ترجمة وتحرير: نون بوست
كان إنقاذ المودعين غير المؤمن عليهم في عطلة نهاية الأسبوع في بنكي وادي السيليكون وسيغنيتشر ضروريًا للغاية ومحبطًا تمامًا، فعلينا أن نتوقف عن إقحام أنفسنا في هذه الفوضى.
إذا لم تمنح الحكومة الفيدرالية غطاء حماية شامل لجميع الودائع، فإن الشركات التي لديها ودائع في أي من البنوك تزيد عن 250 ألف دولار، وهو الحد الأقصى المؤمن عليه من قبل شركة التأمين على الودائع الفيدرالية، لن تتمكن من دفع رواتب موظفيها، وستتعرض الشركات الناشئة التي تتعامل مع بنك وادي السيليكون للخطر. قالت كارين بيترو، الشريك الإداري لشركة الاستشارات “فيديرال فاينانشال أناليتيكس” وعضو مجلس إدارة مؤسسة أبحاث الطب الحيوي: “كان من الممكن أن تدمر الأبحاث الطبية الحيوية في المراحل المبكرة في هذا البلد لمدة عقد من الزمان”.
كان من الممكن أن يكون الضرر أكبر بكثير؛ حيث بدأ المودعون في البنوك الأخرى في يشعرون بالذعر والقلق من أن بنوكهم ستنهار قريباً وكان يبحثون عن أماكن أكثر أمانًا لتخزين أموالهم. كنا نبحث في المراحل الأولى من التدفقات المصرفية المعممة التي كان من شأنها أن تلحق أضرارًا جسيمة بالاقتصاد الأمريكي، فحتى البنوك السليمة يمكن أن تنهار بين عشية وضحاها إذا طالب جميع المودعين بكل أموالهم دفعة واحدة، وكانت الطريقة الوحيدة لإيقاف حالة الذعر هي أن تطمئن الحكومة جميع المودعين إلى أنه لا داعي للانسحاب من البنك.
وحتى بعد التدخل الطارئ؛ بقيت الأسواق غير مستقرة يوم الإثنين وتراجعت أسهم البنوك، وأبلغ الاقتصاديون في شرك كابيتال إيكونوميكس عن “علامات مقلقة على توترات أولية في أسواق المال الأساسية”، وانخفضت أسعار الفائدة حيث تكهن المستثمرون بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد يحد من حملته لرفع أسعار الفائدة لتخفيف الضغط على البنوك، فالخوف مثل هذه حالات عواقب دائمة.
صحيح أن الحكومة لم تنقذ جميع المعنيين، فقد تم التخلص من المساهمين في البنوك وفصل أعضاء الإدارة العليا، وهذا أمر منصف، ويتناقض مع ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 عندما دعمت الحكومة البنوك الهشة بينما تركت الإدارة والمساهمين في مناصبهم.
من المفترض أن يكون الاحتفاظ بالودائع غير المؤمن عليها فوق عتبة معينة نوعًا من انضباط السوق، مكمّلاً للإشراف من قبل الدولة والمنظمين الفيدراليين، لكن هذا لم يكن توقعًا واقعيًا على الإطلاق بالنسبة لمعظم المودعين، الذين لديهم أشياء أخرى في أذهانهم
وما إذا كان دافعو الضرائب قد ساعدوا في دفع تكاليف الإنقاذ هي مسألة دلالية؛ حيث قال الرئيس بايدن للصحفيين يوم الإثنين “لا يوجد خسائر وهذه نقطة مهمة ولن يتحمل دافعو الضرائب أية خسائر”. ومع ذلك، فإن الحكومة – وبالتالي دافعي الضرائب – تقدم ضمانًا قيمًا للنظام المصرفي، فأي نفقات حكومية سيتم تعويضها في نهاية المطاف من خلال أقساط التأمين المرتفعة لا تقلل من قيمة ذلك. بالإضافة إلى ذلك؛ يقدم الاحتياطي الفيدرالي وعودًا بدعم البنوك المتعثرة عن طريق شراء السندات منها بالقيمة الاسمية بدلاً من سعرها الحالي المتدهور في السوق. وهو ما يعني أنها ليست خطة إنقاذ بالتحديد، لكنها بالتأكيد صفقة جيدة.
السؤال الحقيقي هو لماذا يستمر هذا في الحدوث؟ بعد الأزمة المالية العالمية، أقر الكونجرس ووقع الرئيس أوباما على قانون “دود فرانك” لإصلاح وول ستريت وحماية المستهلك. ورفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معايير السلامة للبنوك؛ خاصة تلك التي تعتبر “مهمة من الناحية النظامية”؛ حيث يوجد مجلس إشراف على الاستقرار المالي الذي من المفترض أن يأخذ نظرة واسعة على المخاطر في النظام.
من الواضح أن هذا القانون لم يكن كافيًا؛ حتى أن جماعات الضغط المصرفي ضغطت على الكونغرس والمنظمين للتراجع عن بعض الإجراءات التي اعتبروها مُرهقة. على سبيل المثال؛ فإن قانون 2018 الذي وقعه الرئيس ترامب – والذي أقره الكونغرس بدعم من الحزبين – حرم البنوك من أصول تتراوح بين 100 مليار دولار و250 مليار دولار من أعلى مستوى من التدقيق، وهو ما يعني أن بنك والدي السيليكون كان سيبقى لولا وجود هذا القانون.
