ترجمة وتحرير: نون بوست
من شأن عملية الاستحواذ التي أجراها الملياردير الهندي بمليارات الدولارات من شأنه تسريع اندماج “إسرائيل” في الشرق الأوسط مع توسيع وتعميق احتلالها لحياة الفلسطينيين وأرضهم.
وقد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استحواذ رجل الأعمال الهندي غوتام أداني على ميناء حيفا بأنه يندرج ضمن مسار تحريري للميناء.
وأشاد نتنياهو برجل الأعمال وهو بجانبه في حفل التوقيع في أواخر شهر كانون الثاني/يناير، مبتسمًا للصفقة البالغ قيمتها 1.2 مليار دولار، وقال إنه يأمل أن تؤدي إلى مزيد من “التواصل بين بلدينا”.
وفي هذا الشأن، صرّح نتنياهو “أعتقد أن هذا معلم هائل.. منذ أكثر من 100 سنة، وخلال السنة الأولى، كان الجنود الهنود الشجعان هم من ساعدوا في تحرير مدينة حيفا. واليوم، يساعد المستثمرون الهنود الأقوياء للغاية في تحرير ميناء حيفا”.
وشهدت الصفقة، وهي واحدة من أكبر الاستثمارات الأجنبية الهندية في أي قطاع إسرائيلي، استحواذ شركة موانئ أداني والمناطق الاقتصادية الخاصة على حصة 70 بالمائة من ميناء حيفا الذي تمت خصخصته الآن، في حين اشترت مجموعة غادوت الإسرائيلية النسبة المتبقية البالغة 30 بالمائة.
وتصدرّت الصفقة عناوين الصحف في كل من “إسرائيل” والهند، وكان من المفترض أن تكون الصفقة لحظة تاريخية لقطب الفحم الذي صُنّف ثالث أغنى شخص في العالم في بداية العام.
ولكن في غضون أيام من إتمام الصفقة وإيلاء الاهتمام بالتفاصيل، كانت شركة آداني الرئيسية، مجموعة آداني، ترزح تحت وطأة اتهامات بسوء التصرف المالي، والمعاملات الاحتيالية، والتلاعب في أسعار الأسهم.
وانخفضت قيمة شركاته بشكل كبير على الرغم من استثمار 400 مليون دولار من صندوق استثمار في أبو ظبي. في غضون شهر، خرج آداني، الذي نفى التهم الموجهة إليه، من قائمة أغنى عشرة أشخاص في العالم.
وبالنظر إلى قرب آداني من شخصيات نافذة في نيودلهي، قالت الإيكونوميست إن ذلك كان “إحراجًا سياسيًا” لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وأنه “يواجه الرأسمالية الهندية بأقسى اختبار لها منذ سنوات”.
اتصل نتنياهو بمودي في 9 شباط/فبراير وسيتحدث الصديقان لمدة 20 دقيقة. على الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل المحادثة؛ حيث أكّد البلدان مجددًا التزامهما بتعزيز العلاقات والبناء على شراكتهما الإستراتيجية. وبدا أن هذا البيان أدى إلى تهدئة المخاوف بشأن تورط آداني في ميناء حيفا وعلاقاته بالعديد من الشركات والمبادرات الإسرائيلية.
لاحقًا، صرّح نوار جيلون، سفير “إسرائيل” في نيودلهي، لوسائل الإعلام المحلية: “آداني لاعب قوي جدًا في نظام الموانئ العالمي. هذا هو عمله الأساسي. نعتقد أنه سيجعل هذا الميناء أقوى. لقد دفع أموالا طائلة للاستثمار في للميناء”.
وأضاف قائلا:” أصبح الميناء ملكًا لآداني. أعتقد أن للشركة مصلحة في إنجاح هذا الميناء، وهذا هو أمل “إسرائيل” ومصلحة إسرائيل، وهذا يصب في مصلحة مجموعة آداني. أعتقد أن هذا الميناء سيكون ميناء مزدهرًا في البحر الأبيض المتوسط”.
بعبارة أخرى، أبرمت الصفقة وبيع ميناء حيفا وسيعمل الجانبان على إنجاحها.
