لست مضطرًا أن تحب المعجنات أو مافن البيض أو الهامبرغر أو الشطائر لتناول منتجات شركة كارجيل (Cargill) بشكل منتظم، أيًّا كان ما أكلته أو شربته اليوم، قطعة حلوى أو معجنات أو شوربة معلبة أو آيس كريم أو لبن أو علكة، من المحتمل أنها تتضمن شيئًا صغيرًا من قائمة المكونات الغذائية التي تنتجها أكبر شركة مملوكة للقطاع الخاص في الولايات المتحدة.
هذه واحدة من الشركات التي تؤثر على طعامك حتى لو لم تسمع عنها من قبل أو تستهلك منتجاتها بشكل مباشر، وهو ما يفسّر كيفية شرائنا للسلع الغذائية بأسعار أعلى، خاصة في أوقات الأزمات والحروب، بسبب الممارسات التجارية التي تنتهجها شركات مثل كارجيل التي تبعد عنا آلاف الأميال، وفي بعض الأحيان يتخطى تأثير هذه الشركات قصة الأسعار رغم أهميتها.
كارجيل.. من البدايات المتواضعة إلى عملاق الغذاء
تكمن جذور عملاق الغذاء كارجيل في الأعمال القديمة المحفوفة بالمخاطر المتمثلة في شراء وتخزين وبيع الحبوب، ففي عام 1865 بدأ ويليام والاس كارجيل، البالغ من العمر 20 عامًا، تجارة الحبوب بمستودع واحد في نهاية خط سكة حديد في بلدة كونوفر بولاية آيوا الأمريكية بعد الحرب الأهلية مباشرة، لكن سرعان ما أصبحت هذه البلدة “مدينة أشباح” عندما انسحبت السكة الحديد، لكن كارجيل لا تزال تتعامل في الحبوب أينما تنمو وأينما تذهب.
مقرّ شركة Cargill Elevator الرئيسي في مينيابوليس بولاية مينيسوتا قبل تغيير اسمها إلى كارجيل
بعد 30 عامًا من تأسيسها، وبالتحديد عام 1895، قرر ويليام والاس تكبير عائلته وأعماله التجارية، وزوّج ابنته إدنا لسليل عائلة ماكميلان التي تعمل أيضًا في تخزين الحبوب، وانتهت الشراكة بسيطرة جون ماكميلان على إدارة الشركة عندما توفي والد زوجته عام 1909.
بحلول عام 1912 تغير اسم الشركة إلى Cargill Elevator، وأصبح مقرّها الرئيسي في مينيابوليس بولاية مينيسوتا، وكان حفيد كارجيل، ويتني ماكميلان، آخر أفراد الأسرة الذين أداروا الشركة، حيث شغل منصب الرئيس التنفيذي لمدة 18 عامًا (1977-1995) قبل أن يتقاعد في مزرعة في مونتانا تبلغ مساحتها 40 ألف فدان.
كانت الحرب العالمية الأولى نقطة تحول للشركة، عندما استعانت بها الحكومة الأمريكية لإدارة لوجستيات الغذاء في الولايات المتحدة، وفي عام 1930 تمَّ تأسيس الشركة وغيّرت اسمها إلى كارجيل.
لكن الحرب العالمية الثانية، في أواخر الثلاثينيات، أضرّت بأعمال كارجيل الاحتكارية، لكنها وضعت استراتيجية جديدة لتنويع أعمالها، وبدأت في الدخول إلى أسواق جديدة والاستثمار في المنتجات المصنَّعة، مثل الأعلاف ومعالجة فول الصويا والبذور والزيوت النباتية، لحماية نفسها من تقلبات أسعار الغذاء الخام.
رغم الحديث هنا عن شركة متخصصة في تسويق المحاصيل الزراعية، إلا أن نشاط مجموعة كارجيل الحقيقي يتخطى هذا الاتجاه.
ارتبطت بعض المفاهيم التاريخية الشائعة بكارجيل، منها فكرة أن الشركة كان يديرها أفراد من داخل العائلة -سواء كانوا فرع كارجيل أو ماكميلان- طوال هذه السنوات، فقد أدّى اندماج العائلتَين إلى ظهور أكثر من 100 من الأحفاد الذين كانوا يجنون الأرباح.
صحيح أنه لمدة 115 عامًا (75% من عمر الشركة) كان لدى كارجيل أفراد من العائلة على رأسها، لكن يمكن القول إن أول عضو مسؤول من خارج العائلة هو إروين كيلم، الذي تولى رئاسة كارجيل لمدة 16 عامًا (1960-1976)، ودفع الشركة إلى تجارة الحبوب العالمية الضخمة كما هي اليوم.
عندما تقاعد كيلم، كانت كارجيل تعمل في 35 دولة، أي ضعف ما كانت عليه عندما تولى المنصب، وزادت العمالة 5 أضعاف إلى 23 ألفًا، حيث اقتحمت مجالات أوسع مثل تجارة البن والكاكاو.