هناك الكثير من الأشياء التي يمكن القيام بها لتحسين الإشراف المصرفي، وتتطلب دعائم رأس مال أقوى وما إلى ذلك، ولكن في الوقت الحالي أود التركيز على مسألة اليوم، وهي ما يجب القيام به بشأن الودائع غير المؤمن عليها؛ حيث تقول النظرية في العمل المصرفي إن كبار المودعين لديهم التطور المالي والحافز للتأكد من أن البنوك التي يحتفظون فيها بأموالهم آمنة. وبالتالي؛ من المفترض أن يكون الاحتفاظ بالودائع غير المؤمن عليها فوق عتبة معينة نوعًا من انضباط السوق، مكمّلاً للإشراف من قبل الدولة والمنظمين الفيدراليين، لكن هذا لم يكن توقعًا واقعيًا على الإطلاق بالنسبة لمعظم المودعين، الذين لديهم أشياء أخرى في أذهانهم. بالإضافة إلى ذلك، نظرًا لأن كبار المودعين يعرفون أنهم سيكونون محميين عند اشتداد الأزمة، فليس لديهم حافز للبحث عن بنوك آمنة.
إذا كان انضباط السوق يعمل من الناحية النظرية ولكن ليس من الناحية العملية، فإن أحد البدائل هو الانصياع للواقع والتأمين بشكل واضح على جميع الودائع المصرفية
هذه ليست مشكلة جديدة؛ ففي سنة 1991، كان جيروم باول، وهو الآن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مسؤولًا كبيرًا في وزارة الخزانة أوكلت إليه مهمة التعامل مع انهيار بنك “نيو إنغلاند كورب”، وقال في خطاب ألقاه سنة 2013: ” كنا أمام خيارين: إما أن تقوم شركة تأمين الودائع الفيدرالية بحماية جميع المودعين في البنك، بغض النظر عن حدود التأمين على الودائع، أو من المحتمل أن يكون هناك تهافت على جميع بنوك مركز المال في صباح اليوم التالي – كما حدث في سنة 1933ـ لذلك، اخترنا الخيار الأول دون تردد”.
بموجب قانون التحسين التابع لشركة التأمين على الودائع الفيدرالية لسنة 1991، فإن الشركة مُطالَبة بحل إخفاقات البنوك بالطريقة التي تتحمل أقل تكلفة لصندوق تأمين الودائع، حتى لو كان ذلك يعني استثناء المودعين غير المؤمن عليهم.
ولكن من الناحية العملية، لا يتم استثناء المودعين غير المؤمن عليهم أبدًا لأن شركة تأمين الودائع الفيدرالية تبحث عن بنك أقوى للاستحواذ على البنك المُنهار مع جميع ودائعه. في عام 2010؛ تم إقرار قانون دود-فرانك الذي قدّم استثناءً صريحًا للاختبار الأقل تكلفة لحالات “المخاطر النظامية” – أي ما إذا كان الامتثال للاختبار الأقل تكلفة “سيكون له آثار سلبية خطيرة على الظروف الاقتصادية أو الاستقرار المالي”، وهذا هو الاستثناء الذي طبّقته الحكومة في كل من بنكي “سيليكون فالي” و”سيغنتشر”.
إذا كان انضباط السوق يعمل من الناحية النظرية ولكن ليس من الناحية العملية، فإن أحد البدائل هو الانصياع للواقع والتأمين بشكل واضح على جميع الودائع المصرفية، إذ أن ذلك من شأنه التقليل من عدد حالات الذعر مثل تلك التي كتبت نهاية بنكي “وادي السيليكون” و”سيغنيتشر”، مع عدم منح البنوك تفويضًا مطلقًا للتصرف بشكل غير مسؤول. أحد الأشخاص الذين يفضلون هذا الحل هو الأستاذ في كلية الحقوق في كورنيل روبرت هوكيت، الذي كتب مقالين عن هذه الفكرة في مجلة “فوربس” مؤخرًا. وتكون أقساط التأمين أكبر بالنسبة للبنوك الأكثر مغامرة، وهذا أمر منطقي. وباعتبار أن شركة تأمين الودائع الفيدرالية تأخذ المخاطر في الحسبان، أخبرني هوكيت أن الحد الأقصى البالغ 250 ألف دولار هو مجرد فتات.
وأخبرتني بيترو أن التأمين على جميع الودائع المصرفية سيجعل البنوك تبدو أشبه بالمرافق العامة، وقالت إنها تفضل الاعتماد أكثر على انضباط السوق، كما هو متعارف عليه في الأصل. لكن يبدو أن الآوان قد فات.
في سياق ذلك، قال كبار اقتصاديي سوق المال في بنك الاستثمار “جيفريز” توماس سيمونز يوم الجمعة: “من الصعب أن نقول إن الشقوق تتشكل في سوق العمل عندما تزيد قوائم الرواتب عن 311 ألف، ولكن يبدو أن تلك هي مجرد البداية لمرحلة يمكن أن نشهد فيها بعض المرونة في سوق العمل”، بعد أن أفاد مكتب إحصاءات العمل أن أرباب العمل أضافوا 311 ألف وظيفة في شباط/فبراير. وكتبوا فيما يتعلق بالأجور: “على الرغم من أن نمو الأجور سيشهد تذبذبًا في المستقبل المنظور، تشير بيانات اليوم إلى أننا سنشهد مزيدًا من الاعتدال في الأشهر المقبلة”.
المصدر: نيويورك تايمز