حالة من عدم الثقة تسود مجلس القيادة الرئاسي اليمني، المشكل في 7 أبريل/نيسان من العام المنصرم، عقب تنازل الرئيس عبد ربه منصور هادي عن صلاحياته لصالح المجلس الذي يرأسه حاليًّا رشاد العليمي.
المجلس تشكل من 7 أعضاء بدرجة نائب رئيس، إضافة إلى العليمي الذي يقود المجلس، وهؤلاء الأعضاء يمثلون الأحزاب اليمنية وأيضًا المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال عن شمال اليمن.
شرارة الخلاف اشتعلت مع بداية تأسيس المجلس، بسبب اختلاف الأهداف، لكن آخرها كان حديث رئيس المجلس رشاد العليمي عن القضية الجنوبية، فقد أشار في تصريحات صحفية إلى أنه سيتم حلها عقب انتهاء الحرب مع جماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية أخرى منذ بدء الحرب عام 2014، وهو ما أثار حفيظة المجلس الانتقالي الذي يقوده عيدروس الزبيدي، نائب العليمي وعضو مجلس القيادة الرئاسي.
أزمة انعدام الثقة بين مكونات الائتلاف الحكومي تغذيها تجاذبات سياسية وتباينات عميقة بشأن استحقاقات وأولويات المرحلة الراهنة، إذ يطالب المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا الذي تشكل عام 2016، بفك الارتباط عن الوحدة اليمنية التي تحققت عام 1990 وعودة دولة الجنوب العربي، لكن مجلس القيادة يرى أن الحديث عن هذه المطالب في الوقت الراهن يحيد المجلس عن عمله الأهم وهو إنهاء الحرب وخلق السلام في اليمن قبل مناقشة أي قضايا أخرى.
محاولة امتصاص الغضب
في محاولة لامتصاص غضب الانفصاليين الجنوبيين، جدد الرئيس رشاد العليمي تأكيدة على العهد الذي قطعه للشعب اليمني في جلسة القسم أمام البرلمان اليمني، بالسير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني نحو تحقيق الأهداف المشتركة للمرحلة الانتقالية.
وقال العليمي في كلمة له خلال الاجتماع العام لهيئة التشاور والمصالحة: “القسم الدستوري والعهد الذي قطعناه مع إخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي لأبناء شعبنا شمالًا وجنوبًا بالسير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني، ما زال ثابتًا ولن نحيد عنه مهما كانت التحديات”.
وبدا العليمي واثقًا من قوة التحالف الحكومي الذي وصفه بالإستراتيجي، والتفافه حول أهدافه المشتركة للمرحلة الانتقالية، كما عبر عن أمله بأن تمثل اجتماعات هيئة التشاور والمصالحة “نقلة مهمة في مسار التحالف الوطني العريض ضد المشروع الإمامي الإيراني التدميري”، قائلًا: “إننا نأمل أن تمثل اجتماعات الهيئة الموسعة، رسالة إضافية قوية بالنسبة لمستقبل أكثر تماسكًا واطمئنانًا، بوضع اللبنات والأطر المرجعية لحماية توافقنا الوطني وإرادة شعبنا وضمان المشاركة المجتمعية الواسعة دون إقصاء أو تهميش”.
مسودة هيئة التشاور.. شرارة الخلاف
كانت المسودة التي اتفقت عليها هيئة التشاور والمصالحة، خلال اجتماعها في العاصمة المؤقتة عدن، شرارة أخرى بين الائتلاف الحكومي المناهض لجماعة الحوثيين، حيث ناقشت الهيئة الإثنين الماضي، مسودة مشروع الإطار العام لعملية السلام الشاملة ومسودة وثيقة مبادئ المصالحة بين القوى والمكونات السياسية بعد قراءتها كذلك.
