صحيح أن السبب الأساسي للثورة السورية التي تفجّرت في مارس/ آذار 2011 هو الكرامة والمطالبة بالحرية، إلا أن أحدًا لا ينكر الأسباب الاقتصادية التي كان يمرّ بها الشعب السوري، من فقر يطال نصف الشع، وفساد ينخر كل المؤسسات.
هذا موضوع حديثنا مع الدكتور أسامة قاضي، الخبير الاقتصادي البارز، ورئيس مجموعة “عمل سوريا”، في حوار خاص مع “نون بوست”، بمناسبة الذكرى الـ12 للثورة السورية.
الدكتور أسامة قاضي هو مستشار اقتصادي دولي، ترأّس كل الوفود الرسمية الاقتصادية في المؤتمرات الاقتصادية الخاصة بالثورة السورية في برلين وأبوظبي ودبي، حاصل على الماجستير والدكتوراة في الاقتصاد وماجستير إدارة الأعمال من الولايات المتحدة الأمريكية، حاضرَ في جامعة ميشيغان ومعهد بيكر وجامعة دافنبورت في ولاية ميشيغان الأمريكية، وعمل في كندا مستشارًا استثماريًّا في تي دي بنك.
أصدر دكتور قاضي كتابًا بعنوان “الجذر الاقتصادي للثورة السورية”، تحدث فيه عن الأسباب الاقتصادية لاندلاع الثورة السورية، ويرى قاضي في كتابه أن البُعد الاقتصادي لا يغيب عن أي انتفاضة شعبية، سواء أكانت ثورة الخبز أو ثورة عارمة تطالب بالانتهاء من نظام الحكم كله، بل هو المحرك الأساسي للهبّات الشعبية التي تضيق ذرعًا بالظلم وأهله.
وأشار إلى إصرار النظام الاقتصادي السوري على تطبيقه المشوّه لليبرالية الاقتصادية، وتجاهل تطبيق الشقّ السياسي والإنساني لليبرالية، وبقيت أجواء حكم الحزب الواحد والمادة الثامنة التي تكرّس حزب البعث على أنه “قائد الدولة والمجتمع” تقود إلى الهاوية والجحيم الإنساني والاقتصادي.
ويرى قاضي في كتابه أن النظام السوري هو من أشعل الثورة في مارس/ آذار 2011 بتجاهله لكل التقارير الاقتصادية التي قُدّمت له، خاصة تقرير استشراف مستقبل سوريا عام 2025 الذي قُدّم له عام 2008، ويكاد المؤلف أن يجزم أنه لو أخذ بالتوصيات التي قُدّمت له وطبّقها بشكل حقيقي، ما بركان السوريين الغاضب لينفجر عام 2011.
كما أصدر الدكتور قاضي كتابًا ثانيًا تحت عنوان “البؤس الاقتصادي السوري: واقع الاقتصاد السوري 2011-2022″، بحث فيه ضياع عقد من التنمية في سوريا.
أصّلتَ في كتابك “الجذر الاقتصادي للثورة السورية” لأسباب جرى التعمية عليها لفترة طويلة، بقصد أو من دون، لانتفاضة السوريين، وهي الجوانب الاقتصادية.. وكانت الإحصاءات تقول أصلًا إن خط الفقر طال أكثر من 40% من الشعب السوري قبل فترة وجيزة من اندلاع الحراك السلمي.. هذا يعني أن قرابة نصف الشعب السوري كان فقيرًا حين هبَّ في ثورته ضد النظام.. اليوم تعمّقت محنته الاقتصادية، وصار يقف طوابير لشراء البصل والمتّة فضلًا عن الخبز والرز.. لو توجز لنا صورة الوضع الاقتصادي قبل الثورة واليوم بعين خبير اقتصادي.
مرّت سوريا خلال فترة الأسد الأب في سبات اقتصادي عميق، جذّر العواجز الاقتصادية والتجارية، وجمّد معظم النشاط الاقتصادي الذي كان في حده الأدنى، وذلك لأسباب بيروقراطية وقصر نظر اقتصادي وتوجهات اشتراكية لا علاقة لها بالنظام الرأسمالي أو الاشتراكي.
