لم يستطع إبراهيم شيخو من أهالي ناحية جنديرس المنكوبة في ريف حلب الشمالي، جراء كارثة الزلزال التي وقعت في 6 فبراير/ شباط الماضي، من استخراج الوثائق الشخصية الخاصة بعائلته من منزله المدمّر، إذ بالكاد استطاع إنقاذ أفراد عائلته قبل تهدُّم المنزل بالكامل نتيجة سقوط أجزاء من البناء المجاور عليه.
خرج الرجل وأفراد أسرته إلى الشارع مع ساعات الصباح الأولى بثياب النوم التي كانوا يرتدونها، دون حمل أية مقتنيات قد تساعدهم في تحمُّل مشاق المبيت في العراء، حيث بقيَ مع أسرته لأيام يحاول إيجاد مكان يأوي إليه في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها معظم قاطني البلدة من عمليات الإنقاذ وانتشال الضحايا.
لا يختلف حال شيخو عن حال العديد من العائلات المتضررة التي تركت ما يثبت هويتها ومحتويات منازلها تحت ركام المنازل المدمرة، ومع قدوم فرق الاستجابة المحلية من قبل الجمعيات الخيرية والمنظمات خلال الأيام القليلة الأولى للكارثة، حاول الرجل شرح قصته لهم أنه وعشرات العائلات فقدوا وثائقهم الشخصية، إلا أن بعض المنظمات رفضت تقديم المساعدة لهم لأنهم لا يملكون وثائق ثبوتية تثبت أنهم متضررون من الزلزال.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “شرحت لهم حالتي، أن منزلي تدمّر ولم أستطع إخراج وثائقي الشخصية من المنزل، رفضت إحدى المنظمات التي توزّع الخيام في مراكز الإيواء تسليمي خيمة لإيواء عائلتي، كونها توزّع حسب الوثائق التي تثبت تضرر الشخص من الزلزال، وذلك وفق سياستها المتعبة”.
وأضاف أنه قضى أيامًا معدودة عند أقاربه ومعارفه في مركز الإيواء، لأن البرد قاتل في العراء، وذلك حتى يتثنى له الحصول على خيمة، حتى جاءت إحدى الجمعيات الخيرية التي قدمت له خيمة صغيرة يسكنها قرب منزله المدمر وبعض الأغطية ومدفأة على الحطب.
وواجهت العائلات المتضررة من الزلزال في مناطق جنديرس بريف حلب الشمالي، وحارم وسلقين وبسينا بريف إدلب، تحديًا كبيرًا في إثبات هويتها التي بقيت تحت ركام منازلها، ما تسبّب في مضاعفة معاناتها في الحصول على الاستجابة الطارئة خلال الأيام الأولى للكارثة، لا سيما أنها شُردت في العراء دون مأوى.
وتشترط معظم المنظمات والجمعيات الخيرية العاملة في مناطق الشمال السوري وجود وثائق شخصية، بهدف توثيق أعداد العائلات المستفيدة ضمن مشاريع الإغاثة الموجّهة للمتضررين من الزلزال بشكل مباشر، مع انتشار واسع لمخيمات النازحين والمهجّرين قرب المناطق المنكوبة، ما أدّى إلى الخلط بين المتضررين من الزلزال والنازحين سابقًا.
فقدان الوثائق.. حالة متكررة يعيشها السوريون
تكررت حالة فقدان الوثائق الشخصية لدى السوريين خلال السنوات الماضية مع حملات النزوح والتهجير، التي تسبّبت فيها هجمات نظام الأسد على المدن والبلدات التي كانت تخضع لسيطرة المعارضة السورية ويقطنها المدنيون، بالإضافة إلى عمليات القصف المدفعي والجوي المتكررة.
وهذا ما عاشه كمال الحسن، مهجّر من مدينة معرة النعمان إلى منطقة حارم بريف إدلب، إذ ترك الثبوتيات الشخصية الخاصة بعائلته في منزله بالمعرة بعد تعرضه للقصف واضطر الخروج من المدينة بشكل فوري، مع اشتداد وتيرة المعارك والقصف محيط المدينة خلال عام 2020.
وفي صيف العام الماضي، حصّل الرجل بطاقات شخصية لأفراد عائلته وبيان عائلي لأسرته، بعدما أعلنت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ عن إصدار بطاقات شخصية لسكان مدينة إدلب وأرياف حلب وحماة واللاذقية، وذلك من خلال إثبات هويته عن طريق الشهود والمعارف وفق الطريقة المتّبعة لإثبات الهوية.
ومع كارثة الزلزال فقدَ الرجل وثائقه الشخصية مجددًا، بعدما تضرر منزله بشكل كبير مع وقوع بعض الجدران وتصدُّع الأعمدة، ما زاد نسبة إمكانية انهيار المبنى بأي لحظة، ما اضطره إلى ترك ممتلكاته ووثائقه الشخصية دون القدرة على استخراجها، بحسب ما أوضح خلال حديثه لـ”نون بوست”.
وقال: “نجونا بصعوبة من المنزل، لذلك تركت جميع ممتلكاتي ووثائقي الشخصية في المنزل المدمّر، وبقيت في العراء، ما اضطرني إلى السكن عند أقاربي في المخيمات المحيطة بمدينة حارم ريثما أستطيع تأمين خيمة من الجمعيات الخيرية”.