وتم التوافق على إقرار الوثائق الثلاثة: وثيقة اللائحة الداخلية لهيئة التشاور والمصالحة ووثيقة الإطار العام للرؤية السياسية لعملية السلام الشاملة ووثيقة مبادئ المصالحة بين القوى والمكونات السياسية الشرعية، حسب ما نشرته وكالة “سبأ” الحكومية الرسمية.
وتداول نشطاء صورًا مسربةً للمسودة التي اتفقت عليها هيئة التشاور والمصالحة التي يرى نشطاء موالون للانتقالي أنها ذهبت بعيدًا عن القضية الجنوبية وتقود لمصالحة أحزاب سياسية يمنية وهمية ليس لها وجود في الميدان، ما دفع رئيس الهيئة محمد الغيثي إلى التملص من مسودة مخرجات الاجتماع، مؤكدًا أنها “مقترحات لم يتم إقرارها بعد”.
وقال الغيثي في منشور على صفحته على فيسبوك: “بعد أن قررنا العمل على إقرار ثلاث وثائق في إطار مهام الهيئة بعد النظر فيما يطرحه الأعضاء في الهيئة العامة، يتم وبكل أسف تسريب هذه المسودات وتصويرها في وسائل الإعلام على أنها وثائق اتفاقات سياسية بين قوى الشرعية”.
وأضاف الغيثي الذي يتولى منصب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الانتقالي “هذا لا أساس له من الصحة، بل هي مسودات تم رفعها من اللجان، وعرضت في الهيئة العامة، واستلمنا في رئاسة الهيئة كتابيًا ملاحظات واعتراضات وإضافات أعضاء الهيئة المنتميين لمختلف القوى السياسية”، واستطرد “نحن هيئة تشاور ولسنا هيئة لإقرار قوانين أو اتفاقات سياسية، بل مهمتنا تكمن في فهم وتشخيص الحالة السياسية وتطلعات واشتراطات ومطالبات القوى السياسية، والتشاور بشأن ذلك”.
وفي تقرير قدمه الغيثي للمجلس الانتقالي أكد أيضًا رفض ممثلي المجلس في “هيئة التشاور” أي نقاشات لا تتضمن الاعتراف بالقضية الجنوبية، وأن فرص المصالحة لن تحظى بأي نجاح ما لم تأخذ بعين الاعتبار وضع القضية الجنوبية في طليعة أي نقاشات، مضيفًا أن العمل يجري لوضع إطار تفاوضي، ما يعني فرض قيود جديدة من قبل “الانتقالي” على بقية القوى المحلية الموالية للتحالف.
يسارع المجلس الانتقالي في تشكيل فريق تفاوضي يحمل القضية الجنوبية، حتى لا يتم ترحيل قضيتهم حتى وقف الحرب، وفي اجتماع لرئاسة المجلس بقيادة الأمين العام للأمانة العامة لهيئة رئاسة المجلس أحمد حامد لملس، أكدت رفضها لأي محاولات وصفتها بالبائسة لترحيل القضية الجنوبية والقفز عليها، مؤكدة أن محاولة تأجيل حلها يعد تنصلًا من مخرجات مشاورات الرياض وضرب مبدأ التوافق، وهو أمر مرفوض وسيؤدي إلى تأزيم الوضع في مرحلة تستدعي الاصطفاف لمواجهة التحديات الراهنة.
ودعا رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي إلى تشكيل فريق مفاوضات يمثل قضية شعب الجنوب، متهمًا مجلس القيادة الرئاسي بالاستمرار في المماطلة والتهرب من استحقاق تشكيل فريق تفاوضي مشترك وفقًا لما نصت عليه مخرجات اتفاق ومشاورات الرياض.
الجنوب لن يعود لحضن صنعاء
يصر الانتقالي الجنوبي على عدم تأجيل القضية الجنوبية، في ظل أنباء تتحدث عن تفاهمات بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثيين.
وقال لطفي شطارة عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي في تغريدة على تويتر “ما بعد 2015 لن تستطيع أي جهة إعادة الجنوب إلى حضن صنعاء”، وأضاف “اتركوا للسياسة فرصة، فطريق عودة الجنوب بحاجة إلى عقل وصبر”.