كانت كارجيل تشحن سلعًا أخرى أيضًا: فول الصويا والسكر من البرازيل، وزيت النخيل من أندونيسيا، والقطن من آسيا وأفريقيا وأستراليا والجنوب الأمريكي، ولحوم البقر من الأرجنتين وأستراليا والسهول العظمى، والملح من جميع أنحاء أمريكا الشمالية وأستراليا وفنزويلا.
من المثير للفضول أن الزراعة هي إحدى الأعمال التي لا تشارك فيها كارجيل، باستثناء 4 مزارع للنخيل في إندونيسيا، لا تمتلك شركة كارجيل أرضًا زراعية، وتبرر ذلك بـ”تعهدها بعدم استغلال حقوق الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية، والتي تشمل حقوق ملكية الأراضي لأصحاب الحيازات الصغيرة وغيرهم من السكان المحليين”.
هذا يشبه إلى حدّ كبير قرارها بتأجير السفن وليس امتلاكها، فعلى مدى السنوات العشر الماضية تضاعف أسطول كارجيل المؤجَّر من 330 سفينة إلى ما متوسطه حوالي 600 سفينة عبر المحيط، تقوم بـ 4500 رحلة كل عام إلى أكثر من 875 ميناء على مستوى العالم، ما يجعلها من بين أكبر شركات شحن البضائع في العالم.
وفق تقريرها حول “أعمال النقل البحري” لعام 2020، تشحن كارجيل حوالي 200 مليون طن من البضائع كل عام، ليس من بينها أي منتجات خام، ففي بعض الأحيان تنقل السفينة نفسها التي تحمل شحنة من فول الصويا في ميناء كارجيل في سانتاريم في منطقة الأمازون بالبرازيل، بعد تفريغ حمولتها في شنغهاي، الفحم من أستراليا إلى اليابان قبل شطف حواجزها من الداخل، والعودة إلى البرازيل للحصول على المزيد من الحبوب.
بصفتها مالك البضائع وتاجر السلع وتاجر الشحن ومشغّل السفن، تتمتع كارجيل بموقع فريد لفهم متطلبات أسواق السلع العالمية، وتنقل أعمالها البحرية المزيد من الفحم وخام الحديد إلى أطراف ثالثة أكثر من نقل المواد الغذائية والزيوت والأعلاف لنفسها بمقدار ضعفَين، ليتبيّن هنا شعارها “من أماكن الفائض إلى أماكن الحاجة”.
ويعني هذا تحفيز أسواق جديدة، وفتح طرق تجارية جديدة، والتوفيق بين المنتجين والمستهلكين، وقبل كل شيء ضمان التدفقات الثابتة للسلع الزراعية في بيئة عالمية متغيّرة، وهو ما يساعد في شرح كيفية دخول كارجيل إلى فيتنام -بعد تطبيع الرئيس بيل كلينتون العلاقات مع الحكومة في هانوي عام 1995- بهدف إنشاء شيء لم يكن موجودًا من قبل، إنه اقتصاد تصدير الكاكاو.
في غضون 4 سنوات فقط، نما مكتب كارجيل في فيتنام إلى 250 شخصًا، إذ طوّر منتجات وخدمات من شأنها أن تفيد المزارعين المحليين في المستقبل، ومنذ عام 1997 أجرت الشركة ورش عمل تدريبية محلية لأكثر من 1.5 مليون مزارع فيتنامي، وحصلت على العديد من الجوائز عن دورها في تنمية الاقتصاد الفيتنامي، بما في ذلك جائزة عام 2000 من وزارة الخارجية الأمريكية باعتبارها “أفضل شركة أمريكية في فيتنام”.
في عام 2000، اعترفت وزارة الخارجية الأمريكية بشركة كارجيل باعتبارها “أفضل شركة أمريكية في فيتنام”.
منذ ذلك الحين، نما وجود كارجيل هناك ليشمل أكثر من 1100 موظف يعملون في مجال تغذية الحيوانات والصناعات الرئيسية الأخرى، مثل الكاكاو ومكوّنات الأطعمة والمشروبات والحبوب والبذور الزيتية.
بدأت كارجيل أعمالها في مجال الكاكاو في فيتنام عام 2004، وفي فبراير/ شباط 2011 تسلّمت الشركة أول حبوب كاكاو فيتنامية تحمل شهادة UTZ، وأنتج المزارعون في هذا الوقت حوالي 2500 طن من الكاكاو، يذهب 70% منها إلى شركة كارجيل، وكان اتجاه النمو مثيرًا للإعجاب: 40 ألف فدان مزروعة في عام 2010، مقارنة بـ 1200 فدان في عام 2003، مع وجود 32 ألف مزارع في 12 مقاطعة، وتواصل البلاد سعيها لتصل قيمة صادراتها إلى 6 مليارات دولار في عام 2030، وفق ما أعلنت رابطة البن والكاكاو في فيتنام.