قصة ميناء حيفا
يقع ميناء حيفا على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ولطالما كانت مركزًا رئيسيًّا للبحارة من شمال إفريقيا وآسيا لمئات السنين. وفي ظل الإمبراطورية العثمانية؛ كان بمثابة ميناء رئيسي في الطرف الشمالي من فلسطين وكان عاملاً مساعدًا للنمو السكاني في المدينة.
في سنة 1918؛ كان اليهود يشكلون أقل من 3 آلاف من مجموع سكان المدينة البالغ عددهم 22 ألف نسمة، في ظل الانتداب البريطاني لفلسطين؛ بدأ العمل في سنة 1929 لتحويله إلى ميناء عميق المياه.
لاحظ المؤلفان ريجيف ناثانسون وعباس شبلاق أنه خلال هذه الفترة – أواخر عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي – ازدهرت حيفا وأصبحت مركزًا إداريًّا واقتصاديًّا لشمال فلسطين، على الرغم من أن 40 بالمائة من السكان الفلسطينيين يعيشون في أحياء فقيرة.
وكتب ناثانسون وشبلاق عن حيفا في كتابهما “قبل وبعد 1948: روايات مدينة مختلطة”؛ حيث قالا إنه في نفس ذلك الوقت شهدت المدينة نزعة مثيرة للانقسام نحو إنشاء “وطن قومي لليهود”.
في هذا الصدد، أوضح شاري بلونسكي، المحاضر البارز في جامعة كوين ماري، لموقع ميدل إيست آي: “كان ميناء حيفا موقعًا رئيسيًا لبناء الأمة الصهيونية والإسرائيلية منذ ذلك الحين”، مضيفًا: “كان الميناء يمثل قاعدة للبعثات السرية لباليام. كانت هذه الميليشيات البحرية معينة قبل إنشاء الدولة لتقوم بتخريب السفن البريطانية وعمليات الإنقاذ الجريئة “للاجئين اليهود من معسكرات الاعتقال البريطانية في الأربعينيات”.
بحلول سنة 1947؛ زاد الوجود اليهودي وشكل حوالي نصف سكان المدينة البالغ عددهم 140 ألف نسمة، وبموجب خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة، صُنفت حيفا على أنها جزء من “إسرائيل” الجديدة وشهدت عنفًا شديدًا عندما بدأ طرد الفلسطينيين منها في سنة 1948؛ حيث قامت الميليشيات الصهيونية بتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من المدينة والمناطق المحيطة فيما يسميها الفلسطينيون النكبة. وفي 30 حزيران/يونيو 1948؛ أزيل العلم البريطاني من الميناء.
في هذا الصدد؛ صرّح توفيق حداد، عالم الاجتماع المقيم في القدس، لموقع ميدل إيست آي: “كانت حيفا تاريخيًا ميناءً إستراتيجيًّا في الماضي؛ فقد كان ميناء يستقبل النفط من العراق، ولقد فقد البريطانيون ذلك الميناء عندما اندلعت حرب عام 1948″، وأضاف: “بقدر ما يعتبر ميناءً مهمًّا للمصالح الغربية في شرق البحر المتوسط، فإن “إسرائيل” هي المعقل الرئيسي لذلك، وحيفا مهمة لذلك”.
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، استمرت حيفا في كونها نقطة دخول رئيسية لآلاف اللاجئين والمستوطنين اليهود من أوروبا.
وفي الخمسينيات من القرن الماضي؛ توسع الميناء تحت سيطرة “إسرائيل” وأصبح فيما بعد أكبر وأهم موانئ “إسرائيل” الثلاثة، والمنافذ الأخرى هي أشدود وإيلات.
ويعتبر ميناء حيفا جزءًا لا يتجزأ من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل؛ حيث يقدر أنه يتعامل مع حوالي 50 في المائة من جميع البضائع الإسرائيلية.
قدوم أداني
منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت المفاوضات حول خصخصة الميناء في إطار سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها نتنياهو، الذي شجع مرارًا وتكرارًا على بيع الأصول العامة لتقليل الفساد وخفض التكاليف.
