يزداد الوضع في تونس سوءًا يومًا بعد آخر، فالأزمة عميقة ولم تشهدها البلاد من قبل وقد مست كل القطاعات دون استثناء – السياسي والاقتصادي والاجتماعي -، مع ذلك يصر الرئيس قيس سعيد على مواصلة طريقه نحو فرض برنامج أحادي لا مصلحة للتونسيين فيه.
هذا الوضع المتأزم، جعل العديد من التونسيين يفكرون في الهجرة – نظامية كانت أو غير نظامية – فالمهم عندهم الخروج والنفاذ بجلدهم من بلد تستحيل الحياة فيه، وقد عاينا ذلك في ارتفاع عدد طالبي اللجوء التونسيين داخل الفضاء الأوروبي.
ارتفاع طلبات لجوء التونسيين
شهدت السنة الماضية تصاعدًا في طلبات لجوء مواطنين عرب إلى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، وجاءت سوريا والعراق على رأس قائمة 10 دول عربية سجل مواطنوها أكبر عدد من طلبات اللجوء عربيًا لدى دول الاتحاد الأوروبي في 2022، وفقًا لتحليل بيانات وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء.
لكن ما يشد الانتباه هو عدد طالبي اللجوء من الجنسية التونسية، فرغم أنهم جاؤوا في المرتبة الرابعة، فإن العدد كبير مقارنة بعدد السكان، فعدد سكان تونس لا يتجاوز 12 مليون نسمة، مع ذلك سجلت البلاد عددًا كبيرًا من طلبات اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي.
بلغ العدد السنة الماضية 21 ألف و447 طلبًا، أي بفارق 448 طلب لجوء عن المغرب الذي يفوقها من حيث عدد السكان بنحو 3 أضعاف، حيث سجلت المملكة المغربية أعلى عدد من طلبات اللجوء في المنطقة المغاربية العام الماضي بـ21 ألف و895 طلبًا.
نفهم من ارتفاع طلبات اللجوء وازدياد عدد قوارب الموت أن التونسي فقد أمل الإصلاح في البلاد
الملاحظ أيضًا أن عدد طلبات اللجوء تضاعف أكثر من 9 مرات بين عامي 2017 و2022، ويعتبر عدد طلبات اللجوء للسنة الماضية الأعلى منذ سنة 2014 التي سجلت 3131 طلبًا فقط، لكن من المهم التأكيد أن معدل قبول طلبات اللجوء للتونسيين هو الأقل عربيًا ولم يتجاوز 2%، فيما بلغ عدد الطلبات المعلقة 6247 طلبًا، ويرتبط ذلك بتصنيف دول الاتحاد الأوروبي تونس دولة آمنة.
وسجلت تونس السنوات الماضية ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين، فبلغ عدد الواصلين إلى أوروبا عبر الطرق المختلفة نحو 30 ألف تونسي، ما جعل الجنسية التونسية تحتل المرتبة الأولى في الواصلين إلى إيطاليا بنسبة 18% بعدما كانت في المرتبة الثالثة في النصف الأول من السنة الماضية.
لولا الحراسة الأمنية المشددة على السواحل التونسية لكان العدد أكبر بكثير، فحرس الحدود التونسي أحبط مئات المحاولات للهجرة، مع ذلك فالعدد كبير مقارنة بنسبة السكان، ويلجأ أغلب هؤلاء للاستقرار في أوروبا بطريقة غير قانونية لرفض طلبات اللجوء الخاصة بهم.
أسباب عديدة وراء هذا الارتفاع
تعرف المادة الأولى من اتفاقية جنيف للاجئين المبرمة سنة 1951، اللاجئ بأنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة (بالنسبة لعديم الجنسية) “بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد”.
طبقًا لهذا التعريف، هل يحق للتونسيين طلب اللجوء؟ الإجابة بسيطة وسهلة، وهي “نعم” فأغلب الأسباب موجودة وظاهرة للعيان، خاصة الاضطهاد بسبب الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة أو الآراء السياسية، وغياب الحماية في بلده.
خفر السواحل في #تونس أعلن إحباط 25 عملية هجرة غير نظامية وإنقاذ أكثر من 1000 مهاجر في ليلة واحدة قبالة السواحل الشرقية للبلاد. pic.twitter.com/jtD0Xi8H1n
— صحيفة الاستقلال (@alestiklal) March 11, 2023
في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انقلاب الرئيس قيس سعيد على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية، زاد الاضطهاد والانتهاكات بحق التونسيين، إذ رصدنا سجن العديد من النشطاء والحقوقيين والصحفيين أيضًا.
كما تمت ملاحقة العشرات من السياسيين بتهم فضفاضة تتعلق أغلبها بأمن البلاد والخيانة والاستقواء بالأجنبي، كما مُنعت الاحتجاجات والمظاهرات، وتم فرض رقابة على المؤسسات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، أي أن الفضاء العام تحت رقابة السلطة.