وفي محاولة لكسب المسؤولين الجنوبيين الرافضين للانفصال قال شطارة: “أثق ثقة لا حدود لها أن كل جنوبي بمن فيهم الذين يختلفون مع الانتقالي، مع قضية شعب الجنوب ومع استعادة دولته، حتى إن تظاهروا أمام قيادات أحزابهم بعكس ذلك”.
درع الوطن “زعزعة الاستقرار”
كان إعلان تشكيل قوات درع الوطن من رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، التي تتكون حتى الآن من نحو 8 ألوية جل منتسبيها من التيار السلفي المقرب من السعودية، وتنتشر في عدن وأبين ولحج والضالع، واحدة من نقاط الخلاف بين الانتقالي والمجلس الرئاسي، فيما لا يزال بعضها قيد التأسيس ويستعد للانتشار في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن.
تتبع هذه القوات رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، والهدف منها خلق توازن مع المجلس الانتقالي الذي يملك القوة العسكرية في المحافظات الجنوبية.
يرفض المجلس الانتقالي تشكيل هذه القوات في المحافظات الجنوبية، ويراها تهديدًا وجوديًا له ولمشروعه الانفصالي، في ظل المساعي الحثيثة التي يقوم بها لاستعادة دولة الجنوب، وقال عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي والممثل الخاص لرئيس المجلس عيدروس الزبيدي للشؤون الخارجية، عمرو البيض، إن قرار تشكيل قوات درع الوطن قرار من جانب واحد اتخذه رئيس مجلس القيادة الرئاسي وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار.
الانتقالي يُعزل عن مشاورات الرياض
عزلت السعودية المجلس الانتقالي الجنوبي عن المشاورات المباشرة التي تجريها مع جماعة الحوثيين لتجديد الهدنة وتحقيق السلام في اليمن، ما أثار مخاوف الانتقالي من تهميشه في نتائج هذه المشاورات، ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول كبير في المجلس الانتقالي قوله إن حلفاء التحالف لم يطلعوا على المحادثات بين السعودية والحوثيين.
وقال عمرو البيض إن عزل الرياض جميع شركاء التحالف يثير شكوكًا بين الأصدقاء والمعنيين بالأمر، مضيفًا “إذا كان الأمر يتعلق بالهدنة وسيقف عند هذه المرحلة، فلا بأس ويمكننا المشاركة فيها بشكل بناء، لكن إذا ذهب الأمر لأبعد من ذلك فلن نشارك، إنه أمر يثير قلقنا ولا يمكن أن يكون مُلزمًا لنا”، وذكر البيض أن المجلس الانتقالي لن يقبل إملاءات بشأن الحكم أو الموارد أو الأمن في منطقة الجنوب المنتجة للنفط.
قال الباحث السياسي اليمني عبد الرحمن الشيباني إن الخلافات بين مجلس القيادة الرئاسي والمجلس الانتقالي ليست وليدة اللحظة، فالتوافق الظاهر يخفي في الباطن الكثير من التباينات الشديدة، وأكد أن ذلك يعود إلى أسس الشراكة، حيث بني المجلس وفق مصالح إقليمية ودولية، وبدلًا من أن يؤدي دوره المرسوم له تعثر بسبب اختلاف الأجندات المتباينة لهذه القوى.
وأضاف الشيباني في حديثه لـ”نون بوست” “المجلس يعد تعبيرًا عن هذه الإرادات الخارجية، إذ أصبحت عائقًا سياسيًا في الطريق نحو استعادة الدولة المنشودة التي جاء أساسًا التحالف العربي إلى اليمن لاستعادتها”.
ولفت إلى أن الهدف الخفي من تشكيل المجلس الانتقالي هو تفكيك اليمن وشل قدرته وإضعافه وجعله فى حالة اللاحرب واللاسلم من أجل ابتلاع المزيد من الكعكة، يأتي هذا فى الوقت الذي يقاتل الحوثيين بشراسة وتزداد قوتهم العسكرية، فارضين معادلة جديدة على الصراع الحاصل في ظل تراجع واضح لحكومة عدن وارتهانها للتحالف.