في سنة 2015؛ فازت شركة شنغهاي الدولية للموانئ بمناقصة لتشغيل محطة خليج حيفا لمدة 25 سنة، مما أثار استياء الحكومة الأمريكية، حيث دعا وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو خلال زيارته لإسرائيل في أيار/مايو 2020، “إسرائيل” إلى وقف مشاريع البنية التحتية مع الصينيين قائلًا “نريد أن ينجح الشعب الصيني، لكننا لا نريد أن يتمكن الحزب الشيوعي الصيني من الوصول إلى البنية التحتية الإسرائيلية وأنظمة الاتصالات الإسرائيلية – كل الأشياء التي تعرض المواطنين الإسرائيليين للخطر – وبالتالي تعريض مشاريع أمريكا للعمل إلى جانب “إسرائيل” للخطر أيضا”.
بعد سنة، بدأ الصينيون عملياتهم في المحطة؛ وعندما فُتح باب المناقصات لميناء حيفا، أبدت موانئ دبي العالمية وتركيا والصين اهتمامها في البداية، لكن الولايات المتحدة ضغطت بشدة لمنع حصول بكين على الميناء الإستراتيجي، فيما انسحبت موانئ دبي العالمية من السباق في كانون أول/ديسمبر 2021.
وقال بلونسكي، من جامعة لندن: “أخبرني الجميع في الميناء أنهم متحمسون لمشاركة موانئ دبي العالمية، لكني لست متأكدًا من سبب انسحابهم”. من جانبه، يعترف دان كاتاريفاس، المنسق الإسرائيلي لمنتدى الرؤساء التنفيذيين بين الهند وإسرائيل، بأنه على الرغم من أن كانت هناك ميول نحو وجود شريك عربي في حيفا، إلا أنه كانت هناك ضغوطٌ لعدم تنفيذ الصفقة لأن الشراكة مع دولة عربية كانت ربما ستشكل خطرًا أمنيًّا. كل هذا خلق سيناريو مثاليًّا للهنود للمشاركة، فعندما قدّمت مجموعة “أداني” عرضها إلى جانب شركة “غادوت”، تغلّبت عليها في المنافسة، وكانت أعلى بنسبة 55 بالمئة من ثاني أعلى عرض، ولم يكن هذا مجرد عملية شراء، بل كان بيان نوايا.
حصلت مجموعة “أداني”، وهي شركة ضخمة في الهند تشارك في تصنيع الطاقة الشمسية لتوزيع الغاز ومحطات معالجة المياه للمطارات والخدمات المالية للعقارات، على ثقة “إسرائيل” لاعتبارها لاعبًا رئيسيًا مدعومًا من الدولة الهندية سيساعد في النهوض بالميناء. وحتى في ذلك الوقت، فاجأت هذه المناقصة الضخمة المراقبين.
وقال نيكولاس بلاريل، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية بجامعة ليدن في هولندا، لموقع “ميدل إيست آي”: “لم تغامر أي شركة هندية أبدًا في مشترياتها في الخارج”. وأضاف بلاريل: “أعتقد أن هذه كانت أكبر صفقة شهدتُها (بين الهند وإسرائيل). كانت هناك صفقات كبيرة، لكن معظمها في مجال الدفاع، لكن في القطاع الخاص، فهذا أمر جديد تمامًا”.
ومع ازدهار علاقات الهند مع “إسرائيل” منذ أن تولى مودي منصبه في سنة 2014، ومع تشكيل الهند جزءًا لا يتجزأ من التكتّل الأمريكي ضد الصين، بدا أن عملية الاستحواذ قد أسعدت واشنطن. بالنسبة لإسرائيل، كان الاستحواذ نعمة، إذ سيساعد في إعادة إنشاء الميناء كمحور رئيسي في الشرق الأوسط، وسيوفر لإسرائيل فرصة فريدة لإنشاء طريق تجاري يربط بين البحر الأبيض المتوسط والخليج، متجاوزًا قناة السويس، حيث وعدت مجموعة “أداني” بـ “تحويل المشهد المينائي بأكمله”.
وقالت “أداني” إن “حيفا الغد ستبدو مختلفة تمامًا عن حيفا اليوم، بدعمكم، سنفي بهذا الالتزام ونقوم بدورنا لتغيير هذه المدينة”. وتواصل موقع “ميدل إيست آي” مع مجموعة “أداني” في عدة مناسبات لكنه لم يتلق ردًا حتى وقت النشر، فيما رفضت موانئ دبي العالمية الرد على أسئلة حول عرضها.