وفي زمن الابن بشار، بعد إضاعة بضعة أعوام في بداية حكمه، بدأت تظهر نتوءات تنموية اقتصادية في مجال المصارف والصناعة والخدمات، لكن هذا النمو لم يتحوّل إلى تنمية حقيقية بل زاد الفجوة بين الغني والفقير، وبدأت الطبقة الوسطى بالتلاشي بنسبة تتجاوز الـ 7% إلى 9% حتى عام 2007.
كانت سوريا قبل 2011 على مؤشر الدول الهشّة، وهي واحدة من أفشل 40 دولة في العالم قبل عام 2011، وأكّدت خارطة الفقر التي نشرتها هيئة تخطيط الدولة السورية بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، أنه في عام 2005 كان هناك أكثر من 34% من السوريين تحت خط الفقر، وأرى أنه لو قيس بشكل حقيقي لكانت النسبة أكثر من ذلك بكثير، لأنهم وضعوا حدودًا دنيا جدًّا للفقر لا تتناسب مع واقع الأمر.
كادت تصل نسبة الفقر قبل عام 2011 إلى 50% من الشعب السوري، كان هناك إهمال للزراعة، وكان النشاط الاقتصادي رهينًا بيد الشركات القابضة التي أشرف عليها رامي مخلوف والقصر الجمهوري، ورغم أنه سنَّ قوانين تحرر الاقتصاد، إلا أنها كانت مفصّلة في أغلبها على مقاس تلك الطبقة من أشباه رجال أعمال.
وهناك بعض من رجال الأعمال اضطروا إلى مسايرة الأوضاع من أجل نشاطهم الاقتصادي، فارتفعت نسبة الفساد في سوريا، وتحقق بعض النمو، لكن لم يكن هناك تنمية اقتصادية في سوريا، أضف إلى ذلك أن حوالي نصف البنيان السوري كان سكنًا عشوائيًّا.
ورغم كل المراسيم التشريعية التي تجاوزت الـ 1200 مرسوم تشريعي ما بين أعوام 2000 و2011، إلا أن تلك القوانين أعاقتها البيروقراطية السورية والفساد الذي استشرى بشكل فادح، فضلًا عن القمع الفكري وإخضاع الإعلام، طبعًا حورب الإعلام الاقتصادي لأنه كان سيكشف خبايا الصفقات المشبوهة في سوريا، مثل صفقات سيريتل وغيرها، وهذا كان أحد الجذور العملية للثورة السورية.
الظلم ممكن أن يتمثل في السياسة والأمن والإعلام والاقتصاد والقضاء والتعليم والصحة، وكان هناك ظلم من كل الأنواع، وأحد أنواع الظلم هو ظلم الشعب وقهره معاشيًّا، حيث كان راتب عامل في القطاع العام لا يكفيه لأكثر من منتصف الشهر، فكان يضطر للفساد أو يبقى على شفا الفقر ويعمل لأكثر من 16 ساعة يوميًّا فقط من أجل قوت يومه.
من جهة أخرى، دأبت حكومات البعث على مدار العقود السابقة على إهمال 3 محافظات أساسية في الشمال الشرقي، وسمّوها ظلمًا وبهتانًا أنها مناطق نائية، لكنهم لم يقفوا أمام مسؤولياتهم من أجل تنمية تلك المحافظات فأبقوها متخلفة.
حتى إن بقية المحافظات كانت تعاني من خدمات متخلفة، مثل المدن الكبرى كحلب التي لم يبنَ فيها إلا جسر واحد أو جسران خلال 40 عامًا، فكانت بنيتها التحتية مهترئة، وكان طريق حلب الرقة يسمّى طريق الموت من شدة هول وبشاعة ذلك الطريق.
كانت لي دراسة في عام 2005 مع وزارة المواصلات حول طريق حلب دمشق، اكتشفنا بها أن هناك 45 خطأ قاتلًا، طبعًا يعدّ هذا الطريق بالمعايير السورية هو أفضل الطرق في سوريا.
