التقى رئيس مجموعة أبو ظبي للموانئ محمد الشامي، في 5 مارس/آذار الحاليّ، بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لمناقشة ضخ المزيد من الاستثمارات في مجال الموانئ المصرية، وذلك بعد نجاح الشركة الإماراتية في الفوز بصفقة مؤخرًا بقيمة 450 مليون دولار لبناء وصيانة أحد الموانئ الجافة في مدينة العاشر من رمضان (شمال شرق القاهرة) ومن قبلها الاستحواذ على 70% من شركة IACC القابضة المصرية في الأول من يوليو/تموز 2022
اللقاء أعاد مجددًا ملف الاستحواذ الإماراتي على الموانئ المصرية لطاولة النقاش بعدما تحول الأمر إلى خطة ممنهجة، لها أبعادها المختلفة، فالأمر لم يعد مقصورًا على “مجموعة دبي العالمية” ذات الانتشار الواسع، التي استحوذت على نصيب كبير في هذا القطاع، لينافسها على الكعكة المصرية وليد جديد قادم بقوة للهيمنة على ما تبقى من المجموعة العملاقة.
مخاوف عدة أبداها المتخصصون والخبراء من الهرولة المصرية نحو بيع الموانئ ووضعها تحت إدارة وتصرف جهات خارجية، في إطار التوجه العام للنظام الحاليّ ببيع بعض أصول الدولة للخروج من الشرنقة الاقتصادية الخانقة وإنعاش خزينة البلاد بالعملة الصعبة التي ورطت الدولة المصرية في مستنقع الديون غير المسبوق تاريخيًا، لكن يبقى السؤال: لماذا كل هذا اللهث من الإمارات تحديدًا للاستحواذ على الموانئ المصرية؟
الرئيس المصري يستقبل الرئيس التنفيذي لمجموعة موانئ أبوظبي، لبحث التعاون المشترك مع مجموعة موانئ أبوظبي، لاسيما في قطاعات تطوير المناطق اللوجستية والموانئhttps://t.co/cI1onqEd2x
— HAMAD ALAHBABI ?? (@7UAEHD) March 5, 2023
تهديد ثقل دبي التجاري.. سياق مهم
قبل الانتقال إلى دوافع الإمارات غزو قطاع الموانئ في مصر، لا بد من الإشارة إلى السياق العام الذي أعيد فيه هذا الملف للطرح مرة أخرى، حيث تهديد نفوذ دبي كمركز تجاري عالمي في الشرق الأوسط، بعدما دخلت السعودية على خط المنافسة في ضوء رؤية 2030 لتنويع مصادر الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط كمورد وحيد.
وكانت المملكة في 2021 قد أعلنت عن وقف التعامل مع الشركات متعددة الجنسيات إلا بشرط واحد، نقل مقارها الإقليمية إلى الرياض، على أن يبدأ تطبيق هذا الشرط انطلاقًا من العام المقبل، وعليه وخلال تلك الفترة نقلت قرابة 80 شركة عالمية مقارها إلى حي الملك عبد الله المالي بوسط العاصمة السعودية من أبرزها “يونيليفر” البريطانية و”سيمنز” الألمانية، ومؤخرًا شركة “بيبسي” التي نقلت مقرها الرئيسي خلال هذا الشهر.
ورغم الخلافات بين البلدين في العديد من الملفات في اليمن وليبيا بجانب ملف التطبيع والتحالفات الإقليمية، فإن منافسة دبي اقتصاديًا ومحاولة سحب البساط من تحت أقدامها لصالح الرياض كان النقطة المفصلية في تعكير العلاقات السعودية الإماراتية التي كشفت عنها العديد من المؤشرات لتبدأ الجارتان مرحلة جديدة من التوتر.