العلاقات بين الهند و”إسرائيل”
كقائدة لـ”حركة عدم الانحياز” منذ أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان يُنظر إلى الهند بعد الاستقلال دائمًا على أنها صديقة مقربة للشعب الفلسطيني. وعندما أقامت “إسرائيل” دولتها على الأراضي الفلسطينية سنة 1948، لم تعترف بها نيودلهي إلا في سنة 1950. صوّتت الهند أيضًا في سنة 1975 في الأمم المتحدة للقرار رقم 3379 الذي يصنف الصهيونية على أنها عنصرية، ولكن بمجرد أن قامت الهند بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” في سنة 1992، غيّرت العلاقة اتجاهها بسرعة.
بعد مرور ثلاثين سنة، أصبحت نيودلهي الآن أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية، والتي تقترب من ملياري دولار سنويًّا. وقال ساي إنجليرت، المحاضر في دراسات المنطقة في جامعة ليدن، لموقع “ميدل إيست آي”: “يبدو لي أن دعم الهند السابق للفلسطينيين كجزء من دورها القيادي في “حركة عدم الانحياز” وحركات العالم الثالث قد تم التخلي عنه لبعض الوقت”، مشيرًا إلى أنه “تحت قيادة مودي، تسارعت هذه العملية بالتأكيد، حيث سعى بنشاط لبناء علاقات مع أنظمة قمعية ومحافظة أخرى في جميع أنحاء العالم”. وأضاف: “بهذا المعنى، فإن تقاربه مع “إسرائيل” هو جزء من اتجاه أوسع”.
على مدى السنوات الخمس الماضية، على وجه الخصوص، بدأت الشركات الهندية مثل شركة “أداني” أيضًا في إنتاج أسلحة إسرائيلية. وتشمل هذه البنادق الهجومية من نوع “تافور إكس-95″، والمدافع الرشاشة الخفيفة من طراز “نقب”، وبنادق القنص من طراز “جليل”، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار من طراز “هرمز 900” متوسطة الارتفاع وطويلة التحمل.
تم تصنيع طائرات “هرمز” بدون طيار، التي تم اختبارها لأول مرة على الفلسطينيين خلال الحرب على غزة سنة 2014، للقوات المسلحة الهندية وكذلك لسوق التصدير. وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين استمرت في الازدهار، مع قيام الهند وإسرائيل بترقية العلاقات إلى شراكة إستراتيجية في سنة 2017؛ فقد كان ذلك تحت رعاية ما يسمى بـ”اتفاقات إبراهيم” التي تم إبرامها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والتي أضفت مزيد من الأهمية لدور نيودلهي في المنطقة.
تطوّرت علاقات الهند مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر أيضًا منذ “اتفاقيات إبراهيم”. في الأثناء؛ تم الاستحواذ على ميناء حيفا بقوة باعتباره مكسبًا كبيرًا للهند وإسرائيل، الأمر الذي وصفته المؤثرة الإسرائيلية حنانيا نفتالي بأنه يشكّل “نقطة تحول في تحالفنا [مع الهند]”، وأضافت: “أعتقد أن هذه الصفقة تُظهر أن الإسرائيليين يثقون في الهند بما يكفي لخصخصة ميناء حيفا المملوك للدولة وتسليمه للأيادي الهندية”.
وأشار العديد من المراقبين إلى أن الشراء يشير إلى تحول كبير في العلاقات مع إسرائيل، الذي لم يقتصر على منح الهند فرصة لتوسيع تواجدها من آسيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا، بل عزز أيضًا سعي نيودلهي لتصبح لاعبًا اقتصاديًا يحظى باحترام عالمي.
في الواقع؛ وضع ميناء حيفا أداني في مركز التجارة بين آسيا وأوروبا. وأشار مراقبون إلى أن هذه الخطوة قد تسهل اتفاقيات التجارة الحرة التي طال انتظارها بين الهند والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، كما ستساعد أيضًا في توسيع التعاملات الاقتصادية الإسرائيلية مع جنوب آسيا وشرق آسيا، والأهم من ذلك، زيادة دمج الاقتصاد الإسرائيلي في الشرق الأوسط بعد سنوات من العزلة عن جيرانه.