استخبارات كارجيل.. ليست مجرد شركة
رغم الحديث هنا عن شركة متخصصة في تسويق المحاصيل الزراعية، إلا أن نشاط مجموعة كارجيل الحقيقي يتخطى هذا الاتجاه، كما يذكر المؤلف واين برويل في كتابه “كارجيل: تجارة الحبوب في العالم”، فهي تعمل في تجارة الأسمدة ومكونات المنتجات الزراعية المصنعة وتجارة الأخشاب، وصناعة اللحوم والدواجن، واستخراج الفحم وصناعة الصلب وتجارة النفط والمطاط والمعادن والعقارات والسكك الحديدية والخدمات المالية.
يتجاوز نفوذ كارجيل حدود الولايات المتحدة، وتمارس أنشطتها بشكل مباشر من خلال ما يقرب من 160 ألف موظف و800 مكتب في 70 دولة، وبشكل غير مباشر في 125 دولة حول العالم.
في عام 2003، أنشأت كارجيل شركة فرعية مستقلة تسمّى “بلاك ريفر (Black River)”، ويعمل بها موظفون في 13 دولة، وهي عبارة عن صندوق تحوُّط بقيمة 5.6 مليارات دولار يستفيد من قدرة الشركة العالمية التي لا مثيل لها في جمع المعلومات الاستخبارية لاتخاذ أفضل القرارات الممكنة في بورصة شيكاغو، والقيام بمراهنات كبيرة على السلع والأراضي.
كانت شبكة الاستخبارات هذه مهمة للغاية في الوقت الذي قُبلت فيه كارجيل كعضو في مجلس شيكاغو للتجارة عام 1935، وهذا يعني دخولها لعبة تداول العقود الآجلة للسلع، التي يعتمد تحقيق الأرباح فيها على التنبؤ بالأسعار في المستقبل.
الغريب في الأمر أن شبكة الاستخبارات التي تفتخر بها كارجيل على موقعها الإلكتروني حتى اليوم لم تكوِّن قاعدتها الأساسية بنفسها، إنما تعود إلى شركة Taylor & Bournique التي استحوذت عليها كارجيل عام 1923.
وهذه الشركة متخصصة في الحبوب ومنافس رئيسي، مقرّها في ولاية ويسكونسن، كانت تمتلك نظام تيليغراف متطور عُرف باسم تيليتايب (Teletype)، يتيح نقل الرسائل بدقة وسرعة وتكلفة منخفضة وسرّية تامة بين أفرع الشركة المختلفة، وأصبح هذا النظام البنية الأساسية لشبكة الاستخبارات التي أسّستها كارجيل.
لقدرة شبكتها الاستخباراتية على تتبُّع المعلومات الهامة عن الأسواق المختلفة والشركاء والمنافسين والمستهلكين وعمليات البيع والشراء ونقلها بسرعة لمراكز صنع القرار، تمكّنت كارجيل من عقد صفقات ناجحة وتوليد أرباح ضخمة تتجاوز حدود الولايات المتحدة، حتى وصفها وزير الزراعة الأمريكي الأسبق، روبرت بيرغلاند، بأنها “تمتلك أفضل منظومة استخباراتية لتسويق المحاصيل الزراعية، مقارنة بأفضل جهاز استخبارات في العالم، وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)”.
كان نظام تيليتايب الذي حصلت عليه كارجيل يعمل على تسريع الاتصال بين المكاتب وتحسين العمل.
يفسّر هذا سبب تحقيق شركة كارجيل أرباح هائلة من كل الأزمات التي ضربت الاقتصاد الأمريكي، وعلى رأسها “الكساد الكبير” الذي بدأ عندما انهار سوق الأسهم عام 1929 وحتى بداية الأربعينيات، وتسبّب في انخفاض أسعار المحاصيل بأكثر من 60%، وأزمة “قصعة الغبار” أو “الثلاثينيات القذرة” التي سادت خلالها فترة من الجفاف الحاد امتدت فترة 1930-1936، وفي بعض المناطق حتى عام 1940.
اليوم، يتجاوز نفوذ كارجيل حدود الولايات المتحدة، وتمارس أنشطتها بشكل مباشر من خلال ما يقرب من 160 ألف موظف و800 مكتب في 70 دولة، وبشكل غير مباشر في 125 دولة حول العالم، ما يجعلها واحدة من الشركات الأربعة المهيمنة في الصناعة الزراعية، والمعروفة اختصارًا بـ”ABCDs”، وقد سيطروا بشكل مشترك على تجارة الحبوب لأكثر من قرن.
تأسّست هذه الشركات في البداية كمؤسسات تجارية للحبوب مملوكة للعائلات مع تخصصات جغرافية محددة، وقد تطورت منذ ذلك الحين لتصبح شركات معقّدة للغاية، فهي تشتري وتبيع الحبوب بالإضافة إلى مجموعة من السلع الزراعية وغير الزراعية الأخرى، بينما تقوم أيضًا بمجموعة من الأنشطة من التمويل إلى الإنتاج إلى المعالجة والتوزيع، واتخذ الوافدون الجدد إلى هذا الفضاء هياكل وأنشطة معقدة في محاولة للمنافسة.