تُسيل الموانئ المصرية لعاب جميع القوى الاستثمارية ذات الطموح الاقتصادي الكبير نظرًا لموقعها الإستراتيجي، فهي ممرات وحلقات وصل بين قارات العالم الثلاثة
ويتوقع الخبراء أن تكون المنافسة الاقتصادية هي المعركة الأشرس بين البلدين خلال الفترة القادمة، التي يرجح أن تتجاوز إطار التوتر المكتوم المعتاد منذ سنوات لحسابات أمنية وسياسية خليجية إلى الخروج للعلن، في ظل إصرار المملكة على المضي قدمًا في هذا المسار الذي سيعزز بلا شك من مكانتها الإقليمية بالتوازي مع المسارات الأخرى، الإعلامية والفنية والنفطية التي أثقلت دورها ونفوذها السياسي في المنطقة مؤخرًا.
وأمام هذا التهديد الذي قد يطيح بأحد أهم مرتكزات النفوذ الإماراتي في المنطقة خلال الـ15 عامًا الأخيرة، ويفرغ دبي من زخمها الاقتصادي حين تغادر الشركات العالمية مقارها متوجهة إلى العاصمة السعودية، كان لا بد من البحث عن بدائل لتعويض الطعنة الدامية التي تلقتها مكانة الإمارات الشرق أوسطية، وفي تلك الأجواء الملبدة بغيوم القلق والخوف كان التحرك صوب قطاع الموانئ، وهو القطاع الذي قطعت فيه الدولة الخليجية الصغيرة شوطًا كبيرًا من النجاحات، وذلك بهدف تعميق نفوذها والهيمنة عليه بشكل كامل، متخذة من مصر – ذات الموقع الجيوسياسي الخطير والإمكانيات اللوجستية الهائلة – محطتها الرئيسية.
لماذا الموانئ المصرية؟
تُسيل الموانئ المصرية لعاب جميع القوى الاستثمارية ذات الطموح الاقتصادي الكبير نظرًا لموقعها الإستراتيجي، فهي ممرات وحلقات وصل بين قارات العالم الثلاثة، كما تقع تلك الموانئ وما يرافقها من خدمات على ممرين بحريين دوليين يحتلان نصيب الأسد في حجم التجارة العالمية وهما البحر الأبيض المتوسط شمالًا والبحر الأحمر شرقًا.
فعلى المتوسط هناك موانئ الإسكندرية والدخيلة ودمياط وشرق وغرب بورسعيد، وعلى البحر الأحمر هناك موانئ سفاجا والأدبية والسخنة والسويس، ويصل إجمالي الموانئ المصرية التجارية إلى نحو 15 ميناءً، بلغت معدلات تدول البضائع بها عام 2021 نحو 162.7 مليون طن، كان لميناء السخنة نصيب الأسد منها بـ63 مليون طن يليه ميناء الإسكندرية بـ55.6 مليون طن، ثم ميناء دمياط 32.7 مليون طن، فيما تبلغ الطاقة التصميمة للموانئ 170 مليون طن، كما تبلغ الطاقات الاستيعابية لنشاط الحاويات أكثر من 11.5 مليون حاوية، بحسب بيانات هيئة الموانئ المصرية.
ورغم هذه الثروة اللوجستية في مجال النقل البحري التي تملكها مصر ويمكن أن تؤهلها لأن تصبح الأولى على الأقل في منطقة الشرق الأوسط، فإن هناك العديد من العقبات والتحديات التي تعرقل الاستغلال الأمثل لها، استعرضتها الباحثة شيريهان محمد علي، المدرس المساعد بكلية النقل الدولي واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، في دراسة أعدتها عام 2018 عن دور التكنولوجيا في الموانئ المصرية.
الدراسة أشارت إلى أن الموانئ المصرية تعاني من عدة أزمات منها: عدم التنوع وقلة حجم الغاطس بالموانئ، الذي يصل متوسطه إلى 13 مترًا فقط، ما يُقلل فرص استقبال السفن والحاويات كبيرة الحجم وحتى المتوسطة، في ضوء زيادة أحجام السفن، كذلك وجود بعض القوانين المعقدة التي لا تتناسب مع الفترة الحاليّة، ما يتطلب إعادة النظر في البنية التشريعية في قطاع النقل البحري.