وقال كاتاريفاس لموقع “ميدل إيست آي”: “إن تورط مجموعة أداني في إسرائيل، أو في ميناء حيفا، ليس اسنثنائيًّا؛ إنه جزء من إستراتيجية المجموعة لجلب “إسرائيل” والهند إلى منطقة الشرق الأوسط”، وأضاف “أعتقد أن مجموعة أداني ترى أن الميناء مهم للغاية في الاتصال بين الشرق والغرب وأن الأمور في نهاية المطاف ستتطور بشكل إيجابي في الشرق الأوسط، وميناء حيفا هو بوابة لأوروبا من الشرق الأوسط وآسيا”. وأشار كاتاريفاس إلى أن: “هذا يعد استحواذًا إستراتيجيًّا وراءه تفكير جيو-سياسي حسب التخطيط المتوسط والطويل الأجل لشركة أداني”.
“تضخيم الخرافات”
عندما سلم نتنياهو أداني المفتاح الذي يضرب به المثل لميناء حيفا في 31 كانون الثاني/ يناير، كان هذا الشهر بالفعل أكثر الشهور دموية بالنسبة للفلسطينيين منذ سنة 2015؛ حيث قتلت القوات الإسرائيلية ما لا يقل عن 35 فلسطينيا في هذا الشهر وحده.
وجاء ذلك في أعقاب العام الأكثر دموية للفلسطينيين منذ نهاية الانتفاضة الثانية سنة 2005 حيث استشهد حوالي 220 فلسطينيًا، بينهم 48 طفلاً، في سنة 2022.
وفي حفل التوقيع، ركز أداني على شيء واحد فقط: إغداق “إسرائيل” بالثناء.
وقال مشيدًا بإسرائيل: “لطالما حفزتني إسرائيل؛ لقد أعدتِ كتابة قواعد ما يمكن أن يحققه عدد سكان أقل من 10 ملايين. لقد أعدتِ كتابة القواعد من خلال إثبات ما يمكن لدولة ذات موارد طبيعية ضئيلة للغاية أن تحققه”.
وتابع قائلًا إن “إسرائيل” كانت نتاجًا لقدرتها على التغلب على كل الصعاب مع القوة الهائلة للعلم والتكنولوجيا، وأضاف أن “وتيرة الابتكار عبر قطاعات متعددة تبهرني. إن دافعكِ للابتكارات يجعلني أتساءل كيف يمكننا التعلم منكِ”.
أثارت هذه التصريحات غضب منتقدي “إسرائيل” والهند الذين أشاروا إلى أن كلا البلدين يواصلان تضخيم خرافاتهما التأسيسية كدول ديمقراطية ومبدعة، على الرغم من أنهما يسعيان إلى مشاريع إقصائية وعرقية قومية.
وشهدت الهند ارتفاعًا حادًا في الهجمات ضد المسلمين والمسيحيين والداليت في ظل حكم مودي؛ حيث قال إنجليرت إن إلغاء وضع الحكم شبه الذاتي لكشمير يكرر مشروع “إسرائيل” في الضفة الغربية المحتلة حيث يوجد أوجه تشابه بين قانون تعديل المواطنة الهندي، الذي أضفى الطابع المؤسسي على المسلمين باعتبارهم أجانب، وبين قانون حق العودة الإسرائيلي.
وقال إنجليرت: “من المؤكد أن سياسات مودي في كشمير – التي تركز على عمليات نقل السكان والاستيلاء على الأراضي وإنكار حقوق الشعب الكشميري – قد وُصِفت بأنها استعمارية استيطانية وتحمل الكثير من أوجه التشابه السطحية مع السياسات الاستعمارية الإسرائيلية ضد “الشعب الفلسطيني”. مبيّنًا أنه “كانت هناك عمليات نقل مباشرة للخبرات والتكنولوجيا من “إسرائيل” إلى الهند لتسهيل هذه العملية بشكل أكبر”.
في غضون أيام من الإعلان، تم رفع علم هندي، إلى جانب علم إسرائيل، عند مدخل الميناء.
