدير الآن منظمة “طيّون”، وهي منظمة مقرها عمّان تبحث في إعادة الطبيعة إلى المناطق الحضرية وتجديد النظام البيئي في المدن.
بعد 10 سنوات من العمل كمهندسة معمارية، زارت عساف محمية طبيعية عام 2017، فأحسّت بالذنب لمشاركتها في زيادة التوسع الحضري بالطبيعة، ما دفعها إلى البحث عن عمل هادف.
شاركت عساف في تجديد الطبيعة وإنشاء الغابات المحلية -الذي يشار إليه بالزراعة المعمرة-، وقد ألهمها في ذلك فيديو لجيوف لاوتون مستشار الزراعة المعمرة عن غابات المغرب، التي يبلغ عمرها 2000 عام.
كشف الفيديو عن غابة صنعها البشر في منطقة قاحلة تظللها أوراق الشجر والنخيل التي تبدو كأعمدة أنيقة وجدران من أشجار الفاكهة، تجعل المكان باردًا بينما يمرّ الضوء مثل النقاط الصغيرة من خلالها، أما أرضية الغابة فتغطيها الشجيرات والعشب، لذا قررت عساف أنها تريد القيام بالمثل في بلدها الأردن.

قادها البحث إلى طريقة مياواكي من اليابان، وهي طريقة لزراعة الشجيرات لخلق كثافة عالية وسرعة في النمو أسرع 10 مرات من تجديدها طبيعيًّا، حُللت التربة وعُدلت، ثم وُضعت بذور 4 نباتات محلية، وهي أشجار رئيسية وأشجار فرعية وشجيرات ونباتات أرضية.
تبنّت العديد من الدول تلك الطريقة التي من المتوقع أن تساعد في استعادة الغابات الأصلية، لكن هذه العملية بالطبع تحتاج مئات السنين، تقول عساف: “يبدو لي صائبًا أنني تركت الهندسة المعمارية واتجهت إلى التخضير الحضري وإنشاء الغابات المحلية”.
تجاوزت طريقتها زراعة الأشجار الفردية، وبدأت تتجه نحو تأسيس مجتمع نباتي في تربة حية، وإعادة الربط بين الأنواع المحلية التي كانت توجد معًا منذ آلاف السنين.
تمثل الصحراء 75% من أرض الأردن، فهي دولة جافة في معظم الأنحاء خاصة مع ندرة الأمطار، ووفقًا لمنظمة الزراعة والغذاء التابعة للأمم المتحدة، فإن الغابات في الأردن تشكّل فقط 975 كيلومترًا من مساحة الأردن البالغة 89 ألف كيلومتر، أي حوالي 1% فقط من مساحة البلاد.

تقول عساف: “لم يكن الجفاف هو السبب في أن تصبح الأرض جرداء، لكن الأرض الجرداء هي سبب الجفاف، لذا كلما عملنا على تخضير الأرض، كلما منحنا الغابات القدرة على استعادة نفسها حتى في أكثر الأماكن جفافًا، إن العمل مع الطبيعة هو دعوة لطيفة وحازمة في الوقت نفسه للصبر والعزيمة والإيمان، للثقة في العملية بأكملها”.
بدأت عساف العمل عام 2018 عندما أُقرضت موقع صغير مساحته 107 أمتار، وقد بنت بالتدريج قاعدة بيانات للنباتات والأشجار اللازمة لإنشاء غابة أصلية في الأردن، واليوم تنظّم ورش عمل وتقدّم فرصًا للمتطوعين من جميع المجالات للانضمام إلى زراعة الأشجار وحصاد البذور.
تقول عساف: “نختبر باستمرار التقنيات المتاحة، ونتعلم وننقح ونعيد الضبط”، حتى الآن أنشأت “طيّون” 4 غابات وليدة وزرعت أكثر من 2700 من البذور المحلية، كما جمعت بذور من مناطق أخرى بما في ذلك الأنواع الأردنية المهددة بالانقراض.
تستعدّ عساف لغابتها الخامسة مع 1100 شتلة محلية أصلية، وعند سؤالها عن كيفية اختيار الموقع المناسب، قالت: “الأمر بسيط للغاية، إذا كان المكان موقع غابة قديمة، فيمكنه أن يتحول إلى غابة مرة أخرى، إنه محفوظ في الحمض النووي للأرض”.
المصدر: “الغارديان”