تسبّب ضعف الاستجابة الأممية خلال الأشهر الماضية لمواجهة مرض الكوليرا في تفشي الوباء بشكل أكبر في شمال سوريا، وسط ضعف البنية التحتية وكثرة المخيمات بعد كارثة الزلزال التي ضربت شمال سوريا في 6 فبراير/ شباط الماضي.
وشهد الشمال السوري خلال الأشهر الثلاثة الماضية آلاف الإصابات بالمرض، وتسبّب في وفاة 23 حالة، وبلغ عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالكوليرا 55 ألفًا و151، في ظل ضعف البنية التحتية الصحية وعجز الإدارات المحلية والمنظمات عن وقف تفشّيه.
وأسهم في تفشي المرض كثرة المخيمات، خاصة التي تم إنشاؤها لمتضرري الزلزال الذي ضرب شمال سوريا، والتي تفتقد إلى شروط النظافة، كما أسهم نقص المياه الصالحة للشرب والتلوث الناجم عن مشاكل في شبكات الصرف الصحي في ازدياد انتشار المرض.
دخول اللقاحات
يقول الطبيب ياسر نجيب، رئيس اللجنة التقنية في “فريق لقاح سوريا”، لـ”نون بوست”: “إن أول دفعة من لقاحات الكوليرا وصلت إلى شمال سوريا في 19 فبراير/ شباط، وتحديدًا عقب وقوع الزلزال بـ 3 أيام”، مشيرًا أن الدفعة دخلت من معبر باب الهوى ومقدمة من منظمة اليونيسف، بالتنسيق مع التحالف العالمي للقاحات.
وأشار الطبيب نجيب إلى أن الدفعة تزيد عن 1.7 مليون لقاح فموي ضد وباء الكوليرا من نوع “إيفيكول”، وتمَّ تسلُّمها من قبل “فريق لقاح سوريا”، ونوّه أن اللقاح ليس فقط لمرض الكوليرا، بل هو لقاح للتصدي لعدد من الأمراض والأوبئة منها التهاب الكبد.
تعمل الفرق في الوقت الحالي على إعطاء جرعة واحدة من اللقاح، والتي تعطي مناعة تدوم من 3 إلى 6 أشهر.
وذكر الطبيب نجيب أن حملة التلقيح بدأت في 7 مارس/ آذار، وأنها ستستمر على مدار 10 أيام وتشمل مدن معرة مصرين والدانا وسرمدا وأطمه وحارم الواقعة في محافظة إدلب، إضافة إلى منطقة إعزاز بريف حلب الشمالي.
ولفت إلى أن الحملة هدفها الأساسي منع تفشي المرض وتحوله إلى وباء على غرار فيروس كورونا، الذي أنهك القطاع الصحي في المنطقة خلال العامَين الماضيَين.
من جهته، شرح الطبيب عبد الرزاق بكور، وهو المشرف على فرق اللقاح الجوالة في مدينة سرمدا، لـ”نون بوست” بخصوص اللقاح الجديد وتأثيراته الجانبية، مؤكدًا أن اللقاح آمن وفعّال ويستخدَم كدواء رسمي في أكثر من 40 دولة حول العالم ولا تأثيرات جانبية له، إذ تعمل الفرق في الوقت الحالي على إعطاء جرعة واحدة منه، والتي تعطي مناعة تدوم من 3 إلى 6 أشهر.
وبيّن أن اللقاح آمن لجميع الفئات العمرية من عمر سنة فما فوق، داعيًا إلى تلقي اللقاح والتعاون مع الفرق، منوّهًا أن الجرعة الثانية ستكون في الأيام المقبلة.
الزلزال زاد الإصابات
أدّى الزلزال الذي ضرب منطقة شمال غرب سوريا إلى انهيار كبير في البنية التحية، لا سيما في شبكات المياه والصرف الصحي، وبحسب الإحصاءات التي تشير إلى التصاعد، فإن وزارة الصحة والجهات الطبية أطلقت تحذيرات من توسُّع انتشار المرض بعد كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير/ شباط الماضي، وذلك بسبب زيادة الازدحام في المخيمات ومراكز الإيواء جرّاء الزلزال، ومخاوف من تلوث مياه الشرب بداخلها، والتي في معظمها لا تتوفّر فيها مياه شرب نقية أو شبكات صرف صحي.
يقول مدير الرعاية الأولية في وزارة الصحة، الدكتور محمد مستت، لـ”نون بوست”، إن عدد الإصابات بمرض الكوليرا في المناطق المحررة شمال غرب سوريا ارتفع إلى 55 ألفًا و151 إصابة، مشيرًا إلى أنه بشكل متوسط يتمّ تسجيل 400 إصابة بالمرض يوميًّا خلال آخر أسبوعَين، وبيّن أن ارتفاع عدد الإصابات بالمرض إلى هذا الحدّ جاء بعد حادثة الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة، ما أثّر على البنية التحتية.
وينتشر وباء الكوليرا بسبب تناول الطعام أو الماء الملوث ويمكن أن يسبّب إسهالًا حادًّا، ويقول الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية إن الكوليرا يمكن أن تقتل المصابين بها في غضون ساعات إذا لم يتلقوا العلاج، لأن معظم من تنتقل إليهم تظهر عليهم أعراض خفيفة، أو لا تظهر عليهم أية أعراض.
يقول السيد أحمد بكور، وهو مدير مركز الكوليرا في مدينة الأتارب، إن الدمار الهائل الذي خلّفه الزلزال في شمال غرب سوريا، زاد من خشية تفشي أمراض مُعدية في المنطقة على رأسها الكوليرا.