قال بلونسكي: “في مكان مثل إسرائيل، حيث ترسي قصصها وحنينها، كوسيلة لدعم “إسرائيل” كنوع من الدولة الشرعية، ضد القصص الفلسطينية – التي تتعلق بالمكان نفسه – يصبح من المهم لها تضخيم خرافاتها”، مشيراً إلى أن “أكثر التداعيات الملموس لهذا الشعار تمحو القضية الفلسطينية”.
تدويل الاحتلال
في تشرين الأول / أكتوبر 2021، تم رسميًّا تشكيل تجمع غرب آسيا، أو مجموعة “آي 2 يو 2” التي تضم “إسرائيل” والهند والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة.
وقالت نيودلهي في الأيام التي سبقت القمة إن المجموعة ستشجع الاستثمارات المشتركة في مجالات مثل المياه والطاقة والنقل والفضاء والصحة والأمن الغذائي.
وقال إنجليرت، من جامعة ليدن، إنه مثلما فعلت ما يسمى باتفاقات أبراهام، فقد سرَّعت مجموعة “آي 2 يو 2” عملية التطوير والتحديث لتوسيع مشاريع الأمن والخصخصة في جميع أنحاء المنطقة.
لم يوضح بيع ميناء حيفا الدور المركزي “إسرائيل” في عدد من المناورات الجيوسياسية المختلفة في المنطقة فحسب؛ بل إنه يمثل ترسيخًا لبديل عن مبادرة الحزام والطريق الصينية تقوده الولايات المتحدة.
وقال إنجليرت “الميناء هو أول إنجاز مهم لمجموعة “آي 2 يو 2″، مضيفًا أن الاستحواذ عليه يعني أيضًا مزيدًا من تدويل الاحتلال الإسرائيلي.
بعد أقل من شهر من حديث نتنياهو ومودي عبر الهاتف بعد الأزمة التي ضربت شركة أداني، أعلنت شركة “جي كيو جي بارتنرس” الأمريكية أنها ستستثمر 1.88 مليار دولار في أربع شركات تحت شعار مجموعة أداني وشمل ذلك حصة تبلغ 4.1 في المائة في شركة “أداني بورتس” مقابل 640 مليون دولار.
كان التأثير فوريًا حيث ارتفعت أسعار أسهم شركات أداني الأربع بنسبة 5 و10 بالمئة خلال يوم واحد وتعززت قيمة الروبية الهندية أيضًا مقابل الدولار الأمريكي بسبب الاستثمار؛ وهو أعلى تغيير في شهر واحد.
مساحات تتجاوز الحدود الوطنية
بسبب استثمار الهند الكثيف في “إسرائيل”؛ حذر مراقبون آخرون من احتمال حدوث تداعيات خطيرة؛ حيث يعتبر بيع ميناء حيفا و”نقل أعمال “إسرائيل” إلى الخارج”، كما يصفه بلونسكي، جزءًا من مخطط لفك ارتباط “إسرائيل” بغزوها الاستعماري باسم إنشاء ما يسمى بمساحات خاصة وفعالة ومتوافقة للتجارة العالمية.
وأوضح بلونسكي أنه لكي تتم عملية مثل هذه بطريقة تفوق الرأسمالية التي يتم تصورها، فإن الأمر يتطلب مزيدًا من التأمين والاحتواء وإضفاء الطابع الوحشي على الفلسطينيين.
وأضاف بلونسكي: “إن مشروع نقل الأعمال إلى الخارج هو فصل دوائر التجارة العالمية (مثل ميناء حيفا) عن كل شيء – مثل القوانين المحلية أو السياسة – ويمكن أن يعيق الانتقال السريع للسلع والخدمات”. وأشار إلى أن” لا شيء يتحرك عبر المساحات بطريقة سحرية؛ فالموانئ ليست مساحات فارغة، إنها مليئة بالهويات الوطنية والهويات الإمبريالية التي تسعى للربح وهي مثقلة بكل هذا في وقت واحد”.
وبحسب بلونسكي: “تبقى الموانئ مساحات تتجاوز الحدود الوطنية، كما يظهر ذلك العلم الهندي في حيفا”.
المصدر: ميدل إيست آي