واختتمت الباحثة المصرية دراستها ببعض الإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لتنمية الموانئ المصرية أبرزها ضرورة إنشاء مراكز رئيسية للإنقاذ لتكون في خدمة مواني البحر الأحمر والمتوسط، بجانب استغلال المواقع الفريدة للموانئ وعدم الاكتفاء بأن تكون الموانئ معدة للحاويات فقط، بل يجب أن تتنوع خدماتها.
وزير النقل يكشف عن وجود مفاوضات مع موانئ قطر وموانئ أبوظبي، لإدارة وتشغيل عدد من الموانئ المصرية والاستثمار بها pic.twitter.com/mBFeVNpH0r
— شبكة رصد (@RassdNewsN) December 20, 2022
مجموعة موانئ أبو ظبي.. الوافد الجديد
في تقرير نشره الموقع الاستخباراتي الفرنسي المهتم بشؤون إفريقيا Africa Intelligence في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أثبت أن “مجموعة موانئ أبو ظبي” أصبحت المنافس الأشرس على الموانئ المصرية على طرفي قناة السويس، وأنها استطاعت في غضون عام واحد فقط تثبيت أقدامها في ستة مواقع، من ضمنها ميناء جاف وميناء نهري ومواقع أخرى على البحر الأحمر.
وهكذا استطاعت الشركة التي تأسست عام 2006 وتساهم في 13.6% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي لإماراة أبو ظبي، وتشمل محفظتها 10 موانئ ومحطات في الإمارات، بالإضافة إلى أكثر من 550 كيلومترًا مربعًا من المناطق الصناعية ضمن كل من مدينة خليفة الصناعية وزونزكورب اللتين تشكلان معًا أكبر مجمع تجاري ولوجستي وصناعي في منطقة الشرق الأوسط، أن تزاحم العمالقة الكبار على الاستثمار في مصر.
وتناول الموقع الاستخباراتي الفرنسي الحضور الكبير للمجموعة الإماراتية في قطاع النقل البحري المصري خلال العامين الماضيين حتى باتت أحد المرتكزات الأساسية في منظومة فيضان الاستثمارات الإماراتية في مصر التي وصلت قيمتها إلى 1.9 مليار دولار في النصف الثاني من عام 2021، ارتفاعًا من 712.6 مليون دولار العام الذي قبله.
ففي أواخر سبتمبر/أيلول 2021 فازت مجموعة أبو ظبي بالشراكة مع شركة أوراسكوم المصرية العملاقة للإنشاءات مع شركتين أخريين بصفقة بقيمة 450 مليون دولار لبناء وصيانة ميناء جاف في مدينة العاشر من رمضان، شمال شرق القاهرة، وقبل ذلك بشهرين استحوذت على 70% من مجموعة IACC القابضة المصرية (التي تمتلك شركتين بحريتين ضخمتين هما: ترانسمار، وهي شركة تعمل في مجال شحن الحاويات وتنشط في البحر الأحمر والقرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية، وترانسكارغو إنترناشونال Transcargo International وهي شركة شحن وتفريغ في ميناء الأديبة الإستراتيجي بالقرب من السويس عند الطرف الجنوبي للقناة، وتحقق عائدات تصل إلى 137 مليون دولار، وأرباحًا قبل استقطاع الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك تصل إلى 65 مليون دولار عن كامل عام 2022) مقابل 140مليون دولار.
الهرولة التي تسير بها مجموعة موانئ أبو ظبي لتعزيز حضورها في السوق البحري المصري لا تقل في معدلات سرعتها عن تلك التي قامت بها – ولا تزال – موانئ دبي العالمية (DP World)
ويعتبر رئيس المجموعة، محمد الشامسي، أن تلك الصفقة “خطوة رئيسية أخرى في مسيرة النمو العالمي ونهج التوسع في أسواق عالمية متنوعة الذي تنتهجه المجموعة”، وأضاف “تفتخر مجموعة موانئ أبو ظبي بسجلها الناصع من الإنجازات، والقدرة على الاستثمار بنجاح في شراكات وعمليات استحواذ تحقق المزيد من القيمة، وتحسن محفظة خدماتنا، وتفتح الباب أمام المزيد من قنوات الربط التجاري لمتعاملينا”، موضحًا أن هذا الاستحواذ يوفر للشركة موقعًا قياديًا للمجموعة بين الشركات الرائدة إقليميًا، “ويضمن حضورًا واسعًا للمجموعة على عدد من الخطوط التجارية الرئيسية، كما يفتح الباب أمام المزيد من الفرص من خلال الاستفادة من الخبرات الكبيرة لكل من “ترانسمار” و”تي سي آي” بما يسهم في تحسين عروضنا التجارية على امتداد منطقة الخليج وشمال إفريقيا”.