هل تتفق معي أن الطوابير خلال السنوات الأخيرة متركزة في مناطق سيطرة الأسد، فيما تختفي في مناطق سيطرة المعارضة و”قسد”؟ ما تفسيرك لذلك؟
لا شكّ أن الأداء الإداري لنظام الأسد كان منذ عام 2000 على الأقل ضعيفًا ومهترئًا، ومع قدوم الثورة السورية وهروب أكثر من نصف السوريين خارج بيوتهم، وخسارة سوريا لمواردها البشرية التي كانت ممكن أن تدير المسألة بشكل أفضل، صارت إمكانية إدارة منطقة النفوذ الروسية بإدارة النظام السوري أمرًا صعبًا جدًّا، أو أن يديرها بالحديد والنار بأبأس خدمات ممكنة، إذ يعوّل النظام على سكوت الناس على الظلم.
يعلم النظام أن الناس في مناطق سيطرته لا يريدون أن ينتهوا إلى ما انتهى بإخوانهم، الذين إما قُتلوا تحت التعذيب وإما هُجّروا أو دُمّرت بيوتهم، من أجل ذلك لا يكترثون إن وقفوا في طوابير لأيام، فهو إداريًّا مرتاح جدًّا لعدم اعتراض الجماهير المصطفّة على الطوابير.
في مناطق أخرى، مناطق خارج سيطرة النظام، يتمتع الناس بقليل من الحرية، فهم يعترضون وينتقدون ويخرجون اعتراضًا على ما يحصل، كما رأينا الاحتجاجات على شركة الكهرباء في إدلب، كذلك تخرج مظاهرات احتجاجًا على عمل المعابر وتعبّر عن سوء الإدارة، كذلك إن هذه المناطق حدودها مع تركيا مفتوحة، وإمكاناتها أكبر للتعامل مع العالم الخارجي والدخول والخروج إلى تلك المناطق أكبر، فهذا بشكل من الأشكال منعَ الاحتكار الكامل وإن كان هناك بعض الاحتكارات.
رغم ذلك، لا توجد منطقة من المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد فيها حكم رشيد، وهذا يعاب على إدارة تلك المناطق أنها لم تعطِ مثالًا للحكم الرشيد ولا في مدينة واحدة، والكل يعلم أنه من غير الممكن على الإطلاق أن يكون هناك حكومة مؤقتة من دون موازنات وسيادة، ولا تستطيع الإقامة بنشاطات اقتصادية حقيقية، كان يمكن أن يكون أداؤها أفضل لو كانت ممكنة بشكل أفضل.
إذن، أنت لا تتوقع ثورة جياع في مناطق سيطرة النظام، حتى لو استمرت الحالة على ما هي عليه؟ العقد الماضي أثبت أن الجوع لا يُولّد، بمفرده، طاقة كافية للقيام بثورة برأيك؟
الشعب السوري المتبقّي في مناطق سيطرة النظام ومنطقة النفوذ الروسي هو أضعف بكثير من أن يقوم بثورة جياع، هو لم يستطع أن يقوم بثورة ليعترض على تهجير أهله وقتلهم وتجويعهم، فلا أعتقد أنه حتى لو مات جوعًا وقهرًا وعطشًا أنه سيقوم بأية ثورة، وأنه سيكتفي بلوم الوزير والمحافظ والبلدية ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الذين باتت تصريحاتهم مثارًا للطرافة والتندر.
اليوم نحن أمام شعب أكثر من 95% منه تحت خط الفقر ودخله 10 إلى 15 دولار شهريًّا لا يكفيه لأجل قوت يومه فقط، خاصة بعد أن سمح البنك المركزي باتخاذ سعر السوق السوداء كمؤشر يسمح به للتجار أن يحوّلوا أموالهم، وهذه الوسيلة لم تفد أيضًا لأنه يجب أن يجدّد نشرة سعره بشكل يومي أو أسبوعي، لأن العملة في حالة تدهور مستمر.
سيضغط هذا التدهور الاقتصادي المستمر على كل الفقراء السوريين ليكونوا في عداد أو في تصنيف جديد، وهو الفقر المدقع، أو قد يصلون إلى مرحلة الموت جوعًا بسبب الأداء الإداري الفاشل، بسبب تخلي روسيا عن مسؤولياتها في إدارة تلك المناطق، كونها قوة انتداب حقيقية لكن لا تريد أن تتحمل مسؤولياتها.