انتكاسات كارجيل المؤقتة
مع الأخذ في الاعتبار مكانتها الرفيعة بين شبكات توزيع المواد الغذائية، تمتّعت كارجيل بسمعة مشوّهة على مدار أكثر من 157 عامًا، ففي عام 1938 اندلع نزاع حول مزاعم بأن كارجيل تحاول احتكار تجارة الذرة، وعلّق مجلس شيكاغو للتجارة عضوية التجار التابعين لها، ولم تعد الشركة إلى المجلس إلا بعد موت جون جونيور المفاجئ عام 1960.
بقدر ما قد تكون كارجيل قوية، فهي ليست محصّنة ضد الانتكاسات، حيث كانت بداية السنة المالية للشركة لعام 2012 مخيّبة للآمال، فقد انخفضت الأرباح بنسبة 66% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق (من 693 مليون دولار إلى 236 مليون دولار)، ملقية باللوم على الاضطرابات الاقتصادية العالمية، ومع ذلك في الأشهر الثلاثة حتى 31 أغسطس/ آب ارتفعت الإيرادات بنسبة 34% لتصل إلى 34.6 مليار دولار.
أدّت القوة المتزايدة لشركة كارجيل إلى زيادة المخاوف بشأن النظام الغذائي، بما في ذلك التقلبات الشديدة الأخيرة في أسواق السلع والأسعار “المرتفعة” في المتاجر.
يعود ذلك في جزء منه إلى سلسلة من الأحداث غير المتوقعة: فيضانات الربيع في وسط غرب الولايات المتحدة، حيث اضطرت كارجيل إلى إنفاق 20 مليون دولار لمنع انهيار مصنع طحن الذرة في بلير؛ أعقب ذلك الإعلان للمرة الثانية في أقل من 6 أسابيع عن أكبر عملية سحب دواجن من السوق في تاريخ الولايات المتحدة، حيث 36 مليون رطل من الديك الرومي المطحون مرتبط بتفشي السالمونيلا في مصنع في أركنساس، ما أدّى إلى مرض 107 أشخاص في 31 ولاية ووفاة شخص واحد، وانتهى الأمر بإغلاق جزئي للمصنع وتسريح العمال.
رغم هذه الانتكاسات لم تتباطأ كارجيل، وأكملت العديد من عمليات الاستحواذ التي أعلنت عنها في الربع الأول من السنة المالية 2012، حيث استكملت صفقات لمصنع دواجن ولحوم في أمريكا الوسطى، وشركة الكاكاو والشوكولاتة الألمانية KVB، وشركة الدواجن واللحوم الإيطالية Pipasa، وشركة تجارة الحبوب AWB (هيئة القمح الأسترالية المملوكة للحكومة سابقًا) بقيمة 1.3 مليار دولار.
كان لدى كارجيل أيضًا عرض معلَّق بقيمة 2.1 مليار دولار لشركة “بروفيمي” (Provimi) الهولندية، وهي شركة عالمية لتغذية الحيوانات يعمل بها 7 آلاف موظف في 26 دولة، وانتهت هذه الصفقة بنهاية العام 2011، في واحدة من أكبر عمليات الاستحواذ على الإطلاق، لتوسيع نطاق وصولها إلى السوق العالمية لأعلاف الحيوانات.
في العام نفسه، تخلت كارجيل عن حصتها البالغة 64% في شركة The Mosaic، ثاني أكبر منتج للأسمدة في أمريكا الشمالية، في صفقة قيمتها 24.3 مليار دولار، وخرجت من مجال هندسة البذور منذ فترة طويلة، لكن المزارعين في العديد من البلدان التي تعمل فيها كارجيل لا يزال بإمكانهم شراء كل ما يحتاجون إليه لزراعة محاصيلهم وإطعام مواشيهم من مندوب أو وكيل كارجيل المحلي، بالإضافة إلى التأمين على المحاصيل وأدوات التحوط ونصائح التسويق.
قلة من الشركات العامة يمكن أن تكون بهذه الجرأة بعد النتائج السيّئة، فمع إيرادات بقيمة 119.5 مليار دولار عام 2011، تعدّ شركة كارجيل أكبر بمقدار النصف من أقرب منافس لها في إنتاج الغذاء “آرتشر دانيلز ميدلاند” (Archer Daniels Midland)، واحتلت المرتبة السادسة في قائمة “فورتشن 500” (Fortune 500) لأكبر 500 شركة خاصة من حيث إجمالي الإيرادات، لكن هذه الأرقام وحدها لا تحدد بشكل دقيق نطاق تأثير كارجيل على حياتنا اليومية.
على مدار العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زادت مبيعات كارجيل بأكثر من الضعف، وبلغت قيمة النشاط التجاري المدرج تحت مسمّى “مكونات المنتجات الزراعية المصنَّعة”، مثل الحلوى والمعجنات والحساء المعلب والزبادي والآيس كريم، حوالي 50 مليار دولار في عام 2015، ويمسّ إلى حدّ كبير أي شيء مملّح أو محلّى أو محفوظ أو مقوى أو مستحلب، أو أي شيء يجب إخفاء طعمه أو رائحته الخام من أجل جعله مستساغًا.