هذا الوضع أثر على الوضع الاقتصادي، إذ ارتفعت نسب البطالة والفقر، كما تراجع الإنتاج بسبب ملاحقة رجال الأعمال والتضييق عليهم، وعدم إيفاء الدولة بالتزاماتها المالية تجاه الفلاحين والصناعيين والتجار.
ليس هذا فحسب، إذ ارتفعت الأسعار أيضًا، وغابت العديد من المنتجات الأساسية عن الأسواق، فالحليب والسكر والأرز لمن استطاع إليهم سبيلا، ويرجح أن يزداد الوضع سوءًا في شهر رمضان الذي يزداد فيه الاستهلاك مقارنة بباقي أشهر السنة.
الحاجة إلى العيش بسلام وكرامة، دفع التونسي إلى التضحية بحياته وخوض غمار تجربة لا يعرف نهايتها
كما تم رصد تنامي الاحتقان الاجتماعي وعودة أساليب الإذلال السابقة التي تمارسها القوات الأمنية بحق المواطنين، رغبة منهم في السيطرة على الوضع والعودة لسنوات ما قبل الثورة، وذلك بإذن مباشر من السلطة التنفيذية الحاكمة.
كل هذه الأسباب وأكثر دفعت التونسي للتفكير بجدية في الهجرة وطلب اللجوء للدول الأوروبية، فهناك له أن يعيش بحرية وكرامة، وفق اعتقاده، وله أن يتمتع بأغلب حقوقه التي حُرم منها في بلده الأم تونس في السنوات الأخيرة.
فقدان التونسي الأمل في الإصلاح في البلاد
حتى يوليو/تموز 2021، كانت تونس أفضل أمل للديمقراطية في المنطقة العربية، حيث شهدت البلاد العديد من المحطات الانتخابية (تشريعية ورئاسية ومحلية)، وعرفت تداولًا سلميًا للسلطة وتم إقرار دستور سنة 2014 أشاد به الداخل والخارج لما نص عليه من حقوق وحريات، لكن تغير الوضع عقب انقلاب قيس سعيد.
اشتدت الأزمات وارتفعت حدة الانتهاكات في حق التونسيين من السلطة الحاكمة بهدف فرض برنامج حكم الرئيس قيس سعيد القائم على الفرد الواحد الذي يقصي الجميع دون تبرير ذلك، ما أعاد البلاد سنوات إلى الخلف، إلى ما قبل ثورة يناير 2011.
نفهم من ارتفاع طلبات اللجوء وازدياد عدد قوارب الموت أن التونسي فقد أمل الإصلاح في البلاد، فلولا فقدان الأمل لما ضحى التونسيون بحياتهم في عرض البحر الأبيض المتوسط، ولما قرروا ترك بلادهم إلى الأبد.
أنتم من خلق الإزمة السياسية و الإقتصادية في تونس و ستدفعون الثمن غاليا، آلاف من التونسيون الغير شرعيين في أوروبا اليوم يقدمون مطالب لجوء سياسي و جميعها يُقبل و البقية في الطريق هروبًا من سجن في الهواء الطلق أنتم من أراده pic.twitter.com/QesYzktBjb
— Abidi Wael وائل العبيدي (@WAELTVV) March 16, 2023
الحاجة إلى العيش بسلام وكرامة، دفع التونسي إلى التضحية بحياته وخوض غمار تجربة لا يعرف نهايتها، فالمهم عنده أن يخرج من تونس، ذلك أن بوادر الأمل مفقودة، فلا الرئيس ولا المعارضة ولا رجال الأعمال مهتمون بالتونسي البسيط، فالكل يبحث عن مصلحته.
قديمًا كانت النسبة الكبرى من المهاجرين من فئة الشباب، لكن الآن أصبحنا أمام طوفان بشري يشمل الكهول والأطفال والفتيات والحوامل وأسرًا بأكملها والمتعلم وغير المتعلم، ما يؤكد حجم اليأس الذي يعيشه المواطن التونسي.
يدعي قيس سعيد ومن سبقه في الحكم، البحث عن حلول لإصلاح البلاد، لكن يبقى مجرد كلام ليس أكثر، فالوضع يزداد سوءًا، رغم أن مكامن الفساد واضحة للجميع وإصلاح بعضها متاح إن توافرت الإرادة لكنها غائبة بقرار سياسي.
لا يكفي الكلام فقط للإصلاح، فالعملية تتطلب تضحية كبيرة من الجميع، لكن لا أحد مستعد للتضحية، فالكل يبحث عن مصلحته دون استثناء أما الشعب فلا بواكي له، فأصبحت الهجرة واللجوء في دول الغرب أسمى أهداف الأغلبية.