وعبّرتُ عن رأيي بطلب من روسيا في مقالة بالعربية والإنكليزية بأن تعلن الانتداب الرسمي على سوريا، وأن تلتزم بحسب مبادئ عصبة الأمم القانون 22، لأن روسيا مسيطرة بشكل كبير على سوريا، وتمثّلها في كل المحافل السياسية، وهي الآمر والناهي في المسارات السياسية، وهي التي أرغمت نظام الأسد على توقيع أكثر من 50 اتفاقية إذعان، ذهبت فيها كل الأصول السيادية لروسيا، وما تبقّى ذهب إلى إيران.
دعني أطرح عليك هذا السؤال الافتراضي.. لو أن الله سخّر لبلدنا ظروفًا أنهت حكم الأسد وتولت سلطة جديدة تريد العمل على نهضته.. ما الموارد التي تحظى بها سوريا يمكن الاعتماد عليها في دعم تكاليف عملية إعادة الإعمار؟ خصوصًا أن كل التقديرات تتحدث عن ميزانيات بمئات مليارات الدولارات لإعادة الإعمار.. هل لدى سوريا مقومات النهوض، من معادن ونفط وثروات، تمكّنها من استثمارها للمشاركة في إعادة الإعمار وعدم الاكتفاء بالاستثمارات الخارجية؟ وما هي أقرب التقديرات التي تحتاجها سوريا في عملية نهوضها برأيك؟
مسألة إعادة الإعمار لها علاقة بطبيعة الحل السياسي، حيث يفترض من يريد إعادة الإعمار أن يكون لديه حكومة وحدة وطنية وتكنوقراط تحكم سوريا كلها، بـ 186 ألف مربع، وأن تكون دولة مستقرة وذات سيادة.
لكن في واقع الأمر يوجد 3 مناطق نفوذ تحكمها روسيا وأمريكا وتركيا، ودعنا نفكر أنه في حال كانت منطقتا النفوذ الأمريكي والتركي منطقة واحدة، فإننا نستطيع البناء على سيناريو ألمانيا الغربية، إذ إن إعادة إعمار 40% من شمال سوريا ممكن جدًّا بسبب وجود الموارد السورية الضخمة، حيث يوجد فيها 95% من النفط والمعادن، وأكثر من 70% من القمح، وأكثر من 50% من القطن السوري كله في تلك المنطقة، بالإضافة إلى الزراعة والصناعة المنتشرتَين هناك.
لو قُيّض لهذا السيناريو أن يتمَّ وأن يضمَّ كامل محافظة حلب، فإنه يمكن الإعمار وتشكيل حكومة إعمار مؤقتة، حتى يتم انتخاب حكومة حقيقية برعاية أمريكية تركية، هذا ممكن جدًّا وممكن خلال من 5 إلى 7 سنوات أن تنتج تلك المنطقة 65 مليار دولار، وهو ما يعادل حجم الناتج القومي السوري عام 2011 لكل سوريا.
مناطق الشمال السوري هي مناطق عذارء لم يستثمَر فيها إلا بالحد الأدنى جدًّا، بسياسة ممنهَجة لتجهيل وإفقار السوريين في مناطق الشمال الشرقي، وهي يمكن أن تكون قاطرة التنمية في سوريا الحقيقية.
هذا طبعًا بعد الاستغناء عن كل الأدوات الحالية وعودة الأدوات الإدارية والعسكرية، بحيث يكون هناك عودة لكل الناس إلى بيوتهم ولكل من يرغب أن يأتي إلى تلك المنطقة، ويتم انتخاب مجالس محلية منتخبة وقضاء مستقل وشرطة وجيش رسمي وحكومة تكنوقراط حقيقية تحكم بشكل مؤقت، كما حصل في ألمانيا الغربية عندما قام لودفيك أيرفاك باقتراح إدارة منطقتَي النفوذ الأمريكي والبريطاني من أجل أن تنهض ألمانيا بالمنطقتَين، واللتين صار اسمهما فيما بعد ألمانيا الغربية.
ليس لدى السوريين خيارات كثيرة، خيار الإعمار الآخر في حال انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية وباتت روسيا مع تركيا تحكم كل الأراضي السورية، معناها أننا دخلنا في سيناريو جمهورية الشيشان السورية، حيث لروسيا اليد الطولى في 14 محافظة من سوريا، وهناك تحدي إخراج إيران من المنطقة وهذا أمر صعب.