إستكملت مجموعة موانئ أبو ظبي بنجاح عملية الإستحواذ على 70% من أسهم شركتي ترانسمار الدولية للنقل البحري “ترانسمار”، وترانسكارجو الدولية “تي سي آي”، المصريتين، وفقا لبيان من الشركة لسوق أبو ظبي لتداول الأوراق المالية اليوم الأربعاء. pic.twitter.com/4wCd7DL6Ok
— khalifa rashed (@ninlaos) September 14, 2022
منافسة أم تكامل للهيمنة؟
الهرولة التي تسير بها مجموعة موانئ أبو ظبي لتعزيز حضورها في السوق البحري المصري لا تقل في معدلات سرعتها عن تلك التي قامت بها – ولا تزال – موانئ دبي العالمية (DP World)، ذلك العملاق الذي تأسس عام 1999 واستطاع اليوم أن يكون أكبر مشغلي الموانئ في العالم، إذ يدير أكثر من 75 محطة بحرية موجودة في أكثر من 40 دولة، متحكمة بـ10% من حركة الحاويات عالميًا، كما يتعامل مع 70 مليون حاوية يتم جلبها من نحو 70 ألف سفينة سنويًا، لتتصدر قائمة مشغلي الموانئ في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.
فبعد عام واحد فقط من تأسيسه أبرز عقدًا في جدة (غرب السعودية) بالشراكة مع “محطة الجنوب للحاويات”، وفي التالي عقدًا آخر لتطوير موانئ جيبوتي، وميناء فيزاخا الهندي، تلاه مشروع تطوير ميناء كونستانتا الروماني، وفي عام 2005 كانت النقلة الأبرز حين دمجت “موانئ دبي” مع “سلطة موانئ دبي” تحت اسم “موانئ دبي العالمية”، وفي العام التالي كانت الصفقة الكبرى حين اشترت شركة “الملاحة البخارية البريطانية”، رابع أكبر مشغل موانئ في العالم وقتها، مقابل 3.9 بليون دولار.
ومنذ تدشينها وحتى اليوم، بات للمجموعة العملاقة حضور قوي في أكثر من 40 دولة في 5 قارات من إجمالي قارات العالم الستة، في المحيط الهادي الآسيوي، تمتلك محطات حاويات في موانئ “تشينغ داو” وميناء “تيانجن” وميناء “يانتاي” الصينيين، بجانب محطة حاويات في هونج كونج ، وأخرى في ميناء صربيا وميناء البوسنة.
كما تشارك في أعمال تطوير 7 موانئ هندية وميناء باكستاني، أما في الشرق الأوسط، لديها 3 موانئ رئيسية تستحوذ على نسب كبيرة من حصص التشغيل بها، 2 في مصر وواحد في جدة السعودية، ولديها أكثر من 9 مشروعات في موانئ البرازيل والأرجنتين وكولومبيا، إضافة إلى 4 مواني في أستراليا، وما يزيد على 14 ميناءً ومحطةً في إفريقيا، إلى جانب 8 محطات في موانئ روسيا و6 موانئ في أوروبا.
وشهد عام 2006 نقطة محورية في نشاط المجموعة، حين استحوذت على شركة “بي أند يو” البريطانية مقابل 8.6 مليار دولار، وهي الصفقة التي منحت “مجموعة دبي” إدارة 51 ميناءً في 30 دولة حول العالم، من بينها 6 موانئ أمريكية هي: نيويورك ونيوجيرسي ونيو أورليانز وميامي وفيلادلفيا وبالتيمور.