محطة الحبوب الداخلية لشركة كارجيل في كندا.
الحقيقة البسيطة هي أنه كلما زاد حجم شركة كارجيل جذبت المزيد من الاهتمام إليها، وقد ظهر هذا الاهتمام عندما استحوذت شركة كارجيل و”كونتيننتال غرين” (Continental Grain) على شركة مزارع ساندرسون (Sanderson Farms)، أحد عمالقة صناعة الدجاج، بقيمة 4.53 مليارات دولار في 9 أغسطس/ آب 2021، ما أدّى إلى إنشاء ثالث أكبر شركة لتصنيع الدواجن في الولايات المتحدة، رغم وجود تدقيق صارم من البيت الأبيض بخصوص عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاعات اللحوم والدواجن تحديدًا.
تلك الصفقة -التي كان من المتوقع إجراؤها في ديسمبر/ كانون الأول 2021 أو أوائل عام 2022- تأخرت كثيرًا بسبب معركة كبيرة مع أجهزة مكافحة الاحتكار الأمريكية، فقد تأجّلت بسبب مراجعة وزارة العدل للصفقة، وانتقدها المشرّعون الديمقراطيون، مشيرين إلى “مخاوف كبيرة بشأن مكافحة الاحتكار”، حيث ستسيطر الشركتان معًا على ما يقرب من 15% من إنتاج الدجاج في الولايات المتحدة.
أدّت القوة المتزايدة لشركة كارجيل إلى زيادة المخاوف بشأن النظام الغذائي، بما في ذلك التقلبات الشديدة الأخيرة في أسواق السلع، والأسعار “المرتفعة” في المتاجر، رغم ذلك نجحت منذ فترة طويلة بشكل ملحوظ في الابتعاد عن أعين الجمهور.
“أسوأ شركة في العالم”
يبدو هذا الوصف الذي أطلقه عضو الكونغرس السابق ورئيس منظمة حماية البيئة المسماة Mighty Earth التي تعمل للدفاع عن كوكب الأرض، وايل واكسمان، جريئًا، لكن مع وجود أدلة شاملة ومقنعة لدعمه يبدو ملازمًا لشركة كارجيل دون غيرها، متجاوزة حتى عملاق الصناعات والتجارة مجموعة صناعات كوك (Koch Industries) سيّئة السمعة التي تمتلكها عائلة كوك، وامتدت بَصْمتها في جميع أنحاء العالم.
تُتهم كارجيل بالمشاركة في تدمير غابات العالم ”رئتَي الكوكب”
طوال تاريخها، أظهرت كارجيل نمطًا مزعجًا ومتكررًا من الممارسات غير النزيهة، فبعد فترة وجيزة من التأسيس تحت اسمها الحالي، طُردت الشركة من أكبر بورصة للخيارات والعقود الآجلة في البلاد، بعد اتهامها من قبل هيئة تبادل السلع (لجنة تداول السلع الآجلة حاليًّا) بمحاولة السيطرة على أسواق الحبوب ورفع سعرها بشكل مصطنع.
كانت هذه أول محاولة حكومية للسيطرة على الشركة، لكن كما هو متوقع فشلت هذه المحاولة بسبب ضغوط لوبيات الشركة على المسؤولين، وتواصلت ممارسات كارجيل لعقود متتالية من الدمار والخداع.
في عام 1971، صدّرت كارجيل -بعد اتفاقها مع النظام العراقي وقتها- 95 ألف طن من القمح والشعير المعالجَين ضد الفطريات بمادة “ميثيل الزئبق” المحظورة لخطورتها، ما أدّى إلى وفاة 459 شخصًا حسب الإحصاءات الرسمية، لكن يرجّح أن العدد الحقيقي للوفيات تجاوز 10 أضعاف الرقم المذكور، ما جعل هذه الحادثة التي عُرفت باسم “الموت الوردي” تُصنّف كأكبر واقعة تسمُّم بالزئبق حتى يومنا هذا.
تميل الرواية الغربية إلى تحميل النظام العراقي المسؤولية، الذي تجاهل التوجيهات التي تمنع تناول هذه الحبوب للإنسان والحيوان، لكن هذه الرواية تجاهلت حقيقة الوضع الغذائي في العراق في هذه الفترة، كما تجاهلت دور كارجيل والحكومة الأمريكية التي كانت تسمح بتصدير هذه المادة السامة إلى الخارج بضغوط من شركات الكيماويات، رغم حظرها في الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية بعد وقوع الكثير من حالات التسمُّم.