وأضاف أنه واجه صعوبة بالغة حتى استطاع إقناع الجمعية للحصول على خيمة وبعض الأغطية، لكي يأوي عائلته ضمن مخيم للإيواء أقيم لمتضرري الزلزال في منطقة حارم بريف إدلب، بعد مرور 10 أيام على كارثة الزلزال.
غياب الوثائق يساهم في تأخُّر الاستجابة
تعتمد المنظمات والجمعيات الخيرية العاملة في الشمال السوري على الوثائق الشخصية والبيانات العائلية لتوزيع المساعدات، إذ لا يمكن لمن لا يملك وثائق شخصية الحصول على المساعدة أيًّا كان نوعها حتى إثبات الهوية ودفتر العائلة.
ورغم أنها سياسة ضرورية أو مفهومة تتقيّد ضمن أطرها معظم المنظمات والجمعيات الخيرية، إلا أن حالة كارثة الزلزال تكون مختلفة نوعًا ما، لا سيما في الأيام الأولى التي أعقبت الزلزال، كون معظم العائلات تشردت في الأراضي الزراعية دون مأوى، لذلك وضعها كشرط يحرم عددًا من العائلات في الحصول على المساعدة.
رئيس المجلس المحلي في مدينة جنديرس، محمود حفار، قال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “واجهتنا هذه المشكلة بشكل كبير كون معظم المنظمات تشترط وجود وثائق شخصية لتقديم المساعدة للمتضررين من الزلزال، لكن هذا الشرط تسبّب في حرمان بعض العائلات المتضررة من حقها في المساعدات”.
وأضاف: “أوجد المجلس المحلي في جنديرس حلًّا بديلًا للمرحلة الأولى يستطيع المتضررون من سكان المنطقة الحصول على المساعدة خلاله، وذلك عبر إصدار أوراق تعريفية عبر مخاتير الأحياء ودائرة النفوس، حيث يلزم طالب الورقة بإيجاد شهود من الجيران والمعارف”.
وأشار إلى أن خطوة بعض المنظمات الإنسانية تجاه اشتراط تقديم المساعدة بوجود الوثائق الشخصية نتيجة الخلط بين المتضررين من الزلزال والنازحين والمهجرين في المخيمات، الذين تركوا مخيماتهم وجاءوا إلى جنديرس للحصول على المساعدة المخصصة لمتضرري الزلزال الذين فقدوا ذويهم ومنازلهم، وهذا لا يعني أن النازحين لا يحتاجون المساعدة لكنهم يملكون مأوى ولو حتى خيمة ولم يتضرروا بشكل مباشر من الزلزال.
تسبّب فقدان الوثائق الشخصية في مضاعفة المعاناة التي عاشها متضررو الزلزال في مناطق شمال غربي سوريا، ما أبقى بعضهم في العراء في ظل انخفاض درجات الحرارة
من جهته، قال مسؤول العلاقات العامة في وزارة التنمية والشؤون الإنسانية في حكومة الإنقاذ السورية، محمد عبد السلام غزال، خلال حديثه لـ”نون بوست”: إن عدد العوائل المسجلة لدى وزارة التنمية والشؤون الإنسانية جراء أزمة الزلزال بلغ أكثر من 42 ألف عائلة، بينها 1000 عائلة فقدت الثبوتيات الخاصة بها، وذلك لم يحرمها من حقها في الحصول على المساعدات، إنما كان سببًا رئيسيًّا في تأخير الاستجابة، ريثما يتم التحقق من صحّة المعلومات لمنع حالات الاستغلال”.
وأضاف أنه يتم تسهيل العمل الإنساني لمتضرري الزلزال بأوراق من المجالس المحلية أو كشف ميداني من مديريات التنمية للتحقق من صحة الحالات، كما يتم اعتماد ورقة للعوائل المتضررة التي لا تمتلك الثبوتيات، مشيرًا إلى أن الثبوتيات المطلوبة لأي عائلة تهدف إلى تنظيم عمل الملف الإنساني وضمان حقوق العائلة، وعدم استغلال ضعاف النفوس لمشاريع الجهات الإنسانية.
وأصدرت مديريات النفوس والأحوال المدنية التابعة للمجالس المحلية في مناطق ريفَي حلب الشمالي والشرقي بطاقات شخصية لجميع السكان المقيمين والوافدين من النازحين والمهجرين إلى المنطقة، واشترطت حصول الطفل على بطاقة شخصية في حال وجود دفتر عائلة يتم إصداره بعدما يتم تثبيت الزواج في المحكمة، بسبب اعتماد الأهالي على الزواج الذي يعقده إمام المسجد دون اللجوء إلى المحاكم.
وأوجدت البطاقات الشخصية في الشمال السوري بديلًا عن البطاقات الصادرة عن حكومة النظام السوري، بعد فقدان معظم السوريين لوثائقهم الشخصية خلال رحلات النزوح، وعدم قدرتهم على استخراج بديل عنها بسبب إغلاق أو تدمير المؤسسات العامة جراء القصف الجوي.
وتسبّب فقدان الوثائق الشخصية في مضاعفة المعاناة التي عاشها متضررو الزلزال في مناطق شمال غربي سوريا، ما أبقى بعضهم في العراء في ظل انخفاض درجات الحرارة، ريثما تعمل الإدارات المحلية على إيجاد حلول بديلة لاستخراج الوثائق الشخصية.