يوجد سيناريو أيضًا، وهو إبقاء العقوبات على سوريا وإبقاؤها معزولة لأعوام وأعوام وأجيال وأجيال قادمة، وعندها ستتعثر إعادة الإعمار إلا بالحد الأدنى جدًّا، بحيث الناس لا يموتون من الجوع لكنهم يظلون في دولة متخلفة معزولة عن باقي كوكب الأرض، أشبه بكوريا الشمالية، خاصة أن روسيا الداعم الأساسي للنظام هي نفسها منعزلة عن العالم، وستكون دمشق كدولة تابعة لموسكو أكثر فقرًا وجهلًا وفسادًا، أشبه ما تكون بالشيشان وبيلاروسيا.
هل سيناريو ألمانيا الغربية واقعي في سوريا؟
الإعمار متوقف على طبيعة الحل السياسي، كما ذكرت، وما تبقى من سيناريوهات هو أيضًا سيّئ، مثل مسار أستانة الذي نمرّ به الآن، حيث تدفع تركيا وروسيا وبعض الدول العربية باتجاه أن تكون تلك المناطق كلها تحت السيطرة الروسية، ما عدا المناطق التي تحكمها الولايات المتحدة الأمريكية، فهي ربع سوريا وفيها النفط والقطن والغاز والقمح وفيها المياه.
وبذلك، ستحرَم سوريا تحت النفوذ الروسي من 3 محافظات إذا بقيَ الأمريكيون موجودين فيها، وهذا معناه أن سوريا ستكون جزءًا من هذه المقاطعة الدولية، لأنها تحت العلم الروسي ويصعب حينها إخراج إيران من المنطقة.
إذًا هناك 14 محافظة إلا 3 محافظات سورية ستحرَم منها سوريا، وستبقى الأمور على الحال نفسه، ربما يكون هناك قتل أقل وقصف أقل، وسيكون هناك ظلم ويصعب دخول شركات الإعمار، لأن سوريا ستكون لا تزال تحت المقاطعة الاقتصادية.
وسيكون البناء بالحد الأدنى، لأنه لا يوجد شركة تجرؤ على دخول منطقة يفرض عليها عقوبات، لأنها تخشى على استثماراتها العالمية خارج سوريا، كما حدث مع شركة هواوي الصينية التي تمَّ العرض عليها الدخول إلى سوريا واعتذرت لأنها لا تريد لشركتها في العالم كله أن تتعرض لعقوبات اقتصادية، فتمنع من العمل حول العالم.
ستكون هناك سياسات إعادة إعمار في حال أصبحت سوريا تحت حكومة وطنية تُخرج كل الجيوش الأجنبية، ولا يعود لدينا 750 قاعدة عسكرية أجنبية في سوريا، وتخرج عشرات الألوف من الحرس الثوري الإيراني، عندها يمكن لسوريا أن تنهض إن قُيّض لها حكم وأمن حقيقيان، لكن هذا للأسف بات حلمًا لأن جيوش الأرض في سوريا، وللأسف يصعب تخيُّل سيناريو خروج كل هذه الجيوش بالتدريج أو دفعة واحدة قبل عدة عقود من الآن.
لذلك يجب العمل على سيناريو خارج الصندوق، كحلّ سياسي يأخذ ما يمكن تحصيله ويدفع بالحصول على ما تبقى من سوريا لكن لا يعطل سوريا بكاملها، وهو ما أشرت إليه بسيناريو ألمانيا الغربية، إذ إنه في حال طُبّق ذلك سيطرح حلولًا حقيقية من أجل اللاجئين والنازحين السوريين في الشمال السوري ودول الشتات، ويحيط بهذا الحل أمن حقيقي تضمنه أمريكا وتركيا.
هذا الحل يضمن نشاطًا اقتصاديًّا كبيرًا في منطقة شمالي سوريا، بالإضافة إلى دخول شركات الإعمار الدولية والتركية والعربية، والأهم من ذلك أننا سننتهي من عقود الإذعان الروسية وعقود الإذعان الإيرانية، وتنتهي الدولة السورية من الديون الإيرانية الروسية التي قد تتجاوز في مجموعها 100 مليار دولار، إضافة إلى عقود وقّعها النظام عندما باع الأصول السيادية في مرة واحدة عام 2019 لروسيا.