وأضاف بكور أن الحروب والكوارث الطبيعية مثل الزلازل لا تخلّف الدمار والخراب فقط، بل تسبّب أزمات صحية وانتشار أمراض وأوبئة أيضًا، وهذا ما يحصل الآن في سوريا بعد الزلزال الذي ضرب البلاد وخلّف الدمار والخراب، وأدّى إلى تضرر المرافق الصحية التي تنعكس سلبًا على السكان وتزيد من مخاطر الإصابات.
وأكّد على أن مدينة الأتارب سجّلت إصابتَين بمرض الكوليرا عقب وقوع الزلزال، وهما اليوم في خيام الاستشفاء داخل المركز وتمتثلان للعلاج بشكل يومي، وحالتهما الصحية في تحسّن.
ويؤكد تقرير للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، نُشر في 3 مارس/ آذار، أن فرقه سجّلت 3 وفيات بمرض الكوليرا في شمال غربي سوريا بعد وقوع الزلزال المدمر، محذّرًا من ارتفاع احتمالية تفشي المرض بشكل متسارع جرّاء تضرر البنى التحتية وعلى رأسها شبكات الصرف الصحي.
جنديرس المثال الحيّ
أسفرت كارثة الزلزال الني ضربت مدينة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين شمالي حلب، إلى تعطيل جميع محطات تأمين مياه الشرب لأهالي البلدة، ولم يتم حتى الآن غير إصلاح محطة واحدة لا تؤمّن سوى أقل من 15% من احتياجات الأهالي لمياه الشرب.
وصرّح عضو المجلس المحلي في البلدة، محمود طلحة، لـ”نون بوست”، أن أهالي المدينة يحتاجون اليوم إلى مياه نظيفة ومحطات تحلية مياه بشكل ضروري، لا سيما أن المدينة كانت تعاني من مشكلة مياه الشرب قبل وقوع الزلزال.
وأضاف طلحة أن جميع سكان المنطقة يعلمون أن مياه جنديرس غير صالحة للشرب، لهذا فإن محطة لتعقيم المياه ضرورية للحصول على مياه صالحة للشرب، خاصة أن المدينة سجّلت عدة إصابات بمرض الكوليرا الذي “نتخوف من انتشاره بكثرة عقب تضرر البنى التحتية في المدينة”.
واسترسل قائلًا: “أسفر الزلزال أيضًا عن انهيار تام لـ 278 مبنى داخل البلدة و211 مبنى في القرى المحيطة بها، وإلحاق أضرار بـ 1110 مبانٍ داخل البلدة و1419 مبنى في القرى المحيطة بها”.
شبكات المياه.. الخطر الأول
في بيان رسمي نشرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 7 مارس/ آذار، حذّرت من خطر انهيار شبكة المياه المتهالكة في أرياف محافظة حلب بعد شهر من وقوع الزلزال، وقالت إن الكارثة تسبّبت في أضرار مباشرة للبنية التحتية للمياه في المنطقة، ما قلّل من كفاءتها وزاد من خطر تسرُّب المياه الملوثة، وحذّرت من “انهيار محتمل”.
وقال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأوسط والشرق الأدنى باللجنة في بيان له، إن “احتمال حدوث عواقب وخيمة على الصحة العامة نتيجة الزلزال مرتفع بشكل مخيف، والكوليرا منتشرة بالفعل في أجزاء من سوريا، وتمَّ تسجيل حالتَي وفاة على الأقل منذ وقوع الزلزال”.
كارثة الزلزال التي أصابت شمال غرب سوريا تسبّبت في عودة انتشار المرض بشكل كبير، خاصة أن البنية التحتية قد تضررت بشكل كبير نتيجة الزلزال المدمر.
وأضاف كاربوني أن العديد من خزانات المياه الموجودة على أسطح المنازل دُمّرت خلال الكارثة، ما زاد من الضغط على نظام المياه الذي تداعى بالفعل بسبب صراع مستمر منذ 12 عامًا.
من جهته، يؤكد الطبيب حسن عبيد، مدير الصحة في مدينة إدلب، لـ”نون بوست”، أن مرض الكوليرا كان موجودًا ومنتشرًا في عدة مناطق من شمال سوريا قبل أزمة الزلزال المدمر، وكان ينتشر بشكل كبير خلال فصل الصيف، خاصة في ريف حلب الغربي.
وأشار عبيد إلى أن كارثة الزلزال التي أصابت شمال غرب سوريا تسبّبت في عودة انتشار المرض بشكل كبير، خاصة أن البنية التحتية قد تضررت بشكل كبير نتيجة الزلزال المدمر، ولجأ المتضررون إلى الملاجئ والمخيمات التي تعاني مشكلات التلوث وانعدام الخدمات الصحية، ما أدّى إلى تفشي الوباء، مرجّحًا ازدياد عدد الحالات بسبب سوء التغذية وعدم توافر الخدمات الصحية.
وتعاني سوريا من الدمار الواسع للبنية التحتية للمياه والصرف الصحي منذ ما يزيد عن 10 سنوات، وفقًا لما أكّده مؤخرًا كيتكا غويول، المستشار الإقليمي لليونيسف الخاص بالمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية وتغير المناخ في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي حذّر من أنه في حال إجبار العائلات والأطفال على استخدام المياه الملوثة أو المراحيض غير الآمنة، فإن خطر انتشار الأمراض المنقولة عبر المياه سيصبح بسرعة حقيقة واقعية.