واصلت كارجيل انتهاكاتها لحقوق العمالة والأطفال وممارساتها الاحتكارية ومخالفاتها البيئية المتهمة بارتكابها من قبل المنظمات المستقلة، وبحسب مؤشر الانتهاكات (Violation Tracker) الذي تصدره مؤسسة Good Jobs First غير الربحية، التي تتتبّع قضايا الانتهاكات والممارسات السيّئة للشركات، تمَّ تسجيل 199 مخالفة وانتهاك للقواعد مارستها كارجيل داخل الولايات المتحدة فقط خلال فترة 2000-2022، بخلاف الكثير من الانتهاكات الأخرى في البرازيل وأفريقيا في مزارع الكاكاو التي تمتلكها الشركة.
تنوعت هذه الانتهاكات بين الاعتداءات البيئية وكسر قواعد التسعير والمنافسات العادلة وانتهاكات بحقّ رواتب وساعات عمل العمال، بالإضافة إلى مخالفات مالية ومخالفات قواعد السلامة، ودفعت الشركة في المقابل عشرات الملايين من الدولارات من الغرامات والتعويضات مقارنة بأرباح الشركة التي تقدَّر بالمليارات.
بعد عقود، وفي عام 2017، تمَّ تغريم كارجيل 10 ملايين دولار من قبل لجنة تداول السلع الآجلة لتعمُّدها الإبلاغ غير الدقيق على المقايضات، وإخفاقها في الإشراف على موظفي تجّار المقايضة، وكان لها تأثير على إخفاء ما يصل إلى 90% من هامش الربح الكامل للشركة من أجل الاحتيال على كل من الحكومة وشركائها التجاريين في انتهاك لقانون تبادل السلع.
بعد شهور قليلة، ترقّى المدير التنفيذي للشركة ديفيد دينيس، الذي أنشأ وأشرف على القسم المسؤول عن هذه الانتهاكات في كارجيل، إلى منصب المدير المالي، وفي عام 2018 كانت كارجيل مسؤولة عن توزيع أكثر من 70 طنًا من اللحم البقري الملوّث إلى محلات السوبر ماركت، كل ذلك في الوقت الذي تجمع فيه ثروة كافية لتكوين المزيد من المليارديرات أكثر من أي عائلة أخرى في العالم.
وخلال ذلك، قامت الشركة بنهب الكوكب واستغلال عمالها ومزارعها، ويفصّل تقرير نشرته منظمة Mighty Earth عشرات الأمثلة التي تؤكد أن كارجيل لها تاريخ طويل من الخداع والدمار، ليس أقلها مشاركتها في تدمير غابات العالم رئتَي الكوكب، فقد تراوحت ممارساتها بين انتهاك الحظر التجاري وتحديد الأسعار وتجاهل القوانين الصحية، وخلق أسواق للسلع المنتجة مع عمل الأطفال والعمل القسري.
وتمتد الأمثلة إلى الأشخاص الذين أُصيبوا بالمرض أو ماتوا من تناول لحوم كارجيل الملوَّثة، والأطفال الذين يعملون في ظروف قاسية في مزارع الكاكاو الذي تبيعه كارجيل لشركات الشوكولاتة، وسكان وسط غرب الولايات المتحدة الذين يشربون المياه التي تسبّبت مصانع كارجيل في تلوثها، والسكان الأصليين الذين نزحوا بسبب إزالة الغابات على نطاق واسع لإفساح المجال لبناء مصانع الشركة، والمستهلكين العاديين الذين يدفعون أكثر بسبب الممارسات الاحتكارية للشركة، وجميع هؤلاء شعروا بتأثير شركة الأعمال الزراعية العملاقة هذه، وأصبحت حياتهم أسوأ بسبب اتصالهم بها.
حاولت كارجيل في كثير من المناسبات تقديم صورة مغايرة لهذه الممارسات، ففي عام 2014 مدّد الرئيس التنفيذي ديفيد ماكلينان تعهُّدًا سابقًا بعدم إزالة الغابات في قمة الأمم المتحدة للمناخ، في موعد أقصاه عام 2020، لكن بعد انتهاء القمة وخفوت حدّة التصفيق، عادت كارجيل إلى ما كانت عليه، وأكدت الأشهر اللاحقة عدم قدرتها على الاستجابة بفعالية لهذه الوعود المتكررة، واستمرت الشركة في تدمير المناظر الطبيعية البكر وهدم النظم البيئية بقدر الإمكان ضمن حدود القانون، وفي كثير من الأحيان خارج تلك الحدود أيضًا.
الرئيس التنفيذي لشركة كارجيل ديفيد ماكلينان في قمة الأمم المتحدة للمناخ عام 2014.
في أجزاء أخرى من العالم، مثل إندونيسيا وغرب أفريقيا، تواصل شركة كارجيل الاستفادة من الحكومات الهشّة أو الفاسدة للحصول على كميات هائلة من زيت النخيل والكاكاو والمواد الخام الأخرى، دون اعتبار كبير للطريقة التي تمَّ إنتاجها بها.