وكان للمجموعة حضورها القوي في إفريقيا، وإن تراجع مؤخرًا، وذلك عبر اتفاقيات إدارة وتطوير موانئ جيبوتي والصومال (بربرة) وإثيوبيا وإريتريا (عصب) كما توسع حضورها ليشمل ميناء داكار بالسنغال، وبورتسودان بالسودان، وهو ما أثار خلال الآونة الأخيرة جدلًا كبيرًا لدى حكومات وشعوب القارة خشية تداعيات هذا الاستحواذ الذي يراه البعض مهددًا للأمن القومي الإفريقي.
ويرى البعض أن التهافت على الموانئ المصرية من مجموعة أبو ظبي ومجموعة دبي العالمية يأتي في إطار التنافس بين العملاقين على الحصول على النصيب الأكبر من كعكة النقل البحري المصرية الثرية بالإمكانيات، فيما يرى آخرون أن هناك تكاملًا بين الكبيرين للهيمنة على هذا القطاع بما لا يسمح لغيرهما من الشركات الأخرى بالدخول والمنافسة، وهو الرأي الذي استند أصحابه إلى ما أسموه “مخطط قتل المنافسة” الذي تتنباه الإمارات للانفراد بالريادة المطلقة في مجال النقل البحري في الشرق الأوسط.
مصر حين منحت “دبي العالمية” مشروع تطوير قناة السويس فإنها بذلك تمنح الإمارات السيطرة الكاملة على مشروع كان من المفترض أن ينافس جبل علي، لتستكمل بهذا الدولة الخليجية الصغيرة سيطرتها على المنطقة
وأد أي منافسات إقليمية
في عام 2008 أبرمت شركة موانئ دبي عقدًا لتطوير وإدارة ميناء العين السخنة (شرق مصر) الذي يعد أحد أهم الموانئ على البحر الأحمر، وأكبرها على الإطلاق، الاتفاق تضمن استحواذ المجموعة الإماراتية على 90% من أسهم الميناء نظير 670 مليون دولار مقابل توسعة طاقة الميناء لتبلغ مليوني حاوية في العام، واستثمار الشركة في مصر 1.5 مليار دولار لمدة خمسة أعوام.
اليوم وبعد مرور 15 عامًا يبقى السؤال: ماذا تحقق من هذا الاتفاق؟ وهل تم تطوير ميناء السخنة وفق ما تضمنه العقد مع المجموعة الإماراتية؟ هنا يشير الخبير البحري المتخصص في الملاحة البحرية وإصلاح وبناء السفن، محمد حمادي، أن موانئ دبي لم تنفذ أي شيء مما تم الاتفاق عليه، كما أنه لم يحاسبها أحد، لافتًا في تصريحاته السابقة لـ”نون بوست” أن طاقة الميناء انخفضت من 570 ألف حاوية عام 2010 إلى 511 ألف قبل عامين، هذا بخلاف تراجع استثمارات المجموعة إلى أقل من مليار دولار.
ويرى الخبير البحري أن مصر حين منحت “دبي العالمية” مشروع تطوير قناة السويس فإنها بذلك تمنح الإمارات السيطرة الكاملة على مشروع كان من المفترض أن ينافس جبل علي، لتستكمل بهذا الدولة الخليجية الصغيرة سيطرتها على المنطقة، معتبرًا أن هذه الشراكة تعد شهادة وفاة لطموحات المصريين بتطوير قناة السويس واستعادة ريادتها العالمية.
والمتابع للخريطة الملاحية في المنطقة يكتشف صدق تلك التخوفات وواقعيتها، فمعظم السفن القادمة من الهند والصين تتجه إلى جبل علي بالإمارات أولًا، للحصول على خدماتها المختلفة، ثم تعود من الخليج إلى مدخل البحر الأحمر ثم قناة السويس، رغم أنه يمكنها اختصار كل تلك المسافة والجهد في الذهاب مباشرة إلى القناة المصرية، غير أن عدم توافر تلك الخدمات في قناة السويس أو أي خدمات صناعية ولوجستية دفعها للسير نحو جبل علي، وهو مربط الفرس، الإبقاء على تلك الوضعية المتردية للسويس ضمانًا لدفع الحاويات والسفن للتوجه صوب الميناء الإماراتي.