مشيرًا إلى أن الخلافات التي تعتري المجلس تعكس أيضًا الخلافات السعودية الإماراتية التي تظهر على السطح أحيانًا من خلال الصدام بين أعضاء المجلس غير المتجانس.
وقال الشيباني: “تصريحات الرئيس العليمي بشأن القضية الجنوبية لم تأتِ من فراغ، بل كانت رسالة سعودية في الأساس للانتقالي الذي بدأت المملكة على ما يبدو في تفكيكه، وهذا ما عبر عنه سياسيون وإعلاميون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي بهجومهم على الانتقالي وتحذيراتهم له، خصوصًا بعد قيام المخابرات السعودية بتسريب صورة عدها أنصار الانتقالي مهينة ويظهر فيها عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي يقبل يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتطرق الشيباني أيضًا إلى اللقاء الذي جمع محمد بن سلمان مع رشاد العليمي وعدد من أعضاء مجلس القيادة وسط غياب الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي، الثلاثاء الماضي، مشيرًا إلى أن ذلك يؤكد عمق الخلاف بين الجانبين.
انعدام الرؤية السياسية المشتركة
أرجع باسم فضل الشعبي رئيس مركز مسارات للإستراتيجيا والإعلام الخلافات إلى عدم وجود رؤية سياسية واحدة ومشتركة، فكل تيار أو حزب أو مكون له مشروع ورؤية خاصة به يريد أن يفرضها على الجميع من ناحية ومن ناحية أخرى لا يوجد برنامج عمل سياسي واقتصادي وعسكري واضح لدى المجلس الرئاسي على الأقل منذ مرحلة تأسيسه وحتى الآن وفي قادم الأيام.
وأكد الشعبي أن الأمور تسير بعشوائية كبيرة وهذا خلق نوعًا من الفوضى والانقسام والتنافر أيضًا، ما أعاق عملية حضور المجلس بكامل أعضائه في العاصمة عدن، وما يتم رؤيته من اجتماعات افتراضية عبر الزوم يعكس ذلك، ولفت إلى أن الخلافات بدأت بعد إعلان تأسيس مجلس القيادة بشهرين تقريبًا خصوصًا في أثناء تفجر أحداث محافظة شبوة.
وأضاف باسم الشعبي في اليمن قائلًا “الانتقالي وقد أصبح جزءًا من السلطة الشرعية بناءً على اتفاق الرياض، فإنه سوف يحرص على الوجود في مشاورات أو مفاوضات السلام القادمة، حتى لا يتم تقرير مستقبل اليمن جنوبًا وشمالًا بعيدًا عنه، فما يهم الانتقالي هو الجنوب في هذه الحالة والجنوب لديه قضية وطنية عادلة، دون حلها لن يكتب النجاح للحل الشامل في اليمن”.
ويرى الشعبي أنه من الأفضل أن يطالب الانتقالي بحوار بين الشمال والجنوب اليمني، بدلًا من الحوار ضمن وفد الحكومة الشرعية، لكن في الواقع الانتقالي يبدو ملتزمًا حتى الآن بما ورد في اتفاق الرياض بتشكيل وفد مشترك للتفاوض مع جماعة الحوثي، وهو يسير في هذا الاتجاه حال لم تحدث أي تطورات جديدة.
ويذهب الشعبي إلى أن خلافات المجلس الرئاسي أعاقته عن تحقيق أهدافه التي أعلنها يوم التأسيس ولم يحقق منها شيئًا حتى الآن سواء السياسية أم الاقتصادية أم العسكرية، فالمجلس الرئاسي فشل ولم يحقق أي هدف من أهدافه، موضحًا أن الخلافات تصب في صالح من يريدون للحرب والمعاناة في اليمن أن تستمر سواء كانوا من الداخل أم الخارج.