تمتلك شركة كارجيل اليوم تأثيرًا أكبر من تأثير العديد من الحكومات على مصير عالمنا، ويخاطر كبار عملائها -بما في ذلك ويلمار وسيسكو وماكدونالدز وغيرها- الذين يبيعون منتجاتها للمستهلكين، بالتواطؤ في واحدة من أكبر الجرائم البيئية وحقوق الإنسان في التاريخ.
مليارات كارجيل.. السرّ في الملكية الخاصة
بعد عقود من البداية المتواضعة لمؤسّس كارجيل الذي كان يشتري الحبوب من المزارعين، ويخزنها ليبيعها في الأوقات والأسواق المناسبة، مستفيدًا من فرق السعر الضخم دون أن يمارس دورًا فعليًّا في سلسلة إنتاج الحبوب، أصبحت كارجيل واحدة من أكثر آلات النقد المربح في الشركات الأمريكية، فقد أعلنت مؤخرًا عن صافي ربح قدره 6.68 مليارات دولار للسنة المالية المنتهية في مايو/ أيار 2022، وهو أكبر ربح سنوي لها في تاريخها وفقًا لوكالة “بلومبرغ“.
هذه زيادة بنسبة 35% عن السنة المالية السابقة، والتي حقّقت خلالها أيضًا رقمًا قياسيًّا بزيادة أرباحها بنسبة 63% إلى ما يقرب من 4.93 مليارات دولار، وارتفعت الإيرادات في أحدث سنة مالية إلى 165 مليار دولار من 134.4 مليار دولار عام 2021، ما جعلها أكبر شركة خاصة في الولايات المتحدة وفقًا لمجلة “فوربس“.
أرباح شركة كارجيل خلال الفترة بين عامَي 1990 و2022.
بصفتها أكبر شركة مملوكة للقطاع الخاص في أمريكا، متجاوزة شركة “كوك” بمليارات الدولارات من العائدات السنوية، لا تكشف شركة كارجيل عن حساباتها علنًا، وقد ضاعفت أرباحها بنحو 20 ضعفًا على مدار العقدَين الماضيَين.
يعود الفضل في ذلك إلى ملكية الشركة، التي نجحت كارجيل في إصلاح وتبسيط هيكلها المؤسساتي منذ حوالي عقد من الزمان، حتى إذا سألت كبار المسؤولين التنفيذيين وأعضاء عائلتَي كارجيل وماكميلان الذين يسيطرون على الشركة عن مفتاح نجاح كارجيل، فسوف يجيبون بكلمتَين: الملكية الخاصة.
في الوقت الحالي، على الأقل، لم يتبع كل من كارجيل وماكميلان خطى تاجر الحبوب الأمريكي المنافس “بانج (Bunge)”، الذي طُرح للاكتتاب في نيويورك عام 2001، وشركة “جلينكور (Glencore)” البريطانية السويسرية، التي باعت أسهمها بعد عقد من الزمن في لندن.
على عكس الشركات العامة التي تخضع للتدقيق على أنشطتها، فإن كارجيل باعتبارها شركة خاصة لا تنشر نتائجها المالية الكاملة، ولا تقدّم تفصيلًا لأداء أقسام أعمالها المختلفة، وقد منحها عدم إدراجها في البورصة هامش مناورة كبير يمكنها استغلاله، ما جعلها تقاوم جهود إدراجها على مدار أكثر من قرن، وبالتالي لا يمكن تقييم حجمها بشكل دقيق.
سوق السلع المتقلبة كان نعمة لأفراد عائلتَي كارجيل وماكميلان اللتين ارتفعت عائداتهما بنسبة 23%، وأضافتا 13.6 مليار دولار إلى ثروتهما في العام الماضي.
ومع ذلك، هناك بعض الاستراتيجيات التي يلجأ إليها المستثمرون لتقييم شركة خاصة، ففي محاولتها لتقييم شركة كارجيل، لجأت صحيفة “وول ستريت جورنال” إلى ما يُعرف بـ”مقياس مضاعف الأرباح” لشركة عامة شبيهة بكارجيل أو تعمل في المجال نفسه، وهي شركة “آرتشر دانيلز ميدلاند” (ADM) للأغذية وتجارة السلع التي يتم تداولها علنًا.
باستخدام هذا المقياس، قُدِّرت قيمة كارجيل بحوالي 90 مليار دولار، ما يمنحها قيمة سوقية مساوية لأشهر المؤسسات المصرفية غولدمان ساكس (Goldman Sachs)، وعملاق الخدمات المالية “سيتي غروب (Citigroup)” وشركة إدارة الاستثمارات “بلاك روك (BlackRock)”، وهذا يعني أنه إذا كانت كارجيل شركة عامة مدرجة في البورصة، فستكون من بين أكبر الشركات في أمريكا.
“لسنا مؤسسة خيرية”.. كيف تجني كارجيل أموالها؟
مثل هذه الحقائق القاتمة التي تقول إن حوالي مليار شخص ينامون جائعين كل ليلة، وأن العالم بحاجة إلى مضاعفة إنتاج الغذاء بحلول عام 2025 لمواكبة النمو السكاني، قد تقلق كارجيل بشدة، سواء كانت تؤمن أن حلَّ الجوع في العالم هو وظيفتها أم لا، ويبدو أن الأمر لا يعنيها كثيرًا كما يقول رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي السابق للشركة غريغوري بيج: “لسنا مؤسسة خيرية، أعتقد أننا يجب أن نكون حريصين على عدم ادّعاء إيثار غير موجود”.