المخطط ذاته تمارسه أبو ظبي على الجانب المقابل، حيث الموانئ اليمنية ومضيق باب المندب، إذ سعت إلى السيطرة على هذا الشريط الساحلي الممتد على البحر الأحمر، مغردة بشكل منفرد عن سرب التحالف السعودي وأهدافه من الدخول في حرب ضد الحوثيين منذ عام 2015 وحتى اليوم، وهو أحد أسباب الخلاف بين البلدين مؤخرًا، إذ تهيمن الإمارات على 5 موانئ يمنية تجارية ونفطية من أصل ثمانية موانئ، وذلك لتأمين ريادة جبل علي ووأد أي محاولات للمنافسة أو حتى المشاركة في كعكة هذا القطاع الثري.
بيع الأصول وتهديد الأمن القومي المصري
ومع اللقاء الذي جمع رئيس مجموعة موانئ أبو ظبي مع الرئيس المصري تتصاعد المخاوف بشأن منح الإمارات مزيدًا من الموانئ بزعم الاستثمار في إطار التوجه الرسمي ببيع بعض أصول الدولة لمواجهة العجز الاقتصادي الراهن ومحاولة الوفاء بخدمات الدين الذي وصل إلى مستويات قياسية، وهو التوجه الذي تستحوذ الإمارات على نصيب الأسد منه.
وترتفع بعض الأصوات المحذرة من التوغل الإماراتي في قطاع النقل البحري المصري، لافتة أن ذلك ضد مصلحة البلاد، كما أنه يهدد أمنها القومي في ظل الأهمية الإستراتيجية للموانئ المصرية ما يجعل التفريط فيها عن طريق البيع والخصخصة مغامرة كبيرة كما جاء على لسان خبير النقل البحري وعضو مجلس إدارة قناة السويس السابق، وائل قدورة في تصريحاته لموقع “مصر 360” الذي أشار فيها إلى أن “موقع مصر الإستراتيجي قد يكون مطمعًا أمام بعض الجهات والمؤسسات الإقليمية التي ستسعى للسيطرة على المواني المصرية، وهذا ضد مصلحة مصر”.
وتعد الموانئ أحد مسارات الدولة الخليجية لبسط سيطرتها على الأصول المصرية، فبحسب نشرة “إنتربرايز” الاقتصادية كان للإمارات نصيب الأسد من صفقات الاستحواذ على الأصول المصرية التي زادت بأكثر من الضعف خلال العام 2022، حيث بلغ 66 صفقة استحواذ مقارنة بـ30 خلال العام 2021، لافتة أن الاستثمارات الإماراتية شملت المجالات الأكثر ربحية في السوق المصري، بداية من الخدمات المصرفية والمالية وصولًا إلى المجال الصناعي والطاقة، حيث شملت عمليات الاستحواذ 16 صفقة في القطاع المصرفي و9 في القطاع الصناعي واثنين في قطاع الطاقة.
ومن أبرز الصفقات التي أبرمها صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي، شركتا أبو قير للأسمدة ومصر لإنتاج الأسمدة والبنك التجاري الدولي وشركة “فوري” الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية وشركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار “سوديك” وشركة “أبو عوف” العاملة في القهوة وشركتا “ترانسمار” الدولية للنقل البحري و”ترانسكارغو” الدولية (تي سي آي) المصريتَين.
في ضوء المعطيات السابقة، تحاول الإمارات تأمين نفوذها الإقليمي والدولي من خلال توسعة رقعة هيمنتها على قطاع النقل البحري في العالم، وذلك عبر ساعديها الأبرز، مجموعة أبو ظبي ومجموعة دبي العالمية، وسط توقعات بزيادة نشاطهما وتوسعاتهما خلال المرحلة المقبلة، فإن كان ثقل دبي كمركز تجاري بات مهددًا بعد دخول الرياض كمنافس قوي، فإن ترسيخ أركانها كرائد لهذا القطاع البحري اللوجستي المهم قد يكون البديل الذي يبقي الدولة النفطية الصغيرة على خريطة الوجود العالمي.