ساعدت تقلبات السوق على مدار العامَين الماضيَين بالتأكيد في تحقيق أرباح مذهلة في الأسواق من القمح إلى النفط، وتسبّبت فوضى سلسلة التوريد التي أشعلتها جائحة كورونا، وتلاها الغزو الروسي لأوكرانيا، في تقلبات الأسعار التي وصلت مستوى قياسيًّا.
كانت أسعار المواد الغذائية ترتفع بالفعل قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، وكان رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة كارجيل، ديفيد ماكلينان، قد قال في هذا الوقت إنه يتوقع أن تظلَّ مرتفعة طوال عام 2022، لكنه لم يقل إن سوق السلع المتقلبة كان نعمة لأفراد عائلتَي كارجيل وماكميلان اللتين ارتفعت عائداتهما بنسبة 23%، وأضافتا 13.6 مليار دولار إلى ثروتهما في العام الماضي.
تسيطر عائلة كارجيل على حوالي 87% من الشركة، وتأتي في المرتبة الثامنة في قائمة بلومبرغ لأغنى 25 عائلة عام 2022، بثروة جماعية تُقدَّر بحوالي 65.2 مليار دولار.
في مايو/ أيار 2022، سلّط تقرير صادر عن منظمة أوكسفام الدولية الضوء على الأرباح القياسية التي حقّقها عمالقة الصناعة، وكشف أن أسعار الغذاء العالمية المتصاعدة ساعدت في ظهور 62 من المليارديرات في مجال الصناعات الغذائية في غضون 24 شهرًا فقط.
وبحسب ما ورد في التقرير، رفع أصحاب المليارات في قطاع الأغذية والأعمال الزراعية ثروتهم الجماعية بنسبة 42% في العامَين الماضيَين، ونمت بمقدار 453 مليار دولار بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، وحقّقت بعض الشركات مثل كارجيل أرباحًا قياسية.
تسيطر عائلة كارجيل على حوالي 87% من الشركة، وتسيطر أيضًا -إلى جانب 3 شركات أخرى- على 70% من السوق الزراعية العالمية.
في الواقع، تضمّ شركة الأغذية العملاقة اليوم 12 فردًا من أفراد عائلة كارجيل من أصحاب المليارات وفقًا لتقديرات مجلة “فوربس”، مقارنة بـ 8 قبل تفشي وباء كورونا، فقد انضم 4 أفراد إلى قائمة بلومبرغ للمليارديرات في منتصف أبريل/ نيسان الماضي.
كذلك ساعدت القفزة الهائلة في أسعار المواد الغذائية العالمية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا ثلاثة من عائلة كارجيل: جيمس كارجيل وأوستن كارجيل وماريان ليبمان، على الانضمام إلى قائمة بلومبرغ لأغنى 500 شخص على قيد الحياة في العالم، وتقدَّر ثروة كل منهم بنحو 5.4 مليارات دولار، وانضموا إلى أحفاد كارجيل الآخرين بولين كيناث وغويندولين سونثيم ماير بثروة تقدَّر بحوالي 8 مليار دولار لكل منهم.
وتسيطر عائلة كارجيل على حوالي 87% من الشركة، وتسيطر أيضًا -إلى جانب 3 شركات أخرى- على 70% من السوق الزراعية العالمية، وتأتي في المرتبة الثامنة في قائمة بلومبرغ لأغنى 25 عائلة عام 2022، بثروة جماعية تُقدَّر بحوالي 65.2 مليار دولار.
في المجمل، ظهر ما مجموعه 573 مليارديرًا جديدًا خلال جائحة كورونا التي كانت “أفضل وقت في التاريخ للدخول إلى فئة الملياردير”، وتبلغ ثروة هؤلاء مجتمعة 12.7 تريليون دولار، وفقًا لتصنيف مجلة “فوربس“، وهذا يعادل 13.9% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وزيادة بمقدار 3 أضعاف عن عام 2000، وتبلغ ثروات أغنى 20 مليارديرًا أكبر من إجمالي الناتج المحلي لأفريقيا جنوب الصحراء.
هذا التناقض الواضح بين التضخم الشديد في أسعار السلع الغذائية والثروات التي يجمعها أباطرة الصناعة، بدأ يلفت الانتباه مؤخرًا، خاصة في ظل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تقول إن جزءًا كبيرًا من التضخم الحالي، خاصة في أسعار الغذاء، يمكن تصنيفه تحت ما يُعرف بـ”تضخم الجشع“، ويحدث عندما ترفع الشركات الكبيرة أسعارها بشكل مبالغ فيه في أوقات الصراع الشديد، وبالتالي تجني المزيد من الأرباح.